الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: نجاح باهر لإضراب الشغيلة التعليمية، والآن ماذا بعد؟

المغرب: نجاح باهر لإضراب الشغيلة التعليمية، والآن ماذا بعد؟

يوم الخميس 03 يناير 2019، عرف قطاع التعليم تنظيم إضراب وطني عام ليوم واحد مصحوبا بمسيرات ووقفات احتجاجية، كانت قد دعت إليه مختلف تنسيقيات الفئات المتضررة من رجال ونساء التعليم (الزنزانة رقم 09، والأساتذة أصحاب الشواهد، والأساتذة المتعاقدين، الخ) ثم التحقت به جميع النقابات الرئيسة (النقابة الوطنية للتعليم -كدش- والنقابة الوطنية للتعليم –فدش- والجامعة الوطنية للتعليم –إ م ش-…)، بل والتحقت به حتى نقابة الحزب المترأس للحكومة، بسبب ضغط ما تبقى لها من قواعد ولأنها تعرف أن عدم انخراطها في المعركة سيكون انتحارا، إذ صارت ممقوتة بسبب كل تواطؤاتها مع السياسات التقشفية التي طبقتها الحكومة.

كانت نتيجة الإضراب باهرة، لقد كان نجاحا كبيرا بكل المقاييس، وذلك بالرغم من انعدام أي تعبئة جدية من طرف القيادات الوطنية للنقابات، حيث لم تنظم أي تجمعات ولا مسيرات تعبوية واكتفت بإصدار بيانات هزيلة المحتوى، تكلف المناضلون النقابيون المحليون والاقليميون ووسائل الاتصال الاجتماعي بإيصالها إلى الشغيلة.

لقد بلغت نسب المشاركة في الإضراب على مستوى الأسلاك التعليمية الثلاث، حسب المصادر النقابية، ما لا يقل عن 90% في الأغلبية الساحقة من المؤسسات عبر ربوع البلد. ففي جهة طنجة تطوان الحسيمة بلغت النسبة 90%، وبلغت 97% بجهة العيون الساقية الحمراء و90% بجهة الرباط القنيطرة، وفي مدينة الدار البيضاء بلغت النسبة 97%. أما في المدينة العمالية المناضلة جرادة، فقد بلغت النسبة 100% بجميع الأسلاك التعليمية، وجميع الفئات، وهو ما له دلالة عميقة في حد ذاته.

إن المهم في نسب المشاركة هو أنها عبرت عن المزاج الكفاحي المتوقد بين رجال ونساء التعليم، بمن فيهم المديرين والمفتشين، والاستعداد للنضال ضد الحكومة وسياساتها التقشفية، مما يفتح آفاقا رحبة أمام النقابات للتعبئة والكفاح، إن هي أرادت ذلك. إذ لم يبق عند القيادات الوطنية للنقابات أي مبرر لهذا الشلل أمام الهجمات التي تشنها الحكومة على الشغيلة التعليمية.

الحكومة مرعوبة، وقد اتضح ذلك في تصريحاتها التي جاءت بعد توصلها بنتائج المشاركة. حيث نظم الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الشهير بالسيد je suis claire ، ندوة صحفية، بعد المجلس الحكومي، يوم الخميس 03 يناير ، وهو يلبس قناع الحمل الوديع، ليقول إن الحكومة «تعتبر مطالب الأساتذة ، سواء من حملة الشواهد أو أساتذة الزنزانة 9 مشروعة»، وأن «ممارسة الإضراب حق مشروع ومكفول دستوريا». وبنفس النبرة التصالحية، الناتجة عن خوفه من استفزاز الشغيلة التعليمية، أضاف أن وزارة التربية الوطنية «شكلت عدة لجان موضوعاتية مع النقابات المعنية لإيجاد حلول للمشاكل المطروحة».

أما بخصوص نسبة المشاركة، التي كان في المحطات السابقة مغرما بالتركيز عليها لكي يوضح هزالتها ويعطي الدليل على أن الشغيلة “سعيدة بسياسات الحكومة”، فقد قال عنها هذه المرة إن «الحكومة لا تنخرط في الجدال والنقاش حول نسب المشاركة في الإضراب»، طبعا فهي مجرد تفاصيل لا أهمية لها، خاصة وأن 90% من الشغيلة فقط هم من يرفضون سياسة الحكومة المحترمة!

كما أنه لم ينس التأكيد على أن «باب الحوار مفتوح، وأن مطالب الأساتذة مطروحة ضمن الحوار الاجتماعي الذي تشرف عليه وزارة التعليم، وباشرته في بداية الموسم التعليمي الحالي في شتنبر الماضي، للبحث عن حلول معتدلة ومقبولة للعديد من القضايا المطروحة» الخ الخ.

الشيء الذي نسي ذكره السيد “جوسوي كلير” هو القمع الهمجي الذي سلطته الحكومة على نساء ورجال التعليم، الذين “تعتبر مطالبهم مشروعة”، و”تعتبر ممارستهم للإضراب حقا مشروعا ومكفولا دستوريا”، في نفس ذلك اليوم وعلى بعد أمتار فقط من البرلمان، مما أدى إلى العديد من الجروح والكسور بين صفوفهم. كما نسي أيضا أن يفسر شرعية تلك المذكرات التي عممتها وزارة التعليم في حكومته على المديرين والتي اعتبرت فيها المضربين مجرد “متغيبين بدون عذر عن العمل” تمهيدا للاقتطاع العقابي من أجورهم.

الحكومة المحكومة تعلم أنها مجرد ديكور، لذلك لم تصدر عنها أي خطوة عملية في أي اتجاه، في حين تحركت وزارة الداخلية، التي هي وزارة القصر داخل الحكومة، وأخذت المبادرة فدعت النقابات إلى “الحوار”.

يعلم الجميع أن الحكومة لا صلاحيات حقيقية لها، لكن على النقابات أن تصر على فضح هذه الحقيقة بمقاطعة أي لقاء مع وزارة الداخلية، ما لم يعترف النظام رسميا بأن الحكومة مجرد واجهة وأن الداخلية، باعتبارها امتدادا للقصر، هي التي تحكم داخل الحكومة وأن رئيس الحكومة مجرد طرطور تافه، حتى يصير من المبرر الجلوس معها للتحاور، وإلا فإن أي جلوس مع وزارة الداخلية سيكون مجرد مضيعة للوقت.

إن مبادرة وزارة الداخلية لا تفضح فقط أن الحكومة مجرد واجهة شكلية، بل توضح كذلك أن النظام لا يهمه سوى البعد القمعي البوليسي والسؤال الذي تطرحه الشغيلة الآن هو ما الذي يمكن لوزارة الداخلية أن تناقشه مع النقابات وحول ماذا ستتحاور؟ هل يمكن للحوار معها أن يؤدي إلى الاستجابة للمطالب، أم أن الهدف هو الحوار من أجل الحوار وتحذير النقابات من مغبة التصعيد؟.

ماذا بعد؟

ينبغي البناء على هذا النجاح وعدم التجاوب مع مناورات الحكومة التي ترمي إلى ربح الوقت في حوارات ماراطونية لتبريد الأجواء ونشر الاحباط بين صفوف نساء ورجال التعليم. كان الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، الإدريسي عبد الرزاق، قد قال في تصريح لموقع القناة الثانية إن «الخطوات الاحتجاجية المقبلة ستكون على ضوء نتائج هذا الإضراب ورد فعل الحكومة». والآن ها هي نتائج الإضراب قد أبانت عن المزاج الحقيقي السائد بين صفوف الشغيلة، ما هي إذن الخطوات المقبلة؟

لابد من تسطير برنامج كفاحي تصعيدي، لكن المشكلة هي أن القيادات النقابية عاجزة عن ذلك. إنها لا تعرف من النضال سوى “الحوارات”. يصور هؤلاء البيروقراطيون هجمات الدولة والطبقة الرأسمالية على مكتسبات الشغيلة وكأنها إجراءات نابعة عن مزاجية هذه الحكومة أو تلك أو هذا الرأسمالي أو ذاك، أو أنها نتاج لفهم غير صحيح للوضع الذي تعيشه الجماهير، فيتطوع السادة البيروقراطيون لشرح هذه المسائل للطبقة الحاكمة ودولتها، “لما فيه مصلحة الجميع”. لذلك تجدهم لا يتوقفون عن الدعوة إلى الحوار تلو الحوار وكأنه هدف في حد ذاته. وكأن المسألة مجرد مباراة كلامية ينتصر فيها الأكثر إقناعا وقدرة على الكلام.

إن سياسة التقشف التي تطبقها الحكومة ومختلف الهجمات على مكتسبات الشغيلة نتاج موضوعي لأزمة النظام الرأسمالي، ليس محليا فقط، بل على المستوى العالمي أيضا. وبالتالي فإن النضال ضدها هو نضال طبقي لا بد أن يستحضر منطق الصراع وقلب موازين القوى وفرض التنازلات على العدو الطبقي. قد يصير التفاوض ضروريا عند فترة معينة، لكنه يكون محطة مؤقتة الهدف منها فرض التنازلات وفق موازين القوى الملموسة التي خلقها الصراع في الواقع. أما الآن فليس هناك ما يمكن الحوار حوله، المطالب واضحة وعلى الحكومة أن تستجيب لها.

ألم يتعلم هؤلاء الشيوخ البيروقراطيون، المتحكمون في قيادات النقابات منذ عقود طويلة، أي شيء! ألم يتعلموا أن الحكومات المتتالية لا تجلس معهم إلى طاولة الحوار إلا عندما تحس بالخطر، لكنها بمجرد ما يساعدوها على إطفاء الحرائق، سواء مقابل بعض الفتات أو حتى بدونه، ترمي بهم جانبا وتستمر في تطبيق سياساتها التقشفية وهجماتها! أم أنهم متواطئون في هذه اللعبة الإجرامية، ويعرفون وظيفتهم ويؤدونها بكل إتقان!!

إن التوقف الآن عن التعبئة جريمة، ودفع الجماهير إلى الاحباط واللامبالاة، بعد أن نهضت إلى النضال، جريمة. إن المطلوب الآن هو تنظيم جموعات عامة في أماكن العمل والمقرات النقابية والقاعات العمومية من أجل استمرار التعبئة وإعطاء الجماهير الحق في اقتراح الأشكال النضالية وتسيير المعارك.

نقول هذا ونحن نعلم أن هذه المهمة لن تقوم بها البيروقراطيات النقابية التي تخاف الجماهير وتخاف مبادرتها الذاتية أكثر مما تخاف من الهزيمة، بل إن هؤلاء البيروقراطيون مستعدون حتى للتخلي عن المعركة وإفشالها عندما يظهر لهم أنها قد بدأت تتجاوز بعض الحدود. إن ترك المعركة لهؤلاء “القادة” يسيرونها كيفما شاءوا، سيمكنهم من المساومة عليها ولجمها وإقبارها. فكل ما يهمهم هو “السلم الاجتماعي”، (الذي ليس في الواقع سوى سلم من جانب واحد مقابل حرب طبقية طاحنة من جانب الطبقة السائدة ودولتها)، وهم من أجل معبودهم ذاك مستعدون للتضحية بنضالات الجماهير ومكتسباتها، والتسبب في إحباطها… هذا ما أعطوا الدليل عليه مرات عديدة، وسيعطون المزيد من الأدلة عليه كلما سنحت لهم الفرصة.

ينبغي على المناضلين النقابيين الكفاحيين واليسار الجذري، العمل على انتخاب لجان معارك في كل أماكن العمل لأنها هي القادرة على فهم مطالب القواعد والتواصل معها بشكل يومي ومباشر وإسماع صوتها في الهياكل القيادية. ليس هناك من تعارض أبدا بين هذه اللجان الوظيفية القاعدية وبين النقابة بهياكلها الدائمة، كلاهما يكمل الآخر، مع فرق بسيط هو أن لجان الإضراب المنتخبة من بين القواعد خلال المعارك تكون أكثر مرونة وأكثر تمثيلية. وهذه المهمة مهمة عاجلة يجب القيام بها الآن فورا وعدم تركها للصدفة أو تأجيلها لمستقبل بعيد.

أنس رحيمي
05 يناير 2019