مارتن فانهيوفرسوين مناضل طلابي ماركسي من بلجيكا، يشارك حاليا في هيئة تحرير موقع الدفاع عن الماركسية www.marxist.com، زار باكستان مؤخرا وحضر مؤتمر التيار الماركسي الكفاح. ويقدم في ما يلي بعض انطباعاته عن الوضع في باكستان.
- لماذا زرت باكستان؟
أردت أولا أن أرى بأم عيني ما هو الوضع الحقيقي في ظل الأصولية الإسلامية السيئة السمعة. في الغرب تعمل وسائل الإعلام على نشر صورة أن جميع الباكستانيين مستعدون لتفجير أنفسهم من أجل دينهم، لكنني كنت دائما أفهم معنى هذه الدعاية، إنها محاولة عنصرية مثيرة للاشمئزاز لإثارة فوبيا معاداة الإسلام. في لاهور وإسلام أباد، المدينتين اللتان زرتهما، من الصعب عليك أن تجد امرأة محجبة والمساجد شبه فارغة. العديد من الباكستانيين يسخرون من رجال الدين. يمكنني أن أقول أن الأصولية في باكستان ليست عاملا قويا بالدرجة التي تصورها وسائل الإعلام عادة في الغرب. مع الأسف لم يكن لدي ما يكفي من الوقت لزيارة الحدود مع أفغانستان، حيث تتمركز طالبان، وحيث يبدو أن الوضع أكثر خطورة.
ثانيا، وهذا هو الأهم، ذهبت لأحضر مؤتمر منظمة الكفاح، الفرع الباكستاني للتيار الماركسي الأممي. كل سنة يعقدون مؤتمرهم في لاهور، وكل سنة يحضر عدد أكبر من المناضلين.
- أخبرنا أكثر عن المنظمة الماركسية الكفاح. ما هي انطباعاتك عن هؤلاء الرفاق؟
لقد حضر المؤتمر حوالي 2200 رفيق/ة من جميع أنحاء البلاد: من البنجاب، بالوشيستان، السند، كاراشي، كشمير حتى بيختونخوا (ما يسمى بالحدود الشمالية الغربية)، بل حتى وزيرستان، المنطقة المحادية لأفغانستان. وهو ما يعتبر في حد ذاته انجازا عظيما بالنظر إلى الانقسام الطائفي الكبير في كل البلد.
إن الكفاح اليوم منظمة جد سليمة وناضجة وتنمو سنة بعد أخرى. ليس هناك أي مبالغة في القول أن الكفاح قد غرست الآن جذورا عميقة في كل المجتمع الباكستاني. نحن ننشط داخل النقابات بواسطة منظمة حملة الدفاع عن النقابة الباكستانية (PTUDC)، وفي حركة الشباب العاطلين (BNT)، وفي كشمير خاصة ننشط في الفدرالية الوطنية لطلاب جامو كشمير(JKNSF)، كما يشتغل الرفاق أيضا بنشاط لإدماج أكبر عدد ممكن من النساء من أجل جعلهن واعيات سياسيا، وهو الشيء الذي لا يمكنك اعتباره مسألة سهلة في باكستان.
طبعا ليس حوالي ألفا مناضل ماركسي في بلد كبير مثل باكستان عددا كافيا لامتلاك تأثير كبير في المجتمع، لكن الآفاق رحبة. لقد ضعف النظام بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة وصار يتخبط في أزمة بعد الأخرى. والشعب الباكستاني سئم من ظروف عيشه المأساوية ويتطلع أكثر فأكثر لإيجاد بديل. منظمة الكفاح هي المنظمة اليسارية الوحيدة ذات المصداقية والتي بالإضافة إلى قيامها بالشيء الكثير من العمل المستقل فإنها تقوم أيضا بعمل هام داخل حزب الشعب الباكستاني. هدف رفاقنا هو كسب 5000 مناضل/ة، على الأقل، خلال السنة المقبلة حتى يكون لهم تأثير حقيقي عندما يصل حزب الشعب إلى السلطة، وهو ما يعتبر منظورا ممكنا. رفاقنا مصممون على لعب دور كبير داخل هذا الحزب الجماهيري التقليدي عندما سيدخل في أزمة بسبب كونه عاجزا في حد ذاته عن طرح بديل اشتراكي.
ساد الانضباط التام أشغال المؤتمر وكان هناك نقاش ثري مع العديد من المداخلات لرفاق جائوا من مختلف المناطق. فقط تصور المجهود الضروري لتنظيم الحدث. جاء 1700 شخص إلى لاهور وتم وضعهم في مختلف الفنادق في المدينة. اضطر بعض الرفاق إلى بيع ممتلكاتهم الشخصية لدفع ثمن التنقل والحضور إلى المؤتمر. وعلى النقيض مما تقوم به العديد من الجمعيات الغير الحكومية التي تدفع المال للناس من أجل أن يحضروا إلى مؤتمراتها، كان كل رفيق مطالبا بأن يدفع ثمن السكن والتغذية. كان هناك 15 طباخا يحضرون ثلاثة وجبات طعام يوميا، وهو ما يعتبر انجازا عظيما في حد ذاته.
- يبدو أن لهؤلاء الرفاق قاعدة صلبة في كشمير.
إذا كنت تريد مثالا حقيقيا ملموسا عن اضطهاد شعب ما، لا تنظر إلى مكان آخر غير كشمير. مأساة كشمير تتمثل في أنها كانت دائما واقعة تحت رحمة قوى كبرى. قبل استقلال باكستان والهند سنة 1947 كان الكشميريون يتعرضون لاستغلال الامبريالية البريطانية، لكن بعد ذلك صارت سياسة التقسيم والتحكم أكثر حدة. كان هناك طيلة 60 سنة الكثير من الكلام لكن لم يتحقق سوى الشيء القليل لهذه المنطقة. تقسيم الهند وباكستان كان جريمة دفعت الشعب للتحارب. لا تنسى أنه خلال السنوات التي تلت 1947 تم ارتكاب ملايين عمليات القتل الطائفي من طرف المسلمين ضد الهندوس والعكس.
يمكننا، بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال الرسمي، أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: ما الذي حققه الاستقلال على قاعدة الرأسمالية؟ الواقع هو أن الهند وباكستان، ومعهما منطقة كشمير، صارا الآن أكثر تبعية للإمبريالية. وهو ما لا يعني في عصرنا الحالي سوى شكلا جديدا من الاستعمار والعبودية بالنسبة للجماهير الشعبية في كشمير، التي تعيش في ظل الفقر المطلق والبؤس. بعد زلزال 2005 عجزت الدولة عن تقديم المساعدات الملائمة للضحايا. عندها نظمت حملة الدفاع عن النقابة الباكستانية (PTUDC) حملة أممية جمعت الكثير من المال الذي تم تخصيصه للمساعدات.
من الواضح أن الكشميريين لا يمكنهم أن يتوقعوا أي شيء لا من الطبقة السائدة الباكستانية ولا الهندية، ولا من ما يسمى بالأنظمة الديموقراطية في أوروبا وأمريكا، لقد كانت الستون سنة الماضية كافية لإعطاء الدليل على ذلك. إن حلفائهم الوحيدون هم ملايين العمال والفلاحين في باكستان والهند. لديهم نفس الأعداء وكذلك نفس المصالح.
- ما هو انطباعك عن نظام مشرف؟
يمكنك أن ترى في كل مكان بوضوح حضور بيروقراطية هائلة في أجهزة الدولة ويمكنك تقريبا أن تشم رائحة الفساد والزبونية. سأورد حكاية صغيرة: كنت في الصف في المطار، وهو ما يأخذ ساعات وساعات، عندما ظهر فجأة رجل أعمال يرتدي حلة فاخرة وبدأ يتخطى الجميع. كان يلوح بحوالي 500 روبية وسرعان ما صار في مقدمة الصف! كما أن الأمر لا يتعلق بالنقود وحدها. فكما هو الشأن في جميع الأنظمة المتعفنة يمكنك أن تصل إلى مكان ما بواسطة العلاقات.
أما في ما يتعلق بمشرف، فإنه غالبا ما يتم تقديمه في الغرب كـ “ديموقراطي” عظيم، بالرغم من أنه جاء إلى السلطة سنة 1999 عبر انقلاب ومنذ ذلك الحين لم ينتخب أبدا. والمثير للسخرية هو أن نفس وسائل الإعلام تلك تصف الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز كـ “مستبد شعبوي ذو أصول عسكرية”، بالرغم من كونه انتخب وأعيد انتخابه عدة مرات ويعمل على إشراك كل شعبه في سياسة بلده.
من المهم الاشارة إلى أن نظام مشرف ليس نظام ديموقراطية بورجوازية كلاسيكي وفي نفس الوقت ليس نظام دكتاتورية عسكرية مطلقة. أعتبره بالأحرى نظام ديكتاتورية بورجوازية ضعيف مليء بالتناقضات. من الواضح أن هذا النظام يعيش أزمة، كما بينت ذلك مسألة المحامين. يشعر مشرف بالعزلة والخطر لكنه يريد البقاء في السلطة. على العناصر الموجودة في جهاز الدولة والتي تعارضه أن تغادر. أما هو فيريد البقاء رئيسا لكنه يريد أيضا ارتداء بزته العسكرية لأنه لا يريد أن يتعرض للمحاكمة أو أن ينتهي به المطاف في السجن. لهذا السبب عمل على إقالة واستبدال القاضي الشهير شودري. وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات جماهيرية للمحامين في كل أنحاء البلد.
النظام ضعيف لأنه منقسم بشدة على نفسه. الطبقة السائدة الباكستانية تساند دكتاتورها بشكل مطلق، لكن هناك عناصر تتزايد باستمرار لا تريد أن تراه يواصل الحكم بواسطة الجيش والبوليس وتطالب بالـ “الديموقراطية” والتي هي في الواقع دعوة موجهة للجميع بأن يبقوا هادئين إذ أن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة سريعا جدا.
- تقف باكستان في الخط الأمامي بالنسبة للإمبريالية الأمريكية وما تسميه حربها على الارهاب. ماذا رأيت بخصوص هذا؟
يمارس الأمريكيون ضغطا هائلا على مشرف. إذ أنه بالنسبة إليهم الحليف الأكثر أهمية في حربهم على الإرهاب. وبالرغم من تعرضه للكثير من التوبيخ خلال السنوات الأخيرة، فإن مشرف يبقى البيدق الأهم لدى الأمريكيين في المنطقة. كما أن استمرارية مشرف رهينة بدعم الإمبريالية الأمريكية، التي تضخ كل سنة ملايير الدولارات في الاقتصاد الباكستاني لأنه لو لم تكن تقوم بذلك لكانت دميتهم قد سقطت منذ مدة طويلة. هذا بالضبط هو أهم مشكل يواجه مشرف داخل بلده، حيث أن الشعب الباكستاني لا يريد أي شكل من أشكال التدخل الأمريكي. لكنه يواجه المشاكل أيضا داخل الحكومة وجهاز ISIالشهير (جهاز المخابرات الباكستاني)، حيث يسجل حضور الأصوليين، وحيث ليس الجميع سعداء بالدعم المطلق للأمريكيين. أرسل الجيش الباكستاني إلى ما صار يطلق عليه اسم “طالبانستان”، أي المنطقة المحاذية لأفغانستان، لكنه فقد حتى اللحظة حوالي 800 جندي في أتون حرب دموية. لقد بدأت تتصاعد الانتقادات ضد العملية بأسرها، لا سواء داخل جهاز الدولة ولا سواء داخل الجيش نفسه. لا يؤدي هذا إلا إلى تصعيد التناقضات المتزايدة في قمة هرم المجتمع الباكستاني، وليست الأزمة الدستورية الأخيرة سوى تعبير عن هذا الواقع.
يتعرض مشرف الآن للهجوم من جميع الجهات. فبدل أن يشعر الأمريكيون بالامتنان له بسبب طاعته العمياء لهم، نجدهم يشتكون من كونه لا يقوم بما يكفي، بالرغم من كونهم يعلمون جيدا جدا أن نظامه معلق بخيط رفيع. زار نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، إسلام أباد مؤخرا وأعطى مشرف درسا. بعد أيام قلائل من ذلك كاد تشيني يتعرض للقتل من طرف طالبان بأفغانستان. إن هذا يبين حجم الاضطراب الذي تعرفه الأوضاع هناك.
تمارس الإمبريالية الأمريكية الكثير من الضغوط على نظام مشرف، لكنها بذلك تخاطر بتحطيمه. سوف تتحرك الطبقة العاملة الباكستانية عند نقطة محددة على نطاق واسع وسيؤدي هذا إلى تغيير الوضع بأسره. رفاقنا مناضلو التيار الماركسي الكفاح مؤهلون للعب دور حاسم.
مارتن فانهوفرسوين
الأربعاء: 11 أبريل 2007
عنوان النص بالإنجليزية :