لقد أغرقت الطبقة السائدة نفسها، بدون شك، في مأزق عميق جدا. لقد خلقت وضعا صار من المستحيل عليها خلاله أن تواصل الحكم بالطريقة القديمة. فخلال ثماني سنوات، تم اجتثاث جميع العناصر الضرورية لحد أدنى من “الديمقراطية البورجوازية” المسموح بها في بلد واقع تحت الاستعمار الجديد مثل نيجيريا.
واصلت الطبقة السائدة النيجيرية طيلة سنوات تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وهاهي ذي تؤدي الثمن غاليا جراء ذلك. لكن هل لديها أي خيار آخر؟ هل بإمكان الطبقة السائدة النيجيرية أن ترفض أن تقوم بخدمة الإمبريالية؟
أدت سياسة الخصخصة والطرد الكثيف والاقتطاعات الخطيرة من الإنفاق العمومي، إلى وصول اللامساواة مستوى غير معهود وارتفاع كبير لمعدل الفقر، أكثر من 78% من النيجيريين يعيشون بأقل من دولار واحد يوميا.
من السهل رؤية نتائج هذه السياسات الإجرامية. فقد ضربت مصداقية الطبقة السائدة النيجيرية بشكل كامل، لم يعد لديهم أية قاعدة دعم بين صفوف الجماهير وصاروا منقسمين إلى درجة كبيرة، كل فئة تتهم الأخرى بكونها السبب في إثارة غصب الطبقة العاملة، لكن لسوء حظهم جميعهم فقدوا كليا المصداقية لدى الشعب.
أي نوع من الانتخابات يمكن للطبقة السائدة النيجيرية أن تنظمها في ظل هذا السيناريو؟ لا يعمل الماركسيون المزيفون الذين يهددون بالانتحار بسبب تزوير الانتخابات الذي حدث خلال الانتخابات الأخيرة، سوى على إعطاء الدليل على فهمهم السطحي للماركسية. إنهم عاجزون عن الوصول إلى المضمون، ولا يعملون سوى على النحيب على ما ليس سوى تحول للكم إلى نوع.
إن نظرة أعمق إلى ما تطور خلال السنوات الأخيرة ستبين بوضوح تصاعد التناقضات بين سياسات رعاة البقر الحاكمين ورغبة الأغلبية الساحقة من النيجيريين. وقد عبرت هذه التناقضات عن نفسها خلال الانتخابات الأخيرة، حيث استعمل الجناح السائد داخل الطبقة السائدة النيجيرية قوة الدولة من أجل تنفيذ أكبر عملية تزوير انتخابي في تاريخ نيجيريا، بينما وقفت الجماهير النيجيرية تتفرج بدون عظيم اهتمام بالدفاع عن المعارضة الرسمية التي لا ترى فيها سوى مشارك في تطبيق تلك السياسات الكارثية.
هذا يعني أنه لم يعد هناك أي مجال للخداع ولم يعد لجميع الدعوات الأخلاقية أي تأثير. لقد استوعب كل من القس الرئيس أوبسانجو والقس رئيس لجنة انتخابية مستقلة، بشكل صحيح أنه ليس بإمكانهم تلافي فضح الطبيعة الحقيقية للرأسمالية في بلد متخلف كبلدنا، أي في حالتنا هذه، أن الكذب والقتل أعمال “مقدسة”.
هل يمكن للطبقة السائدة النيجيرية أن تجد مخرجا من هذا الوضع؟
لا توجد في ظل الرأسمالية أية “أزمة أخيرة”. فالرأسمالية ستجد دوما مخرجا ما من أزماتها، إذا لم تقم الطبقة العاملة بحسم السلطة. إلا أن ذلك المخرج يكون دائما المزيد من الهجمات الهمجية على الطبقة العاملة والجماهير عموما. دخلت الطبقة السائدة النيجيرية في أزمة سنة 1993، لكن ونتيجة لعجز قادة حزب العمال، الفاسدين والتوفيقيين، عن التحرك بشكل مستقل لحسم السلطة، صعد إلى السلطة أباشا، الديكتاتور النيجيري الأكثر همجية في تاريخ البلاد. ونواجه الآن نفس الوضع.
بدون شك، تفتقد حكومة يارادوا (Yaradua) للمصداقية والشرعية. إنها ضعيفة بشكل واضح وقد تجد صعوبة في مواصلة الهجمات فورا على الطبقة العاملة من النقطة التي توقف عندها أوبسانجو. لكنه في نفس الوقت ليست الحكومة هدفا في حد ذاتها بل وسيلة للوصول إلى الهدف. ليس للحكومات الرأسمالية في البلدان المستعمرة سوى دور واحد ووحيد: خدمة الإمبريالية. ومن ثم فإنه لا يمكن لحكومة يارادوا أن تبرر وجودها للرأسماليين إلا إذا واصلت سياسة الخصخصة، إلا إذا كثفت الطرد وتقليص ميزانية الخدمات الاجتماعية.
يجب على الحكومة المقبلة لكي تقوم بهذا، أن تحل مشكلتها المتمثلة في فقدان المصداقية والشرعية. ومن الخيارات التي تحاول الطبقة السائدة إتباعها من أجل القيام بذلك، هو تجميع كل الأحزاب المعارضة في “حكومة وحدة وطنية”. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو هل سيمكنهم ذلك من مخرج؟ بالنظر إلى فقدان جميع فئات الطبقة السائدة للمصداقية في أعين الطبقة العاملة النيجيرية، من جد المشكوك فيه أن تتمكن حكومة وحدة وطنية من هذا القبيل من تحقيق المعجزة المنتظرة المتمثلة في استعادة تلك المصداقية الغير مستحقة إطلاقا.
هنا غالبا سيأتي دور قادة الطبقة العاملة النيجيرية والمؤتمر النقابي. ستبذل الجهود خلال المرحلة المقبلة من طرف الطبقة السائدة النيجيرية من أجل استخدام قادة الطبقة العاملة لضمان استقرار نظامهم. لقد بدأنا نرى منذ الآن البيروقراطية العمالية وهي تحاول وضع فرق بين الرئيس المنتهية ولايته أوبسانجو والرئيس القادم يارادوا، حيث يصفون هذا الأخير بكونه شخصية “أكثر إنصاتا” وبكونه “أكثر مراعاة”. هذه بداية مسلسل يمكنه أن ينتهي بكارثة خطيرة على العمال النيجيريين. يتوجب على القواعد العمالية أن ترفض هذا التصالح وتطالب بالعمل المستقل للطبقة العاملة.
ما الذي يمكننا كسبه من أزمة الطبقة السائدة هذه؟
على عكس ما يدعيه بعض الماركسيين المزيفين، حول أن هذه فرصة عظيمة جدا لنا من أجل تعبئة الطبقة العاملة لطرد أوبسانجو وخلفه، إن هذه فرصة مثلها مثل جميع الفرص العظيمة الأخرى التي سنحت في الماضي. لقد نظم العمال النيجيريون ثمانية إضرابات عامة خلال السنوات الثماني الأخيرة. هل يمكننا أن نطالب بوضع أفضل؟ في كل مرة تحركت الطبقة العاملة كان هناك عنصر واحد ناقص: هو حزب الطبقة العاملة بقيادة ثورية. هنالك المزيد من الفرص أمامنا. نحن مقتنعون بشكل راسخ بأن أفضل الفرص صارت على الأبواب، لكن في غياب حزب عمالي حقيقي بقيادة ثورية ستكون النتيجة كارثة هائلة.
البرنامج الانتقالي للخروج من الأزمة
كما كان متوقعا، تبين أن الشعار الغير المسئول الداعي إلى إلغاء الانتخابات وتشكيل “حكومة انتقالية مؤقتة” هو شعار عاجز عن تعبئة العمال النيجيريين. المطلوب الآن في هذا الوضع هو رفع مطالب تمس بشكل مباشر حياة العمال النيجيريين. حتى إذا ما ألغيت الانتخابات وأعيدت مليون مرة فإننا لن نحصل على نتيجة أفضل ما دامت الطبقة السائدة هي الوحيدة التي تتحكم فيها والطبقة العاملة النيجيرية تعرف هذا بشكل عفوي.
لقد سبق لنا أن رأينا كيف أعطيت مهلة أسبوع واحد للحكومة الفدرالية من أجل الرفع في الأجور بـ 15% ووقف الخصخصة، لكن المثير للسخرية هو أن “المجتمع المدني” والماركسيين المزيفين كانوا يطالبون الطبقة العاملة بالتخلي عن هذه المطالب لصالح النضال من أجل إلغاء الانتخابات.
هذه مقاربة خاطئة كليا. يتوجب علينا رفع مطالب العمال هذه ونشرح أنه من الضروري علينا أن نتقدم أكثر. إن الرفع من الأجور بـ 15 % مع معدل تضخم يساوي 11% وضريبة على القيمة المضافة تساوي 10% مفروضة على جميع المواد الغذائية والخدمات، إنما يعني التحرك دون مراوحة المكان.
كان العمال سيستوعبون بشكل أفضل لو شرح لهم أن الطبقة الوحيدة التي يمكنها أن توقف الخصخصة وتحقيق تحسينات حقيقية في ظروف عيش الطبقة العاملة هي الطبقة العاملة نفسها. لتحقيق ذلك نحن بحاجة إلى حزبنا الخاص بنا وبحاجة إلى نزع السلطة من يد هذه الطبقة السائدة المنحطة الفاقدة للمصداقية والجد همجية. لو أننا توجهنا إلى الطبقة العاملة بهذه الطريقة كنا سنكسب انتباهها واهتمامها.
هل هناك من حاجة إلى حزب عمالي جديد؟
يوجد في نيجيريا حزب عمالي، لكن تم الاستيلاء عليه مع الأسف من طرف الرأسماليين. الطبيعة لا تقبل الفراغ، وعجز قادة الطبقة العاملة عن استعادة ملكية العمال الشرعية هو ما قاد إلى هذا الوضع المؤسف. وإذا ما عملنا مليون مرة على تنظيم حزب عمالي آخر، سيبقى الوضع هو نفسه إذا ما رفض قادة الطبقة العاملة في حزب العمال النيجيري والمؤتمر النقابي التماهي معه. وعليه نحن نطالب بأن يقوم قادة الطبقة العاملة باستعادة الحزب العمالي وطرد جميع أرباب العمل الذين يجثمون حاليا على أنفاسه. ولا يزال الشعار: “من أجل حزب عمالي مطهر من أرباب العمل” شعارا صحيحا.
نحن نسير بسرعة نحو مرحلة ثورية في نيجيريا، نحن على مشارف معارك كبرى بين الطبقة السائدة المحتالة وبين الطبقة العاملة الجائعة. صرنا نكاد نشهد نضالا حاسما بين الذين يملكون والذين لا يملكون. قوى الثورة ستستفيد كثيرا من المرحلة التي نحن على أعتابها، إذا ما كان لدينا برنامج عمل صحيح وتدخلنا في الوقت المناسب. إن اندلاع ثورة ناجحة في نيجيريا سيؤدي بشكل شبه حتمي إلى انتشار المد الثوري في كل غرب إفريقيا ثم في كل إفريقيا. العمال النيجيريون مستاءون تحت نير نظام مصاصي الدماء هذا. العمال النيجيريون يستحقون أن يعيشوا حياة أكثر كرامة وهم مستعدون للنضال ضد جميع العراقيل التي تقف في وجوههم. نحتاج إلى أداة لتحقيق ذلك وهذه الأداة يجب أن تصقل وتشحذ. هذه الأداة هي حزبنا السياسي المستقل. لدينا حزب مثل هذا (الحزب العمالي) لكن ما يجب علينا هو استعادته من بين أيدي بيدرو وأتباعه واستخدامه لحسم السلطة. هذا هو الطريق الوحيد أمامنا.
أولا كازيم من لاغوس
الثلاثاء: 05 يونيو 2007
عنوان النص بالإنجليزية :