خرجت الجماهير بأعداد هائلة إلى الشوارع من أجل استقبال زعيمة حزبهم، حزب ملايين المسحوقين والمضطهدين والمحرومين والمستغلين والكادحين في باكستان.
يوم الخميس الماضي [18 اكتوبر 2007]، كان هناك بحر متلاطم من أبناء الشعب، أمواج من الألوان المختلفة، حاملين راية حزب الشعب الباكستاني الثلاثية الألوان. أينما وجه المرء ناظريه رأى آلاف الناس الفرحين والمتحمسين ورأى أناسا نشيطين يرقصون ويغنون، يرفعون الشعارات ويهنئون أنفسهم بعودة الحياة إلى حزبهم، حزبهم الذي تشكل خلال الحركة الثورية التي عرفتها باكستان سنة 1968- 1969، وشهد منذ ذلك الحين الكثير من حركات المد والجزر طيلة 40 سنة من تاريخه.
شبه الملاحظون والمحللون استقبال الثامن عشر من أكتوبر باستقبال التاسع من أبريل من سنة 1968 عندما عادت بينازير بوتو إلى لاهور من المنفى خلال نظام ضياء الحق الهمجي وتلقت استقبالا حاشدا ضم مليون شخص.
لا أحد كان يتوقع أن يتم تحطيم الرقم القياسي الذي تحقق سنة 1968، لا أحد ما عدا الماركسيين الذين توقعوا المرة تلو الأخرى أنه عندما ستعود بينازير هذه المرة ستخرج الجماهير لاستقبالها بأعداد لم يسبق رؤيتها أبدا من قبل. لقد حضر أبناء الشعب من جميع الجهات والقوميات والأديان والطوائف والإثنيات لأجل التنفيس عن معاناتهم وآلامهم.
في كاراتشي ساد جو حماسي طيلة اليوم. وصلت إليها قوافل من مئات الحافلات من كل أنحاء البلد قاطعة آلاف الكيلومترات، بينما خرج مئات الآلاف الآخرين من سكان كاراتشي إلى الشوارع.
لكن كل هذه الزخم تحطم عندما فجر انتحاريان نفسيهما قرب المركبة التي كانت تقل قيادة حزب الشعب الباكستاني. كانت الحصيلة حوالي 150 قتيل، بمن فيهم الحرس الشخصي لبينازير بوتو، الذين كان من بينهم عمال من فدرالية الطلاب الشعبية، وPSF، كما جرح في الانفجار أكثر من 600 آخرين.
لقد قضى هذان الانفجاران على الجو الاحتفالي السائد وقلبه إلى جو من الخوف والرعب. تم إلغاء بقية البرنامج ونقلت بوتو إلى مقر إقامتها بينما عاد الناس إلى منازلهم.
الماركسيون داخل حزب الشعب الباكستاني
كان الماركسيون الباكستانيون الذين يشتغلون داخل حزب الشعب الباكستاني حاضرين خلال هذه المناسبة بكل قواتهم. لقد تم توزيع حوالي 50,000 منشور خلال الاستعراض الاستقبال، وقد تضمنت تلك المناشير مطالبا اشتراكية وبرنامجا اشتراكيا.
تزعم الرفيق منصور أحمد، أحد أعضاء حزب الشعب في البرلمان عن كاسور ومنسق حزب الشعب الباكستاني في لاهور، قافلة مكونة من آلاف الأشخاص، قضت أكثر من 24 ساعة للوصول إلى كاراتشي من لاهور.
تزعم الرفيق رالف لاند من جمبير عدة حافلات ملئ بالعمال والفلاحين نحو كاراتشي بينما قاد الرفاق الآخرون أعداد هائلة من العمال إلى كاراتشي من كويتا، كالا، رحيم يار خان، صادق أباد، مولتان، جهانغ، روالبيندي، بختونخوا وكشمير.
قاد الرفاق من مختلف مناطق السند آلاف العمال من حيدر أباد، دادو، خير بور نثان شاه، تاتها، غوتكي، سوكور وغيرها في اتجاه كاراتشي. أكبر القوافل كانت هي تلك التي جاءت من ميربور خاس بالسند، حيث تزعم الرفاق عددا هائلا من الحافلات.
الرفاق في كاراتشي لم يعملوا فقط على استضافة آلاف العمال المنتمين إلى حزب الشعب بل نظموا أيضا مسيرات ووزعوا المناشير ونظموا العديد من اللقاءات التحضيرية إضافة إلى إقامة الكثير من الخيام على طول الأربعين كيلومترا من الطريق.
أقام الرفاق من المكتب العمالي لحزب الشعب بكاراتشي (الجناح العمالي لحزب الشعب الباكستاني) ونظموا خيمة قبالة المطار كانت مزينة بالشعارات الاشتراكية. كما أقام الرفاق خيمة أخرى، للمكتب العمالي لحزب الشعب بالسند، في الساحة التي كان من المنتظر أن تنتهي فيها مسيرة الاستقبال وكان من المتوقع تنظيم لقاء جماهيري حاشد.
كانت جنبات الطريق مكتظة بالناس وكان آلاف الأشخاص واقفين أمام المنصة التي كان من المنتظر أن تلقي فيها بوتو خطابها. وقد كانت على تلك المنصة رايات كتب عليها بالبند العريض: “الاشتراكية أو الموت” وأخرى مكتوب عليها: “البوتوية الاشتراكية”.
يوجد مطار كاراتشي في منطقة مقاطعة ميلر، حيث توجد أيضا المنطقة التي تضم مصانع الصلب الباكستانية، وحيث قاد الرفاق نضالا تاريخيا ضد الخصخصة.
الرفيق رياز لاند هو رئيس المكتب العمالي لحزب الشعب بتلك المنطقة، وقد كان مكلفا بتنظيم الاستقبال في منطقته. تم تنظيم مسيرات حاشدة طيلة أسابيع قبل يوم الاستقبال حيث رفعت شعارات معادية للخصخصة والاقتطاعات، بينما طليت جميع الجدران باللون الأحمر وكتبت عليها شعارات اشتراكية. كما نظم عمال مصنع الصلب خيمة قرب المطار.
وقام الرفاق من لاياري، معقل حزب الشعب الباكستاني بكاراتشي والمنطقة الأكثر فقرا والأكثر حرمانا في كاراتشي، بدورهم بتحضيرات كبيرة ليوم الاستقبال وقادوا مسيرة من آلاف الجماهير المسحوقة والمضطهدة إلى مكان الاستقبال. كانت الجدران في لاياري مطلية أيضا بالأحمر ومكتوب عليها شعارات اشتراكية.
لم يقم الرفاق فقط بتوزيع آلاف المناشير على المشاركين، بل عملوا أيضا على نقاش المطالب المكتوبة في تلك المناشير معهم.
لقد استقبلت الجماهير تلك المناشير بحماس كبير وطالبوا بالمزيد من النسخ لكي يتمكنوا من توزيعها في مناطقهم الأصلية عندما سيعودون إليها.
فلتسقط الإمبريالية!
أحضر الرفاق عددا كبيرا من الرايات الأمريكية ليتم إحراقها أمام كاميرات وسائل الإعلام الدولية والمحلية. لقد عبر عمال حزب الشعب الباكستاني بهذا العمل عن إدانة عارمة للإمبريالية ورفعوا شعارات من قبيل: “أمريكا كا جو يار هاي! غدار هاي! غدار هاي!” (كل من كان صديقا لأمريكا فهو خائن). أحرقت بعض الرايات الأمريكية قرب المطار قبالة المركبة التي تقل بوتو وقيادة حزب الشعب الباكستاني، بينما أحرق الرفاق رايات أخرى أمام مزار- إ- قايد حيث أقيمت منصة لتنظيم لقاء جماهيري.
تدخل وسائل الإعلام
عملت جميع قنوات الأخبار المحلية على بث برامج مطولة ليومين من أجل التغطية الحية للاستقبال الذي شاهده ملايين المتفرجين الذين بقوا مشدودين إلى شاشات تلفازاتهم طيلة اليوم. خلال البث كانت هناك أيضا أفلام لخطابات ذو الفقار علي بوتو، إضافة إلى بث متكرر لتعليقات مختلف الوجوه القيادية. لقد عمل الرفيق لال خان على تقديم تصريح لاثنين من أكثر القنوات التلفزيونية الباكستانية انتشارا، قناة “جيو” وقناة “أج”، وهو التصريح الذي أعيد بثه عدة مرات خلال ذلك اليوم. قال الرفيق لال خان في تصريحه أنه يجب على بوتو أن تتبع الطريق المسطر في الوثيقة التأسيسية للحزب ويجب أن تتبع ما كتبه والدها عندما كان في السجن قبل أن يعدم.
وقد تمت تغطية حدث إحراق الرايات الأمريكية من طرف العديد من القنوات التلفزيونية ونوقش الدور الكبير الذي يمكن لمختلف تيارات حزب الشعب الباكستاني أن تلعبه.
الانفجار
عندما وصل موكب الاستقبال إلى “كارساز”، النقطة التي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن المطار، هاجم انتحاريان المركبة حيث كانت قادة حزب الشعب الباكستاني واقفين يلوحون للجماهير. كان الطريق مكتظا على طول ثمانية كيلومترات وكان الناس واقفين متكاتفين. قضت المركبة ثلاثة ساعات ونصف لقطع المسافة التي لا تتطلب في الظروف العادية سوى ثلاثة دقائق لقطعها.
انفجرت العبوة مخلفة مقتل أكثر من مائة شخص وجرح المئات. بعد حدوث الانفجار عمت الفوضى المكان كله. غادر جميع القادة المركبة فورا وأسرعوا باللجوء إلى مكان آمن. وأخذت بوتو في التو إلى مقر إقامتها “منزل بيلوال”، في كليفتون.
أول ما قام به الرفاق، الذين لم يكونوا يبعدون عن مكان الانفجار إلا مسافة قليلة، هو أنهم تأكدوا من عدم وجود أي جرحى في صفوفهم ثم انتقلوا بعد بضعة دقائق إلى المكان الذي حدث فيه الانفجار. عندما وصلوا إلى المكان كانت الفوضى والخراب يعمان المكان. كانت الجثث مطروحة على قارعة الطريق وكان الجرحى يصرخون من الألم. لم يكن من الممكن رؤية أي من القادة وكان بعض العمال يبكون ولا يعرفون ما الذي يجب القيام به.
أثناء ذلك ناقش الرفاق مع الجماهير وشرحوا لهم أنه الوقت ليس وقت البكاء وأن العويل لن يحل شيئا. عملوا على تجميع بعض الناس حولهم وبدءوا فورا عمليات الإنقاذ. عمل الرفيق هاريش، الذي يمتهن الطب، على مساعدة الجرحى على التغلب على ألمهم. بعد حين بدأت سيارات الإسعاف في الوصول إلى المكان فقام الرفاق بمد يد المساعدة ليس فقط في نقل الجثث والجرحى بل أيضا في معالجة الأوضاع التي كان يسودها الفوضى والرعب. كل هذا الوقت ولم يظهر أي مسئول حكومي، كما أن أغلب المسئولين الذين كانوا قرب المركبة ماتوا أو فروا.
كان الرفاق قادرين خلال ذلك الوقت على تجميع بضعة مئات من الناس حولهم وأقنعوهم بتنظيم أنفسهم خلال هذه الأوضاع الطارئة. قالوا لهم أن هذا كان هجوما ضد العمال والفلاحين الباكستانيين وأن هؤلاء الذين ماتوا هم إخوانهم وأخواتهم. كان الرفاق قادرين على تنظيم هؤلاء الناس وإعادة الحماس إليهم للنضال من أجل التحرر من قيود الرأسمالية.
عندما وصل رجال الجيش إلى مسرح الأحداث حاولوا تفرقة الناس لكن المجموعة التي نظمها رفاقنا بدأت ترفع شعارات ضد الدكتاتورية العسكرية وشعارات اشتراكية. رفع عمال حزب الشعب الباكستاني شعار: “زيندا هاي بوتو! زيندا هاي!” (بوتو لا زال حيا) وشعار “هار غهار سي بوتو نيكل غا! توم كيتن بوتو مارو غي!” (كم من بوتو ستقتلون؟ فبوتو سيأتي من كل المنازل!) كانت هذه هي الشعارات الشعبية التي رفعت طيلة اليوم.
وقد عمل الرفاق في مزار- إ- قايد بدورهم على تفسير أسباب وانعكاسات هذا الحادث المأساوي للجماهير وساعدوهم على التحرك بطريقة منظمة.
في صباح اليوم الموالي شارك الرفاق في مواكب تشييع الرفاق الذين قتلوا. أغلبية الذين قتلوا ينحدرون من لياري التي هي منطقة فقيرة ومهمشة. كما سقط أيضا بعض الأصدقاء المقربين الذين ينحدرون من منطقة ملير ضحايا لهذه المأساة، والرفاق لم يكتفوا فقط بالمشاركة النشيطة في جميع مواكب التشييع، بل حاولوا أيضا مواساة الأسر المكلومة.
ذهب الرفيق منصور إلى أسر الذين سقطوا قتلى وبلغهم التعازي باسم عمال حزب الشعب الباكستاني ونقابة حملة الدفاع عن النقابة الباكستانية.
ماذا بعد؟
في أعقاب هذا الحدث المأساوي أعلن حزب الشعب الباكستاني الحداد طيلة ثلاثة أيام، بينما ستضطرب برامج اللقاءات في البنجاب وغيرها من الأماكن. تتهم بوتو وغيرها من قادة الحزب مختلف الأجهزة المخابراتية بالمسئولية عن هذه المأساة ويقولون أنه سبق لهم التحذير من مثل هذا الحدث من قبل.
إلا أن الجماهير أبانت عن قوتها. لقد أعطت الدليل مرة أخرى على أنها عندما تخرج إلى الشوارع تكون قادرة على تحقيق التغيير. لقد أعطت المظاهرة القوية التي ضمت ثلاثة ملايين متظاهر الحيوية لملايين الناس الذين كانوا يشاهدونها على شاشات التلفاز. لقد تجمدت جميع الأنشطة في كل أرجاء البلد. شوارع لاهور وإسلام أباد وجميع المدن والبلدات الأخرى، المعروفة عادة باكتظاظها، صارت مهجورة يوم الخميس. كل هذه الأحداث سببت الرعب للنخبة الحاكمة، فيوم الخميس بدت وجوه هؤلاء القادة كئيبة وتحدثوا بلهجة يائسة.
من الواضح أن المأساة التي تلت هذا الاستقبال الحماسي قد أضرت كثيرا بالحركة. إلا أن عمال حزب الشعب الباكستاني يشعرون بالغضب والحنق اتجاه هذا الهجوم الذي نفذته عناصر “معادية للشعب”. إنهم يريدون الانتقام، ليس من دمى الدولة بل من الدولة نفسها.
الرفاق داخل حزب الشعب الباكستاني يعملون أيضا كل ما في وسعهم من أجل قيادة هؤلاء العمال الغاضبين والحانقين نحو القضاء على هذا النظام من خلال الثورة الاشتراكية.
نص المنشور
اليوم سينال الجميع
الخبز، الملبس والمأوى (روتي، كابرا أور ماكان)
“إن حدوث انقلاب عسكري يبين أنه لا يمكن حل الصراع الطبقي من خلال التوافق. سوف ينتهي بانتصار إحدى الطبقتين على الأخرى”.
ذو الفقار علي بوتو: “إذا ما تعرضت للاغتيال”، ص 55
- الآلام في باكستان اليوم تنخر
- المظالم صارت لا تطاق
- البطالة تقتل أحلام أمهاتنا
- الفقر وارتفاع الأسعار يسلب حياة أطفالنا
- المصحات الخصوصية تغتال شيوخنا
- تحويل التعليم إلى سلعة يعرقل تطور أجيالنا
- الماء هنا يسبب الوفاة
- انقطاع الكهرباء جعل حياتنا مأساوية
- القذارة والنفايات تملأ شوارعنا
- حركة المرور البطيئة بسبب الاكتظاظ جعلت السفر عذابا
- غلاء الأسعار يهددنا بالمجاعة
- الخصخصة تختلس منا الخبز والزبدة
- نظام العمل بالعقدة جريمة في حق العمل البشري
- بربرية الملالي أراقت أنهارا من الدماء الشابة
- الإمبريالية الأمريكية تفرض الحروب والهمجية
- الفيودالية تدمر الأرض وتدمر الفلاحين
- الاستغلال الرأسمالي هو قتل الحياة
- الحياة على هذا الكوكب على حافة الهاوية
المطالب والبرنامج
- وقف الخصخصة، نظام العقود، الاقتطاعات، التسريحات وغيرها من سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي الإمبريالية والرأسمالية.
- من أجل تأميم المؤسسات الإمبريالية والرأسمالية والصناعات وقطاع الصحة ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال. يجب أن تتحول جميع مصادر الثروة إلى ملكية جماعية.
- القضاء على الفيودالية والعصبية الدينية والقطع مع قيود الإمبريالية الأمريكية
- توفير التعليم والصحة والكهرباء والنقل والمأوى وغيرها من الحاجيات الأساسية للجماهير.
- إنهاء الحظر على تشكيل النقابات والمنظمات الطلابية وتمكين العمال والطلاب من الحرية الكاملة في تشكيل النقابات في مؤسساتهم وأماكن عملهم.
- يجب أن يصل الحد الأدنى للأجور إلى 15000 روبية وربطه بالتضخم ومع التعويض الفوري عن البطالة.
- إسقاط النظام الرأسمالي من خلال الثورة الاشتراكية بالعمل على أساس البيان التأسيسي لحزب الشعب لإقامة مجتمع اقتصادي وسياسي عادل.
عمال حزب الشعب الباكستاني ونقابة حملة الدفاع عن النقابة الباكستانية.
آدم بال
الجمعة: 19 اكتوبر 2007
عنوان النص بالإنجليزية:
Three Million Receive Benazir Bhutto – the legacy of 1968-69 continues