إذا كان يوم الأربعاء 21 نوفمبر يوما خاصا بنقابات الطلاب والأساتذة، فإن يوم الخميس 22 نوفمبر كان يوما خاصا بعمال المعامل والإدارات الحكومية.
بدأ العمال يجتمعون منذ الساعة التاسعة صباحا أمام مسرح تيريزا كارينو، وقد بلغ عددهم حوالي 1500 عامل. كان هناك ممثلون عن المصانع التي جاءت لتحدد الخطوات التي ستتخذها من أجل ضمان التصويت بـ “نعم” على استفتاء الثاني من دجنبر.
مع الأسف كان المسرح، وكما هو حال الكثير من الأشياء هنا في فنزويلا، مغلقا، لذا وقف العمال في مجموعات صغيرة يناقشون بينما كنا نحن ننتقل بينهم للمشاركة في النقاش وبيع جريدة El Militante. كان العمال مهتمين بالنقاشات التي فتحناها وقد تمكنا من بيع الكثير من أعداد الجريدة.
العديد من هؤلاء العمال منتمون إلى إحدى المنظمات النقابية: نقابة الاتحاد البوليفاري للعمال (UBT- عمال البناء خصوصا)، نقابة القوة البوليفارية للعمال (FBT- عمال الوزارات الحكومية خصوصا)، نقابة القوة الاشتراكية (Fuerza Socialista- المتواجدة أساسا في قطاع الصحة والكهرباء) وغيرها من النقابات. لكن وبالرغم من ذلك كان الجو رفاقيا.
الشيء الذي لم أتمكن من ملاحظته منذ البداية هو التضحية التي كان العديد من العمال يقومون بها بشرائهم لجريدتنا بينما كانت العديد من الجرائد الأخرى توزع مجانا من طرف الحكومة. فلنأخذ مثال عمال لافارج، الذي هو معمل للإسمنت تسيطر عليه شركة متعددة الجنسيات فرنسية الأصل. قبل أسبوع تم طرد 34 عامل منهم وكان العمال غاضبين. ذهبنا معهم طيلة يومين إلى وزارة العمال وإلى ميرافلوريس [حيث يوجد القصر الرئاسي]. لا يتقاضى هؤلاء العمال سوى 26.000 بوليفار في اليوم، أي أعلى من الحد الأدنى للأجور بـ 4.000 بوليفار. ثمن الجريدة يبلغ 1.500 بوليفار أو 2.000 بوليفار كثمن تضامني. هذا يعني أنه إذا ما أخذنا بالاعتبار متوسط الحد الأدنى اليومي للأجور في بريطانيا، 100 جنيه تقريبا، فإن سعر جريدة اشتراكية سيكون ما بين 5 و8 جنيهات! وهذا ما جعل العمال يشتركون فيما بينهم لكي يبتاعوا جريدتنا ويقتسمونها فيما بينهم.
كان الجو صباح ذلك اليوم خارج المسرح حارا فبدأت مجموعات من العمال تغادر لشرب القهوة والإفطار، في ذلك الوقت بدأت تنتشر بعض الإشاعات بأن تشافيز نفسه سيأتي إلى المسرح في وقت ما بعد الزوال. وأخذت هذه الإشاعات تتأكد عندما حضر عمال مسلحون بالسيوف لمراقبة المداخل والمخارج، متبوعين بكتائب من الحرس الرئاسي والشرطة العسكرية.
مع حلول الساعة الثالثة بعد الزوال بدأت مجموعات من العمال تتقاطر عائدة إلى المسرح. ولم يتم السماح لهم بالدخول إلى قاعة المسرح إلا بعد الساعة الخامسة. فلنتذكر أن العديد من هؤلاء العمال استيقظوا منذ الساعة السادسة صباحا أو حتى قبل ذلك من أجل الوصول إلى المسرح على الساعة التاسعة صباحا، بينما لم تبدأ الأمور في التململ إلا في هذه الساعة. لقد كان يوما طويلا.
بدأ المكان يمتلئ بالعمال إلى أن وصل العدد داخل القاعة إلى حوالي 1.500 شخص. بدأت كل مجموعة من المجموعات النقابية الحاضرة ترفع الشعارات لتحدي المجموعات الأخرى. بدأ الجو يزداد حرارة إذ حاولت كل مجموعة أن ترفع صوتها أعلى من الأخرى. عندها رفع أحد الحاضرين شعار: “El Socialismo para acabar con el imperialismo.” (الاشتراكية من أجل القضاء على الإمبريالية). فتوقفت جميع المجموعات الحاضرة عن رفع شعاراتها الخاصة وبدأ الجميع يرفع هذا الشعار الموحد. إن هذا يعكس الرغبة في الوحدة بين المناضلين النقابيين من أجل ضمان التصويت بكثافة بـ “نعم” لصالح تشافيز أثناء الاستفتاء ويبين إمكانية الوحدة بين العمال المنظمين. من المؤسف في هذا السياق أن واحدا أو اثنين من قادة الاتحاد الوطني للعمال دعوا إلى التصويت بـ “لا” خلال الاستفتاء، ضاربين هكذا رغبة الوحدة بين العمال وتطلعات قطاعات واسعة من الطبقة العاملة.
بعد الانتهاء من رفع هذا الشعار الموحد عادت المجموعات المختلفة مرة أخرى إلى محاولة رفع الشعارات بصوت أعلى من المجموعات الأخرى وبدأ الجو يصير مشحونا وعنيفا. انتبه المنظمون إلى ذلك فبثوا مقاطع موسيقية وأغاني في محاولة لتهدئة الأوضاع.
قبيل الساعة السادسة بقليل كان المكان قد صار مكتظا. وحوالي الساعة السادسة والنصف دخل تشافيز وسط هتافات الترحيب: تشافيز! تشافيز! تشافيز! كان هناك بين المناضلين النقابيين العديد من سائقي سيارات التاكسي الذين سيستفيدون بشكل مباشر من التغييرات المقترحة على الدستور. إذ حسب المادة 87 سيكون من حقهم الحصول على المعاش عبر تشكيل صندوق اجتماعي.
حيا تشافيز كل قطاع على حدة. ورد كل من هذه القطاعات على تحايا تشافيز بالهتاف. أخبر تشافيز الحضور بأنه يحب كثيرا التواجد مع العمال، لأنه بدوره كان عاملا عندما كان صغيرا قبل أن يلتحق بالجيش. وقد ضجت القاعة بصفير الإعجاب والشعارات عندما اعترف بأنه تلقى هدية من عارضة الأزياء ناعومي كامبل. ليخبر الحضور بعد الكثير من الإثارة أن الهدية كانت عبارة عن ساعة يد!
بعد ذلك بدأت الرسالة الجدية. لقد عاد من فرنسا في اليوم الذي سبق تنظيم مسيرة طلابية جماهيرية من أجل تأييد التصويت بـ “نعم”. ستتغير الجامعة من أجل أن تصبح في خدمة الأغلبية وليس الأقلية. وقد صرح esqualidos los (الرجعيون) أنهم سيزحفون على القصر الرئاسي ميرافلوريس، لكن لن يتم السماح لهم بذلك.
كان تشافيز يرد على تهديدات الناطق الرسمي باسم كل المجموعات الطلابية الرجعية، جون غويغوتشيا، الذي يدرس في الجامعة الكاثوليكية، الجامعة الأغلى كلفة، حيث ثمن رسم التسجيل الشهري وحده يساوي خمسة ملايين بوليفار! عمال معمل الإسمنت لافارج يتقاضون 26.000 بوليفار في اليوم أو حوالي 750.000 بوليفار في الشهر. لقد هدد غويغوتشيا بتنظيم مسيرة تحت شعار “لا عودة” يوم غد، السادس والعشرين من نوفمبر.
أعلن تشافيز أنه سيمنع مثل هذه المسيرات الموجهة من أجل التهديد. فرد العمال برفعه لشعار: “Asi, Asi, Asi se gobierna” (هذه هي طريقة الحكم). يريد العمال أن يتم اتخاذ إجراءات حازمة ضد الرجعيين ومموليهم.
عندها أقام تشافيز مقارنة تاريخية بين سنة 1979 و1999. سنة 1979 تم إسقاط شاه إيران وصعد الملالي إلى الحكم. وقد ساندت الولايات المتحدة صدام حسين ضد إيران. وسنة 1999 بدأت الثورة الفنزويلية وليست هناك أية إمكانية لغزو أمريكي. « لدينا مليون شخص مسلح وإذا دعت الضرورة سنعمل على تسليح الشعب كله.»
وواصل عرض الدرس التاريخي قائلا أن الثورة الروسية تعرضت للهجوم والعزلة. ذهب أفضل العمال إلى الجبهة من أجل قتال الجيوش الإمبريالية الغازية. تعرضت الثورة للعزلة واستولت البيروقراطية على السلطة. « على الطبقة العاملة في فنزويلا أن تكون طليعة المسلسل الثوري من أجل السلطة الاشتراكية.»
وواصل قائلا أن الثورة الكوبية استمرت وقتا طويلا بفضل العلاقات العميقة التي نسجتها مع الجماهير. أما في نيكاراغوا فقد أدت الإصلاحية إلى نتائج مأساوية. لا يمكن التعايش مع الرأسمالية. لا للإصلاحية، لا للبيروقراطية!
وقد أكد مرات عديدة على أن الطبقة العاملة هي الطليعة لكنه عمل أيضا على توجيه نقد لاذع إلى العديد من النقابات بسبب عدم قدرتها على الارتفاع إلى مستوى أعلى من المطالب الخبزية المحضة. إذا لم يتم القيام بهذا فإن المستوى السياسي للطبقة العاملة لن يرتفع إلى المستوى المطلوب لكي تحمل الطبقة العاملة مهمتها في أن تشكل القوة المحركة للثورة. يجب علينا أن ننتقل إلى الهجوم بنفس الطريقة التي نقوم بها في ظل الرأسمالية على خوض نضالات دفاعية من أجل تحصين أوضاعنا. إن الطريقة الوحيدة من أجل ضمان السلطة الشعبية هي أن تلعب الطبقة العاملة دورها القيادي.
وواصل قائلا أنه في ظل التغييرات الدستورية ستخلق المجالس العمالية داخل المصانع علاقات مع الفلاحين والطلاب والمجالس البلدية [وهو ما يعتبر شكلا جنينيا للسوفييتات –د س-]. إذا ما تحقق هذا لن يتكرر ما حدث في الاتحاد السوفييتي ونيكاراغوا. إن الهدف من وراء كل هذا هو بناء الاشتراكية في بلد بوليفار و(قال ردا على هتاف أحدهم من القاعة) كل القارة الأمريكية.
ستتلقى هذه consejos (المجالس) المال من طرف الدولة لكي تقوم بإنجاز مشاريع محددة، من قبيل توزيع قارورات غاز الطبخ من الشركة النفط العمومية PDVSA. لقد تم تحديد ميزانية السنة المقبلة وستخصص منها نسبة 46% من أجل المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية. وقال: « أي بلد آخر يقوم بمثل هذا؟»
مرة أخرى يتواجد الشيطان في التفاصيل. فمن جهة يرى تشافيز المجالس في مختلف الجهات كأجهزة بديلة للسلطة أكثر ارتباطا بالشعب ومن ثم فإنها من الناحية النظرية أكثر فعالية. وهي أيضا طريقة لتجاوز بيروقراطية الدولة العاجزة والمعيقة. وكما أكد: «… ستتشكل المجالس العمالية داخل المصانع وأماكن العمل، لكن يجب عليها أن تمد يدها إلى المجالس البلدية وتندمج بغيرها من مجالس السلطة الشعبية: كالمجالس البلدية والمجالس الطلابية، الخ… لماذا؟ هل من أجل رفع الشعارات؟ هل من أجل الخروج لرفع شعار عاش تشافيز؟ كلاّ!… بل من أجل تغيير العلاقات داخل أماكن العمل، من أجل تخطيط الإنتاج، من أجل القيام تدريجيا بمهام الحكومة والانتهاء بالقضاء على الدولة البرجوازية.» إذن الهدف واضح وتشافيز جد واع بذلك. في البداية سيتم تخصيص 5% من الميزانية لهذه المجالس. ولن تكون هذه سوى البداية، لأنه لا يمكن لأجهزة السلطة البديلة أن تمارس مهامها إلا إذا كانت لديها ميزانية كافية للقيام بذلك.
من الواضح أن هذه المجالس المشكلة حديثا تنمو وستنمو مستقبلا بعد المصادقة على التعديلات الدستورية ثم ستقرر بنفسها في مدى صلاحياتها. فبناء على المادة 70 من الدستور، على سبيل المثال، ستمكن هذه المجالس العمالية العمال من الإدارة الديمقراطية لأي شركة تعتبر، بشكل مباشر أو غير مباشر، ملكية اجتماعية. كما تتحدث المادة 184 عن مشاركة العمال في تسيير الشركات العمومية.
يعتبر الماركسيون أن الدساتير والاتفاقيات ليست سوى قصاصات من الورق تعكس موازين القوى القائمة بين حزبين أو أكثر في فترة محددة. حقيقة سلطة المجالس سيتم النضال من أجلها في أماكن العمل والجامعات والأحياء والبلديات.
سيقاوم أرباب العمل بشراسة أية محاولة لأخذ حقهم في التسيير. لن يتم تشكيل المجالس العمالية من أجل تحديد اللون المناسب لطلاء الجدران! سيكون لدى العمال وبيروقراطية الدولة وأرباب العمل مفاهيم مختلفة عن دور مجالس العمال. فبالنسبة للعمال سيكون دورها هو الدفاع عن المكاسب وتحسين ظروف العمل والتمكن من تحقيق دور أكبر في تسيير الشركة، أي خطوة نحو الرقابة والتسيير العمالي.
لقد بدأ تشافيز يصل الآن إلى هذه الخلاصات وقد بدأ يستعمل مصطلحات جديدة. « سنعمل على تدمير البرجوازية». كان لحدود اليوم لا يشير إلا إلى الأوليغارشية. وقد كانت آخر كلماته هي أننا بحاجة إلى التعلم من كتابات ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي كيف يمكن للناس أن يسيروا المجتمع وكذلك من غرامشي بخصوص دور مجالس العمال. عندما كان العمال يغادرون كانوا يشعرون بجزء من الدور الذي عليهم القيام به في التاريخ وفي المسلسل الثوري المتقدم.
تبين كلمات تشافيز عن أنه في سياق الحملة من أجل الاستفتاء تزداد المواقف السياسية تصلبا من كلا جانبي المتراس الطبقي. في نهاية هذا اللقاء قال تشافيز أنه إذا لم يفز بهذا الاستفتاء فإنه سوف يبحث عن بديل للاستمرار. تعكس هذه الكلمات درجة القلق داخل معسكر تشافيز.
أغلب الاحتمالات تشير إلى أن تشافيز سيفوز في هذا الاستفتاء. إذ أنه يتمتع بولاء عظيم من جانب جميع المحرومين. لقد أنقذت إصلاحات التسعة سنوات الماضية الجماهير من البؤس والتدهور وأعطتها أملا حقيقيا في المستقبل. ارتفعت المداخيل الصافية بـ 50% لكن هناك التضخم ونقص المواد الغذائية الأساسية من قبيل الحليب. هناك عمليات تخريب واضحة يقوم بها أرباب العمل في قطاعات التخزين أو يعملون على تخفيض الإنتاج في محاولة منهم لضرب مصداقية تشافيز. توقف أرباب العمال عن الاستثمار والعديد من المصانع لا تشتغل سوى بـ 50% من طاقتها، لكي يتمكن أرباب العمل من بيع كل ما ينتجونه في هذا السوق المتوسع باستمرار، إنهم لا يستثمرون ومن ثم يحققون أرباح هائلة.
إذن من جد المتوقع أن تصوت الأغلبية بنعم، لكن الخوف هو من الامتناع عن التصويت بنسبة 50% فقط من الإقبال. خلال الانتخابات الرئاسية، شهر دجنبر 2006، وصل الإقبال إلى 75% وفاز تشافيز بـ 63% من الأصوات وهو ما يعتبر فوزا ساحقا بالمقاييس البورجوازية. إن البيروقراطيين المكلفين بحملة الدعاية لنعم خلال الاستفتاء لديهم الكثير من الطلاء الأحمر والكثير من الموسيقى والأغاني، لكن ليس لديهم سوى القليل من الشرح لما يعنيه الإٌصلاح الدستوري في الواقع. تنشر المعارضة صفحات كاملة للدعاية في جرائدها مع تحاليل مفصلة لشرح منظورها. هناك أكاذيب مفضوحة من قبيل الإدعاء أن كل طفل سيولد لن ينسب إلى والديه بل إلى الدولة، وأنه سيتم منع حرية التدين. إنهم يحاولون إرهاب الناس من أجل التصويت بـ “لا”.
من وجهة نظر الماركسيين أفضل نتيجة يمكن تحقيقها خلال استفتاء الثاني من دجنبر هي فوز “نعم” بنسبة ساحقة. سيؤدي ذلك إلى الرفع أكثر من جرأة الشعب وسيدفع الثورة أكثر إلى الأمام. لكن أيا كانت النتيجة ستكون هناك مرحلة من احتداد الصراع الطبقي حيث سيواصل العمال والطلاب وجماهير الشعب في barrios [الأحياء الفقيرة] رفع مطالبهم بظروف عيش أفضل وامتلاكهم لقدرة أكبر على تسيير حياتهم وأماكن عملهم ودراستهم. لقد أنهضت الثورة البوليفارية الشعب إلى المشاركة في الحياة السياسية ولن يكون من السهل إعادته إلى الرفوف. وكما قال إنجلز: « كلما أكلنا أكثر كلما انفتحت الشهية أكثر.»
نفس هذا المسلسل سيرمي جانبا بهؤلاء الذين يوجدون داخل الحركة والذين يعملون بوعي أو بغير وعي على عرقلة تطورها، هؤلاء الذين لا يستطيعون مواصلة النضال إلى حين القضاء على الرأسمالية وبناء الاشتراكية في فنزويلا.
أولير كالثاديلا، ووانديريك سيلفا بوينو، ودارال كوزين، كاراكاس
الأحد: 25 نوفمبر 2007
عنوان النص بالإنجليزية: