كيف كان رد فعل الشباب والعمال المغاربة اتجاه الاعتداء الإسرائيلي على غزة؟ وما هو التأثير الذي خلفه بين صفوف الشباب والطبقة العاملة؟
حسام بنحمزة: ردَّ الشباب والعمال المغاربة ضد الاعتداء الإسرائيلي على غزة بتنظيم مظاهرات هائلة في جميع مدن المغرب وبلداته، بل لقد نظمت المظاهرات حتى في قراه الصغيرة. كانت تلك وسيلة للجماهير للتعبير عن الغضب الشديد والإدانة القوية للعدوان الإمبريالي الإسرائيلي على قطاع غزة وتواطؤ الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما كانت تعبيرا واضحا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. من المهم الإشارة في هذا السياق أن هذه المظاهرات عمت بعض القرى التي لم تعرف هذا الشكل النضالي في تاريخها أبدا!
آلاف الشباب خرجوا، طيلة أيام العدوان، في شوارع أكادير، مراكش، الدارالبيضاء، فاس، طنجة، تطوان ووجدة وعشرات المدن والقرى الأخرى، إضافة إلى المسيرة المليونية التي شهدتها الرباط يوم الأحد 04 يناير 2009، الخ. وما عدا مسيرة الرباط فإن جميع هذه المظاهرات كانت بمبادرة وتنظيم من الشباب، وخصوصا تلاميذ الثانويات والطلاب، ليلتحق بهم آبائهم وأمهاتهم العمال والعاملات وباقي الفئات الشعبية، كما تميزت بضخامة عدد المشاركين فيها والروح الكفاحية التي سادت خلالها وهو ما عكسته الشعارات التي رفعت خلالها، والتي لم تكتفي بإدانة العدوان الصهيوني بل فضحت أيضا تواطؤ الأنظمة العربية ودعت إلى إسقاطها.
أما عن الأثر الذي خلفته هذه التجربة على وعي الشباب والعمال المغاربة، فكما تعلمون، إن التظاهر واحتلال الشوارع في بلدان ترزح تحت نير نظام دكتاتوري يقمع جميع أشكال التعبير، من قبيل النظام المغربي، ليست تجربة بسيطة، فأية مظاهرة تشكل مدرسة للثورة والعمل الثوري بامتياز. حيث تتطلب قدرا كبيرا من الجرأة والاستعداد للتضحية، خاصة وأن النتيجة تكون أحيانا هي الموت جراء القمع الهمجي، وهو ما حدث فعلا في مدينة مراكش حيث قتلت قوات القمع الطالب عبد الرزاق الكادري، الأحد 28 دجنبر 2008، والذي ينضاف إلى لائحة العديد من الشهداء المغاربة الآخرين الذين سقطوا في سبيل القضية الفلسطينية، لكن ليس بسبب القمع الإسرائيلي هذه المرة، بل بسبب قمع الدولة المغربية (سناء مبروك الطفلة ذات 14 ربيعا بسلا، 02 ابريل 2002، وقبلها الطالبين عادل الاجراوي وزبيدة خليفة بفاس 20 يناير 1988) إضافة إلى العديد من الجرحى والمعتقلين. ومن ثم فإن خروج هذا العدد الكبير جدا من الشباب المغربي الذين في أغلبهم بدون أي تكوين سياسي ولا تجربة نضالية سابقة ومواجهتهم مع آلة القمع هو في حد ذاته تمرين جيد لتسخين العضلات الفتية قبل الدخول في المعارك المقبلة والتي ستكون ذات مضمون طبقي، تدور حول قضايا اجتماعية كالتعليم والتشغيل والصحة الخ.
خلال هذه التحركات النضالية الرائعة ظهرت العديد من الطاقات الشابة والقادة الطبيعيين للحركة، وتعلموا لأول مرة في حياتهم احتلال الشوارع وتحدي القمع واكتساب الخبرة في الاحتجاج الجماهيري، وهي التجارب التي سوف تعطي ثمارها في المستقبل القريب.
ما هي تأثيرات الأزمة الاقتصادية وما هي انعكاساتها على وعي العمال والشباب المغاربة؟
حسام بنحمزة: إن الرأسمالية بالنسبة للعمال والجماهير الفقيرة في هذا العالم ليست سوى الرعب بدون نهاية، لكنها تمثل في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث ما هو أكثر من الرعب، إنها الجحيم نفسه. والمغرب مثال عن ما نقول، إذ أن الجماهير تعيش في ظل ظروف مأساوية بكل معاني الكلمة. ففيما يخص الصحة مثلا يقع المغرب في أسفل الترتيب مقارنة حتى مع بلدان من نفس مستواه، فلا تمثل النفقات الصحية بالمغرب سوى 4.5 % من الناتج الداخلي الخام (بينما في تونس 5.6% ،وفي الأردن 9.4 % وفي لبنان 9.8 %. الخ.)، مما يعطي الدليل على أنها سياسة واعية. وحسب أرقام منظمة الصحة الدولية، فإن متوسط عمر الفرد في المغرب هو 74 سنة للنساء و 70 للرجال، بينما متوسط العمر في كوبا، بالرغم من عقود طويلة من الحصار الإمبريالي الإجرامي، 80/ 76، على التوالي، أما في فنزويلا فيصل: 78/ 71 . وتصل وفيات الأطفال قبل سن الخامسة في المغرب إلى 37 في الألف، بينما لا تصل في فنزويلا إلا 21 في الألف، وفقط 7 في الألف في كوبا!
وخلال 2007 مات ما يقارب 40 طفل وأمين، تبلغان من العمر 16 و17 سنة، بسبب البرد والغياب المطلق للبنية التحتية الصحية.
“لقد ذهبوا دون أن يكونوا قد أخذوا أية أدوية ولا استفادوا من أية استشارة طبية في حياتهم كلها. والأغلبية بينهم لم يستفيدوا من التلقيح أبدا. أغلبهم لا يعلمون ماذا تعني كلمة تلقيح، أو طبيب أو مستشفى، أو حياة حقيقية…
“ليس هناك لساكنة آنفغو، البالغ عددهم 1500 نسمة، أي مستشفى ولا مركز صحي ولا طبيب ولا ممرض. ليس هناك سيارة إسعاف ولا رجال مطافئ. ليس هناك لا هاتف ثابت ولا تغطية للهاتف النقال… الممثل الوحيد لسلطات الرباط عندهم هو حارس الغابة.” (المصدر: Anfgou : Un douar enterré vivant !)
وحسب جريدة أرباب العمل: الإيكونوميست (28- 01- 09): “أكثر من 70 كيلومتر، أو ما يزيد قليلا عن رحلة ذهاب وإياب بين المحمدية والدار البيضاء، هي المسافة التي يتوجب على ساكن الجماعة القروية أيت حدو يوسف (اقليم شيشاوة)، أن يقطعها في المتوسط لكي يصل إلى أقرب طريق معبدة […]. وحالة هذه الجماعة ليست معزولة. فوحدات قروية أخرى تعاني هي أيضا من العزلة بمتوسط مسافة تقارب 60 كيلومتر.”
أما فيما يخص التعليم: تبلغ نسبة الأمية أزيد من 50 %، أربعة فتيات قرويات من أصل 5 محرومات من التعليم في البادية. وحسب أرقام وزارة التعليم نفسها فإن القاعات الدراسية غير الصالحة تفوق تسعة آلاف قاعة و60 % من المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء وأكثر من 75 % لا ماء فيها، في حين أن 80 % ليس لها مراحيض. ويصل معدل التلاميذ داخل الأقسام، حسب الوزارة دائما، إلى 41 تلميذا بكل فصل!! وتزيد الوزارة قائلة أن الحاجة الحالية إلى المدارس الإعدادية هي 260 مؤسسة سنويا، بينما لا يتم بناء سوى 90 مؤسسة كل عام. ومن بين كل ألف تلميذ يلتحقون بالمدرسة كل سنة، لا يصل إلى السنة السادسة سوى 620 تلميذا فقط.
أما فيما يخص البطالة فإن منظمة العمل الدولية تؤكد أن البطالة في المغرب تفوق 10 %، وترتفع هذه النسبة عندما يتعلق الأمر بالشباب والمتعلم على وجه الخصوص. إذ أكد المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي خلال اشغال منتدى الشباب المغربي، أن معدل البطالة يرتفع مع ارتفاع المستوى التعليمي، إذ يقفز من 7.7 % لدى الشباب الذين لا يتوفرون على أية شهادة الى 28.1 % بالنسبة لحاملي الشهادات المتوسطة، ليصل الى 61.2 % لدى حاملي الشهادات العليا. الشيء الذي يوضح أن مناصب الشغل المتوفرة هي في الغالب مناصب هشة.
وتوضح الإحصائيات حول البطالة أن 70 % من العاطلين يبحثون عن العمل منذ سنة و 80 % من العاطلين لم يتمكنوا من العمل أبدا. مما يعني أن البطالة أزمة بنيوية تحرم المجتمع من قوته المحركة.
كل هذا كان يحدث في ظل ما كان يسمى بـ “الازدهار الاقتصادي”، حيث كانت الأرقام الرسمية تتحدث عن النمو والآفاق الجميلة في ظل حكم الملك الشاب. أما الآن فإن الأوضاع صارت أسوء بكثير جدا. حسب المندوبية السامية للتخطيط النشاط الاقتصادي الوطني حقق خلال الفصل الرابع من سنة 2007 معدل نمو بلغ 2,1 % مقابل 8,1 % خلال نفس الفصل من السنة السابقة (2006). والأكيد أن أرقام سنة 2008 ستكون أسوء، بينما 2009 حتى الدول المتقدمة لا تنتظر منها سوى المزيد من الركود. وبالنظر إلى أن الاقتصاد المغربي موجه أساسا للتصدير فإن آثار الركود العالمي ستكون مدمرة عليه، مما سوف يؤدي إلى المزيد من الإغلاقات والتسريحات المكثفة للعمال.
ووطبعا لهذه الأوضاع تأثير كبير على وعي الجماهير الكادحة وخاصة الشباب منهم، حيث أن الاقتناع بصعوبة بل استحالة العيش في ظل هذه الظروف صار ينتشر بسرعة وبدأت الجماهير تتحرك بما يتوافق وهذه الخلاصة. في الماضي كان الوضع البئيس الذي يعيشه الشباب الكادح وغياب بديل ثوري يجعل أغلبيتهم يفضلون الفرار من هذا الجحيم عبر الهجرة السرية بالرغم من الأخطار (15 ألف شاب، من بينهم عدد كبير من المغاربة، ماتوا في المضيق خلال العشرة سنوات الأخيرة، أي بمعدل 4 قتلى يوميا طيلة عقد من الزمان!). لكن في ظل الأزمة التي صارت تعرفها حتى بلدان الاستقبال نفسها وخصوصا الأوروبية منها، اسبانيا وإيطاليا، لم تعد الهجرة خيارا نافعا للتخلص من براثن البؤس، مما سوف يحتم على الشباب أن يبحث عن بديل من خلال المواجهة وليس الهروب.
وهو بالضبط ما نشهده أولا في التحركات القوية التي تعرفها الحركة الطلابية خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من حدة القمع الذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى سقوط قتلى بين الطلاب المتظاهرين والعديد من الجرحى والمعتقلين الذين لا يزال العديد منهم في السجون.
لهذه التحركات طبعا أهمية في حد ذاتها، حيث تعكس مدى الغليان الموجود بين صفوف الشباب الرافض لظروفه المأساوية، بالإضافة إلى أنها تعكس درجة السخط الذي يغلي داخل المجتمع، أليست الحركة الطلابية بارومترا صادقا لقياس درجة الضغط في المجتمع؟!
وقد بدأت الجماهير منذ مدة في التحرك النضالي عبر انتفاضات متتالية. في الماضي كانت المدة الفاصلة بين انتفاضة وأخرى تصل في المتوسط إلى حوالي خمسة سنوات، بينما خلال السنوات الأخيرة صار من الممكن أن نشهد انتفاضات متزامنة: صفرو، بومال دادس، سيدي إفني. إضافة إلى مئات المسيرات الاحتجاجية والوقفات، الخ.
إننا في رابطة العمل الشيوعي والتوجه القاعدي نعتبر أن ضخامة المظاهرات التي خرجت للتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة والروح الكفاحية التي ميزتها ليست سوى تعبير عن ذلك الضغط وذلك السخط العام، والذي لم يكن ينتظر سوى الشرارة التي تسمح له بالإنفجار. وهذا ما يفسر لماذا تحولت الكثير من تلك المظاهرات التضامنية بشكل سريع إلى مظاهرات للتنديد بالغلاء والاستغلال والخصخصة كما حصل في طنجة ومراكش والرباط على سبيل المثال.
ما هو تأثير الأوضاع الثورية التي تشهدها أمريكا اللاتينية على المغرب؟
حسام بنحمزة: بالرغم من الحصار الإعلامي الكبير على ما يحصل في فنزويلا والذي لا يساهم فيه الإعلام البرجوازي وحده، بل حتى إعلام الأحزاب الإصلاحية لأسباب مفهومة! فإن الجماهير تمتلك نظرة عامة وإن كانت لا تزال مشوشة حول ما يحصل في ذلك البلد الأمريكي اللاتيني. إنها تفهم أن هناك رئيسا يسمى تشافيز، يختلف بشكل مطلق عن الرؤساء والملوك العرب. يعلمون أن الأمر يتعلق بإنسان نزيه يتحدى الإمبريالية الأمريكية ويعمل على تحسين شروط عيش مواطنيه، الخ. كما أن موقفه من الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006، ثم موقفه الأخير من الحرب على غزة زادا إلى درجة كبيرة من شعبيته بين الجماهير العربية وخاصة بين صفوف الشباب. وأقول لكم بدون مبالغة أنه إذا ما ترشح للانتخابات في أي بلد عربي سوف ينجح بالتأكيد (هذا بالرغم من التزوير الفاضح الذي يميز ما يسمى انتخابات في العالم العربي)!
إن قيامه بطرد السفير الإسرائيلي من فنزويلا وتصريحاته ضد العدوان على غزة، شكلت ضربات موجعة لجميع الحكام العرب أكثر مما شكلته بالنسبة لإسرائيل! حيث فضحت تواطئهم وخيانتهم واستفادتهم من قتل الأبرياء في غزة. وهذا ما يفسر موقف ملك المغرب القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا، بحجة مساندتها للبوليزاريو!
ما هي الأفاق أمام الحكومة والنظام المغربيين؟
حسام بحمزة: لسنا بحاجة إلى لغة الأرقام لكي نعرف أن الآفاق أمام النظام القائم بالمغرب مكفهرة. خاصة بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية العالمية والتي لا يدعي حتى أكثر المنظرين البرجوازيين تفاؤلا بقرب انتهائها. يكفي أن نعرف أن الملك السابق الحسن 2 ألقى خطابا أواخر سنوات حياته يؤكد فيه أن المغرب مقبل على السكتة القلبية! وقد كان المغرب آنذاك في المرتبة 123 عالميا، والآن وبعد عقد من حكم الملك “الحداثي”، صار المغرب يحتل المرتبة 126.
النظام المغربي لا يمتلك أي هامش للمناورة أمام ارتفاع حدة النضالات الشعبية، فلا يجد في مواجهتها سوى القمع. وفي هذا السياق اشترى المغرب سنة 2007 من اسبانيا هراوات حديثة فعالة لتعزيز قدراته الدفاعية ضد أجساد المعطلين المحتجين بشوارع الرباط. لكنه لا يتمكن مطلقا من كسر إرادة التحدي التي تميز الجماهير المنتفضة. فإذا كان هذا ما نشهده الآن في مدن صغيرة مثل صفرو وسيدي إفني، كيف سيكون الحال عندما ستتحرك الطبقة العاملة والكادحون في مدن الدار البيضاء والرباط وطنجة، الخ؟!
ماذا يعرف الشباب المغربي عن أخبار تحركات نقابة الطلاب في إسبانيا ضد الاعتداء على غزة، وكيف ينظرون إليها؟
حسام بنحمزة: نقول في وثيقة إعلان مبادئ تيارنا الطلابي: “من نحن وعن أي برنامج ندافع: ” نحن تيار أممي: نناضل بتعاون وتنسيق مع المنظمات الطلابية التقدمية في العالم أجمع – وفي مقدمتها نقابة الطلاب الاسبان Sindicato de Estudiantes- وندعمها ونستفيد من خبرتها.” وهذا ما نجسده عمليا خلال جميع أنشطتنا الجماهيرية داخل الجامعة، ومن خلال المواقع الالكترونية التي نسيرها أو نشارك فيها، حيث نحرص على الدعاية لنضالاتكم ومواقفكم، لكونها تشكل منجما غنيا بالخبرات بالنسبة للطلاب المغاربة. ونحن متأكدون من أن أخبار نضالاتكم تصل شريحة واسعة من الشباب المهتم ليس في المغرب وحده، بل على صعيد العالم العربي بأسره.
إن نضالاتكم وتحركاتكم كانت دائما مصدر إلهام بالنسبة لنا، ويكفي أن نقول في هذا السياق أن الفضل الأول في لقائنا مع الأممية، مما أسفر لاحقا عن تأسيس منظمة رابطة العمل الشيوعي، يعود إليكم أنتم رفاقنا في نقابة الطلاب.
النص بالانجليزية:
Interview with Moroccan Marxist – Massive ferment expressed through Gaza solidarity demonstrations