نشرت جريدة الشيوعي، في عددها الثالث لشهر يونيو 2010، مقالا حول انتفاضة يونيو 1981 بالدار البيضاء، تخليدا للذكرى 29 لهذه الانتفاضة المجيدة.
الأحـــــــــداث:
بحلول شهر يونيو 2010 تكون قد مرت 29 سنة على انتفاضة 20 يونيو 1981 المجيدة، التي فجرها عمال وفقراء مدينة الدار البيضاء والنواحي ضد سياسة التجويع والفقر. فصباح يوم 28 ماي 1981، أعلنت وكالة المغرب العربي للأنباء اعتزام الحكومة المغربية فرض زيادات صاروخية في كل المواد الأساسية: الدقيق 40%، السكر 50%، الزيت 28%، الحليب 14%، الزبدة 76%، وذلك مباشرة بعد زيادات أخرى كانت سنتا 1979 و1980 قد شهدتها.
وقد برر المسئولون آنذاك هذه الزيادات بالحجة المعهودة دائما: الظرفية العالمية وحالة موازنة الدولة وأن هذه الزيادة ضرورية وحتمية اقتصادية، الخ.
كانت الأزمة تلك، دليلا على أزمة النظام الرأسمالي التبعي القائم بالمغرب، الذي لم يحقق للبلاد، بعد عدة عقود من “الاستقلال”، سوى المزيد من التخلف والبطالة والفقر. وحجة أخرى على طفيلية الطبقة السائدة التي تعرض ثروات البلاد لنهب مكثف، وإلى النفقات الهائلة للحرب في الصحراء، التي قدرت آنذاك بمليوني دولار يوميا!
كل هذا كان متواريا إبان فترة الازدهار النسبي للاقتصاد الرأسمالي العالمي، لكن الانحسار الاقتصادي الطويل الذي شهده الاقتصاد العالمي خلال عقد السبعينات، انعكس على المغرب على شكل تدن في مردودية العديد من القطاعات الإنتاجية وفي مقدمتها قطاع الفوسفاط، الذي تقلصت إنتاجيته بنسبة 5,4%، إذ انتقلت في شهر نونبر من أزيد من 26 مليون طن، إلى أقل من 16 مليون طن، إضافة إلى انخفاض مبيعاته في السوق العالمية. كما عرف الميزان التجاري عجزا كبيرا حيث سجل تفاوتا ملحوظا بين قيمة الصادرات (24,4 +%) وقيمة الواردات (33,7+ %). بينما شهد التمويل الخارجي، سنة 1981، تطورا بلغ 55% مقارنة مع سنة 1980، بحيث بلغ 14,2 مليون درهم.
أمام هذا الوضع قرر الحاكمون تعريض العمال والفلاحين وعموم الكادحين للمزيد من التجويع والاستغلال، فطبقت سياسة تقشف قاسية أدت إلى المزيد من ضرب القدرة الشرائية للفقراء وتصاعد البطالة التي بلغت مليون ونصف المليون عند نهاية سنة 1980.
جاءت تلك الإجراءات التقشفية الإجرامية نتيجة لرغبة الطبقة السائدة في تحميل الفقراء والمضطهدين، أي أكثر الفئات هشاشة وانسحاقا، ثقل الأزمة، إذ أن الكادحين هم بطبيعة الحال من عليهم دائما أن يتحملوا تبعات أزمة نظام أعدائهم الطبقيين، في سبيل “المصلحة العامة” و”مصلحة الوطن”، الخ وهي نفس الترهات التي تتردد الآن على مسامعنا والاقتصاد يغرق في مستنقع أزمة عميق، فما أشبه اليوم بالبارحة!
على خلفية هذا الوضع قررت نقابة الاتحاد المغربي للشغل خوض إضراب عام يوم 18 يونيو 1981، ساندته الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث أصدر مكتبها التنفيذي يوم 17 يونيو 1981 بلاغا يدعو فيه الجماهير العمالية إلى المشاركة في إضراب 18 يونيو. لكن حكومة الحسن الثاني تعاملت معه بالتعنت والإصرار على مواصلة حربها الطبقية، مما دفع بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل إلى الدعوة إلى إضراب عام وطني يوم 20 يونيو 1981. وقد كان المطلب الجوهري لهذا الإضراب هو: الإلغاء الفوري الكلي والضروري لكل الزيادات التي عرفتها المواد الاستهلاكية الأساسية في 28 ماي 1981.
كان الإضراب ناجحا، فالحركة الاقتصادية في الدار البيضاء شلت بأكملها، حيث توقفت وسائل النقل عن الحركة وتوقفت الآلات في المعامل عن الدوران. طبعا، فالعمال هم من يحركون بسواعدهم كل القطاعات في المجتمع، وبدون قوة عملهم لا يمكن لأي قيمة أن تضاف أو عجلة أن تدور أو آلة أن تتحرك! وقد انخرطت في الإضراب وشاركت فيه النقابات الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين والنقابة الوطنية للتعليم العالي والاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
للإضراب العام أهمية عظمى لأنه يساهم في تحسيس العمال بقوتهم وبوحدتهم، ولكونه يطرح على المجتمع سؤال: “من السيد هنا؟ هل مالكو وسائل الإنتاج الطفيليون، الذين لا دور لهم في المجتمع إلا امتصاص دم العمال ومراكمة الثروات على حسابهم، أم الطبقة العاملة؟” كما أنه، وهذا هو الأساس، يطرح بشكل واضح مسألة ازدواجية السلطة. ففي كل إضراب يكمن تنين الثورة.
لقد جاء هذا الإضراب تتويجا لموجة من النضالات الجماهيرية العارمة في العديد من القطاعات والمواقع الإنتاجية الأساسية مثل الفوسفاط، والسكك الحديدية، والنسيج، ومعامل إنتاج السكر، وقطاع الموانئ، والتبغ، والصناعات الحديدية، والبترولية، والغذائية. انضم إليها رجال التعليم والصحة وقطاع الأبناك، والشبيبة المدرسية وطلاب الجامعات والتجار الصغار، كما ساهم الفلاحون في حركة الاحتجاج ضد حرمانهم من الأرض(فلاحو قرية أحد كورت، فلاحو جماعة أولاد سعيد الواد، فلاحو قبائل الأوداية).
وكان النجاح الباهر الذي حققه صفعة مدوية في وجه الطبقة السائدة وكل شعارات “السلم الاجتماعي”، فقرر النظام الدكتاتوري التدخل ليفرض على العمال وأصحاب الدكاكين العودة إلى العمل. فشرعت السلطات في إكراه أصحاب الدكاكين على فتح محلاتهم، وإكراه عمال الحافلات على استئناف عملهم، كما بدأت قوات البوليس في تشتيت الشباب والعمال المجتمعين في الأحياء والمقاهي. لكنها فشلت فانضمت إليها قوات الجيش والدرك الملكي والقوات المساعدة على متن الشاحنات العسكرية والمروحيات.
ارتكبت قوات القمع جرائم كبيرة في حق أبناء الشعب الأعزل، مما دفع بالجماهير إلى تحويل الإضراب إلى تظاهرات شعبية عارمة ضد هذه الاستفزازات وللتعبير عن سخطهم على الأوضاع وضد التجويع والاستبداد. آنذاك صارت شوارع البيضاء في يد الجماهير، التي اجترحت بطولات عظيمة وعبرت عن شجاعة كبيرة في تحدي القمع.
لقد كانت انتفاضة 20 يونيو 1981، من القوة والحدة بحيث جعلت العديد من رجال الأعمال ومختلف الفئات البورجوازية وكذا مسئولين سامين في الدولة يتملكهم الفزع والرعب، ومنهم من كان يستعد للهرب “بأمواله” إلى الخارج.
لو توفر آنذاك حزب ماركسي ثوري، ذو مصداقية في أعين الجماهير، وببرنامج انتقالي واضح، لتم توجيه تلك الطاقة النضالية نحو تشكيل المجالس العمالية والشعبية المنتخبة التي تسهر على تسيير الانتفاضة والمتاريس، ولتمت الدعوة إلى تسليح الجماهير لمواجهة القمع الذي كانت قوى الظلام تحضره ضدها. لو توفر مثل ذلك الحزب لكان من الممكن توسيع مدى الانتفاضة الجماهيرية إلى مدن أخرى، وإلى العاصمة الرباط على وجه الخصوص. كان من الممكن ومن الضروري آنذاك أن يتم التآخي مع الجنود العاديين، أبناء الفلاحين والفقراء، والذين يكتوون هم أيضا بنار الغلاء والقهر، ليوجهوا بنادقهم إلى صدور أعدائهم وأعداء الشعب، وليس إلى صدور الجياع المنتفضين. كما أنه لو توفر مثل ذلك الحزب لكان من الممكن أن تتم الدعوة إلى تضامن عمالي أممي مع المنتفضين، الخ.
لكن مثل ذلك الحزب لم يكن موجودا[1]، مما حكم على الانتفاضة الرائعة بالفشل. تمكنت الدولة البورجوازية من استعادة زمام المبادرة فنظمت حملة قمع دموي رهيب ضد الشعب الأعزل. انطلقت موجة من القتل الجماعي حيث استعملت الذخيرة الحية، استهدف حتى النساء والأطفال الذين كانوا يطلون من أسطح المنازل، واستمر استعمال العنف الدموي إلى حدود يوم 21 يونيو.
لم يكن هؤلاء الكادحون مسلحين، بل لم يكن باستطاعتهم حتى الدفاع عن أنفسهم، لكن بالرغم من ذلك (وفي الواقع بسبب ذلك) شن نظام الحسن الثاني ضدهم حملة قمع دموي بالرصاص الحي.
طوقت قوات الجيش كل الأحياء بمدينة الدار البيضاء بالدبابات والسيارات العسكرية، وكانت أول ضحية سقطت بفعل إطلاق الرصاص طفلة بدرب غلف عمرها 12 سنة، ليبدأ حمام الدم في جل أزقة وشوارع الدار البيضاء. وقد بينت التحريات فيما بعد أن الرصاص كان يستهدف الرأس والصدر والقلب. وقد رمي هؤلاء الشهداء في حفر بشكل جماعي، في مقابر جماعية سرية من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ بالقرب من الحي المحمدي، وتقول بعض التقارير إن بعضهم دفنوا وهم كانوا ما يزالون يئنون من جراحهم.
كانت المجزرة رهيبة وكان عدد الشهداء كبيرا، وقد قدرت الجمعيات الحقوقية عدد القتلى بأزيد من 1000 قتيل، كل مطالبهم ما يكفي من الخبز والحليب لأبنائهم.
هذا إضافة إلى مئات الاختطافات والاعتقالات، حتى وصل عدد المعتقلين إلى حوالي 26 ألف معتقل! اعتقلوا بدون محاكمة وفي شروط لا إنسانية مما أدى إلى موت العديد منهم (قتل العديد من المعتقلين في المقاطعة 46، التي أصبحت فيما بعد مقرا لعمالة سيدي البرنوصي زناتة من جراء الاكتظاظ والتعذيب). ووزعت محاكم الدكتاتور قرونا من السجن على الأبرياء، حيث أن غرفة جنائية واحدة وزعت ما مجموعه 1400 سنة سجنا!!
الـدروس:
ليس سرد الأحداث التي وقعت كافيا في حد ذاته لكي نخلد ذكرى أخواتنا وإخواننا وأبناءنا الذين سقطوا بالمئات يوم 20 يونيو وقبلها وبعدها، كما لا يكفي البكاء أو الشكوى. إن ما ينبغي علينا فعله حقا هو تطبيق وصية سبينوزا الذي قال: “عند حدوث الأمور الجلل لا تضحك لا تبك ولا تشتكي، بل افهم”.
إن أعداءنا الطبقيين استخلصوا العديد من الدروس من هذه الانتفاضة، والتي يضيق المجال لذكرها في هذا المقال[2]. ونحن أيضا علينا أن نستخلص الدروس الضرورية لمواصلة النضال من أجل القضاء على نظام الاستغلال والقهر والاستبداد، ومن أجل أن يكون هذا الوطن للجميع. وفي هذا السياق سوف نعمل على الإدلاء ببعض الخطوط العريضة لبعض الدروس التي نرى أنها هامة جدا لمستقبل النضال العمالي الثوري في بلادنا.
إن المرحلة التي نقف على أعتابها هي مرحلة الثورات والثورات المضادة على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني. وبالتالي فإن مسألة استخلاص الدروس ليست ترفا فكريا، بل مهمة جدية وراهنية إلى حد بعيد. ويمكن لكل من ما يزال يشك في هذا الواقع أن ينظر إلى الأمثلة المتتالية التي تقدمها لنا الطبقة العاملة العالمية والشعوب المقهورة في العديد من مناطق العالم: قيرغيستان، تايلاند، اليونان، الخ.
الجيش الذي لا يستفيد من هزائمه ولا يتعلم من أخطاءه محكوم بأن يكررها، وهذا القول الصحيح فيما يتعلق بالحروب بين الجيوش يصدق أيضا على الحروب بين الطبقات، والفرق الوحيد هو أن الهزيمة التي تتكبدها الطبقة العاملة في خضم الصراع الطبقي تكلفها أكثر بكثير من الخسائر التي قد تتكبدها الجيوش المهزومة. تقول الأغنية الشهيرة: أنظر يا رفيقي إلى الدم واعلم أن أيادي الهمجية لا ترحم! وهذا صحيح بشكل تام. إن أيدي الهمجية لا ترحم، فعندما ينهض الفقراء للدفاع عن أنفسهم ضد الاستغلال والقهر يتحرك كل كلاب المجتمع القديم وذئابه المسعورة لسحقهم. فترتكب كل الفضاعات. إن استخلاص الدروس يمكن من تفادي تكرار الأخطاء، فتكون الخسائر قليلة، وتصبح العملية الجراحية الرامية إلى استئصال سرطان الرأسمالية من جسد المجتمع أقل إيلاما.
والجدير بالذكر أن منظمة إلى الأمام كانت قد استخلصت العديد من الدروس من تلك الانتفاضة وهو ما يؤكد عليه الرفيق الصعيب حسن في مقاله الهام “العمل في الأحياء الشعبية تقييم وآفاق“. حيث كانت عاملا مهما في بداية تخليص الرفاق من بعض الأخطاء ذات الأصول الماوية التي طالما شكلت الأساس في تصورهم، من قبيل “الكفاح الثوري الجماهيري في مسيرة الحرب الشعبية الطويلة” و”القواعد الحمراء المتحركة”[3]، أي الدعوة إلى الالتحاق بالبوادي لتشكيل “جيش التحرير الشعبي” من الفلاحين وبعض المثقفين الثوريين. الخ. حيث رفعت المنظمة شعارا جديدا هو: “من أجل منظمة ماركسية-لينينية طليعية صلبة ومتجذرة في الطبقة العاملة والفلاحين”. يقول الرفيق الصعيب في هذا الصدد: “كان يفترض لإنجاز هذا الشعار وترجمته على أرض الواقع, البحث في كل السبل التي تؤدي إلى ذلك, واستغلال كل الشروط والإمكانيات النضالية المتوفرة التي تفسح المجال وتفتح آفاق العمل للالتصاق بالطبقات الأساسية الكادحة, فبحكم الموقع الطبقي المتميز الذي تحتله الأحياء الشعبية حيث تقطنه جماهير غفيرة من الكادحين والمهمشين واحتياطيا هائلا لجيش العاطلين عن العمل وأشباه البروليتاريا, ونظرا للتواجد المكثف للفئات العمالية والبروليتارية العاملة بالمصانع الكبرى والمتوسطة والصغيرة وورشات الإنتاج الأساسية والموانئ, ارتأت المنظمة في إطار خطتها التكتيكية من أجل الالتصاق بهذه الفئات, تسهيلا لمهمة التجذر وسط الطبقة العاملة, أن يرتبط أطر ومناضلو المنظمة بهذه الجماهير في الأحياء الشعبية والعمل على إفراز طلائع عمالية من خلال الالتحام بهم في صيرورة النضال الطبقي واليومي.
فكانت مهمة العمل في الأحياء الشعبية مهمة مساعدة أو مكملة لمهمة التجذر وسط الطبقة العاملة, أو بعبارة أخرى كتكتيك غير مباشر للارتباط بها.” ويؤكد أنه: “لم يحصل التحول النوعي في التوجه للعمل في الأحياء الشعبية برؤية سياسية وإستراتيجية جديدتين إلا مع الانتفاضة الشعبية بالبيضاء في يونيو 1981 حيث أبانت هذه الانتفاضة المجيدة عن طاقات نضالية زاخرة وكبيرة في الأحياء الشعبية, كشكل من أشكال العنف الثوري الجماهيري المنظم.[4]
وعودة إلى سياق حديثنا نقول إن: أول الدروس التي نستخلصها هي أن الجماهير الكادحة من عمال وربات البيوت وصغار التجار والحرفيين، تختزن طاقات هائلة يمكنها إن توفرت القيادة الصحيحة أن تقضي على النظام الرأسمالي القائم بالمغرب. ونخص بالذكر العمال وشباب الأحياء وشباب المدارس والجامعات، الذين شكلوا القوة المحركة للانتفاضة، وبالتالي ينبغي على المناضلين الثوريين أن يولوا هذه الفئة من المضطهدين والمقهورين اهتماما كبيرا، والعمل على الانغراس فيها وتمكينها من بديل ثوري ينقذها
من التدمير الذاتي والمخدرات والسقوط في أيدي المافيا والإرهاب، ويقدم لها قضية نبيلة تعيش من اجلها.
والدرس الثاني الهام جدا هو أن الانتفاضة فن حقيقي، كما كان ماركس ولينين يحبان تسميتها، وليست مجرد نزهة. وبالتالي يجب التعامل معها بكل جدية. ينبغي توفير خطة عمل وبرنامج واضح للمنتفضين. لكن قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليس فقط لم يوفروا مثل هذه الخطة وهذا البرنامج، وليس فقط هم عاجزون عن توفيره، بل إنهم فوجئوا هم أيضا بالانتفاضة، التي أخذتهم على حين غرة. فالكونفدرالية الديمقراطية للشغل لم تصدر أي نداء للتظاهر، ومسئولوها الوطنيون والمحليون مكثوا في مقراتها إلى أن تم اعتقالهم هناك. وتفيد التقارير أنه لم يتم اعتقال أو توقيف أي من مناضلي الاتحاد الاشتراكي أو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في المظاهرات.
ينبغي علينا نحن الماركسيين أن نستعد للانتفاضات المستقبلية بكل جدية، وذلك من خلال صياغة برنامج ثوري واضح، وشعارات مطلبية تكثف مطالب الجماهير على المستوى الاقتصادي والسياسي وتربط النضال من اجلها بالنضال من اجل حسم السلطة السياسية من طرف الطبقة العاملة؛ ينبغي علينا أن نستعد للانتفاضات المستقبلية بالإنغراس في وسط جماهير الطبقة العاملة في المعامل والنقابات والأحياء الفقيرة؛ ينبغي علينا أن نستعد لها بتكوين اطر ثورية من بين الشباب العمالي والفقير، لكي يوفروا القيادة المطلوبة لتوجيه النضال الشعبي نحو النصر.
لقد كان هؤلاء الفقراء الرائعون، هؤلاء الرجال والنساء والشباب والأطفال، الذين خرجوا في شوارع البيضاء يتحدون القمع والطغيان يمتلكون تصورا واضحا عن ما يرفضونه لكنهم لم يكونوا يمتلكون أي تصور عن البديل الذي يناضلون من اجله. لكن مهمة توفير ذلك البديل تقع على كاهل المناضلين العماليين الثوريين.
أما الدرس الثالث فهو كون الإضراب العام يشكل أهم سلاح في يد الطبقة العاملة للدفاع عن نفسها ضد الغلاء والاستغلال. إنه الشكل النضالي الذي يجعل الطبقة العاملة تفهم أنها طبقة قوية فعلا، إذ بتوقفها عن العمل تتوقف كل حركة في المجتمع وتشل كل الأنشطة. الإضراب العام، الذي تخوضه النقابات جميعها شكل أساسي لمواجهة الغلاء والاستغلال والبطالة والاستبداد، وبالتالي ينبغي علينا أن نستمر دائما في الدعوة داخل النقابات وخارجها إلى الرد على كل اعتداء ضد الطبقة العاملة وعموم الكادحين بتنظيم إضراب عام وطني!
لكن مع ذلك علينا أن ننشر الوعي بين العمال بأن الإضراب العام غير كاف، لأنه ليس سوى وسيلة، وليس هدفا في حد ذاته، كما يتوهم الإصلاحيون والفوضويون والعصب. إن الإضراب العام يطرح سؤال من السيد هنا!
ويؤكد على أن الطبقة العاملة إذا قررت أن تتوقف عن العمل فإنه ليس من الممكن لأية عجلة أن تدور، أو دولاب أن يتحرك. لكنه إذ يطرح مسألة السلطة فإنه لا يقدم عنها أية إجابة، مما يستلزم توفر قيادة ثورية ببرنامج انتقالي قادر على تقديم الإجابة عن مسألة السلطة السياسية.
من الضروري مصاحبة الإضراب العام الوطني، خاصة في حالة ارتقاءه إلى انتفاضة ثورية جماهيرية، بتشكيل لجان إضراب، لجان معارك، في الأحياء العمالية والمعامل والمدارس والجامعات، بقيادة موحدة منتخبة ديمقراطيا في جموعات عامة جماهيرية. يجتمع هؤلاء الممثلون المنتخبون ديمقراطيا على صعيد كل مدينة مع ممثلي المدن الأخرى على الصعيد الجهوي والوطني. وتكون مهمتها ليس فقط رفع المطالب بل أيضا وعلى الخصوص التحضير لحسم السلطة الفعلية.
إن ما كان ينقص خلال انتفاضة البيضاء، إضافة إلى الحزب الثوري، هو المجالس العمالية التي في إمكانها تنظيم السيطرة على القطاعات الاقتصادية الحيوية والسلطة السياسية، والتي توجه دعوة إلى عمال وفلاحي باقي أجزاء الوطن إلى الانتفاض، وإلى الجنود العاديين إلى التآخي مع إخوانهم وأخواتهم الفقراء، ثم الدعوة إلى الطبقة العاملة في منطقة المغرب الكبير إلى السير على نفس الدرب من أجل إسقاط أنظمة القهر والتخلف الرأسمالية وبناء فدرالية اشتراكية في منطقة المغرب الكبير، إضافة إلى دعوة إلى الطبقة العاملة العالمية، بدءا من الطبقة العاملة الإسبانية والفرنسية التي تتكون في جزء هام منها من عمال ذوي أصول مغربية ومغاربية، إلى تنظيم التضامن الأممي معها.
الدرس الرابع هو أن علاقة النقابي بالسياسي علاقة وثيقة خاصة في ظل الأنظمة الدكتاتورية فأي مطلب ولو اقتصادي بسيط يصطدم مباشرة بطبيعة النظام الدكتاتوري ويطرح مسألة الحرية السياسية والديمقراطية على الطاولة. مما يفترض طرح برنامج انتقالي، ينطلق من أشد مطالب الجماهير إلحاحا: الغلاء، البطالة، الديمقراطية، الخ ويوسع أفقها.
لقد بدأ النضال على أسس اقتصادية “خالصة” (ضد ارتفاع الأسعار) ثم سرعان ما تحول موضوعيا إلى نضال سياسي، إلى انتفاضة حقيقية ضد الدكتاتورية وجهاز دولتها. لأنه في ظل الأنظمة الدكتاتورية يمكن لأي نضال اقتصادي من حجم معين أن يتجاوز سريعا حدوده الأولى ويتحول إلى نضال سياسي، ضد الحكم الفردي المطلق والاستعباد وضد البوليس، الخ، من اجل الحرية السياسية والحقوق الديمقراطية. لكن القادة النقابيين والسياسيين اليساريين الإصلاحيين لم يكن لهم أي تصور لحسم السلطة السياسية، وبالتالي عندما طرحت مسألة السلطة أحسوا بالرعب من القوى الجبارة التي كانوا السبب العرضي في تحريكها. فضاعت الفرصة واستعادة قوى الظلام والرجعية المبادرة فنظمت المذبحة.
على المناضلين النقابيين الجديين الذين يريدون حقا أن يناضلوا بحزم وتحقيق النصر في نضالهم النقابي، أن يمتلكوا تصورا سياسيا واضحا وبرنامجا علميا معدا بشكل مسبق. لا بد من طرح شعارات سياسية واضحة على جدول أعمال كل إضراب عام، من قبيل: الحرية السياسية، حق التعبير والتنظيم، انتخابات حرة وديمقراطية، الخ. وربطها بالنضال من اجل حسم السلطة السياسية من طرف الطبقة العاملة ومصادرة القطاعات الاقتصادية الكبرى، باعتبار ذلك الضمانة الوحيدة لترسيخ تلك المكاسب وديمومتها.
- فلتسقط الدكتاتورية!
- فلتسقط الرأسمالية!
- عاشت الثورة الاشتراكية!
الهوامش:
[1] رغم وجود منظمة إلى الأمام وبعض المناضلين الثوريين، والذين لعبوا دورا هاما في الانتفاضة وقدموا الكثير من التضحيات.
[2] نكتفي فقط بالإشارة إلى ومن بين أولى الخطوات التي قامت بها الدولة المغربية لمحاصرة مثل هذه التحركات الجماهيرية والتحكم فيها كانت تقسيم مدينة البيضاء إلى أربعة عمالات سنة 1981، ثم خمسة سنة 1985، و6 سنة 1990، الخ.
[3] انظر على سبيل المثال: الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية.
[4] نقول هذا دون أن ندعي أن إلى الأمام تمكنت من الحسم نهائيا مع تلك الأخطاء، لكن نقاش هذا الموضوع يخرج بالورقة عن مهمتها الأساسية.