آلان وودز
14 أبريل 2018
في عملية صباحية مبكرة، قامت الولايات المتحدة و”حلفاؤها”، المملكة المتحدة وفرنسا، بقصف أهداف حكومية متعددة في سوريا استهدفت مواقع لأسلحة كيمياوية مزعومة. قالت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) إن الضربات استهدفت العاصمة دمشق بالإضافة الى موقعين بالقرب من مدينة حمص. وقال الرئيس ترامب، في خطاب وجهه للأمة من البيت الأبيض، حوالي الساعة 21:00 بالتوقيت المحلي (02:00 بتوقيت غرينتش): «لقد قامت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بتعبئة قواها الخيرة ضد البربرية والوحشية»
وفي إفادة من البنتاغون، بعد فترة وجيزة من إعلان ترامب، أشار الجنرال جوزيف دانفورد إلى ثلاثة أهداف تم ضربها:
- منشأة للبحث العلمي في دمشق، يزعم أنها مرتبطة بإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
- منشأة لتخزين الأسلحة الكيميائية غرب حمص.
- موقع لتخزين معدات الأسلحة الكيميائية ومركز قيادة هام بالقرب من حمص.
تشير التقارير الأولية إلى أن 110 من صواريخ كروز وصواريخ جو أرض استهدفت منشأتين للأسلحة الكيميائية ومركزا للقيادة داخل سوريا. لكن بعض التقارير تدعي أن الدفاعات الجوية السورية أسقطت غالبية تلك الصواريخ. وعلى أي حال فإن جميع تلك المواقع كان قد تم إخلاؤها بالفعل. كان هذا بسبب أن روسيا، التي كانت قد أبلغت بالهجوم مسبقا من قبل الأمريكيين، أرسلت التحذير إلى حلفائها السوريين.
وقال التلفزيون الحكومي السوري إن القوات الحكومية أسقطت أكثر من 12 صاروخا وادّعى أن منشأة البحوث في دمشق وحدها من تضررت، وأضاف أن ثلاثة مدنيين أصيبوا في حمص.
خطوة عقيمة
يعتبر هذا الهجوم تكرارا حرفيا لما حدث منذ 12 شهرا، عندما أطلق الأميركيون حوالي 50 صاروخا من طراز توماهوك ضد مطار فارغ في سوريا. ومهما كان الضرر المحدود الذي وقع، فقد تم إصلاحه بسرعة. كانت آثار الهجوم على الحرب الأهلية السورية المتواصلة هي صفر، وعلى الرغم من أنها أطلقت هذه المرة ضعف عدد الصواريخ، فإنه من الواضح أن الآثار العملية في سوريا هذه المرة ستكون أقل من الصفر.
هناك عدد من الجوانب الغريبة للعملية الحالية. يزعمون أن الدافع وراءها -وهم يقولون الآن إنه الدافع الوحيد- هو الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في دوما. رغم أن الروس والسوريون كانوا قد نفوا مرارا وتكرارا أي هجوم من هذا القبيل. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أكد بأن الروس يمتلكون أدلة دامغة على أن الأمر برمته كان عملا نظمه الجهاديون في دوما، بالتعاون مع قوة أجنبية لم يكشف عن اسمها.
من وجهة النظر العسكرية لن يكون لهجوم هذا الصباح أية أهمية. لا يمكن أن يتسبب في أي ضرر حقيقي أو دائم لإمكانيات الأسد العسكرية، كما أنه لا يمكن أن يساعد المتمردين على استعادة ما فقدوه. كل المؤشرات تدل على أن الحرب الأهلية في سوريا قد اقتربت الآن من نهايتها. إن الأسد صار الآن في وضع أقوى من أي وقت مضى، والآن كل الحديث عن إزاحته بواسطة التدخل الغربي مجرد كلام فارغ، وهم يعرفون ذلك.
لقد استغل الغرب بشكل متكرر تهمة استخدام الأسلحة الكيماوية لتبرير إجراءاته العدوانية ضد سوريا، التي تهدف إلى خلخلة التوازن العسكري لصالح المتمردين (الذين هم في الواقع متطرفون جهاديون مرتبطون بالقاعدة، والذين سبق لعضو البرلمان البريطاني المحافظ أن وصفهم بـ “المجانين”) وإسقاط بشار الأسد.
لكنهم فجأة صاروا الآن يغنون نشيدا مختلفا، فقد أكدت تيريزا ماي أن الهجوم الحالي لا يرمي إلى تغيير النظام في سوريا، وأنه مجرد إجراء محدود بأهداف محدودة، لوقف استخدام الأسلحة الكيميائية، إلى آخره إلى آخره. يمكن للمرء أن يكتشف من وراء هذه التعليقات المثيرة للشفقة، العجز والخوف وحتى الذعر. ويعتبر هذا التصريح أقرب إلى حقيقة الوضع من تلك الخرجات الاعلامية المتبجحة السابقة.
وقد كان ترامب حريصا على أن يضيف في كلمته هذا الصباح أن: «الهدف من إجراءاتنا هذه الليلة هو إقامة رادع قوي ضد إنتاج الأسلحة الكيميائية ونشرها واستخدامها». إن الهدف من وراء الإجراء الحالي ليس كسب الحرب أو الإطاحة بالأسد، والتي هي أهداف تتجاوز قدرتهم بالكامل، إنها مجرد خطوة فارغة تهدف إلى إقناع العالم بأن القوة الأمريكية ما تزال عاملا ذا أهمية، كما أنها نابعة من رغبة دونالد ترامب في دعم موقفه في مواجهة الهجمة المتواصلة والحازمة من جانب أعدائه في واشنطن وإثبات موقفه المعادي لروسيا.
الخوف من استفزاز روسيا
في كلمته السابقة، قال الرئيس ترامب: «نحن على استعداد للاستمرار في هذا الرد حتى يتوقف النظام السوري عن استخدامه للمواد الكيمياوية المحظورة». لكن الجنرال دانفورد أكد أن موجة الضرابات قد انتهت، كما سارع وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إلى التأكيد للصحفيين بأن الأمر يتعلق “في الوقت الحالي بضربة واحدة فقط”. وعلى الرغم من نفي البنتاغون، فإنه من الواضح تماما أن روسيا كانت قد تلقت مسبقا إشعارا بالأهداف. وقال الجنرال دانفورد إن الولايات المتحدة حددت على وجه الدقة أهدافا من شأنها “التخفيف” من مخاطر وقوع ضحايا روس.
وفجأة سارع الزعماء الغربيون بعضهم البعض ليؤكدوا للعالم (ولا سيما موسكو) أنه ليست لديهم أي رغبة على الإطلاق في مواصلة إطلاق الصواريخ على سوريا، ولا هم يرغبون في استفزاز روسيا أكثر من ذلك. في الأيام القليلة الماضية، وبعد الحملة الإعلامية الهستيرية الأولية والبيانات الحربية التي أصدرها البيت الأبيض، صارت تغريدات ترامب معتدلة بشكل غير معتاد في لهجتها.
على الرغم من عدم وجود أي رد من جانب روسيا حتى الآن، فقد قال سفيرها في الولايات المتحدة إن الهجوم على حليفها “لن يمر دون عواقب”. والسبب الرئيسي لعدم وجود رد فعل عسكري هو أن أيا من تلك الصواريخ لم يسقط في أي مكان بالقرب من المناطق التي تغطيها الدفاعات الجوية الروسية. لو أنها استهدفت تلك المناطق لكانت ستتعرض للصد في السماء. بل إن الروس حذروا من أنهم قد يقومون بهجوم مضاد، وضرب القواعد أو السفن التي أطلقت الصواريخ.
من الواضح تماما أن الأشخاص الأكثر حكمة في واشنطن قد هيمنوا وتم تجنب مواجهة أكثر جدية. طيلة فترة الـ 24 ساعة الماضية، التي استغرقتها الأزمة الحالية، كان الرئيسان ترامب وبوتين على اتصال هاتفي منتظم، كما كان الحال بين الجيش الروسي والأمريكي. ويكشف هذا الواقع عن الوضع الحقيقي، أكثر بكثير من ذلك الصراخ الصادر عن لندن وباريس.
إن الجنرال ماتيس، وعلى الرغم من لقبه “الكلب المجنون”، هو رجل ذكي ويفهم جيدا العواقب المحتملة للقيام بعمل عسكري في سوريا. فبعد التجارب الكارثية في العراق وأفغانستان، لم تعد لا له ولا للبنتاغون ولا للرأي العام الأمريكي أية شهية للانجرار إلى حرب برية في سوريا. ومن عجيب المفارقات هنا أن الجنرالات الأميركيين قد أظهروا قدرا من الحس السياسي، في هذه المناسبة، أكبر من العديد من السياسيين.
هل سيسعى ترامب للتوصل إلى اتفاق؟
إذا كنا نعرف أي شيء عن الرئيس الحالي، فإن هذه المغامرة الأخيرة ستكون الخطوة الأولى في محاولة التوصل إلى اتفاق مع بوتين، وهو ما كان ترامب يريده منذ البداية. دونالد ترامب انعزالي، وليس لديه أي اهتمام بسوريا ويرغب في إبرام صفقة (إنه يفتخر بكونه بارعا في عقد الصفقات) مع بوتين. فبعد أن قام بإظهار عضلاته وتصميمه على “الوقوف في وجه روسيا”، بدأ يعد العدة للمفاوضات و”عقد الصفقات”.
هل يبدو هذا غير مرجح؟ ليس ذلك أكثر غرابة من إعلان ترامب رغبته التفاوض وجهاً لوجه مع “رجل الصواريخ الصغير” نفسه الذي كان قد هدده منذ وقت ليس ببعيد بأنه سيمسح بلده من وجه الأرض. سيزعم الآن أنه بعد أن أنقذ الكوكب من الحرب العالمية الثالثة ووضع روسيا في مكانها الطبيعي، فقد حان الوقت للتفاوض على السلام ووضع حد لسباق تسلح مكلف وغير ذي جدوى.
ستكون مثل هذه الخطوة أكثر شيء ذكي يمكن القيام به من وجهة نظر ترامب. من المؤكد أنها ستضع أعداءه في موقف حرج سواء في الداخل أو في الخارج. ومن شأن ذلك أيضا أن يحرج أمثال تيريزا ماي ووزير خارجيتها بوريس، المهرجان اللذان كانا يصرخان بصوت أعلى من بقية الزمرة حول “الخطر الروسي” واللذان سيتعين عليهما الآن إيجاد طرق ووسائل لابتلاع ما تقيئوه. نتمنى لهما شهية طيبة.
بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية، دمرت سوريا وقتل ملايين الناس أو شوهوا أو أجبروا على ترك منازلهم. لقد تمزقت سوريا وقد لا يتم إصلاحها أبدا. كل الناس الأسوياء يرغبون بشدة في إنهاء هذا الصراع الدامي. لكن أولئك الذين يصرخون بصوت أعلى وبإصرار أكبر بشأن البعد الإنساني والسلام هم الذين يعملون أكثر على صب الزيت على ألسنة اللهب والحفاظ على استمرار الحرب. إن المجرمين الرئيسيين هم الإمبرياليون الأمريكيون وأتباعهم الكلبيون الأنذال في لندن وباريس.
إن “القوة الخيرة” لبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية هي قوة الإمبريالية التي لم تمثل في أي وقت من الأوقات أي شيء سوى المصالح الكلبية للطبقة الحاكمة. إن تاريخ هذه القوى بأسره هو بالضبط تاريخ الهمجية والوحشية، خاصة ضد شعوب الشرق الأوسط.
آخر ما يهم هؤلاء السيدات والسادة هو مصير شعب سوريا المسكين الذي يبقى الضحية الصامتة لمكائدهم ومناوراتهم الإجرامية. إن حديثهم عن السلام والنزعة الإنسانية ليس سوى غطاء منافق لسعيهم وراء مصالحهم الأنانية في الشرق الأوسط. وعلى حد تعبير المؤرخ الروماني تاسيتوس: “عندما صنعوا الهمجية، أطلقوا عليها اسم السلام”.
عنوان النص بالإنجليزية: