يمر النظام الرأسمالي اليوم بأعمق أزمة شهدها في تاريخه، أزمة لم تعد مقتصرة على بلد دون الآخر أو قارة دون الأخرى، بل هي أزمة عالمية بكل معنى الكلمة. كما أنها ليست مجرد أزمة اقتصادية عابرة، مثل الأزمات الدورية التي شهدتها الرأسمالية منذ ميلادها، بل هي أزمة شاملة وطويلة الأمد. أزمة في الاقتصاد والسياسة والبيئة والأفكار والقيم، الخ. إنها بكل تأكيد أزمة الانحطاط والاحتضار النهائيين للرأسمالية.
لكن النظام الرأسمالي يرفض أن يموت ويدفن، إنه يقاوم. وهذا طبيعي، إذ لم يشهد التاريخ أبدا طبقة تخلت بملئ إرادتها عن امتيازاتها وثرواتها وسلطتها بدون خوض حرب شرسة، تكون مستعدة خلالها لجر كل الحضارة معها إلى الهاوية. لذلك تصير مهمة الطبقة التقدمية، الطبقة العاملة في وقتنا الحالي، هي إطلاق رصاصة الرحمة على رأس النظام المحتضر واستبداله بنظام جديد وعلاقات جديدة. وهذا هو ما تعنيه الثورة.
وبالفعل، يعيش العالم اليوم على وقع نهوض ثوري عارم، ليس مقتصرا على البلدان المستعمرة سابقا، بل امتد صداه إلى معاقل الرأسمالية العالمية، وإن في شكل ما يزال جنينيا (حركات احتلال الساحات بالولايات المتحدة الأمريكية، حركة الساخطين وحركة نقدر في إسبانيا، النهوض النضالي الرائع في اليونان، الخ).
نفس النهوض الثوري نراه في المنطقة المغاربية والشرق أوسطية، حيث تمكنت الجماهير الكادحة من إسقاط عدد من أعتى الدكتاتوريين في المنطقة، وما تزال الحركة الثورية مستمرة، عبر فترات جزر ومد، هزائم وانتصارات.
إن ما يجعل السيرورة الثورية طويلة ومؤلمة هو غياب قيادة ثورية حازمة وجريئة، تمتلك برنامجا اشتراكيا أمميا، قادرة على قيادة الطبقة العاملة إلى حسم السلطة وإنجاز مهام التغيير الاشتراكي للمجتمع. أي قيادة مثل تلك التي توفرت للطبقة العاملة الروسية خلال ثورة 1917.
ستضيع أفضل الانتصارات هباء وستتبدد أعظم الجهود والتضحيات، وستبقى السيرورة طويلة وستبقى مؤلمة طالما لم تتوفر مثل هذه القيادة. هذا ما تبينه لنا تجربة أزيد من قرن من الثورات المجهضة (في أوربا وإفريقيا وآسيا وأمريكا).
إن بناء الحزب الثوري مهمة ملحة وآنية، على الجيل الجديد من الشباب الثوري أن يضعها على كاهله ويشرع في إنجازها. ومساهمة منا في خدمة هذه القضية لا بد أن أفضل ما يمكننا أن نقدمه للجيل الجديد من الشباب الثوري من الناطقين باللغة العربية هو كتاب المنظر الماركسي آلان وودز عن الحزب البلشفي، الذي يتقصى بدقة وعمق تاريخ الحزب البلشفي من كل جوانبه، ويشرح كيف تمكن، عبر تاريخ من العمل الدؤوب، والإخفاقات والنجاحات، من قيادة الطبقة العاملة إلى حسم السلطة، كتاب: “البلشفية: الطريق نحو الثورة”.
هيئة تحرير موقع ماركسي
02 دجنبر/كانون الأول 2014