«المركب الجامعي ظهر المهراز، بمدينة فاس، شهد الخميس مناوشات، تطورت فيما بعد إلى مواجهات بين طلبة كل من فصيلي التجديد الطلابي والنهج الديمقراطي القاعدي، استعملت فيها الأسلحة البيضاء، نتج عن هاته المواجهات إصابة ثلاثة طلبة تم نقلهم على الفور إلى المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس لتلقي العلاجات الضرورية، قبل أن تعلن إدارة المستشفى اليوم الجمعة عن وفاة الطالب عبد الرحيم الحسناوي بقسم الإنعاش حيث كان يخضع لعلاجات مكثفة». بهذه الكلمات أعلنت وكالة المغرب العربي للأنباء خبر الأحداث التي شهدتها جامعة فاس الخميس الماضي.
وقد اندلعت تلك المواجهات على خلفية احتجاج قاده فصيل النهج الديمقراطي القاعدي-البرنامج المرحلي- (ستاليني)، ضد حضور أحد قادة حزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، الذي كان قد شارك شخصيا في عملية قتل الطالب اليساري محمد أيت الجيد بنعيسى، أوائل تسعينيات القرن الماضي في ساحة نفس الجامعة، وهو الحضور الذي كان “للمساهمة” في ندوة حول موضوع: “الإسلاميين واليسار والديمقراطية”.
مباشرة بعد ذلك بدأت الأحداث تتسارع بوتيرة تبعث على التساؤل، فمحمد السادس، حسب ما صرح رئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إليه الطالب المقتول، عبد الإله بنكيران، «أعطى توجيهاته لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي لظاهرة العنف في الجامعات المغربية». وبالفعل أطلقت وزارة الداخلية حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي تيار النهج الديمقراطي القاعدي.
كما سافر بنكيران ووفد كبير من قادة حزب العدالة والتنمية والوزراء التابعين للحزب في طائرة رسمية، تابعة لرئاسة الحكومة، وبأموال عمومية، يوم السبت الماضي، إلى منطقة قصر الجرف بالرشيدية، للمشاركة في تشييع جنازة الطالب عبد الرحيم الحسناوي. وصرح أثناء مراسيم العزاء «إن العنف في الجامعات منكر وحرام، وإن الدولة عازمة بتوجيهات من الملك محمد السادس من التصدي لهذا العنف الإجرامي».
وتؤكد تقارير متطابقة أن وزارة الداخلية قد بدأت حملة اعتقالات واسعة في صفوف النهج الديمقراطي القاعدي، وصلت إلى حدود كتابة هذه الأسطر إلى أكثر من 10 مناضلين يتابعون بتهمة القتل العمد أو المشاركة فيه سواء في فاس، أو في مدن أخرى (اعتقال خمسة أفراد بمدينة مكناس، وثلاثة آخرين بمدينة الراشدية، وآخرين بمدينة وجدة….
وفي نفس السياق طالبت منظمة التجديد الطلابي، الجناح الطلابي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في شخص رئيسها رشيد العدوني، الدولة المغربية بإعلان «النهج الديمقراطي القاعدي (البرنامج المرحلي)، تنظيما إرهابيا، واتخاذ ما يستوجبه ذلك من إجراءات قانونية وأمنية، داعيا إلى لحظة إجماع وطني من أجل التصدي لكل أشكال العنف داخل الجامعة وفي المجتمع المغربي ككل».
جماعة العدل والإحسان بدورها لم تبق بعيدة عن الصورة، إذ سارعت بدورها، في شخص حسن بناجح عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، إلى محاولة استغلال الوضع لتجييش الدولة ضد التيار المذكور وانتقدت سياسة الدولة داخل الحركة الطلابية التي قامت على «التضييق على أخيارها [أي جماعته] وفسحا للمجال لأشرارها [اليساريين]». ودعا «جميع الغيورين المعنيين إلى تكثيف الجهود وتنسيق الصفوف للوقوف بقوة للتنديد بالإرهاب الطلابي الذي اغتال الشهيد الحسناوي رحمه الله والبحث الجدي عن سبل تحصين الجسم الطلابي من خلال إطلاق حوار طلابي وشبابي صادق وفعال».
إن السرعة التي توالت بها الأحداث تثير الاستغراب. وكأن الجميع كان مستعدا مسبقا لأن يلعب دوره في مسرحية درامية فصولها محفوظة مسبقا عن ظهر قلب. دراما تبدأ باستدعاء قاتل أيت الجيد للحضور إلى الجامعة التي شهدت تنفيذه لجريمة القتل قبل ما يزيد عن عقدين، لاستفزاز المناضلين اليساريين وجرهم إلى مواجهات تكون الذريعة التي يمكن من خلالها عسكرة الجامعة وتمرير مخططات النظام في حقل التعليم، خصوصا بعد توالي الحديث عن ضرورة بناء “قطب جامعي بمواصفات دولية” خارج مدينة فاس بعد تفتيت الحرم الجامعي ظهر المهراز الذي شكل على عقود طويلة قلعة لليسار والفكر التقدمي بالمغرب.
جاء حزب العدالة والتنمية وذراعه الطلابي مستعدين لهذه “الندوة” بإنزال وطني وبالأسلحة (للإشارة فإن الطالب المقتول لا ينتمي إلى جامعة فاس، فقد جاء أو بالأصح جيء به من مكناس)، ربما اعتقد حزب بنكيران أنها ستكون لصالحهم وستشكل مبررا كافيا لعسكرة الجامعة وشن حملة قمع واسعة النطاق في صفوف الجماهير الطلابية وأعضاء النهج الديمقراطي القاعدي. الاحتمال الوحيد الذي لم يضعوه في حسبانهم ربما هو أن تتطور تلك المواجهات إلى سقوط قتيل في صفوفهم.
حملة الإدانات ضد فصيل النهج الديمقراطي القاعدي لم تأت فقط من عند بنكيران وحزبه وجماعة العدل والإحسان، بل كذلك من بعض التيارات اليسارية. حيث سارع الجميع إلى النأي بنفسه عما وقع، و”إدانة العنف بكل أشكاله”، وتقديم التعازي…الخ.
من الواضح أن التقليد الذي رسخه النظام الدكتاتوري القائم طوال سنين والمتمثل في تلفيق التهم وإصدار الأحكام، دون الحاجة إلى أي تحقيق أو محاكمة عادلة، قد أصاب بعدواه الكثير من التيارات التي تقول عن نفسها إنها “معارضة”، بل وبعضها يسمي نفسه لأسباب لا نفهمها “يساريا”.
لا أحد كلف نفسه عناء التساؤل عن مصداقية الرواية الرسمية ورواية العدالة والتنمية للأحداث. لا أحد تسائل عن الأسباب الحقيقية لموت ذلك الطالب، هل فعلا مات بفعل عنف مورس ضده من طرف التيار المذكور، أم بسكتة قلبية، وإذا كان قد قتل، هل كان الفاعل أحد مناضلي الفصيل المذكور أم هو عميل بوليسي استفزازي، عضو في العدالة والتنمية (وما أكثرهم) أو مخترق للنهج الديمقراطي القاعدي؟ ثم هل مات بفعل ضربة خلال المواجهات أم بسبب الإهمال الطبي، الخ.
لا بد أن كل تلك الأسئلة لا داعي لها، كما أنه لا داعي للتحقيق أصلا، فالمهم هو المسارعة لاستثمار ما حدث. النظام يريد اجتثاث الفعل الأوطمي بجامعة محمد بن عبد الله، وتبرير تغوّل الدولة البوليسية وعسكرة الجامعات المغربية، التي يخشى أن تشعل شرارة الثورة المغربية التي يحسها قادمة. بنكيران وحزبه، وإلى جانب إنجاح المخطط المذكور، يريد أن يلعب ورقة المظلومية لترميم صفوف حزبه واسترجاع بعض الشعبية على مشارف الانتخابات المقبلة. وجماعة العدل والإحسان تريد أن تقوم الدولة بالعمل القذر عوضا عنها فتنزل بثقلها لسحق ذلك التيار، لتتمكن من إزاحة منافس قوي لها في الساحة الجامعية بفاس.
والمشكلة هي أن أغلبية التيارات اليسارية تفكر بدورها بما يشبه نفس المنطق، ولسان حال بعضها يقول: “فلنترك الدولة تسحقهم فهم يستحقون ذلك”. نحن نتفهم مشاعر الغضب التي يشعر بها الكثير من المناضلين اليساريين والتيارات اليسارية تجاه هذا التيار، حيث لم يسلم أحد من عنفه وهجوماته، بمن فيهم مناضلون سابقون قياديون في صفوفه. وكان آخر ما حدث هو اختطافهم لبعض مناضلي حزب النهج الديمقراطي بوجدة وممارسة التعذيب عليهم الخ من الممارسات المدانة. لكننا رغم ذلك لا يمكن أبدا أن نقف إلى جانب الدولة في قمعها لتيار يساري، أبدا على الإطلاق.
في الواقع إن النهج الديمقراطي القاعدي تيار يتصف بأسوأ مميزات التيارات الستالينية وتقاليدها: استعمال العنف بكل أنواعه بما في ذلك ضد التيارات اليسارية لحل المسائل السياسية، قمع الرأي المخالف، النضال الاستبدالي حيث يفرض نفسه متكلما ومقررا باسم الجماهير ويماهي النقابة الطلابية مع ذاته، الخ. وقد عانينا نحن الماركسيين (وخاصة فصيلنا الطلابي التوجه القاعدي) الكثير من ممارساته ضد مناضلينا طوال سنوات، وخاصة في موقع فاس، الاعتداء الجسدي واللفظي والتشهير والترهيب النفسي… لكن هذا لن يجعلنا ننخرط في “الحرب المقدسة” التي تشن اليوم ضد مناضليه.
ونقول لمن انخرطوا بشكل أو بآخر، إما بتأييد القمع ضده، أو بالصمت على ما يحدث من انتهاكات واختطافات وتعذيب لمناضليه:
- تذكروا جيدا، إن الدولة القائمة بالمغرب، دكتاتورية رجعية على طول الخط، ولا يمكنها أن تنجز مهمة تقدمية من قبيل القضاء على العنف داخل الجامعة، أو تحويل الجامعات إلى ساحات للنقاش الحر والديمقراطي، فهي أول مسؤول عن تحويل الساحة الجامعية المغربية إلى ساحة للعنف وقمع الحوار.
- تذكروا جيدا إنها لا تمارس عنفها ضده من أجل الانتقام لنا لما عانيناه من عنف ذلك التيار وممارساته اللامبدئية.
- وتذكروا جيدا كذلك مقولة الثور الأسود عندما جاء دوره.
نقول هذا رغم أننا من بين أكثر التيارات التي تعرضت للقمع والتضييق والتشهير من طرف تيار النهج الديمقراطي القاعدي. لطالما منعنا من تنظيم أنشطتنا في موقع فاس، وتعرض رفاقنا للتعنيف والتهديد. وكثيرا ما تم قمع حتى المتعاطفين معنا، بل حتى الطلاب العاديين الذين لا تجمعهم بنا سوى علاقة إنسانية أو زمالة عادية في مقاعد الدراسة. لقد استعملوا ضدنا أساليب خسيسة، يضيق المجال عن ذكرها.
لكن موقفنا لا نبنيه على أساس رد الفعل، أو بناء على موقف الآخر منا أو من غيرنا، بل نبنيه على أساس تحليل علمي موضوعي. وموقفنا هو: لا تعاون أبدا مع الدولة البرجوازية، لا لاستعداء الدولة ضد التيارات اليسارية، لا لتدخل الدولة في شؤوننا نحن الطلاب بأية ذريعة كانت.
إدانة مبدئية للعنف أم نفاق؟
الدولة المغربية تدين عملية القتل!!! لكن مهلا ! هل تمتلك هذه الدولة أية شرعية لإدانة أي شكل من أشكال العنف، بما في ذلك القتل؟ كلا، على الإطلاق ! إن الدولة المغربية دولة قمعية لم تتوان أبدا عن استعمال أي شكل من أشكال العنف حتى ضد المدنيين العزل، سواء في جبال الريف سنة 1959، أو في شوارع البيضاء 1965 و1981، أو في مراكش وتطوان والحسيمة والناظور والقصر الكبير، الخ سنة 1984، أو في فاس وطنجة سنة 1991. إنها دولة لم تتورع عن استعمال الرصاص الحي ضد الطلاب المغاربة سنة 1987 مما أدى إلى سقوط شهيدين على الأقل: زبيدة وعادل. إضافة إلى قتل الشهيد العزوزي، ثم الفيزازي سنة 2013. كما أنها هي من قتلت شهداء حركة عشرين فبراير بدم بارد وهم الذين لم يرتكبوا أي ذنب سوى رفع شعارات تطالب بالحرية والديمقراطية.
كلا إنها دولة لا تمتلك أية شرعية في إدانة العنف، أو “التصدي لظاهرة العنف في الجامعات المغربية” فهي أول مصدر للإرهاب والعنف داخل الجامعات وفي الشوارع والأحياء العمالية والبوادي.
وحزب العدالة والتنمية بدوره يدين العنف!!! فكما رأينا أعلاه قال بنكيران “إن العنف في الجامعات منكر وحرام”. كما أن منظمة التجديد الطلابي، نددت بالعنف بدورها ودعت الدولة المغربية إلى إعلان «النهج الديمقراطي القاعدي (البرنامج المرحلي)، تنظيما إرهابيا، واتخاذ ما يستوجبه ذلك من إجراءات قانونية وأمنية، داعيا إلى لحظة إجماع وطني من أجل التصدي لكل أشكال العنف داخل الجامعة وفي المجتمع المغربي ككل».
لكن حزب العدالة والتنمية تنظيم أغلب قادته الحاليين، بمن فيهم زعيمه بنكيران، والعديد من القادة الآخرين، ينحدرون مباشرة من حركة الشبيبة الإسلامية الإرهابية المسؤولة فعليا عن قتل المناضل النقابي اليساري عمر بنجلون ! كما أن تنظيمهم الطلابي، وعلى رأسهم حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية اليوم، مسؤول عن مقتل الطالبين اليساريين أيت الجيد محمد بنعيسى والمعطي بومليل، في بداية التسعينات. كلا إنهم لا يملكون أية شرعية لإدانة العنف في الجامعة، فهم أول من مارس العنف والقتل داخل الساحة الجامعية المغربية.
وإضافة إلى هذا فإن بنكيران شخصيا كان قد بعث رسالة إلى وزير الداخلية الدموي الأسبق، إدريس البصري، يعرض فيها التعاون من أجل تشديد القمع على المناضلين اليساريين، حيث يقول:
«نشاط هذه الجمعية [الجماعة الإسلامية] يقوم على دعوة الناس عامة والشباب خاصة إلى الالتزام بالإسلام باعتباره شاملا لحياة الإنسان والمجتمع من حيث العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات، ووجدت هذه الدعوة في تلك الأيام إقبالا كبيرا من الشباب وخصوصا بعد أن تصدى الشباب المسلم الملتزم للشباب اليساري في الثانويات والجامعات» (التشديد من عندنا)
ويقول:
«انتسبت إلى الشبيبة الإسلامية سنة 1976 ووجدت أعضاءها ـ والحق يقال ـ على حسن التزام بالإسلام واقتناع بأنه ليس دين المسجد فقط بل يشمل كل مواقف الحياة، وكذا وجوب توقيف مد الإلحاد المؤدي إلى الفساد وخصوصا في صفوف الطلبة».
بهذه الكلمات توجه بنكيران عضو المنظمة الإرهابية الجماعة الإسلامية، المسؤولة مباشرة عن قتل المناضل النقابي اليساري عمر بنجلون، إلى سيده وزير الداخلية الدموي آنذاك، مصورا صراعهما ضد اليسار بأنه صراع الإسلام ضد الكفر، ومعترفا بأن مهمته هي التصدي للشباب اليساري في الثانويات والجامعات. إنه كلب مسعور في خدمة أسياده منذ البداية. وبالتالي فإنه لا يمتلك أية شرعية لإدانة العنف، وقد كان هو أول من لجأ إليه ضد المناضلين الشرفاء الذين وقفوا في وجه نظام الحسن الثاني وقدموا التضحيات الجسام خدمة للشعب المغربي والوطن.
نفس الشيء يقال عن جماعة العدل والإحسان التي تحاول اليوم تصوير نفسها كحمل وديع يندد بالعنف ويدعوا إلى “الحوار السلمي الحضاري”. مراهنة على ضعف ذاكرة الشعب المغربي والحركة الطلابية المغربية لكي تنسى مشاركتهم، إلى جانب إخوانهم في الإصلاح والتجديد سابقا (العدالة والتنمية حاليا)، في قتل الطالب أيت الجيد محمد بنعيسى واختطاف وتعذيب وقتل الطالب المعطي بومليل بطريقة وحشية ورمي جثته في المزبلة بداية التسعينات و إشعال فتيل المواجهات في الجامعات المغربية على الأقل مرة كل سنة بجامعات فاس – مراكش – مكناس..الخ.
إن إدانتهم للعنف مجرد نفاق. إنهم في الواقع مستعدون دائما لممارسة أبشع أشكال العنف ضد الجماهير الشعبية ومناضليها من أجل حماية نظامهم والدفاع عن مصالحهم. لذا علينا ألا نثق في دموع التماسيح التي يذرفونها ولا في الخطب الرنانة التي يلقونها في إدانة العنف، علينا ألا ننسى جرائمهم. ولنا في رد فعل الداودي، وزير التعليم العالي والعضو القيادي في العدالة والتنمية، دليل على ما نقول. فعندما سئل عن الفيزازي قال: “إيوا مالو”، وضحك ضحكة شامتة شريرة. لكنه لم يتمالك نفسه من الإجهاش في البكاء تأثرا بمقتل عضو جماعته (فيديو). إن جماعتهم الإرهابية تعتبر نفسها الفرقة الناجية وأن لديها ولدا أعضائها حقوقا وامتيازات أكثر مما لدى بقية الناس.
لا أحد يمتلك شرعية إدانة العنف سوى الجماهير، والتيارات الطلابية اليسارية، التي هي أول من عانى من العنف والقمع. إنها وحدها من يحق لها ويمكنها أن تحصن الساحة الجامعية من العنف: عنف التيارات الأصولية والدولة والعصبويين. وأول خطوة في هذا المسار إعادة بناء منظمتها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
موقفنا من العنف
بمجرد ما أعلنت وسائل الإعلام عن خبر المواجهات ومقتل الطالب المذكور سارعت أغلب التيارات السياسية إلى “إدانة العنف بجميع أشكاله”، و”من أي جهة كان”، و”في أي ظرف من الظروف”. ولكثرة ما قيل في إدانة العنف تكاد عين المتتبع تدمع تأثرا من حنان ووداعة هؤلاء السادة والسيدات اللطفاء، خاصة عندما تأتي تلك الإدانة من عند تلك التيارات التي لها تاريخ عريق في ممارسة العنف مثل العدالة والتنمية والعدل والإحسان !
لقد حصل موقف إدانة العنف على الإجماع، فالتيارات اليسارية كذلك (النهج لديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد، الخ) عبرت هي أيضا عن شجبها الشديد للعنف بجميع أشكاله وأدانته بالمطلق. هذا بينما نجد في الجهة المقابلة مواقف تيارات البرنامج المرحلي المبنية على تبني العنف وممارسته، ضد الجميع، تحت شعار “العنف الثوري”.
لكن ما هو موقف الماركسيين الثوريين؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه أي عامل واع وكل شاب ثوري. هل الماركسيون بدورهم يدينون العنف بجميع أشكاله، ومن أي جهة كان وفي أي ظرف من الظروف، مثلما هو حال الرفاق في التيارات السياسية اليسارية الأخرى؟ أم أن فهمهم للعنف هو نفس فهم تيارات البرنامج المرحلي للعنف وممارستهم له؟
إن الموقف الماركسي من العنف يختلف جذريا عن الموقفين كليهما: سواء الموقف المسالم العاطفي المبني على إدانة العنف بشكل مطلق (إما عن قناعة أو نفاق)، أو الموقف العصبوي اليسراوي المتطرف الذي يتخفى وراء مصطلح “العنف الثوري” الذي لم يفهموا معناه مطلقا. فالماركسيون لا يدينون العنف بجميع أشكاله وفي أي ظرف من الظروف. الماركسيون يدينون نوعا محددا من العنف بينما يتبنون نوعا آخر من العنف. نحن الماركسيون ندين العنف الذي تمارسه الطبقة البرجوازية ودولتها ضد العمال والفلاحين الفقراء والشباب العاطل والطلاب وغيرهم من الفئات والقوميات المضطهدة. إننا ندين كذلك عنف التيارات الفاشستية ضد المناضلين العماليين والطلاب والمنظمات العمالية الجماهيرية وضد المكتسبات والحريات الديمقراطية. وندين عنف القوى الإمبريالية ضد الشعوب وحقها في تقرير المصير. باختصار عنف المضطهـِد ضد المضطهَـد، عنف الأقلية ضد الأغلبية، عنف الأقوياء والأثرياء ضد الضعفاء والفقراء. هذا هو العنف الذي ندينه ونناضل ضده.
لكننا في المقابل ولنفس السبب نتبنى بشكل مبدئي عنف الطبقة العاملة وعموم الكادحين ضد مضطهـِديهم، عنف الشعوب التي تناضل من أجل الحرية ضد القوى الامبريالية، عنف الضعيف ضد القوي، المظلوم ضد الظالم. نعم قد نختلف أحيانا في الموقف حول طرق العنف وأشكال ممارسته وننتقد بعض الممارسات، لكننا نتفهم أسباب اللجوء إلى مثل ذلك العنف. فقد يلجأ الفلاحون إلى حرب العصابات مثلا، نحن نختلف مع ذلك التكتيك لكننا لا ندينه، بل نتفهم دوافعه ونتمنى انتصار المضطهَـد على من يضطهـِده.
ثم إننا لا نبني موقفنا من العنف على أساس عاطفي، بل على أساس تحليل علمي موضوعي لطبيعة العنف؛ ندرس كل حالة على حدة في شروطها المادية، وحركيتها وتطورها. ندرس الطبقة التي تمارس العنف ولماذا، ونطرح دائما سؤال: عنف من ضد من ومن أجل أي هدف؟ وبناء على الإجابة على هذا السؤال، وهو ما لا يتأتى إلا بدراسة دقيقة متأنية، نتوصل إلى الموقف الذي علينا تبنيه. أما إدانة العنف “بشكل مبدئي” و”في كل حين” و”من أي جهة جاء” فهو موقف خاطئ نظريا وله عواقب سياسية خطيرة تجعل التيار المعني، وبغض النظر عن نواياه، يساوي بين عنف المظلوم وعنف الظالم، بين عنف الضحية وعنف المجرم ويدينهما معا، مما يصب موضوعيا في مصلحة القوي والظالم والمضطهـِد.
وفي الجهة الأخرى نجد موقف التيارات العصبوية اليسراوية المتطرفة، موقف البرنامج المرحلي مثلا، من العنف. إنها تتبنى العنف وتمارسه ضد الجميع، بل غالبا ما تمارسه ضده التيارات اليسارية وضد الجماهير أكثر مما تمارسه ضد الدولة والتيارات البرجوازية والفاشية! والمبرر “النظري” هو: “العنف الثوري”، وعبارات من قبيل: “النضال ضد الانتهازية”، “محاربة البيروقراطية”، الخ.
الخطير هو أن تلك التيارات لا تتردد في نسبة ممارساتها تلك إلى الماركسية، حيث تجتزء بعض الكلمات من سياقها وتلوي عنق بعض الجمل التي قالها ماركس ولينين لتبدو وكأنها تدعو إلى ممارسة القمع ضد المخالفين في الرأي ومنعهم من التعبير. يقول العصبوي: ألم يقل ماركس إن العنف هو مولدة المجتمع الجديد؟ ألم يقل لينين بضرورة النضال ضد الانتهازية، وإسقاط الدولة البرجوازية بالعنف؟ ألم يدافعا معا عن العنف الثوري؟ إذن ممارسة العنف مسألة مشروعة وجزء من المهمات الأساسية للتيار اليساري!!
ليس هناك ما هو أخطر على الماركسية من أعدائها الداخليين الذين يقسمون بها في كل جملة لكنهم لا ينفكون يمرغون اسمها في الحضيض. إن ممارسة العنف ضد المخالفين في الرأي والاعتداء على التيارات السياسية ومنع حرية التعبير وغيرها من الممارسات التي كرسها تيار البرنامج المرحلي داخل أسوار الجامعة، وكرستها الحركة الستالينية داخل الحركة العمالية الأممية منذ عقود طويلة، يضر بصورة الماركسية ويشوهها في أعين الشباب والعمال الثوريين.
إن الستالينية هي المسؤولة الأولى عن إدخال العنف إلى صفوف الحركة العمالية، خلال القرن العشرين. كما أنها هي المسؤولة عن الصورة الممسوخة المنتشرة حاليا عن الماركسية وعن الدولة العمالية والتي تظهرهما وكأنهما مدافعتان عن قمع الرأي المخالف حتى وإن لم يلجأ إلى حمل السلاح، وأنهما ضد الحريات الديمقراطية، الخ. بينما الماركسية بريئة من تلك الممارسات. فالماركسيون لم يناضلوا أبدا ضد الانتهازية أو البيروقراطية بالقمع والسيوف والتشهير والافتراءات، مثلما يفعل هؤلاء السادة الآن. وهذا ما يثبته كل تاريخها الناصع في التعامل مع المخالفين، فقد كان ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي يتعاملون بكامل النزاهة مع خصومهم بل وحتى أعدائهم. لم يلجئوا أبدا إلى تكميم الأفواه ولا إلى قمع المخالفين لهم في الرأي. بل على العكس تماما، كانوا يردون عليهم بالحجة والمقارعة الفكرية. وهذا ما يفسر كل ذلك الكم الهائل من الكتب والمقالات والرسائل والخطب التي أنتجوها طوال حياتهم في الرد على خصومهم وأعدائهم.
لو كانت الماركسية هي ما يزعم هؤلاء العصبويون لما كان هناك أي داع إلى كل تلك الكتابات ولكان من الأجدر بماركس أن يحمل “زبارة” عوض كتابة الرأسمال، وكان من السهل على لينين أن يعترض طريق برينشتاين في شارع مظلم ويضربه بحجر على أن يشغل نفسه بكتابة مقالات وكتب طويلة في الرد عليه. ولكان من الأجدى تكوين الكوادر الثورية في قاعات كمال الأجسام وفنون الحرب عوض إضاعة الوقت في نقاشات فلسفية معقدة ودراسة الاقتصاد السياسي والتاريخ، الخ. نفس الشيء يقال عن الموقف من البرجوازيين الأفراد، فلو كان ماركس ولينين يعتبران الإرهاب الفردي ممارسة سليمة وعنفا ثوريا، لانخرطا في واحدة من المنظمات الإرهابية الكثيرة التي كانت موجودة آنذاك، عوض النضال ضدها والتنديد بتكتيكاتها التي اعتبارها مضرة لتطور الحركة العمالية وغير مجدية في النضال من أجل الاشتراكية.
كما أن الاتحاد السوفياتي في ظل لينين وتروتسكي كان أكثر بلدان العالم ديمقراطية بدون منازع. وعلى عكس ما تزعم كتب التاريخ البرجوازي لم تستعمل الدولة العمالية آنذاك القمع إلا ضد من حملوا السلاح وحاولوا إسقاطها بالعنف أو مارسوا التخريب الاقتصادي، فكان عنفها عنفا دفاعيا مشروعا، لا يمكن التشكيك في ضرورته وشرعيته.
نعم إن الماركسية تتبنى العنف الثوري، لكن الفهم الماركسي للعنف الثوري يختلف جذريا عن فهم هؤلاء العصبويين له. إن العنف الثوري من وجهة نظر الماركسية هو العنف الذي تمارسه الجماهير الشعبية عندما تنهض للثورة ضد مضطهديها، وليس عنف أقلية من المناضلين أو الإرهابيين. الماركسية لا تؤمن بالمخلصين ولا بالنضال الاستبدالي، فالعنف الثوري هو رد الجماهير الشعبية، عبر لجانها ومليشياتها المسلحة ومنظماتها الجماهيرية، ضد عنف الدولة والفاشيين وقوى الثورة المضادة. وهذا العنف مشروع وتقدمي وثوري حقا، وبدونه لا يمكن إسقاط النظام المتعفن القائم، وبدونه ستكون قوى الثورة عرضة لانتقام دموي رهيب من طرف قوى الرجعية. لكن العنف الذي يمارسه العصبويون تحت مسمى “العنف الثوري” ليس سوى الشكل الحديث للبلانكية التي نشأت الماركسية وتطورت في النضال ضدها وضد تكتيكاتها الخاطئة.
هذا عموما هو موقفنا كماركسيين من العنف، أما بخصوص ممارسة العنف في الجامعة تحديدا فإننا نعتبر أنه يجب أن تصير الجامعة فضاء مفتوحا للنقاش الحر الديمقراطي، حيث يحق للجميع طرح برنامجه وتصوراته وأفكاره أمام الجماهير بالطريقة التي يراها ملائمة. نحن نرفض الوصاية على الجماهير بجميع أشكالها، ومن بين أشكال الوصاية، “خوف” بعض التيارات على الجماهير من أن تستمع إلى ما يعتبرونه أكاذيب البعض أو أن تنجر وراء ألاعيب البعض، مما يتطلب حمايتها منهم إما بمنعها من الاستماع لهم أو بمنعهم من التواصل معها. ولو باستعمال العنف.
إن التعامل مع الجماهير وكأنها جماعة من الأطفال القاصرين، موقف عصبوي مألوف، لكنه خاطئ ورجعي ومرفوض بالمطلق. وإذا كان هذا هو تعامل العصبويين مع الجماهير الطلابية (التي من المفروض أنها متعلمة وقادرة على التمييز بين النظريات) فكيف سيكون تعاملهم مع العمال والفلاحين وغيرهم (الذين يعتبرهم العصبوي جهلة وغير واعين)؟
لا يحق لأحد أن يمارس العنف من أجل منع الآخر من التعبير السلمي عن أفكاره، مهما كانت تلك الأفكار خاطئة أو رجعية أو مضحكة. فللجماهير الحق في أن تستمع للجميع، ولها الحق في أن تبني قناعاتها بتجربتها الخاصة، عبر المقارنة بين البرامج والتصورات والأفكار المتناقضة، والتوصل إلى الحكم عليها بنفسها وبدون وصاية أي كان.
هذا هو موقفنا، وهذه هي ممارستنا. لكن في حالة لجوء أحد التيارات إلى ممارسة العنف علينا، أو محاولة منعنا من حقنا في التعبير. أو في حالة هجوم الدولة أو الفاشيين علينا أو على أحد التيارات اليسارية أو على الحركة الطلابية، فإننا نتبنى ممارسة العنف للدفاع عن أنفسنا، ليس العنف الفردي المعزول عن الجماهير، بل العنف الجماهيري المنظم، وهو ما سبق لنا أن شرحناه سابقا في أرضيتنا السياسية البرنامجية: “التوجه القاعدي: من نحن وعن أي برنامج ندافع” حيث نقول:
«– موقفنا من باقي التيارات اليسارية المناضلة داخل الحركة الطلابية، موقف رفاقي مبني على الاحترام و على الصراع الأيديولوجي الديمقراطي، بمقارعة الحجة بالحجة و الاحتكام إلى الجماهير.
– ننبذ مبدئيا العنف بين التيارات اليسارية ولا نميل إلى استعماله إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس فقط.
– وضد عنف الدولة و القوى الفاشية (الأصوليين….) ندعو إلى تشكيل لجان للدفاع الذاتي مستندة إلى الجماهير وتحت رقابتها.»
من يتحمل المسؤولية؟
أول من يتحمل المسؤولية فيما حدث هو حزب العدالة والتنمية نفسه، لأنه هو الذي عبئ عشرات الشباب واستقدمهم من مختلف المدن، طلابا وغير طلاب، وسلحهم ودفع بهم لكي يشكلوا دروعا بشرية لحماية زعيمهم عبد العالي حامي الدين، ولكي يقوموا بالاعتداء على الطلاب المخالفين لهم في الرأي، سواء المنتمين إلى تيار النهج الديمقراطي القاعدي أو غير المنتمين له، الذين لا يوافقون على حضور ذلك القاتل لتدنيس الساحة التي شهدت ارتكابه لجريمة القتل.
إن حزب العدالة والتنمية هو المسؤول الأول عن مقتل الطالب الحسناوي لأنه (الحزب) هو الذي بدأ بالاستفزاز، وجاء بنية مبيتة لتفجير مواجهات بين الطلاب لكي يقتتلوا فيما بينهم، إذ كان في إمكانه أن ينظم نشاطه المذكور في قاعة عمومية أو في مقر من مقراته الحزبية، خاصة وأنه نقاش لا يعني الحركة الطلابية ولا الجامعة بشكل مباشر. كما كان في إمكانه أن ينظمه في موقع جامعي آخر ما عدا موقع فاس الذي ما يزال ترابه ينز بدم الشهيد. ثم كان في إمكانه أن يستدعي للنشاط المذكور أي شخص آخر ما عدا القاتل عبد العالي حامي الدين. وبالتالي فإن كل القرائن تدل على أن هناك نية لتفجير مواجهات دموية. لقد اختاروا عن قصد مدينة فاس واختاروا عن قصد جامعة فاس تحديدا، كما اختاروا عن قصد كذلك القاتل عبد العالي حامي الدين.
المسؤولية كذلك يتحملها بنفس الحجم النظام الدكتاتوري الرجعي القائم. فقد كان في إمكانه أن يمنع حدوث ما حدث، لكن وبما أنه مستفيد من العنف ومن ضرب هذا بذاك، فإنه ترك الأمور تأخذ المنحى الذي اتخذته. وبعد أن حدث ما حدث قال: “إني أخشى رب العالمين”. حيث أنكر رئيس الجامعة بشكل قاطع أي علم له بتنظيم أي ندوة في الجامعة.
إن النظام القائم مسؤول عما حدث لأنه هو أكبر مستفيد. ونعلم أنه للتعرف على المجرم الحقيقي الذي حرك الخيوط وإن في الخفاء، ينبغي أن نطرح دائما السؤال التالي: “من يستفيد مما حدث؟ّ”. عند طرح هذا السؤال بخصوص ما حدث في فاس، يظهر الجواب واضحا جليا: “إنه النظام القائم”. فهو يريد اجتثاث الفعل الأوطمي من موقع فاس، ويريد أن يبرر حملة قمع شرسة يستعد لشنها ضد الحركة الطلابية المغربية في جميع المواقع وليس في فاس وحدها.
إن النظام القائم يعرف أن الوضع الحالي يحبل بكل عوامل الانفجار، كما يعلم أن الحركة الطلابية والشباب المتعلم عموما، هو الذي يبادر غالبا إلى التحرك. ويعلم أن أي تحرك قوي للطلاب المغاربة في الوقت الحالي سيؤدي إلى إشعال شرارة حركة احتجاجية سرعان ما سيلتحق بها آلاف المضطهدين والفقراء، وكذلك الطبقة العاملة. وهو ما سوف يؤدي بالضرورة إلى سقوطه. إنه يعرف ضعفه أمام الحركة الجماهيرية، وبالتالي يسارع إلى وأد كل حركة تهدد بإشعالها في المهد.
ولكي يقوم بذلك لا بد أن ينزل بقوات قمعه في كل مكان، ويجفف منابع كل حركة احتجاجية بالقمع الدموي والمحاكمات الإرهابية. عليه أن يشن حملات قمع ضد الشباب تحديدا. لكنه يخاف أن يقوم بذلك فيتسبب في حدوث عكس النتائج المرغوبة. لذا فإنه يعمل على توفير دعم “جماهيري” للحملات القمعية. في هذا السياق تأتي الحملة الإعلامية المبالغ فيها ضد ما سمي بـ “التشرميل”، وكذلك افتعال الاضطرابات وغياب الأمن في كل مكان، لكي يبدأ الناس في طلب الأمن والمطالبة بنزول البوليس إلى الشوارع والأحياء وتوسيع حملة الاعتقالات بسبب وبغير سبب ضد الشباب، وخاصة منهم الشباب المهمش والعاطل والساخط على الأوضاع والذي يكاد ينفجر.
لذلك فإنه لم يحرك أصبعا واحدة للحيلولة دون حدوث ما حدث. هذا رغم أنه يعرف أن حضور مثل ذلك المجرم في نفس الموقع الذي ارتكب فيه جريمته ستؤدي حتما إلى إشعال غضب طلابي. كان يمكنه أن يمنع عبر إدارة المؤسسة مثل ذلك النشاط أو التدخل مباشرة كما فعل مع ندوة سابقة أراد تنظيمها التيار اليساري النهج الديمقراطي القاعدي بكلية العلوم ظهر المهراز حول حركة عشرين فبراير. أو أن يوقف الحافلات التي جاءت إلى موقع فاس محملة بالبلطجية والأسلحة، كما يفعل عادة مع حافلات القافلات التضامنية مع نضالات الجماهير..، أو على الأقل يمنعهم من الدخول إلى الجامعة واستعراض القوة فيها. لكنه لم يقم بأي خطوة من هذه الخطوات وغيرها. إنه كان يريد حصول ما حصل لكي يدخل في النهاية على الخط باعتباره ضامن الأمن والأمان.
وطبعا يتحمل المسؤولية كذلك، لكن في آخر التحليل مناضلو النهج الديمقراطي القاعدي. فبغبائهم وصبيانيتهم والطابع العسكرتاري الغالب عليهم، سقطوا في فخ الدولة وحزب الدولة ونفذوا بالضبط المهمة التي كان من المنتظر أن ينفذوها. أي أن يدخلوا في مواجهة مع بلطجية العدالة والتنمية، بشكل معزول عن الجماهير.
كان من المفروض فيهم أن يعملوا على تعبئة الجماهير الطلابية ضد النشاط المشبوه، من خلال شرح طبيعة الخطوة والأهداف التي يريدها حزب العدالة والتنمية، وتاريخ ذلك المجرم حامي الدين، والجريمة التي ارتكبها متى وكيف ولماذا وضد من… كان عليهم أن ينظموا محاكمة شعبية لذلك المجرم.
وضد عنف البلطجية الذين استقدمهم حزب العدالة والتنمية كان لا بد من إقناع الجماهير الطلابية بضرورة تشكيل لجان للدفاع الذاتي، مسيرة ومراقبة من طرف الجماهير بشكل ديمقراطي. وهو ما كان سيجعل الحزب المذكور يفكر ألف مرة قبل أن يفكر في اقتحام الجامعة واستفزاز الطلاب فيها. لو تم إقناع الجماهير بضرورة التصدي لذلك الاستفزاز، وأعطي لها الحق في ابتداع أشكال التصدي له، ومحاكمة ذلك المجرم، لما كانت لتوجد قوة تمنع محاكمته.
لكن هؤلاء الرفاق يفتقدون لمثل هذه الأساليب، لا يثقون في قوة الجماهير ولا في قدرتها على اكتساب الوعي والتنظيم. لذلك فإنهم يقومون بالمهمة عوضا عنها. بل إنهم في الحقيقة يخافون من قوة الجماهير ووعيها وتنظيمها فيعملون كل ما في وسعهم لمنع تبلور كل ذلك، لكي تبقى لهم اليد العليا على “الموقع المحرر”.
والآن ما العمل؟
الآن وطيلة مدة من الزمن سوف يستغل النظام الأحداث لكي يشدد قمعه على الحركة الطلابية، وسوف يستغلها حزب العدالة والتنمية لكي يحول دماء ذلك الشاب إلى أصوات انتخابية جديدة، باستعمال النفاق وخطاب المظلومية. لكن كل ذلك لن يجديهما نفعا. ستبقى الحركة الطلابية صامدة وستتكسر على صخرتها كل محاولات الاجتثاث، كما سبق لها أن تكسرت طيلة عقود من القمع والمؤامرات.
تيار النهج الديمقراطي القاعدي، البرنامج المرحلي، عليه إما أن يتطور أو أن يندثر. وتطوره رهين بتخليه عن ممارساته الخاطئة ضد الجماهير الطلابية والمناضلين التقدميين، المتمثلة في العنف ومنع النقاش وحرية التعبير، وحرمان الجماهير من حقها في تسيير شؤونها بدون وصاية. إن تطوره رهين بأن يتخلى عن مماهاة نفسه بأوطم والاقتناع بأنها نقابة لكل الطلاب، ولكل التيارات الطلابية، مثلها مثل أية نقابة أخرى، عمالية أو للمعطلين الخ. ليس لأحد الحق في أن يقرر من يحق له التواجد أو عدم التواجد داخل النقابة الطلابية أوطم سوى الجماهير الطلابية نفسها، بكامل الحرية.
ولعل هذه الأحداث ستجعل هؤلاء الرفاق يعيدون التفكير في تصوراتهم وممارساتهم، وخطورتها على الحركة الطلابية. إنها فرصتهم لكي يتصالحوا مع الجماهير الطلابية والتيارات اليسارية المناضلة داخل الحركة الطلابية، والمساهمة في تحويل الجامعة إلى ساحة للنقاش الحر الديمقراطي، والصراع البرنامجي الإيديولوجي السلمي، مع احترام حق الجماهير في التعبير والتقرير والتسيير. أو أن التاريخ سيحكم عليهم بالاندثار، دون أن يأسف عليهم أحد.
على الجماهير الطلابية أن تستعيد بقوتها حقوقها ضد الدولة وضد القوى الظلامية وضد حتى العصبويين وكل من يريد ممارسة الوصاية عليها، مهما كان. عليها ألا تثق إلا في نفسها وفي قوتها وفي تنظيمها الخاص، أن تعمل على بناء منظمتها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فهي مهمة لن ينجزها لها مخلص سيأتي من وراء السحاب.
ثم على التيارات اليسارية أن تقف في وجه عسكرة الجامعة وضد كل أشكال الاعتداء على مناضلي النهج الديمقراطي القاعدي، وضد تعذيبهم وانتهاك حقوقهم. والعمل فورا على تشكيل جبهة يسارية موحدة ضد بلطجة حزب العدالة والتنمية وضد القمع والاعتقال السياسي، ومن أجل بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منظمة جماهيرية تقدمية ديمقراطية ومستقلة.
رابطة العمل الشيوعي
الاثنين: 28 ابريل 2014