الرئيسية / قضايا نظرية / الإمبريالية / القصف الإسرائيلي الإجرامي لقطاع غزة ونفاق الإمبريالية

القصف الإسرائيلي الإجرامي لقطاع غزة ونفاق الإمبريالية

أطلقت الحكومة الإسرائيلية، خلال الأيام الماضية، العنان لعاصفة من النيران والقصف، على السكان المدنيين في غزة، تحت اسم غريب هو “عملية الجرف الصلب”. وقد ألقت بأكثر من 400 طن من القنابل عالية القدرة التدميرية على أهداف داخل قطاع غزة المكتظ بالسكان، مما أسفر عن مقتل 100 مدنيا على الأقل، بينهم العديد من الأطفال، وجرح المئات.

وفي الوقت نفسه، تم حرمان غزة من الإمدادات الطبية وأي شكل من أشكال المساعدات، بسبب قرار الحكومة المصرية بإغلاق جميع الأنفاق عبر الحدود، والتي كانت تستخدم لتهريب الأسلحة، لكن أيضا لتهريب المواد الغذائية والوقود والأدوية وكل ما يلزم لحياة سكان غزة، مما أسفر عن تفاقم حالة الضحايا المدنيين. ليس لهذا الهجوم الذي يشنه الجيش الإسرائيلي أي مبرر، على الرغم من كل الأعذار التي تقدمها وسائل الإعلام الدولية.

من المثير للاشمئزاز أن نرى كيف رددت وسائل الإعلام الدولية المبررات التي قدمتها إسرائيل لحملة القصف حول أنها لضرب أهداف عسكرية في غزة، وأنه قد تم بذل كل الجهود الممكنة من أجل تجنب الخسائر المدنية عن طريق تقديم المشورة للسكان لكي يبقوا بعيدين. هذا مجرد إدعاء سخيف يفوح برائحة النفاق. وبصرف النظر عن حقيقة أن ما يسمى بـ “القنابل الذكية” قد أثبتت في كثير من الأحيان أنها ليست ذكية على الإطلاق، وأنها تقتل دون تمييز بين المدنيين وبين ما يسمى بأهداف “عسكرية”، وأن غزة هي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم (بكثافة سكانية تصل تقريبا ضعف ما عليه الحال في المناطق الحضرية في روما، على سبيل المثال)، فإن “التحذيرات” الموجهة للمدنيين قد أصدرت قبل أقل من دقيقة من انطلاق عملية القصف، مما جعل من المستحيل على أي شخص في المباني المستهدفة الهروب من الهجمات. وتظهر أخبار الخسائر وأشرطة الفيديو، التي نشرها بعض سكان غزة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأطفال والمدنيين وقد دفنوا تحت الأنقاض.

قدر غير متناسب من القوة النارية

جاء التبرير الرسمي لعملية القصف الجديدة على قطاع غزة، بعد “عملية عمود السحاب” لسنة 2012 و”عملية الرصاص المصبوب” شهر دجنبر عام 2008، مثلما هو معتاد: حيث تزعم الحكومة الإسرائيلية أن هذه الضربات ضرورية لتدمير الأجهزة والقواعد التي استخدمت لإطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية من طرف قيادة حماس يوم الاثنين. لكن هذه الصواريخ أثبتت أنها غير فعالة تماما وأنه من السهل على أجهزة القوات العسكرية الإسرائيلية المتطورة كشفها وتدميرها بمجرد أن يتم إطلاقها. والبلدات الإسرائيلية التي يمكن أن تكون مستهدفة من قبل هذه الصواريخ مؤمنة جيدا وفيها ملاجئ آمنة متاحة في حالة الطوارئ. والدليل على ذلك هو أن عدد الضحايا من المدنيين في إسرائيل حتى الآن هو صفر، مقارنة مع أكثر من 100 ضحية بين الفلسطينيين. هذه الأرقام وحدها تفضح بشكل واضح من هو المعتدي الحقيقي والقدر غير المتناسب لقوة النيران بين الجانبين.

لقد استحوذ هذا التصعيد على عناوين الأخبار العالمية، لكنه ببساطة مجرد استمرار على مستوى أعلى لواقع قاس من العنف اليومي الذي يهدف إلى خنق السكان الفلسطينيين من جانب الدولة الإسرائيلية. يعاني الفلسطينيون منذ سنوات من مضايقات يومية مستمرة على أيدي القوات المسلحة الإسرائيلية، مع سياسة هدم البيوت والاعتقال التعسفي للشباب وقتل العديد من الفلسطينيين، هذا إلى جانب مستويات عالية من البطالة وظروف معيشية سيئة للغاية بشكل عام. لقد أحصت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” مقتل 565 فلسطينيا على يد قوات الأمن الإسرائيلية منذ يناير 2009 (أي بعد نهاية مجزرة غزة المعروفة باسم “عملية الرصاص المصبوب”، والتي خلفت مقتل 1400 فلسطيني و13 إسرائيليا)، في حين قتل 28 مدنيا إسرائيليا و10 من أفراد الأمن الإسرائيلي خلال نفس الفترة. مرة أخرى تظهر هذه الأرقام من هو المظلوم ومن هو الظالم.

خطف وقتل ثلاثة شباب مستوطنين

إن ما يتم تصويره كسلسلة من الأحداث أدت إلى هذه التدابير الانتقامية من كلا الجانبين قد تطور الآن إلى أزمة يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة. الجيش الإسرائيلي بصدد تعبئة 40000 من جنود الاحتياط ونتنياهو يهدد بإرسال الجيش إلى غزة، على الرغم من أنه لم يتم حشد سوى بضعة آلاف حتى الآن. إذا سارت الأحداث في هذا الاتجاه سيتضاعف عدد الضحايا بالتأكيد أضعافا مضاعفة على كلا الجانبين. لكن مهما كان ما تفعله الحكومة الإسرائيلية، فإنه ليس له أي علاقة بالقلق على سلامة مواطنيها. إن سفك المزيد من الدم الفلسطيني بل وحتى إعادة الاحتلال الإسرائيلي المباشر لقطاع غزة، كما يطالب البعض، لن يؤدي سوى إلى زيادة عزم جيل جديد من الشباب العربي على محاربة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة.

لقد أنهى خطف وقتل ثلاثة شباب مستوطنين يوم 12 يونيو، من قبل مجموعة مارقة في الضفة الغربية يزعم أنها مقربة من حماس، هدنة غير مستقرة وقعت عام 2012، كان ذلك مجرد الحادث الذي تم استغلاله لرفع مستوى التوتر. ففي ظروف أخرى، كان من الممكن أن ينظر إلى عملية الخطف كمجرد حادث مأساوي آخر في سياق الصراع المستمر منذ عقود. لكن هذه المرة استخدم الحادث كذريعة لإطلاق حملة إعلامية هستيرية حول البحث عن الشباب المختطفين. وعلى الرغم من حقيقة أن هناك مؤشرات واضحة على أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كانت قد عرفت في غضون الساعات الأولى أن الشبان الثلاثة قد قتلوا فإن الحملة المسماة “أعيدوا لنا أولادنا” استمرت لأسابيع، وذلك لدعم الدعوة إلى إنزال العقاب والانتقام القاسيين وحشد الدعم للدولة الصهيونية، وبالتالي الاستفادة من مزاج الغضب المتصاعد لتبرير الهجوم الحالي على غزة.

من الواضح أن خطة مهاجمة غزة قد سبقت اختطاف وقتل الشباب الثلاثة. إن قتل هؤلاء الشباب فقط سهل على الحكومة الإسرائيلية إقناع “الرأي العام” داخل إسرائيل بأن مثل هذا الهجوم كان ضروريا… “لأسباب أمنية”.

دون أي دليل ثابت ألقت السلطات الإسرائيلية على الفور المسؤولية عن عملية القتل على عاتق قيادة حماس. وقد أثيرت الكثير من الشكوك حول مدى قدرة حماس في الواقع على السيطرة على تصرفات تلك الجماعات المسلحة، وأبرز العديد من المعلقين كيف أن عملية الخطف كلها قد تم تنفيذها بطريقة الهواة، وكونها مليئة بالأخطاء التي أدت في النهاية إلى القتل. لقد نفت حماس أية مسؤولية لها في ما حدث، لكن حكومة نتنياهو لم تتردد في تحميلها المسؤولية والرد بحملة وحشية من الاعتقالات في صفوف مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية، ممن ليست لهم أية صلة بمقتل الشبان الثلاثة.

السلوك الوحشي لقوات الأمن الإسرائيلية واضح أمام أعين الجميع، مع عمليات الضرب الممنهج وحالات موثقة عن تعذيب السجناء العزل. حتى هيومن رايتس ووتش نددت بالاستخدام غير القانوني للقوة والاعتقالات التعسفية وهدم المنازل بطريقة غير قانونية، كما نددت منظمة العفو الدولية بالانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية وحقوق الإنسان من جانب قوات الأمن الإسرائيلية.

كان رد حماس هو إطلاق سلسلة من الهجمات الصاروخية، التي استخدمت بعد ذلك ذريعة من جانب إسرائيل لإطلاق حملة قصف غير متناسبة على غزة. لكن وصف تسلسل الأحداث لا يفسر أسباب هذه الأزمة، والتي تجد جذورها في العلاقات غير المستقرة لموازين القوى في المنطقة، والعواقب غير المتوقعة للتدخل الإمبريالي.

التحول في ميزان القوى في الشرق الأوسط

منطقة الشرق الأوسط كلها فاقدة للاستقرار ومليئة بالأزمات نتيجة الهبات الثورية على مدى السنوات الماضية والتدخل الإمبريالي في محاولة لوقف السيرورة الثورية وتحريف مسارها.

لقد عززت نتائج الحرب الأهلية السورية موقف حلفاء إيران في المنطقة (نظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان)، مع صعود إيران كقوة إقليمية. استغل النظام الإيراني في الماضي عزلة حماس في غزة وقدم لها بعض الدعم، لكنه يدعم أيضا منافسي حماس من قبيل حركة الجهاد الإسلامي وعدد لا يحصى من المجموعات الصغيرة الخارجة عن سيطرة حماس، والتي صارت تكسب المواقع.

لقد تفاقم الوضع الاقتصادي في قطاع غزة إلى حد كبير نتيجة للحملة ضد التهريب التي شنتها الحكومة المصرية، بعد الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في الصيف الماضي، مما وضع حماس في موقف أكثر صعوبة.

ومن ناحية أخرى، برز ضعف الإمبريالية الأمريكية بشكل واضح بعد الكارثة السورية والتمرد السني الأخير في العراق. الامبرياليون الأمريكان يطلبون الآن من إيران مساعدتهم على الخروج من الفوضى التي وضعوا أنفسهم فيها، ولم يعد في إمكانهم الثقة في حلفائهم التقليديين في الشرق الأوسط مثل دول الخليج والمملكة السعودية لتحقيق ذلك.

يؤثر هذا على إسرائيل أيضا، التي تشعر بالتهديد من النفوذ الإيراني المتزايد، وبالتالي تشعر بأنها تحتاج إلى تأكيد مكانتها في المنطقة. ومن ناحية أخرى ترى أنها تتمتع بمزيد من النفوذ ويمكنها أن تتحرك بحرية أكبر بالنظر إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة. تبعث إسرائيل رسالة واضحة إلى الحكومة الأمريكية. حيث أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تعتمد على حلفائها العرب مثل السعوديين، الذين يدعمون الجهاديين في العراق وسوريا، فإن الإسرائيليين يذكرونها بأنهم ما يزالون أقوى حليف لها في المنطقة، وأنه يجب عليها ألا تذهب بعيدا في تعزيز موقع إيران.

وأخيرا وليس آخرا هناك أزمة اجتماعية متصاعدة في إسرائيل شهدت تزايد السخط واندلاع اضطرابات واسعة النطاق في عام 2011 والتي انعكست في أزمة دائمة على الصعيد الحكومي (التي انفجرت الآن مع تفكك التحالف وقطع حزب إسرائيل بيتنا مع نتنياهو). يتصاعد مزاج مشابه داخل أراضي السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية مع تزايد السخط واندلاع الاحتجاجات ضد القيادة الفاسدة لحركة فتح. تدفع كل هذه العوامل نحو انهيار أي تسوية للقضية الفلسطينية عن طريق التفاوض وتحاول مختلف الجهات الفاعلة إيجاد قاعدة دعم لها من خلال تصعيد المواجهة.

تصعيد المواجهة للتغلب على المشاكل الداخلية

تحتاج الطبقة الحاكمة في إسرائيل إلى استمرار حالة التوتر على حدودها للحفاظ على سيطرتها على شعبها. لقد فقدت الحكومة شعبيتها، كما أوضحت ذلك احتجاجات عام 2011 الحاشدة، وبالتالي هي تحتاج إلى إثارة المشاعر القومية للحد من التمايز الطبقي الذي يجري داخل المجتمع الإسرائيلي.

وتجد حماس نفسها في وضع مشابه تماما لهذا الوضع. عندما سيطرت لأول مرة على قطاع غزة قدمت نفسها على أنها تحارب إدارة فتح الفاسدة، لكن سكان غزة الآن رأوا أنها لا تختلف عن قيادة فتح.

لماذا إذن لجأت قيادة حماس إلى التكتيك شبه الانتحاري المتمثل في إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ لقد تعاونت السلطة الفلسطينية، وحتى قيادة حماس في غزة، طيلة سنوات مع قوات الأمن الإسرائيلية في التخابر على الشعب الفلسطيني وقمعه، بحجة اعتقال وتفكيك شبكات “متطرفة” مسلحة مثل حركة الجهاد الإسلامي وتنفيذ “اتفاقيات السلام” كوسيلة للحفاظ على رقابتهم على معارضيهم في الداخل وقمعهم، وبالتالي تعزيز سلطتهم بشكل لا هوادة فيه.

لقد أدى ذلك على مر السنين إلى خسارة مصداقية القيادة الفلسطينية، بما فيها حماس التي كانت حتى الآن تجري مفاوضات للدخول في حكومة تصالح وطني مع فتح.

مهزلة محادثات “السلام” تفضح خيانة أبو مازن

لقد انفضحت القيادة الفلسطينية أكثر بفعل محادثات “السلام” التي جرت مؤخرا تحت إشراف الولايات المتحدة. وكان الرئيس الفلسطيني أبو مازن قد تخلى منذ مدة طويلة عن أي ادعاء بالدفاع عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وكان مستعدا حتى على القبول بتقليص الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية إلى 22٪ من أراضي فلسطين الأصلية، وتجزئتها إلى جيوب منعزلة عن بعضها.

لقد تم تقديم تنازلات غير مسبوقة لإسرائيل، من بينها على سبيل المثال القبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح وتفكيك الميليشيات، والقبول بقيام القوات الإسرائيلية والدولية بحراسة الحدود، وأن تكون القدس عاصمة مشتركة، والسماح ببقاء 80٪ من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس في مستوطناتهم غير المشروعة، والتخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم ما بين 1947 و1949.

هذا يعني في الواقع القبول بالوضع الراهن، لكن حتى ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للإسرائيليين الذين رفضوا تقديم أية تنازلات.

تعاني كل من فتح في الضفة الغربية وحماس في غزة من تراجع هائل في المصداقية. وقرار إطلاق الصواريخ من جانب حماس يمثل محاولة كلبية من طرفها لاستعادة المصداقية المفقودة.

إن قرار إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية في إسرائيل، كما أشرنا مرات عديدة، لا يمكنه أن يحقق أي شيء في الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني ونضاله العادل من أجل حقوقه. إنه يأتي في واقع الأمر بنتائج عكسية تماما ويقوي مؤقتا عقلية القلعة المحاصرة عند معظم سكان إسرائيل، التي تعتبر السبب الحقيقي لدعم الصهيونية ونتنياهو. لكن قيادة حماس في حاجة إلى اللجوء إلى هذه الأساليب من أجل استعادة المصداقية بعد سنوات من التعاون مع سلطة الاحتلال وتدهور الأوضاع المعيشية في قطاع غزة مما أدى إلى تآكل قاعدة دعمهم بين السكان.

الاضطرابات تنتشر بين صفوف عرب إسرائيل

لكن لا يبدو أن كل شيء يسير بسلاسة من وجهة نظر الطبقة الحاكمة الإسرائيلية. فالحملة الإعلامية الهستيرية المعادية للفلسطينيين تسببت في ردة فعل عميقة بين السكان العرب في إسرائيل. ولا سيما سياسة المعايير المزدوجة التي طبقتها الدولة الصهيونية فيما يتعلق بعملية القتل العنصرية التي تعرض لها محمد أبو خضير، البالغ من العمر 16 سنة، والذي اختطف في القدس الشرقية وقتل على يد عصابة من البلطجية، مما أثار ردة فعل قوية بين العرب الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل.

شهد الأسبوع الماضي احتجاجات غير مسبوقة من طرف الأقلية الفلسطينية، التي تشكل حوالي 20٪ من السكان. بدأت المظاهرات في القدس الشرقية ثم انتشرت إلى مدن أخرى في وسط وشمال إسرائيل. وقد اتخذت على الفور شكل معارضة قوية ضد الهجوم على غزة. نظمت مظاهرات ليلة الثلاثاء في رام الله والخليل وبيت لحم ومدن أخرى في الضفة الغربية المحتلة. المشكلة الرئيسية التي تواجه الطبقة الحاكمة الإسرائيلية الآن هي أن الهجوم على غزة قد أيقظ مشاعر التضامن بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل وقطاع غزة، الذين حاولت إسرائيل بعناية إبقائهم مقسمين.

فشل مخططات الإمبريالية

لقد أدى انهيار محادثات “السلام” والتصعيد الفوري للصراع من جانب إسرائيل إلى فشل مخططات الإدارة الأمريكية في التوصل إلى نوع من التسوية. وجه الرئيس أوباما، عبر صحيفة هآرتس الإسرائيلية، نداء مثيرا للشفقة إلى “جميع الأطراف بضرورة حماية الأبرياء وضبط النفس والتعقل، وليس الانتقام والقصاص”. وقد اتضحت كيفية تنفيذ إسرائيل لهذه النصيحة في قصف غزة أمام أعين العالم كله.

الشعب الفلسطيني مرة أخرى هو من يدفع الثمن الباهظ في كل هذه المناورات. لقد تعرض للخيانة مرة تلو الأخرى من قبل السلطة الفلسطينية، ويجري الآن قصفه مرة أخرى بوسائل عسكرية أقوى بكثير. لكن إذا أدت هذه الأحداث إلى إشعال انتفاضة جديدة، فإنها لن تكون مقتصرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية أو قطاع غزة، بل ستؤثر على عرب إسرائيل أيضا.

التضامن مع الشعب الفلسطيني

الشعب الفلسطيني هو ضحية هذا الصراع. لقد تم طرده بوحشية من وطنه التاريخي، وفرض عليه العيش إما في مخيمات اللاجئين أو في ظل ما يشبه العبودية القومية، دون دولة حقيقية خاصة به، ودون الحق في اتخاذ القرار بشأن مستقبله. إن الهجوم الحالي هو حلقة في السلسلة الطويلة التي تكبل بها الطبقة الحاكمة الإسرائيلية الصهيونية الشعب الفلسطيني. إن تضامننا مع الشعب الفلسطيني في هذه الحالة تضامن مطلق.

تمتد المقاومة البطولية للشعب الفلسطيني إلى عقود خلت. لكن النصر النهائي، مع ذلك، لن يتحقق بإطلاق عدد من الصواريخ على الحدود من قبل حماس. لتاريخ الجماهير الفلسطينية لحظات أثر فيها نضالها حتى داخل إسرائيل نفسها. إحدى تلك اللحظات كانت خلال الانتفاضة الأولى، التي شهدت خروج الجماهير ضد الاحتلال. إن مثل ذلك النضال الجماهيري هو المطلوب اليوم. إن ما يعطي قوة إضافية لقضية الشعب الفلسطيني اليوم هو الوضع الجديد الذي نشأ منذ اندلاع الثورات في مصر وتونس عام 2011. بقية العالم العربي في حالة اضطراب والثورة على جدول الأعمال. إن الأزمة الرأسمالية العالمية هي السبب الجذري لهذه الاضطرابات الثورية وقد أثر هذا حتى على المجتمع الإسرائيلي، مع تلك التحركات الضخمة التي رأيناها هناك أيضا.

تهدف مناورات الحكام، سواء الطبقة الحاكمة الإسرائيلية أو الأنظمة العربية الاستبدادية، إلى الحفاظ على أنظمتهم وإيجاد سبل لتحويل الثورة إلى ثورة مضادة. والهجوم الأخير على غزة هو أيضا جزء من هذا المخطط.

إن المطلوب هو برنامج عمالي. منذ وقت ليس ببعيد كانت إمكانية سقوط أنظمة مثل نظام مبارك في مصر أو نظام بن علي في تونس تبدو مستحيلة، لكنها سقطت بالفعل. إن نضال العمال الإسرائيليين ضد حكومتهم ممكن أيضا، كما رأينا في مظاهرات غشت 2011 الحاشدة.

مع أخذ هذا الفهم في الاعتبار يصير من الممكن تطوير منظور يقوم على الصراع الطبقي في كل أنحاء المنطقة. إن نضالات العمال والشباب المصريين والإيرانيين والأتراك، تمتد إلى جميع البلدان، وسوف تنجح في نهاية المطاف في إسقاط الطبقات الحاكمة في كل هذه البلدان. ضمن هذا المنظور من الممكن تصور حل حقيقي ودائم للقضية الفلسطينية، في شكل فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط يمكنها أن تضمن الحقوق، بما في ذلك حق تقرير المصير القومي، لجميع الشعوب التي توجد في المنطقة.

  • أوقفوا قصف غزة!
  • أنهوا الاحتلال!
  • نعم لحق الشعب الفلسطيني في وطن داخل فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط!

فرانشيسكو ميرلي
السبت:12 يوليوز 2014

عنوان النص بالإنجليزية:

Israel’s criminal shelling of Gaza and imperialist hypocrisy

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *