الرئيسية / دول العالم / أوروبا / اليونان / الاستفتاء اليوناني: صفعة على وجه الترويكا، والآن ماذا بعد؟

الاستفتاء اليوناني: صفعة على وجه الترويكا، والآن ماذا بعد؟

رفض الناخبون اليونانيون بشكل حاسم شروط خطة الانقاذ. وقد كان استفتاء يوم الأحد صفعة على وجه أصحاب الأبناك ورأسماليي منطقة اليورو. كانت النتيجة النهائية في الاستفتاء الذي نشرته وزارة الداخلية: 61,3% صوتا لصالح “لا”، مقابل 38,7% صوتا لصالح “نعم”. توقعت أغلبية الاستطلاعات أن يكون للتصويت بـ “نعم” قاعدة واسعة في المناطق الريفية، لكن اتضح في النهاية أن ذلك غير صحيح.


جاءت النتائج على النحو التالي:

النتائج الوطنية مع 100% من الأصوات:

نعم  38,69%
عدد الأصوات 2,245,537
 
لا 61,31%
عدد الأصوات 3,558,450
نسبة الإقبال 62,5%

أصدر موقع Public Issue تحليلا مفصلا للمصوتين بلا حسب العمر والجنس والمهنة والتصويت في انتخابات 25 يناير وما إلى ذلك. كانت النتائج جد مثيرة للاهتمام، وعكست الطابع الحقيقي للتصويت بلا. فحسب الفئة العمرية من الواضح أن الشباب هم الذين سجلوا أعلى نسبة:

الفئة العمرية  النسبة المائوية
ما بين 18-24 85%
ما بين 25-34 72.3%
ما بين 35-44 67.4%
ما بين 45-54 69.2%
ما بين 55-64 59.4%
65+ 44.9%

وعندما ننظر إلى التصويت حسب المهن نرى الطابع الطبقي للتصويت لصالح لا: 70,9% من عمال القطاع العام و71,3% من عمال القطاع الخاص، وكذلك 72,9% من العاطلين عن العمل، بينما صوت الأطباء والمحامون والمهندسون لصالح نعم، على الرغم من أن ذلك كان بهامش ضئيل جدا. الطلاب بدورهم صوتوا لصالح لا بنسبة 85,2%. كما كان التصويت يساريا بشكل واضح حيث صوت لصالح لا 91% من هؤلاء الذين يعلنون أنفسهم بأنهم يساريون و73,6% من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم من يسار الوسط. ومن بين الذين صوتوا لسيريزا في 25 يناير، صوت 87,3% لصالح لا، أي ما يعادل تقريبا عدد الذين صوتوا للحزب الشيوعي اليوناني (86,9%) على الرغم من موقف الحزب الداعي إلى الاقتراع بأصوات ملغاة.

كل مناطق البلد صوتت لصالح لا، لكن ذلك كان أقوى في المناطق العمالية، مثل بيريوس ب (Piraeus B) حيث صوت أكثر من 72% لصالح لا، مع 27% فقط لصالح نعم. وفي هذه المنطقة نفسها كان الحزب الشيوعي اليوناني قد فاز بـ 8,19% من الأصوات في انتخابات 25 يناير، والآن بلغ عدد الأصوات الباطلة 5,15% فقط. لقد فازت لا في كل الدوائر الانتخابية في البلد، والتي يبلغ عددها 56 دائرة، وفي جميع هذه الدوائر ما عدا 07 منها كان الهامش أكثر من 10 نقاط، وفي 30 منها كان الهامش أكثر من 20 نقطة.

كان هذا نصرا كبيرا قبل كل شيء للطبقة العاملة اليونانية التي شهدت تدمير مستويات عيشها بسبب سياسات التقشف الوحشية التي فرضت على اليونان على مدى السنوات الست الماضية. نشرت صحيفة Efymerida ton Syntakton تحليلا للطبيعة الطبقية للتصويت في أثينا، وهو ما أظهر بوضوح أن التصويت بلا فاز بأغلبية ساحقة في أحياء الطبقة العاملة الفقيرة، في حين أن التصويت بنعم لم يلاق بعض النجاح سوى في أحياء الطبقة الوسطى الأكثر ثراء:

«لقد بعثت صناديق الاقتراع رسالة قوية من أحياء الطبقة العاملة في أثينا، حيث فازت لا بفارق ساحق على نعم. أما في الضواحي الغنية فقد كانت النتيجة عكس ذلك تماما. (…) فازت لا بـ 79,20% في بلدية أغروبيرغو وبـ 77,22% في بلدية فيلي وبـ76,64% في بيراما وبـ 75,25% في أشارنيس وفي بلدية كيراتسينيو- درابيتسوناس حققت 72,84% وحققت 72,61% في نيكاي- أجيا ايواني رينتي، وفي أجيا فارفارا 72,75%، وفي الفسينا 71,88%، كما حققت 71,81% في لافريوتيكي و71,28% في تافرو وحققت في أيغاليو 70,68% و70,31% في بيريستيري [وهي كلها مناطق عمالية والعديد منها معاقل تقليدية للحزب الشيوعي اليوناني]. أما نعم فقد حققت الفوز في الضواحي الشمالية والجنوبية [مناطق الطبقة البرجوازية]، ففي إيكالي سجلت نعم 84,62% وفي ديونيسو 69,78% وفي فولياجميني 66,27% وفي كيفيسيا 64,59% و65,42% في دروسيا و63,88% في فولا».

لقد غير الاستفتاء المزاج العام في المصانع والشوارع، حيث عزز معنويات العمال وقوى ثقتهم بأنفسهم. وقد اتضح ذلك في المسيرات الجماهيرية التي نظمت سواء قبل الاستفتاء أو بعد ظهور النتيجة.

عندما اتضح حجم الانتصار تدفق الآلاف من الذين صوتوا بلا إلى ساحة سينتاجما أمام البرلمان في أثينا للاحتفال، يلوحون بالأعلام اليونانية ويرددون: “لا، لا”. وبينما كان معسكر المصوتين بلا يحتفل، غرق معسكر المصوتين بنعم في الارتباك. شكل هذا هزيمة كبيرة للترويكا وصفعة قوية أخرى لأنصارهم في اليونان.

قدم انطونيس ساماراس، زعيم حزب الديمقراطية الجديدة اليميني المعارض، ورئيس الوزراء السابق، الذي دافع عن التصويت بنعم، استقالته من منصبه. وقد تم استقبال خبر استقالته بالمزيد من هتافات الفرح من قبل الجماهير في ساحة سينتاجما.

ومع ذلك فإن مزاج النشوة الحالي لن يستمر، إذ ما تزال هناك عقبات كبيرة يجب تخطيها. وأكبر المعارك وأكثرها حسما هي تلك التي ستحدث في المستقبل. تعيش اليونان الآن حالة استقطاب قوية على أساس طبقي، وقد اتسعت الهوة بين الطبقات إلى هاوية لا يمكن تجاوزها. إن الصراع بين معسكر نعم ومعسكر لا يشبه من نواح كثيرة الاستقطاب الشديد الذي نراه في فنزويلا، أي أنه يشبه الثورة.

حملة شرسة

يظهر هذا الانتصار أكثر روعة إذا أخذنا في الاعتبار الحملة الشرسة التي شنها معسكر التصويت لنعم، والذي يشمل تقريبا جميع وسائل الإعلام اليونانية والمدعوم من قبل قادة منطقة اليورو الذين استخدموا كل ما لديهم من قوة سياسية ومالية للضغط على الشعب اليوناني للتصويت بنعم . شن قادة المؤسسات الأوروبية وصندوق النقد الدولي حملة من التهديدات والابتزاز ودعوا علنا إلى تغيير النظام وأملوا على اليونانيين كيف يصوتون.

حاولت الترويكا وحلفائها تحويل هذا الاستفتاء إلى التصويت لصالح أو ضد البقاء في الاتحاد الأوربي، لكن الجماهير تجاهلت هذه الدعاية، وفي الواقع كانت لكل المحاولات التي بذلت لدفع الشعب اليوناني للتصويت بنعم، ومن بينها تعبئة كل السياسيين القدامى بمن فيهم باباندريوس وكل رؤساء الوزراء الخمس السابقين، تأثير عكسي. اعتبر الشعب ذلك استفزازا وإهانة وأدى إلى دفع الناس في اتجاه التصويت بلا.

تتمتع الأحزاب السياسية التي صارعت من أجل نعم في اليونان باحتكار الحق في الوصول إلى وسائل الإعلام. فالأغلبية الساحقة من دور الصحافة وكذلك كل القنوات التلفزيونية الخاصة (التي مارست التعتيم على المسيرة الضخمة التي نظمت لصالح التصويت بلا يوم الاثنين الماضي وشنت حملة من التخويف)، هي في أيدي الأوليغارشية الرأسمالية اليونانية.

أجبر البنك المركزي الأوروبي البنوك اليونانية على إغلاق أبوابها خلال حملة الاستفتاء. ويوم الجمعة نشرت صحيفة فاينانشال تايمز خبرا يقول بأن البنوك اليونانية ستعمل على فرض اقتطاع يصل إلى 30% على كل الودائع التي تبلغ أكثر من 8.000 أورو، وهو الخبر الذي اتضح أنه كاذب. لجأ الرأسماليون اليونانيون إلى جميع أنواع التكتيكات القذرة، بما في ذلك الترهيب المباشر للعمال من أجل التصويت بنعم وإيقاف أجورهم وتهديدهم بالطرد، الخ.

كان ذلك في الواقع محاولة انقلاب. لم يكلف قادة منطقة اليورو أنفسهم عناء إخفاء حقيقة أن هدفهم هو استخدام التصويت بنعم لفرض استقالة حكومة سيريزا واستبدالها بـ”حكومة وحدة وطنية” متعاونة مكونة من “التكنوقراط”، أي من الخدم المطيعين. لا يمكن وصف هذه الحملة سوى بأنها “إرهاب”، على حد تعبير فاروفاكيس. لكن خططهم فشلت.

لقد شجعت هذه النتيجة العمال اليونانين. إذ أنهم، قبل كل شيء، رأوا أمامهم محاولة واضحة لإسقاط الحكومة المنتخبة وسيطرة الرأسمال المالي الأوروبي على الشعب اليوناني، وتأكيده على أن المفاوضات يمكنها أن تتواصل مباشرة إذا كان هناك تصويت “كبير” لصالح نعم. كان ذلك ابتزازا وقد جاء رد فعل الشعب مناسبا.

قال مجتبي الرحمن، رئيس المحللين الأوربيين بمجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر: «لقد وقعت اليونان للتو على انتحارها» وأضاف: «وحدهم الفرنسيون من سيريدون ربح شيء ما من هذا التصويت، لكنه من غير المرجح أن يحققوا أي شيء في مناقشات مجموعة اليورو».

وقال تسيبراس، في وقت متأخر من يوم الأحد، في خطاب متلفز: إن اليونانيين صوتوا لصالح «أوروبا التضامن والديمقراطية… والغد، وستعود اليونان إلى طاولة المفاوضات وأولويتنا الأساسية هي إعادة الاستقرار المالي للبلاد».

وأضاف: «هذه المرة سيكون الدين على طاولة المفاوضات» وقال: إن تقييما أصدره صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع «يؤكد وجهات النظر اليونانية حول أن إعادة هيكلة الديون غير ضرورية».

لكن هذه التصريحات مفرطة في التفاؤل. سوف تؤدي نتيجة الاستفتاء إلى دق أجراس الإنذار في أروقة كل الحكومات في أوروبا. سيتم عقد قمة لرؤساء دول منطقة اليورو يوم الثلاثاء، وقد قال مسؤولون أوروبيون بالفعل إن التصويت بـ “لا” سوف يعتبر رفضا صريحا للمحادثات مع الدائنين.

منذ البداية أكد تسيبراس على أن هذا التصويت هو تفويض لجولة جديدة للمفاوضات. لكن نائب المستشار الألماني سيغمار غابرييل – وهو بالمناسبة اشتراكي ديمقراطي – قال: «لقد أحرق تسيبراس آخر الجسور»، وهو التعبير الذي لا يمكن تصنيفه ضمن اللغة التفاوضية! وواصل قائلا بأنه «من الصعب تخيل» استئناف المفاوضات مع اليونان.

وهو ليس الوحيد، حيث قال يروين ديجسيلبويم، الذي يرأس مجموعة منطقة اليورو لوزراء المالية، لصحيفة تاغشبيغل: إن نتيجة الاستفتاء “مؤسفة للغاية بالنسبة لمستقبل اليونان”، وأن السيد تسيبراس وحكومته يقودون البلاد على مسار “الضياع المرير واليأس”.

تعاني البنوك اليونانية من نقص خطير في السيولة وسوف تحتاج إلى حقنة أخرى من الأموال من البنك المركزي الأوروبي. ومن أجل منع حدوث انهيار كامل للبنوك اليونانية، التي نزفت إلى حد الافلاس خلال الأسابيع الأخيرة، سيكون من الضروري توقيع اتفاق عاجل مع منطقة اليورو، لكن قادة منطقة اليورو سوف يصرون على فرض شروط قاسية تتعارض تماما مع البرنامج الذي خاض به تسيبراس الانتخابات وفاز بها في يناير الماضي.

لكن الأسبوعين الماضيين زادا من تعزيز الخلاف بين حكومة أثينا وبين قادة منطقة اليورو، وخاصة الألمان الذين يقررون فعلا في كل شيء.

الاستقالة المفاجئة لوزير المالية اليوناني، يانيس فاروفاكيس، كانت، بدون شك، بضغط من بروكسل وبرلين كشرط مسبق لأي محادثات جديدة. إنهم لم يغفروا له تسميته للأساليب البلطجية التي يستعملها قادة منطقة اليورو باسمها الحقيقي، أي بكونها: “إرهابا”. من الواضح أنهم قرروا استبعاده من طاولة المفاوضات. قد يظن تسيبراس أن هذا سيجعل التوصل إلى اتفاق مسألة أسهل، لكن ذلك ليس صحيحا. لقد أثبتت تجربة الأشهر الخمسة الماضية أن أي تنازل [من الحكومة اليونانية] سوف يؤدي فقط إلى المزيد من تصلب الجانب الآخر.

وفي هذه الأثناء تعاني الأبناك من نفاذ السيولة وعائدات الضرائب تتراجع ومرة أخرى بدأ الاقتصاد اليوناني يغرق في الركود، مما يجعل التوصل إلى صفقة أكثر صعوبة. ليلة الأحد وفي حين كان الشعب اليوناني يحتفل بانتصاره، ارتفعت بالفعل اصوات في أوساط المصرفيين وأرباب الأعمال الألمان تقول بأن حجم التصويت بلا يعني أنه يجب طرد اليونان من اليورو.

اتفقت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، مساء الأحد على أن تعقد قمة لقادة منطقة اليورو يوم الثلاثاء. وقد أكد قصر الإليزيه في فرنسا أنه تقرر سفر ميركل إلى باريس لتناول العشاء مع هولاند اليوم (الاثنين).

الانقسامات في أوروبا

البرجوازية الأوروبية منقسمة بين الفصيل المتشدد، ولا سيما الألمان، الذي يريد إذلال وسحق سيريزا، وبين الفصيل الذي يرى العواقب الخطيرة لمثل هذا العمل. قد يثير ذلك انتفاضة ثورية للجماهير اليونانية، وقد كان الاستفتاء تحذيرا لهم بهذا الاحتمال. وبالتالي فإن الجناح الآخر سيحاول استخدام ما يسمى بالجناح “المعتدل” داخل سيريزا، وهو ما قد يؤدي إلى صفقة ما. لكن حتى لو حدث ذلك فإنه لن يغير شيئا جوهريا بالنسبة للجماهير. وفي الواقع فإن التسوية التي حاول تسيبراس توقيعها قبل أسبوع واحد فقط كانت بالفعل تراجعا كبيرا.

هناك دلائل على وجود انقسام بين أعضاء منطقة اليورو. حيث يميل هولاند، والإيطاليون كذلك، لتقديم تنازلات لليونان. كتب وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، تغريدة قال فيها: «الآن هو الوقت المناسب للبدء في محاولة للتوصل إلى اتفاق جديد. لكن ليس هناك مفر من المتاهة اليونانية بالنسبة لأوروبا الضعيفة والتي لم تعد تحقق النمو». وقال وزير المالية البلجيكي إن الباب ما يزال مفتوحا أمام استئناف المحادثات مع اليونان “في غضون ساعات”.

وألمح بينوا كوري، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، لإمكانية تقديم الدعم لليونان. وقال يوم الأحد: «في ظل الظروف الراهنة من عدم اليقين السائد في أوروبا والعالم يتوجب ألا يكون هناك شك في إرادتنا للعمل على هذا الأمر». لكن هذا التعليق كان ربما مجرد جزء من الحملة للتصويت بنعم، ولا ينبغي أن يؤخذ بظاهره.

وعلى كل حال ليس الفرنسيون هم الذين يقررون في سياسات البنك المركزي الأوروبي، بل الألمان، وهؤلاء الأخيرين ما يزالون عنيدين. وفقا مجلة دير شبيغل قالت ميركل، في اجتماع خاص لحزبها الديمقراطي المسيحي، خلال الأسبوع الماضي، إنها توصلت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من المفاوضات المحمومة إلى أن تسيبراس مقامر “متشدد وإيديولوجي”، و”يقود بلاده إلى الحائط”، و”يلعب الروليت ببلد بأكمله”.

الأحداث على الجبهة الاقتصادية تتحرك بوتيرة أسرع بكثير مما تتحرك به على المستوى القانوني والسياسي، ويمكنها الآن أن تحدد النتيجة. يبدو من غير المرجح أن يعاد فتح أبواب البنوك اليونانية بدون ضخ اموال جديدة. لكن ذلك لا يمكن أن يأتي إلا من البنك المركزي الأوروبي ومجلس إدارته الذي من المفترض أن يتداول بشأن المسألة اليوم.

انتهت آخر خطة إنقاذ لليونان يوم الثلاثاء الماضي وتخلفت اليونان عن أداء 1,6 مليار أورو لصندوق النقد الدولي. البنوك اليونانية في أمس الحاجة إلى المال لإنقاذها وإنقاذ الاقتصاد اليوناني. لكن البنك المركزي الأوروبي ليس مستعدا لتقديم المساعدة. فأصحاب الأبناك (أي الألمان) يخشون من أن يكون توفير المزيد من السيولة للنظام المصرفي اليوناني مثل استبدال المال الجيد بالمال السيء. وإذا ما حدث تقصير في ضخ الأموال، كما يبدو مرجحا، فإن البنوك اليونانية لن تكون قادرة على البقاء واقفة على أقدامها لفترة طويلة.

من المقرر ان يجتمع بعد ظهر اليوم في فرانكفورت مجلس صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي، وهناك سيقول المتشددون داخل المجلس، لا سيما ينس ويدمان، رئيس البنك المركزي الألماني، إن اليونان تسير نحو التخلف عن السداد. في 20 يوليوز من المقرر أن تدفع اليونان 3.5 مليار أورو على السندات التي يحتفظ بها البنك المركزي الأوروبي. وإذا ما تخلفت أثينا عن السداد، وهو ما يبدو حتميا، فإن البنك المركزي الأوروبي قد يقرر قطع أي شريان للحياة.

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ يمكن لبنك اليونان أن يقدم قروضا غير مضمونة للبنوك اليونانية دون إذن من البنك المركزي الأوروبي، وهذا ما سوف يبدو خطوة نحو مغادرة منطقة اليورو. أو يمكنه أن يخلق صراحة عملة جديدة، والتي قد يطلق عليها أو قد لا يطلق عليها اسم الدراخما، والتي قد يمكن استخدامها لتمويل البنوك اليونانية والاقتصاد اليوناني، لكن ذلك سيعني صراحة خروج اليونان من اليورو.

سبب العداء العنيد الذي تكنه ميركل والآخرون لليونان ليس في جوهره مسألة اقتصادية. ليس هناك شك من أنه لو كانت هناك حكومة يمينية في أثينا، بدلا من سيريزا، لكان الألمان قد وجدوا السبل والوسائل لتوفير بعض الأموال للبنوك اليونانية.

السبب في أنهم لا يمكن أن يتسامحوا مع سيريزا وبرنامجه لمكافحة التقشف هو أنه يشكل نموذجا يحتذى لغيره من الأحزاب والحركات اليسارية والمناهضة للتقشف في أجزاء أخرى من أوروبا. كانت صحيفة الايكونوميست قد حذرت منذ بعض الوقت من خطر “التعب من التقشف” من جانب الجماهير. هناك حدود لما يمكن للشعب أن يتحمله قبل أن ينتقل في اتجاه التمرد العلني، وقد تجاوزت اليونان بالفعل تلك الحدود. لكن بلدانا أخرى، لا سيما اسبانيا وايطاليا والبرتغال وحتى فرنسا، تسير في نفس الاتجاه.

بداية الثورة اليونانية

يتمتع حزب سيريزا الآن بشعبية كبيرة، وإذا ما تمت الدعوة في هذه اللحظة لاجراء انتخابات سوف يتمكن من زيادة عدد الأصوات التي حصل عليها وسيكون قادرا على الحكم دون نواب حزب اليونانيين المستقلين، الذين انضم بعضهم إلى معسكر نعم قبل الاستفتاء. يدل هذا على أن السبيل الوحيد للمضي قدما هو الاعتماد على الجماهير وليس على المناورات والدبلوماسية في الأعلى. إذا ما حاول تسيبراس اللجوء إلى المناورات في القمة سيسقط مثل ذبابة في بيت العنكبوت، وشعبية سيريزا ستتبخر وستمهد خيبة أمل الجماهير الطريق لتشكيل حكومة يمينية.

سيجد قادة سيريزا أنفسهم محاصرين بين حجري رحى ضخمتين. فمن جهة المصرفيون والرأسماليون الأوروبيون سيطالبون بمزيد من التخفيضات والتقشف كشرط للإفراج عن أي أموال للبنوك اليونانية، ومن جهة أخرى تقف الجماهير اليونانية الآن مصممة وعازمة على مقاومة أي محاولات لجعلها تدفع ثمن الأزمة الرأسمالية.

ما يزال المسؤولون الحكوميون يؤكدون على أن رفض شروط الإنقاذ من شأنه أن يقوي موقفهم وأنه يمكنهم التوصل بسرعة إلى اتفاق لتمويل جديد عبر استئناف المفاوضات. لكن هذه المفاوضات لا يمكنها أن تبدأ إلا عندما يوافق الجانب اليوناني على مزيد من التخفيضات والتقشف. قال تسيبراس: «أنا أفهم أن المصوتين لم يعطوني تفويضا ضد أوروبا، بل تفويضا لمستقبل مستدام»، وحذر من أنه “لن تكون هناك حلول سهلة”. ماذا تعني هذه الكلمات؟ سنرى ذلك مع الوقت…

إذا ما قدم تسيبراس أي تنازلات للترويكا سوف يدخل في اصطدام مع الطبقة العاملة وقواعد سيريزا. البرجوازية اليونانية ضعيفة إلى درجة أنها لا تمتلك أي حزب خاص بها يمكنها الاعتماد عليه. ولذلك فإن الأمل الوحيد لها هو إثارة انقسام بين الجناح اليميني والجناح اليساري داخل سيريزا: بين أولئك الذين يؤيدون مزيدا من التقشف وأولئك الذين يقفون بحزم ضده. سوف تناور الترويكا من أجل تقسيم سيريزا واسقاط الحكومة وإقامة حكومة من العملاء المطيعين. وهو ما سيكون على العمال اليونانيين والشباب محاربته بكل قوتهم.

يقول الكتاب المقدس: «لا يمكنك أن تخدم سيدين: الله والمال في آن واحد». ونحن نقول للرفيق تسيبراس: لا يمكنك أن تخدم سيدين: الترويكا والشعب اليوناني. عاجلا أو آجلا سيتوجب الحسم في هذا الشأن. إذا أراد تسيبراس وقيادة سيريزا ذلك سيكونون في وضع يمكنهم من الشروع في عملية من شأنها أن تؤدي إلى مصادرة البنوك وأملاك الأوليغارشية. سيكون لديهم دعم العمال الأوروبيين الذين يتعاطفون مع العمال اليونانيين بكل قلوبهم.

من المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف أن الاستفتاء حشد موجة كبيرة من التضامن في جميع أنحاء أوروبا وخارجها. تظاهر الآلاف في عدة مظاهرات في برشلونة ومدريد ولشبونة ودبلن وباريس وبروكسل (وبأعداد أقل في أماكن أخرى) حيث كان ينظر إلى الاستفتاء بحق بكونه تصويتا على التقشف في جميع أنحاء أوروبا. وحضر آلاف الأشخاص احتجاجا في ايرلندا للتضامن مع اليونانيين يدعو إلى التصويت بلا في الاستفتاء.

الأكثر إثارة للاهتمام كان هو المسيرة التي شهدتها العاصمة الايرلندية، حيث سار المتظاهرون في دبلن من البنك المركزي إلى الديل (البرلمان) في ما يسمونه “معركة مشتركة ضد التقشف في كلا البلدين”.

قال جوان كولينز عضو حركة الناس قبل الربح: «إذا نجحت حكومة سيريزا في الحصول على شطب ديونها سيكون ذلك صفعة قوية في وجه حكومات أوروبا. إنهم يريدون خنق حركة سيريزا ويريدون استبدالها بالتكنوقراط، أي بنفس الأشخاص الذين أوصلوا البلاد إلى الهاوية. ولذلك أعتقد وآمل أن يرسل الشعب اليوناني رسالة واضحة يوم الاحد».

هذه هي النزعة الأممية في الممارسة! عمال وشباب أوروبا يتظاهرون إلى جانب اليونان! كم سيكون حماسهم أعظم لو رأوا أن سيريزا يتخذ إجراءات لإسقاط دكتاتورية الأبناك والرأسماليين!

كانت تغطية وسائل الإعلام خارج اليونان تقريبا بنفس سوء تغطية وسائل الإعلام في اليونان. كتبت صحيفة الجارديان، التي من المفترض أنها صحيفة تقدمية: «التصويت للا أيده اليسار المتشدد واليمين الفاشي الجديد في اليونان، في حين نظمت أغلب تيارات يسار الوسط ويمين الوسط الحملة للتصويت بنعم». إن واقع دعم حزب الفجر الذهبي للتصويت بلا مهزلة حقيقية، إذ لم يكن لديه حقا أي بديل آخر، لأنه قد بدأ يخسر المواقع في الفترة الماضية وكانت الدعوة إلى التصويت بنعم ستقضي عليه تماما.

يجدر بنا أن نذكر أنفسنا بأنه حتى وقت قريب كانت كافة وسائل الإعلام، بما فيها أيضا ويا لعارها معظم المجموعات اليسارية، يصرخون حول “خطر الفاشية في اليونان”، وهو الشيء الذي سخرنا منه عن حق. ونحن الآن نرى الوضع الحقيقي، وهو بالضبط ما كنا نقوله: فالبندول يتأرجح في اليونان نحو اليسار وليس نحو اليمين. وما يوجد على جدول الأعمال ليس الفاشية، بل التطورات الثورية.

ميزان القوى الآن موات جدا للطبقة العاملة اليونانية. لكن هناك حاجة إلى قيادة جريئة! أكد أنصار التيار الشيوعي داخل سيريزا أن المزاج السائد في مسيرة دعم التصويت بلا كان ثوريا. شعر الناس المشاركون في المسيرة أنهم يشاركون في ثورة. وأظهر تقرير كتبه الاشتراكي البريطاني، كيفن أوفندن، في أثينا طبيعة النقاشات التي جرت في إحدى المستشفيات: “ينبغي علينا أن نحاصر قاعة المدينة في أثينا حتى يستقيل جيورجوس كامينيس”. وكامينيس هو سياسي من يسار الوسط دعم حملة التصويت بنعم، ويعتقد على نطاق واسع أنه قد أساء استخدام مرافق البلدية للقيام بذلك.

لقد حاول استخدام سلطته لإلغاء المظاهرة في سينتاجما مساء يوم الجمعة. وواصل محاور كيفن أوفندن قائلا: «لقد كان مشاركا في انقلاب عسكري، إنه أحد كبار المتآمرين. إنه خائن! نحن نعرف ما يحدث للخونة». وساق كيفن أوفندن أيضا تصريحا لأحد العمال في الاذاعة العمومية اليونانية (ERT) التي أغلقت من طرف الحكومة السابقة وأعادت حكومة سيريزا فتحها، لكن تحت إشراف مدير من حزب باسوك (PASOK): “أتشوق للعودة إلى العمل غدا، سنرى من الذي يحكم!”

يوضح هذا النوع من المزاج أنه يمكن لنتيجة التصويت المذهلة في الاستفتاء أن تشكل في المستقبل بداية الثورة اليونانية والتي بدورها ستكون بداية الثورة الأوروبية.

آلان وودز
لندن 6 يوليو 2015

عنوان النص بالإنجليزية:

Greek referendum: a slap in the face for the Troika – what next?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *