الرئيسية / دول العالم / أوروبا / الرعب في البحر الأبيض المتوسط: جريمة عنصرية للرأسمالية الأوروبية

الرعب في البحر الأبيض المتوسط: جريمة عنصرية للرأسمالية الأوروبية

تهيمن على عناوين الأخبار حول العالم في الوقت الحالي أنباء عملية البحث والإنقاذ الضخمة الجارية لاستعادة حفنة من السياح الأثرياء، بما في ذلك ملياردير بريطاني، فقدوا في المحيط الأطلسي أثناء مغامرة غوص لاستكشاف حطام سفينة تيتانيك. في غضون ذلك، هناك مؤامرة صمت في وسائل الإعلام العالمية بشأن التفاصيل التي ظهرت حول غرق 700 مهاجر في البحر الأبيض المتوسط، الأسبوع الماضي، في نتيجة مباشرة لإهمال متعمد ووحشي لحياة الإنسان.


وفي حين أن مثل هذه الأحداث المأساوية أصبحت شائعة جدا، فقد هز حجم المأساة، التي تكشفت يوم الأربعاء الماضي في البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من مدينة بيلوس الساحلية اليونانية، الملايين. غرق قارب صيد محمّل بالمهاجرين، لأسباب لم يتم تحديدها بالكامل بعد. وتم بالفعل تأكيد وفاة 79 شخصا، لكن هذا ليس سوى جزء بسيط من الخسائر الحقيقية. تشير التقديرات إلى وجود ما يصل إلى 800 شخص على متن القارب، ومع ذلك فلم يتم إنقاذ سوى 104 أشخاص فقط. ووفقا للعديد ممن نجوا، فقد كان العديد من النساء وما يصل إلى 100 طفل في المخزن السفلي. لم ينج منهم أحد.

هذه واحدة من أكثر حوادث السفن دموية ومأساوية في البحر الأبيض المتوسط خلال السنوات الأخيرة، في بحر تم وصفه في كثير من الأحيان، لأسباب وجيهة، بأنه مقبرة للأرواح. ووفقا لمنظمة الهجرة الدولية، فقد مات ما لا يقل عن 27.000 شخص في البحر الأبيض المتوسط منذ بدء التسجيل في عام 2014. ومات 2000 شخص في عام 2021، و2400 شخص في عام 2022. لكن هذه التقديرات لا تشير، في الواقع، إلا إلى الحد الأدنى من عدد القتلى والمفقودين.

وبينما تستمر المعلومات الجديدة في الظهور حول الظروف المحيطة بالمأساة، فإن هناك شيئا واحدا واضحا: التقارير الواردة من الناجين والناشطين تتعارض بشكل صارخ مع القصة “الرسمية” التي يتبناها خفر السواحل اليوناني. نحن أمام صورة لمئات البشر الذين ماتوا كنتيجة مباشرة للسياسة المثيرة للاشمئزاز، التي تقودها الحكومة والتي تتعمد تجاهل ومضايقة  و”دفع” المهاجرين اليائسين إلى عرض البحر.

تهافت القصة الرسمية

انطلق القارب المنكوب، حسب ما ورد في التقارير، من طبرق، ليبيا، وكان متجها إلى إيطاليا. ووفقا لخفر السواحل اليوناني، فقد رصدوا القارب لأول مرة في منتصف نهار الثلاثاء. يزعمون أنهم عرضوا بعد ذلك المساعدة على القارب، وتلقوا ردا سلبيا، باستثناء طلب الإمداد بالماء والطعام. القارب -مرة أخرى حسب ادعاء خفر السواحل- كان “صالحا للإبحار”، واستمر في مساره، وكان خفر السواحل يراقبه “بحذر” حتى توقف عن الحركة حوالي الساعة الثانية صباحا، ثم انقلب، وغرق تماما خلال دقائق. في تلك المرحلة، أطلق خفر السواحل عملية بحث وإنقاذ.

لكن شهادة ناشط أجرى عدة اتصالات مع ركاب من القارب، بالإضافة إلى المعلومات التي نشرتها مجموعة “Alarm Phone”، تتعارض مع رواية خفر السواحل للأحداث. لقد أظهروا أن القارب توقف عن الحركة وكان من الواضح أنه كان في محنة منذ الساعة الخامسة مساء (حوالي تسع ساعات قبل انقلابه، وهذا ما أكده تحليل بي بي سي للأحداث)، وأن القبطان ترك القارب بعد ذلك بوقت قصير، وأن ركابه كانوا يطلبون باستمرار “أي مساعدة”.

في الوقت نفسه، اعترف خفر السواحل نفسه أنه بينما أبلغته “Frontex” (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل) بالقارب في الساعة 11 صباحا من يوم الثلاثاء (أي قبل 15 ساعة من وقوع المأساة)، فإنه لم يبذل جهدا للتأكد من وجوده إلا بعد ثلاث ساعات (على الساعة الثانية بعد الظهر!)، وتم أرسال مروحية (!)، أقلعت من جزيرة ليسفوس، على بعد أكثر من 550 كم من المكان الذي غرق فيه القارب!

وقد تناقضت رواية خفر السواحل اليوناني للأحداث أكثر مع رواية الناجين، حيث قال البعض منهم إن محاولة جر القارب هي التي أدت إلى انقلابه، وهو الأمر الذي نفاه خفر السواحل.

لقد كذب خفر السواحل اليوناني بشكل واضح للتستر على دوره في التسبب في هذه المأساة. لقد أصبح من الواضح أن خفر السواحل قام عن عمد بتأخير رده وعمله في البداية (كجزء من طريقة يطلق عليها اسم “استعمال الوقت كسلاح“)، وعندما أصبح من الواضح أن القارب لا يمكنه أن يتحرك (وهكذا تقطعت به السبل بشكل دائم في منطقة تقع تحت المسؤولية اليونانية)، حاولوا “دفعه إلى الخلف” بعنف، وحينها سارت الأمور بشكل خاطئ. ووفقا لأحد الناجين فقد قال خفر السواحل اليوناني صراحة لأولئك الذين كانوا على متن القارب إنه ستتم إعادتهم إلى المياه الإيطالية.

هذه واحدة من أكثر المآسي دموية، والتي نتجت عن التنفيذ الواسع النطاق للسياسة غير القانونية وغير الإنسانية للدولة الرأسمالية اليونانية وحكومة ميتسوتاكيس تجاه المهاجرين، ولا سيما سياسة “الدفع إلى الخلف” من قبل خفر السواحل اليوناني، حيث يتم إعادة المهاجرين قسرا إلى المياه الدولية وتركهم لمصيرهم.

حاولت الحكومة اليونانية منذ فترة طويلة إنكار أن لديها سياسة “الدفع إلى الخلف”، ولكن في الشهر الماضي فقط اضطرت للتعامل مع لقطات تظهر خفر السواحل وهم يعتقلون المهاجرين الذين وصلوا إلى اليابسة، ويضعونهم على متن زوارق خفر السواحل، ثم يعيدونهم إلى مركب متهالك بعيدا في عرض البحر. وأظهرت لقطات أخرى زوارق خفر السواحل اليونانية وهي تحاول اختراق طوافات مطاطية وحتى إطلاق الذخيرة بالقرب من المهاجرين.

ظهرت قسوة البرجوازية اليونانية في وقت سابق من هذا العام خلال جلسات استماع في محاكمة 24 من عمال إنقاذ المهاجرين. يتم تجريم هؤلاء العاملين في المجال الإنساني لإنقاذهم أرواح البشر، ويتم تقديمهم في محاكمتهم على أنهم عصابة جريمة منظمة لتهريب المهاجرين! هذه محاولة واضحة لمنع العمل على إنقاذ الحياة.

ونتيجة لكل ذلك، يلجأ المهربون إلى رحلات أطول ويختارون طرقا أكثر خطورة، مما يضاعف المخاطر على حياة المهاجرين.

“حصن أوروبا” العنصري

إن سياسة الدولة البرجوازية اليونانية هي، بطبيعة الحال، امتداد للسياسة العنصرية المناهضة للهجرة في الاتحاد الأوروبي ككل. إن الرأسمالية الأوروبية، المسؤولة بشكل أساسي عن الاحتلال الإمبريالي والتدخلات العسكرية في البلدان الأفريقية والآسيوية، إلى جانب الإمبريالية الأمريكية، تعامل الضحايا الأبرياء لسياستها الخارجية بوحشية شريرة، وتحول القارة إلى “حصن”، وتتخذ إجراءات مخزية، مثل اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا.

وهكذا، يواجه المهاجرون في أوطانهم أكثر المظاهر الوحشية للتناقضات المتأصلة في الرأسمالية، وهو نظام يمر بأزمة مستمرة ومتفاقمة. ونتيجة لذلك، يجدون أنفسهم مجبرين على الاختيار بين حياة البؤس والحرب في الوطن الأم، أو رحلة قد لا يكملونها في أسوء الأحوال، أو تؤدي بهم، في أحسن الأحوال، إلى حياة الاستغلال كعمال من الدرجة الثانية، حيث يكونون مستهدفين بشكل دائم من قبل العناصر الأكثر رجعية في الدولة التي يحاولون اللجوء إليها.

الهجرة ليست مجرد منتج ثانوي غير مرغوب فيه للنظام بالنسبة للرأسماليين، بل هي أداة مفيدة للغاية ومرحب بها. لكن الطبقات السائدة لا تريد سوى العدد الذي تحتاجه من العمالة الرخيصة. نظرا لأن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية تؤدي إلى نزوح المزيد من البشر، فإن سياسات الرأسمالية المتمثلة في الحدود المغلقة والكراهية تهدد باستمرار بخلق المزيد من المآسي.

منذ المأساة، أظهر العمال والشباب في اليونان فيضا من التضامن، مع تنظيم احتجاجات حاشدة لآلاف الأشخاص يوم 16 يونيو في أثينا وسالونيك، ورفعوا شعارات “الحكومة والاتحاد الأوروبي يقتلان”، و”لا لتحصين أوروبا، نعم للتضامن مع اللاجئين”.

في أعقاب هذه المأساة، من واجب كل مناضل في اليسار والحركة العمالية والشباب الدفاع عن المهاجرين واللاجئين. هناك حاجة ملحة لمبادرات ملموسة وموحدة من اليسار ومن المنظمات الجماهيرية للعمال والشباب. نحن نقول:

  • لا للدفع للخلف، لا للأسوار! نعم لحل “Frontex”! وفتح الحدود الأوروبية أمام المهاجرين واللاجئين. نعم لحق اللجوء لمن يطلبه، ومنح وثائق السفر لمواصلة السفر إلى البلدان الأوروبية التي يختارونها!
  • لا للهستيريا الكارهة للبشر ولكراهية الأجانب التي تمارسها الطبقة السائدة اليونانية والحكومة اليونانية! فليسقط حزب الديمقراطية الجديدة العنصري واليمين واليمين المتطرف الكارهين للبشر! فليسقط الجناة في الحكومة ومبرروا جرائم الاتحاد الأوروبي.
  • من أجل تضامن أممي بروليتاري مع المهاجرين! إنهم ليسوا غزاة، إنهم ضحايا الإمبريالية: الحرب والعنف والاستغلال الرأسمالي والقمع! إنهم إخوة الشعب والشباب اليوناني العامل، وحلفاؤنا في قضية النضال المشترك ضد الهمجية الرأسمالية!
  • من أجل مبادرات فورية للأحزاب الجماهيرية اليسارية والمنظمات الشبابية والنقابات، بالتنسيق مع الحركة العمالية الأوروبية لإنهاء العمليات الحربية وسحب كل الجيوش الأجنبية من بلدان إفريقيا وآسيا! من أجل فتح حدود جميع الدول الأوروبية لاستقبال اللاجئين وتقديم الرعاية واللجوء لهم ومساعدتهم في الاندماج الاجتماعي!

الكسندروس كاراغونيس وباتروكلوس بسالتيس

20 يونيو/حزيران 2023

ترجم عن النص الانجليزي:

Horror in the Mediterranean: a racist crime of European capitalism