حميد علي زاده
الاربعاء: 12 أكتوبر 2016
بينما تغص وسائل الإعلام الغربية بصور الفظائع التي ترتكب في مدينة حلب السورية، يتم إخفاء الكارثة الإنسانية في اليمن بهدوء تحت السجادة. ما هو السبب؟ السبب هو أن الغرب متورط بعمق في المأساة اليمنية.
قتل ما يقرب من 200 إضافة إلى أكثر من 500 جريح بعد أن استهدفت الضربات الجوية التي يشنها التحالف مجلسا للعزاء في العاصمة اليمنية صنعاء. مجلس العزاء الذي كان مخصصا لوالد زعيم حوثي بارز حضره عدد من كبار المسؤولين الأمنيين، ولكن أيضا المئات من المدنيين. ووفقا للصليب الأحمر تعرض المكان لهجوم ثلاثة غارات جوية مما خلف ما وصفه بعض شهود العيان بـ “بحيرة من الدم”. وقالت منظمة الإغاثة إنها أعدت 300 حقيبة جثث.
في البداية نفت قوات التحالف الذي تقوده السعودية مسؤوليتها عن التفجيرات، على الرغم من أنه من الصعب أن نتصور وجود قوات جوية أخرى تحلق فوق المنطقة. وعلى أي حال تعرض العذر السعودي لهجوم نادر من جانب الولايات المتحدة حليفة المملكة. وقال بيان للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي، نيد برايس، إن الولايات المتحدة ستجري “مراجعة فورية” لدعمها لقوات التحالف الذي تقوده السعودية، مع التعديلات المحتملة “ليتلائم بشكل أفضل مع مبادئ وقيم ومصالح الولايات المتحدة”.
لكن مهما كانت مرعبة هذه الفظائع الأخيرة، فإنها لا تختلف كثيرا عما يتعرض له اليمنيون دائما على أيدي السعوديين. لقد ذرفت وسائل الإعلام الغربية أنهارا من دموع التماسيح على حلب، بينما تحرص في الوقت نفسه على عدم ذكر الحصار المفروض على ملايين اليمنيين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وما يفاقم من حدة الحصار الوحشي هو حقيقة أنه اليمن كان حتى قبل هذه الحرب من جانب واحد، واحدا من أفقر بلدان العالم وأكثرها جفافا وتخلفا، حيث يعيش أكثر من 40% من السكان في الفقر وحيث تعتبر المياه الجارية العذبة من الأشياء النادرة.
خربت الحملة التي تقودها السعودية البنية التحتية المدنية بشكل رهيب جدا. كل الطرق الرئيسية والموانئ وغيرها من البنى التحتية الأساسية تعرضت لأضرار بالغة، مما يجعل نقل السلع الأساسية مسألة في غاية الصعوبة. في الواقع ثلث جميع الغارات الجوية استهدفت مواقع غير عسكرية مثل المباني المدرسية والمستشفيات والمساجد والأسواق. وقد تعرض أحد الأسواق في صرواح في محافظة مأرب للقصف 24 مرة. في شتنبر 2015، قتل 135 شخصا في تفجير استهدف حفل زفاف في تعز، وقتل أكثر من 100 شخص في أبريل من هذا العام في تفجير سوق في محافظة حجة، في حين قتل 30 شخصا في انفجار بسوق في هيفان أثناء وقف إطلاق النار المفترض. وفي محافظة صعدة، حيث يتمتع الحوثيون بالكثير من الدعم الشعبي، تجاوزت نسبة الهجمات على مواقع غير عسكرية عدد الهجمات على الأهداف العسكرية بنسبة 3 إلى 1. وإضافة إلى ذلك تعرض عدد من المستشفيات ومرافق الإغاثة، بما فيها تلك التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، للقصف بشكل منتظم.
وعلاوة على الهجوم العسكري، فرضت قوات التحالف عقوبات اقتصادية شديدة، إضافة إلى الحصار الواسع النطاق للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون حيث تعيش الغالبية العظمى من السكان. ويضرب التحالف حصارا بحريا على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون ويمنع وصول الشحنات من الوصول إلى معظم الموانئ. كما تم تدمير معظم مرافق الميناء بشكل كامل، مما يجعل رسو السفن وتفريغ حمولتها مسألة مستحيلة – ما عدا في المناطق التي تسيطر عليها السعودية.
تركت الحرب ملايين الأشخاص في حالة يائسة. ووفقا للأمم المتحدة يعاني أكثر من نصف عدد السكان، البالغ عددهم 28 مليونا، من ندرة المواد الغذائية. والأطفال هم الأكثر تضررا، حيث مئات الآلاف مهددون بخطر الموت جوعا. 370.000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويعاني 1,5 مليون طفل من الجوع.
قال ممثل اليونيسف في اليمن، ميريتكسيل ريلانو: «إن حجم المعاناة نتيجة للصراع الدائر في اليمن مروع. ويحتاج ما يقدر بنحو 21,2 مليون شخص، وهو ما يشكل حوالي 80٪ من مجموع السكان، إلى المساعدة الإنسانية. حوالي نصف المحتاجين هم من الأطفال». وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، جيمي ماكغولدريك لـ CNN: «إنها على الأرجح واحدة من أكبر الأزمات في العالم، لكنها مثل أزمة صامتة، حالة صمت وحرب منسية».
وبسبب ارتفاع ضغوط الرأي العام ضد الحرب، بدأت الطبقات الحاكمة الأمريكية والبريطانية الآن في التعبير عن “القلق” تجاه الفظائع التي ارتكبت في حرب السعودية. لكن هذا التغير في اللهجة تفوح منه رائحة النفاق. لقد صدرت الإمبريالية الأمريكية – إلى جانب كلبها البريطاني- كميات ضخمة من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج. في العام الماضي وحده باعت ما قيمته 33 مليار دولار من الأسلحة لدول الخليج. ووفقا لصحيفة الغارديان، فإن إدارة أوباما «عرضت بيع ما قيمته 115 مليار دولار من الأسلحة للمملكة العربية السعودية على مدى الثماني سنوات التي قضاها في السلطة، أي أكثر من أي إدارة أمريكية سابقة».
لكن الأمر لا يتوقف هنا. فالبحرية الأمريكية تشارك بنشاط في فرض الحصار البحري على اليمن وتمثل العقوبات المصرفية التي تفرضها الولايات المتحدة عاملا أساسيا في عرقلة التجارة، ولا سيما السلع الأساسية والتي هي ضرورية جدا للسكان.
تشارك القوات المسلحة الأميركية أيضا في الخدمات اللوجستية للحرب إلى جانب تقديم التسهيلات للتزود بالوقود. ووفقا لصحيفة Military Times، قامت القوة الجوية الأمريكية بـ 1144 طلعة جوية للتزويد بالوقود بلغت 9793 ساعة طيران ووفرت ما مقداره 40.535.200 جنيه استرليني من الوقود لـ 5525 طائرات في أنحاء اليمن إلى حدود غشت من هذا العام. ليس للتزود بالوقود جوا سوى هدف واحد هو: الحفاظ على مواصلة الحملة الجوية المكثفة دون حاجة الطائرات إلى “إضاعة الوقت” للتزود بالوقود في المطار. وقد ارتفع تزويد الولايات المتحدة للحملة السعودية بالوقود بنسبة 61 % منذ فبراير.
وعلاوة على ذلك فقد كان ضباط أمريكيون وبريطانيون موجودين في مراكز القيادة والتحكم السعودية منذ اليوم الأول للحرب، يساعدون في اختيار الأهداف لحملة قصف السعودية.
تشارك الولايات المتحدة وبريطانيا في كل جوانب هذه الحرب باستثناء التورط فعليا فيها. كل ذلك من أجل استرضاء الطغمة الفاسدة الحاكمة في السعودية الغارقة في أزمة وجودية. أعطى بيتر سالزبوري، من Chatham House ، في تصريح لقناة CNN ، تفسيرا دقيقا جدا للأمور التي هي على المحك:
«ما تزال حرب اليمن حربا إقليمية لأنه لا يوجد داعم دولي كبير على الجانب الآخر من الصراع. والأمريكيون والمملكة المتحدة ليس لديهما أي مصلحة إستراتيجية حقيقية في اليمن، وهذا هو السبب في أنهما قررا دعم السعوديين. بالنسبة لهما تعتبر الضرورة الإستراتيجية في اليمن هي إرضاء السعوديين والحفاظ على نوع من الاستقرار في منطقة الخليج.
في الأساس، إن صناع القرار في الغرب يرون العالم وكأنه لعبة عملاقة من المخاطر، ويرون أن الحفاظ على علاقتهم مع المملكة العربية السعودية أهم التخلص من علاقات عامة سيئة بخصوص اليمن».
عندما سأل أحد الصحفيين المتحدث باسم الإدارة الأمريكية، جون كيربي، حول الفرق بين القصف السعودي لليمن والقصف الروسي لحلب، أجاب كيربي أن هناك “حاجة ضرورية للدفاع عن النفس” بالنسبة للسعوديين. وعندما طلب منه توضيح الأمر وضع نفسه في ورطة. ومن الجدير أن نستشهد مطولا بالحوار (انظر الفيديو هنا)
سؤال: حسنا […] لكنك أشرت إلى حقيقة أن السعوديين يقومون بذلك دفاعا عن النفس.
السيد كيربي: لقد كانوا، أنظر، إذن إنهم كانوا…
سؤال: في شيء محدد، ولكن كله – في مجمله.
السيد كيربي: لقد تمت دعوتهم من قبل الحكومة اليمنية. استدعي التحالف الذي تقوده السعودية من قبل الحكومة اليمنية. والآن، أنا أعلم ما سوف تقوله: حسنا، لقد استدعي الروس من السوريين، من الأسد لـ…
سؤال: لا. لا. لا. لا .لا. لا. لا.
السيد كيربي: فهمت ذلك. أنا لا أسعى إلى خلق الكثير من التشابهات التاريخية هنا.
سؤال: أنا لم أكن أريد أن… لم أكن أريد أن… وهذا…
السيد كيربي: لكنهم، نعم، كانوا، نعم، تمت دعوتهم من قبل الحكومة اليمنية وهم تحت تهديد حقيقي من جانبهم، على الجانب اليمني من حدودهم.
يبرز الجواب واضحا: لا يوجد سبب معين لدعم الولايات المتحدة لاغتيال عشرات الآلاف من اليمنيين الأبرياء. لقد بدأت الحرب في اليمن كمحاولة يائسة من قبل الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان لاسترضاء الزمرة الوهابية في المملكة وللدفاع عن المكانة الدولية المتهاوية للطغمة الحاكمة. ليس سرا أن الولايات المتحدة لم توافق قط على هذه الحرب، لكن هذا لا يفضح سوى كلبيتها.
الحقيقة هي أن هذه الحرب لا يمكن الفوز بها. لقد وصل الحوثيون إلى السلطة على أساس حركة جماهيرية في حين أن حكومة هادي “المعترف بها رسميا” لا تمتلك سوى قاعدة دعم محلية ضئيلة جدا. وفي الواقع فإن حلفاءه، المشكلون أساسا من مجموعات الانفصاليين الجنوبيين والجماعات الإسلامية المختلفة، شددوا دائما على الطبيعة المؤقتة لتحالفهم معه. قصف مجلس العزاء، الذي يأتي على رأس سنة ونصف من القصف المدمر من جانب واحد، سوف يؤدي فقط إلى زيادة الكراهية ضد قوات التحالف السعودي وزيادة الدعم لقوات الحوثيين، وخاصة في الشمال. وعاجلا أو آجلا سيؤدي نزيف المال والمكانة الاعتبارية إلى تراجع السعوديين وهو ما سيؤدي بدوره إلى تسريع تفكك هذا النظام الرجعي وتعجل بسقوطه.
عنوان النص بالإنجليزية:
Western imperialism conveniently turns blind eye on events in Yemen