فريد ويستون وحميد علي زاده
06 يونيو 2019
شكلت الثورة السودانية مصدر إلهام للعمال والنساء والشباب في جميع أنحاء العالم. وقد أبانت النساء على وجه الخصوص عن إمكانات ثورية هائلة. خرج كل من هو تقدمي في المجتمع السوداني لكي يظهر للعالم أنه من الممكن تغيير المجتمع، لكن هناك أيضا جانب مظلم، وها هو قد أطل الآن برأسه القبيح وبأكثر الطرق وحشية. لماذا يحدث هذا؟
منذ يوم الاثنين، غمرت وسائل التواصل الاجتماعي أشرطة فيديو وصور لجحافل ميليشيات قوات الدعم السريع الرجعية وهي تجتاح الخرطوم. رجال الميليشيات المسلحين، الذين جاؤوا في مجموعات على ظهر شاحنات صغيرة أو سيرا على الأقدام، قاموا باعتقال الناس بشكل عشوائي وهدم المتاريس ونهب المتاجر وضرب المتظاهرين أو جلدهم واغتصاب عدد لا يحصى من النساء. في الوقت نفسه أعلن المجلس العسكري الانتقالي، الذي كان قد أوقف المحادثات مع المعارضة، عن تشكيل حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات في غضون تسعة أشهر.
إن الثورة المضادة لا تضيع الوقت أبدا. منذ بداية هجومها المضاد صباح أمس، شرعت مجموعات من المسلحين، بقيادة ميليشيات قوات الدعم السريع، تستهدف بلا هوادة أي شخص في العاصمة السودانية الخرطوم يبدو عليه أنه ينتمي إلى الثوار. تتحدث التقارير حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص وجُرح مئات آخرين، رغم أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك بكثير. وتم إلقاء العديد من الجثث في النيل، كجزء من حملة تستهدف إرهاب الجماهير.
كما وردت تقارير عديدة عن تعرض النساء للاغتصاب في الشوارع على أيدي العصابات المسلحة. ووفقا لبعض التقارير فقد داهم رجال الميليشيات عيادة طبية واغتصبوا النساء وضربوا أي شخص وجدوه هناك. من الواضح أن الهدف من ذلك هو توجيه رسالة إلى جميع النساء السودانيات اللائي تجرأن على الخروج وتحدين نظاما حكم عليهن طيلة أجيال بأشد أنواع القمع. كلما كانت الثورة أكثر قوة وأوسع انتشارا، كلما كانت إجراءات الثورة المضادة لوضع حد لها أكثر دموية ووحشية.
همجية الطغمة العسكرية
يعرف قادة الطغمة العسكرية تمام المعرفة أن الثورة قد أطلقت العنان لقوى جبارة بين الجماهير التي أدركت قوتها. لذلك فإنهم يحتاجون إلى الضرب بأكبر قدر ممكن من الوحشية قبل أن تتاح للثورة فرصة إعادة تنظيم صفوفها. إن هدفهم هو ترهيب الحركة وتشتيتها وإحباطها، قبل أن تتاح لها الفرصة للوقوف على قدميها مرة أخرى.
من الواضح أن كل هذا تم التخطيط له بعناية قبل أسابيع، حيث رفع رجال الميليشيات ببطء حجم تواجدهم في جميع أنحاء المدينة. وقد نشرت صحفية القناة الرابعة، يسرا الباقر، سلسلة مثيرة للاهتمام من التغريدات المقتبسة من محادثات مع عضو منشق عن الاستخبارات، نجد فيها:
«اتصلت مؤخرا بمصدر أخباري (ضابط منشق عن جهاز الأمن الوطني) والذي يقول:
“هذا كله هجوم مخطط له من قِبل قوات الدعم السريع والمخابرات الوطنية وميليشيات الشرطة الشعبية وميليشيات الأمن الشعبي وميليشيات الدفاع وميليشيات الأمن الطلابي وميليشيات عبد الحي الإسلامية. لقد كانوا قوة قوامها 10.000 عضو”.»
«سألني ما هو عدد القتلى المعلن عنه حاليا (فهو ليست لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت بسبب انقطاع التيار)…
عندما قلت له 40 شخصا، تنهد وقال:
“هذا ليس حتى ربع عدد القتلى”.»
«يقول إن: “بعض الأشخاص تعرضوا للضرب حتى الموت وألقي بهم في النيل، وأطلق النار على البعض عدة مرات وأُلقي بهم في النيل، بينما تم تقطيع آخرين بالسواطير وألقي بهم في النيل. لقد كانت مجزرة”.»
«يقول إنه: عندما دخلت القوات إلى موقع الاعتصام، اقتحموا المستشفى الميداني واغتصبوا طبيبتين.
يقول إنهم تحولوا بعد ذلك إلى سيدات الشاي وبدأوا في ضربهن ويصرخون في وجوههن “مدنية أم عسكرية؟”.»
«يقول إنه تم سحب الجيش من الموقع منذ الساعة الرابعة عصر يوم الأحد، بأوامر من المجلس العسكري الانتقالي.
تم استبدال مركبات الجيش التي كانت تحرس المداخل بمركبات قوات الدعم السريع.»
(…)
«لقد رأى جنودا يجهشون بالبكاء. وقد قال له ضباط من الرتب المتوسطة والدنيا إن المجلس العسكري الانتقالي لا يمثلهم.
وقبل أربعة أيام على الحادث صدرت أوامر عليا بتجريد الجيش من أسلحته. وقد اقتحم بعضهم مستودعات الأسلحة لكنهم وجدوها فارغة».
Finally got in touch my intelligence source (a defected NISS officer) he says:
— Yousra Elbagir (@YousraElbagir) 4 juin 2019
"This is all a planned attack by the RSF, NISS, People's Police militia, People's Security Militia, Defence Miltia, Student Security Militia & AbdelHai Islamist Militia. They were a force of 10,000."
في نفس الوقت الذي كان يتم فيه تنفيذ هذه العملية القذرة، أعلن المجلس العسكري عن إقامة حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات في غضون تسعة أشهر. من الواضح أن هذا يهدف إلى تقويض البديل السياسي الذي اقترحته قيادة الحركة، التي كانت تصر على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات (!) في ظل “حكومة تكنوقراطية”. لكن مشكلة هذا المطلب هي أنه لا يلبي احتياجات الجماهير الراغبة في الديمقراطية الآن، وليس بعد ثلاث أو أربع سنوات.
لقد جاء مطلب فترة من ثلاث سنوات في الأصل، عندما كان النظام يطرح فكرة فترة من أربع سنوات. ومن خلال طرح المجلس العسكري للانتخابات المبكرة، يحاول بذكاء تقديم نفسه باعتباره أكثر ديمقراطية من تجمع المهنيين السودانيين، الذي يمثل القوة الرئيسية في الثورة حتى الآن.
كما أنه يحاول عزل الفئات الأكثر راديكالية والأكثر ثورية داخل الحركة. وبالفعل فإن حزب الأمة، الذي هو حزب برجوازي إسلامي، والذي كان حتى الآن جزءا من قوى الحرية والتغيير التي يقودها تجمع المهنيين السودانيين، قد أبان عن استعداد للمصالحة مع النظام وخرج لدعم مقترح الانتخابات القادمة. إن هذا يكشف عن وجهه الحقيقي باعتباره حزبا محافظا معاديا للثورة ومواليا للنظام القديم.
#Sudan ??: video captures the moment #RSF militants storm a protester barricade in the capital #Khartoum. pic.twitter.com/a4ZIvD85c7
— Thomas van Linge (@ThomasVLinge) 4 juin 2019
لن تكون هناك أبدا انتخابات ديمقراطية نزيهة ما دامت السلطة بين أيدي المجلس العسكري. إذ لن يتم تنظيم تلك الانتخابات إلا بعد أن تقوم الطغمة الحاكمة بالمناورات والتلاعب بها بعناية، لضمان سيطرتها الكاملة على السلطة. ستكون انتخابات بمعارضة مسحوقة، ومع سيطرة كاملة على وسائل الإعلام وبأنظمة قانونية وعدالة في أيدي المجلس العسكري، مصممة لفائدة حميدتي والبرهان وجميع القوى الرجعية الأخرى.
تتكون النواة الصلبة للثورة المضادة من مختلف الميليشيات الرجعية، ولا سيما قوات الدعم السريع، التي يقال إنها تضم 50.000 عضو مسلح في الخرطوم، تم تجنيدهم من بين العناصر الإجرامية والفئات المتخلفة من أبناء القبائل. يتم تجنيد هؤلاء الشباب، الذين هم في الغالب من المراهقين، من بين الفئات الدنيا والأكثر اضطهادا وأمية في المجتمع، ليتم تحويلهم إلى رجعيين مسعورين.
ويتضح نفاق القوى الغربية، كالولايات المتحدة وبريطانيا، في أنها تذرف دموع التماسيح على ما يقع، في حين أن قوات الدعم السريع هي في الحقيقة قوة المرتزقة الرئيسية التي تقاتل لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية في اليمن. وإلى جانب اليمن شارك العديد من جنود قوات الدعم السريع في الفظائع التي ارتكبت في دارفور وأماكن أخرى في السودان. واليوم يشكل هؤلاء المجرمون قوات الصدمة للثورة المضادة، يشكلون كلابا مسعورة أطلقت لتوفير الظروف لكي تستعيد الطبقة الحاكمة حكمها.
علاوة على ذلك هناك أمراء حرب وزعماء قبائل وشخصيات أخرى مماثلة، عبئهم حميدتي إلى جانبه والذين يزودونه بالجنود. إن هذه الفئات مرعوبة من الثورة لأنهم يرونها تحديا مباشرا لأشكال حكمهم البربرية والبدائية. يبني حميدتي قاعدة دعمه بين هذه الفئات التقليدية المحافظة، ويقدم نفسه كمدافع عن “النظام والتقاليد” ضد “الملحدين” و”المتطرفين” المشاركين في الثورة. كما أن الثورة المضادة مدعومة أيضا من مصر والسعودية، اللتان تشعر الطبقات الحاكمة فيهما بالرعب من قوة الثورة التي أصبحت مصدر إلهام لكل شعوب المنطقة.
الثورة تقف ساكنة، بينما الردة الرجعية تأخذ المبادرة
إن الثورة السودانية واحدة من أقوى الثورات في تاريخ المنطقة الحديث، كما أنها بالتأكيد أفضلها تنظيما. لقد شكلت شجاعة الجماهير السودانية، التي تقف النساء المضطهدات في مقدمة صفوفها، مصدر إلهام للجماهير العاملة في كل مكان. وقد لعب تجمع المهنيين السودانيين بشكل خاص دورا قياديا، بتنظيمه لأشكال نضالية جذرية وقيامه بتوسيع مدى النضالات. وبالتالي لا يمكن التقليل من شأن بطولة هؤلاء الأشخاص الذين يقودون تجمع المهنيين السودانيين.
مع ذلك فقد كان هناك شيء واحد مفقود، وهو ضرورة خطة حقيقية لكيفية المضي قدما. ورغم أن الثورة قد تمكنت من هز أركان الطبقة الحاكمة، فإنها في الواقع لم تطح بعمر البشير. كانت تلك هي اللحظة الأساسية التي كان من الممكن فيها لتجمع المهنيين السودانيين أن ينظم حركة إضراب عام واسعة النطاق، ويناشد الجنود العاديين لكي يلتحقوا بشكل منظم بصفوف الثورة، والاستيلاء على السلطة بطريقة سلمية دون إراقة دماء!
وبدلاً من ذلك ، قام المجلس العسكري، الذي استغل الفراغ الموجود في السلطة، بإزالة البشير وانتزاع النصر من أيدي الجماهير. كان السبب الرئيسي وراء هذا هو أن قادة تجمع المهنيين السودانيين لم تكن لديهم أي خطة ملموسة للاستيلاء على السلطة. فبعد سقوط البشير، لم يقدم تجمع المهنيين السودانيين أي بديل آخر سوى التفاوض مع المجلس العسكري، الذي يتكون من نفس رموز نظام البشير.
يجب أن نسأل لماذا كان من الضروري التفاوض مع المجلس العسكري؟ ما هو الدور الذي لعبه في الثورة؟ الحقيقة هي أن الدور الوحيد الذي لعبه المجلس العسكري هو كسب الوقت ومهاجمة الثورة. وعلى الرغم من ذلك، فقد قبل تجمع المهنيين السودانيين بالعديد من مطالب المجلس العسكري، مثل مطلب الاحتفاظ بالسيطرة على القوات المسلحة ووزارة الدفاع.
خلال “المفاوضات” كان من الواضح جدا أن المجلس العسكري لم يكن مهتما بالتوصل إلى أي اتفاق. وكان، بدلا من ذلك، يلعب على عامل الوقت حتى قام أخيرا بالانسحاب من طاولة المفاوضات، في 15 ماي، بعد أن هاجمت قوات الدعم السريع المحتجين وقتلت عدة أشخاص. ورغم ذلك لم يقدم قادة تجمع المهنيين السودانيين أي مخرج جديد باستثناء المفاوضات.
#Sudan ??: #RSF militants are dancing in the streets of #Khartoum tonight after slaughtering unarmed protesters.
— Thomas van Linge (@ThomasVLinge) 4 juin 2019
The boy filming doesn't even appear to be 18 years old.#SudanUprising#مجزره_القياده_العامه pic.twitter.com/MijJ5GQWEW
في الأسبوع الماضي، كما سبق لنا أن ذكرنا، وصلت الحركة إلى أعلى نقطة لها عندما نظم تجمع المهنيين السودانيين إضرابا عاما واسعا. لقد كان هذا أول إضراب عام سياسي منظم بشكل جيد منذ سنوات، والذي طرح بشكل واضح مسألة السلطة على جدول الأعمال. لقد كان من الواضح أنه قد تطورت في جميع أنحاء البلاد حالة ازدواجية السلطة، حيث تنافست الدولة وتجمع المهنيين السودانيين على السيطرة. لقد كانت جميع الوزارات الرئيسية في الواقع تتبع تجمع المهنيين السودانيين خلال الإضراب، وكذلك القطاعات الأخرى مثل عمال الخطوط الجوية وعمال الموانئ، وما إلى ذلك. لقد استيقظت الطبقة العاملة والفقراء.
عند هذه النقطة كان إصدار دعوة إلى جنود الجيش لتنظيم أنفسهم والانضمام إلى الثورة، وربط لجان الجنود بلجان العمال على الصعيد الوطني والاستيلاء على البنى التحتية الاستراتيجية في البلاد، سيكون عملية سهلة نسبيا، و كان في إمكانه أن يؤدي إلى انتقال سلمي نسبيا للسلطة إلى يد الثورة. كان من الممكن بسهولة نزع سلاح الميليشيات الرجعية، مثل قوات الدعم السريع، على يد الجماهير المسلحة المدعومة من الجنود الثوريين.
لكن ما حدث هو أن الإضراب توقف، مع تهديد تجمع المهنيين السودانيين باحتمال تنظيم إضراب عام آخر. لقد بقيت الجماهير، طيلة شهرين منذ سقوط البشير، في حالة استنفار دائم في الشوارع دون خطة عمل واضحة. صار يبدو لهم أنه حتى تنظيم إضراب عام سياسي قوي وناجح، لم يؤد إلى أي مكاسب ملموسة. يمكن في مثل هذا المنعطف، أن تبدأ حالة الإحباط في الظهور، خاصة بين الفئات البرجوازية الصغيرة والفئات المتخلفة سياسيا. عند بلوغ هذه النقطة لا يعود أمامك إلا أن تمضي قدما أو أن تتراجع؛ لا يمكنك الوقوف ساكنا.
يجب على الثورة أن تهزم الثورة المضادة!
كما أوضح ليون تروتسكي في كتاباته العسكرية:
«… إذا كانت شروط الثورة موجودة، أي إذا كان هناك وضع ثوري، وإذا كانت هناك طبقة لها مصلحة في الثورة وتشكل قوة حاسمة، لكنه لا يوجد هناك حزب، لا توجد منظمة يمكنها أن تقود الثورة، أو إذا كان ذلك الحزب ضعيفا، إذا كان يفتقر إلى خطة واضحة، فإنه يمكن حتى لأكثر الأوضاع الثورية ملاءمة أن تنتهي بالفشل.» (…)
«الثورة مزيج من الأحداث العملاقة، لا يمكن توقع الثورة في لحظة معينة، ولا يمكن للمرء أن يعين الأدوار فيها بشكل مسبق، لكن عندما يظهر وضع ثوري، تواجه الطبقة الثورية مهمة عملية هي: “الاستيلاء على السلطة!” (…) إذا تمت إضاعة اللحظة، يمكن للوضع أن يتغير بشكل جذري، ويمكن للتفكك أن يمزق صفوف الطبقة الثورية، مع فقدانها للثقة في قوتها…».
The International Situation and the Red Army, IV. The Events in Germany in the Autumn of 1923
هذا هو الخطر الذي نواجهه الآن في السودان. والحقيقة هي أنه بينما الثورة المضادة مستعدة، فإن الثورة ليست كذلك. لقد أمضى حميدتي الأشهر الماضية في بناء قاعدة سياسية له، وتوطيدها كعدو للثورة، وإعدادها للاستيلاء على السلطة. وفي هذه الأثناء رفض تجمع المهنيين السودانيين بناء حزب سياسي وأعلن عن نفسه بأنه قوة غير سياسية! حافظ حميدتي على سيطرته على الأسلحة، في حين رفض تجمع المهنيين السودانيين تسليح المتظاهرين، حتى عندما علم أن هناك هجوما قادما. لقد سنحت لتجمع المهنيين السودانيين عدة فرص للاستيلاء على السلطة، لكنه فشل في ذلك. عند ذلك، وبمجرد أن رأى أن اللحظة صارت مناسبة، تدخل حميدتي بشكل حاسم، مستخدما كل قواته لتوجيه ضربة حاسمة وقوية ضد الثورة.
من الواضح أن هدف رجالات النظام القديم هو وضع حد للثورة السودانية، التي يرون أنهم تسامحوا معها بما يكفي. لقد أرعبتهم قوة الإضراب العام، لكنهم أيضا ماكرون بما يكفي ليروا أن الثورة قد وصلت إلى نقطة لم تعد خلالها تعرف إلى أين ستذهب بعد ذلك. لقد رأوا أنها فرصتهم فتحركوا بسرعة وبشكل حاسم. انتقلت المبادرة من معسكر الثورة إلى معسكر الثورة المضادة. لقد سبق لنا أن رأينا هذا مرات عديدة في التاريخ، حيث، كما أوضح تروتسكي، يمكن لأفضل الفرص أن تضيع.
قال أحد كبار جنرالات فرانكو في إسبانيا، بعد هزيمة الثورة في ثلاثينيات القرن الماضي، «من الضروري نشر الرعب. علينا إعطاء الانطباع بالتفوق، والقضاء دون تردد أو وجل على كل أولئك الذين لا يفكرون مثلما نفكر». إن هذه الكلمات تشرح بشكل جيد ما يحدث اليوم في السودان.
خلال الأسبوع الماضي كانت السلطة في الشوارع، لكن لم يكن هناك من يرفع شعار حسمها؟ أصدرت قيادة الحركة نداءات لإبقاء كل شيء “سلميا”، وبالتالي نزعت سلاح الحركة وسلمتها إلى جزاري النظام القديم الذين أسعدهم جدا مثل ذلك “السلام”!
#Sudan ??: video captures the moment #RSF militants storm a protester barricade in the capital #Khartoum. pic.twitter.com/a4ZIvD85c7
— Thomas van Linge (@ThomasVLinge) 4 juin 2019
لكننا لم نصل بعد إلى نهاية الثورة السودانية. يمكن لحملة القمع الحالية أن تكون سوط الثورة المضادة الذي يحفز الثورة. إن ما سيحدث خلال الأيام المقبلة سيظهر الطريقة التي ستمضي بها. من الصعب أيضا الحكم على المزاج الحقيقي الموجود بين الجماهير. لقد تم حظر الإنترنت من قبل النظام، وهو الإجراء الذي يهدف بوضوح إلى منع الحركة من تنظيم صفوفها، وكذلك منع انتشار الأخبار. هناك بعض التقارير عن احتجاجات متفرقة في أحياء العاصمة وفي مدن أخرى، لكن هناك أيضا تقارير عن انتشار القمع الوحشي إلى أجزاء أخرى من البلاد.
لقد أظهرت جماهير السودان الباسلة العظيمة للعالم مرة أخرى -مثلما فعل إخوانهم وأخواتهم في مصر وتونس عام 2011- أنه يمكن إسقاط حتى أكثر الأنظمة استبدادا عندما ينهض الشعب العامل إلى النضال. لقد ردوا على المتشككين والمرتابين الذين هم دائما على استعداد لاتهام الجماهير بـ “انخفاض مستوى الوعي”. إن الوعي يبقى “منخفضا” حتى يصبح بشكل ديالكتيكي مرتفعا. فعاجلا أم آجلا يصعد غضب الجماهير المكبوت إلى السطح، وعندما يفعل ذلك يبدو أنه يفاجئ الجميع. لكن بالنسبة لنا نحن الماركسيين، ليس هناك ما يفاجئ، لأننا ننظر بعمق إلى السيرورات الجزيئية التي تجري تحت السطح بين صفوف الجماهير المضطهَدة.
إلا أن النقطة المهمة هي أنه لا يكفي صعود الغضب إلى السطح. فبمجرد ما أن تبدأ الجماهير في السير على طريق الثورة، تصير في حاجة إلى قيادة ترقى إلى مستوى المهام التي يفرضها الوضع. وهذه القيادة غير موجودة في السودان. والجماهير تدفع الآن ثمنا باهظا على ذلك. فالثورة المضادة انطلقت.
لسنا بصدد نعي الثورة بعد، فقد أظهرت الجماهير قدرة هائلة على الصمود، وما يزال في إمكانها أن تنهض وترد الضربة. إن ما يجب القيام به الآن هو تنحية كل الأوهام حول إمكانية تفاوض الثورة مع جلاديها. فإما انتصار الثورة أو الهزيمة على أيدي الثورة المضادة، لا يوجد طريق وسط.
عنوان النص بالإنجليزية: