رابطة العمل الشيوعي
الثلاثاء: 07 فبراير 2017
آلة القمع تنقض من جديد
يوم الأحد 05 فبراير، تحركت آلة النظام الدكتاتوري القمعية، مرة أخرى، لتكسر عظام المحتجين في منطقة الريف، شمال المغرب. حدث ذلك، حسب ما جاء في بيان لجنة الإعلام والتواصل للحراك الشعبي بإقليم الحسيمة، على اثر دعوة نشطاء الحراك الشعبي بالحسيمة لتخليد ذكرى رحيل عبد الكريم الخطابي، «عبر تجمعات حاشدة بساحة (كالا بونيطا)، والتي كان يفترض فيها تقديم الوثيقة النهائية لمطالب الساكنة […]».
ويضيف البيان أنه بينما كانت الجماهير تتوافد “بالآلاف من كل مداشر الريف”، «أبت الآلة القمعية إلا أن تمارس إرهابها الوحشي في حق المواطنين العزل بانزالات قمعية لم تشهدها المدينة والإقليم منذ انتفاضة 58/59 المجيدة […]».
في مدينة الحسيمة شنت الآلة القمعية حملة ملاحقات ضد المحتجين. فمنذ صباح يوم الأحد قامت السلطات بعسكرة الإقليم كله وتنصيب عشرات الحواجز الأمنية على الطرقات من أجل منع وصول المتظاهرين إلى المدينة، وقامت بطرد المحتجين من محيط “ساحة كالابونيطا”، التي كان من المقرر أن تنطلق منها المسيرة، ومطاردتهم حتى بعد أن التجئوا إلى الجبل المطل على الساحة. «مع المحاصرة الكلية للطرق الرابطة بين الدواوير… واقتحام المحلات التجارية والمقاهي والتنكيل بالمواطنين دون تمييز». واستمرت حملة المطاردات والاعتقالات والاستفزاز حتى ساعات متأخرة من ليلة الأحد، وكانت قوات القمع تفرق أي تجمع يتجاوز 4 أشخاص.
وقد وصلت عربدة آلة النظام القمعية ذروتها في منطقة بوكيدارن حيث تدخلت جحافل القمع بوحشية لمنع مسيرة جماهيرية، كانت متجهة نحو الحسيمة مشيا على الأقدام. ضد المتظاهرين العزل استعملت قوات القمع سيارات الهجوم المصفحة وقاذفات المياه وقوات مدججة بالعصي وبنادق الغازات المسيلة للدموع. واستمرت المطاردات بشوارع بوكيدران حتى بعد نجاح قوات القمع في فض المسيرة.
كما صور بعض النشطاء شريط فيديو يفضح قيام قوات البوليس بتكسير أعمدة الإنارة العمومية وسط بلدة بوكيدران، والتي عمدت كذلك إلى إطفاء الأضواء، حتى لا تلتقط كاميرات الهواتف همجيتهم، وليلصقوا تهمة التخريب بالمحتجين.
عدد ضحايا هذه الجريمة الشنعاء من المعتقلين غير معروف لحد الآن، لكن الأكيد هو اعتقال صحفي وبعض الناشطين، أطلق سراحهم بعد أزيد من 24 ساعة من التحقيقات. كما أنه من المستحيل معرفة العدد الحقيقي للجرحى لأن الخوف من الاعتقال يمنعهم من الذهاب إلى المستشفيات. لكن الأكيد هو أن الحصيلة كبيرة، بالنظر إلى حجم القوات القمعية والوسائل التي استعملت وشراسة الهجوم على المتظاهرين العزل.
ويأتي هذا القمع الوحشي ضد محتجين سلميين عزل أهم مطالبهم البنية التحتية والشغل والمستشفيات ورفع التهميش عن المنطقة، في عز الدعاية الرسمية لما تطلق عليه اسم “التجربة المغربية الديمقراطية الرائدة” في إفريقيا. في الواقع لا يملك المرء سوى أن يتأوه استغرابا وسخطا من هذا الوضع السريالي حيث يبذر النظام الدكتاتوري أموال الشعب المغربي، دون ولو استشارة شكلية، لشراء ذمم الدكتاتوريين الفاسدين أمثاله، من خلال بناء الطرق والمستشفيات، بل وبناء عاصمة كاملة لدولة جنوب السودان، بينما يكسر عظام من يطالبون في الداخل بالمستشفى والطريق والعمل.
أيها الطغاة ارتعدوا!
من المعبر جدا ان أحداث يوم الأحد جاءت على خلفية سعي الشباب الثوري إلى تخليد ذكرى وفاة قائد الثورة ضد الاستعمار وعملائه، وفي نفس الآن تقديم لائحة المطالب الشعبية الآنية. إن هذا دليل من جهتهم على وعي كبير وقدرة على فهم الكيفية السليمة لربط الماضي الثوري بالحاضر الثوري. كما أنه دليل من جهة أخرى على أن النظام القائم، صنيعة الاستعمار، ما زال يرتعب من شبح “ميس نعبد الكريم” مثلما كان يرتعب منه هو وأسياده الإمبرياليون، قبل حوالي قرن من الزمان.
وبالرغم من كل شيء ليست الهجمة التي شنها النظام على المحتجين سوى دليل على الرعب من الحراك وإمكانية تحوله إلى شرارة تشعل جبل البارود الهائل الذي تراكم عبر عقود طويلة من التهميش والاستغلال والقمع، وخوفه كذلك من امتداد الشرارة إلى مناطق المغرب الأخرى، التي لا تختلف كثيرا في أوضاعها عن أوضاع الريف. خاصة وأن هذه الأحداث تأتي استمرارا للحراك الذي اندلع على خلفية اغتيال الشهيد محسن فكري، وعلى بعد أيام فقط من حلول الذكرى السادسة لحراك 20 فبراير الثوري.
لقد كان القمع شرسا، لكن صمود الجماهير والمناضلين الأشاوس فرض على قوات القمع التراجع بعد مواجهة دامت حوالي 13 ساعة، بعد أن تكبد خسائر كبيرة في صفوفه، وهو ما اعترفت به وزارة الداخلية في بلاغ لها يتحدث عن إصابة 27 عنصرا من قواتها بجروح متفاوتة.
وإلى جانب هذه الهزيمة النكراء، تكبد النظام هزيمة أخرى لا تقل أهمية وهي أن معنويات المحتجين زادت ارتفاعا وزاد التضامن الشعبي معهم سواء داخل المغرب أو خارجه. فقد نقلت العديد من وسائل الإعلام العالمية خبر الحراك والهجوم القمعي (على سبيل المثال اضغط هنا وهنا وهنا…)
كما تحرك العمال المغاربة في المهجر للتضامن مع رفاقهم ورفيقاتهم والتنديد بالجريمة النكراء. وفي هذا الصدد أصدرت “لجنة الشهيد محسن فكري لدعم الحراك الشعبي- هولندا” بلاغا من لاهاي، يوم 05 فبراير 2017، عبرت فيه عن دعمها اللامشروط للحراك وتنديدها بحملة القمع والإرهاب ضد ساكنة إقليم الحسيمة. ودعت إلى «تنفيذ وقفة احتجاجية/تنديدية أمام السفارة المغربية بلاهاي يوم السبت المقبل على الساعة 14:30». كما دعت «كافة اللجان على مستوى أوروبا لتوحيد الوقفات زمانا وجعل يوم السبت القادم يوم الغضب أمام سفارات وقنصليات المغرب بأوروبا».
لن تمر الجريمة بدون عقاب، فيا أيها الطغاة ارتعدوا!
والآن ما هي خطة النظام تجاه الحراك؟
من حقنا أن نفتخر بالنصر الذي تحقق يوم الأحد. لكن من الخطأ أن نعتبر أن المعركة انتهت. علينا أن نفهم مخططات النظام ونرسم خططنا للرد عليه. إن خطة النظام مفضوحة: هدفه الاستراتيجي هو إقبار الحراك، لكنه يفهم أنه لكي يصل إلى ذلك الهدف عليه أن ينهج العديد من التكتيكات المرحلية…
إنه يعمل أولا على عزل الحراك عن حاضنته الشعبية في الحسيمة والمناطق المجاورة من خلال تصويره وكأنه حراك لبعض “المخربين” الذين لا يريدون سوى المشاكل، وقد جاء في بيان وزارة الداخلية كلام عن قيام: «مجموعة من الأشخاص بتنظيم وقفات احتجاجية […] دون استيفاء الشروط الواجبة قانونا لتنظيمها، وتعمدهم قطع الطريق العام، تدخلت السلطات العمومية، في امتثال تام للضوابط والأحكام القانونية، لفض هذه التجمهرات وإعادة حركة السير والمرور».
كما يعمل على رسم خطوط حمراء للحراك نفسه فكلما كسب جولة كلما عمل على تحصين ما حققه والانتقال إلى الخطوة الأخرى. في البداية سيمنع المسيرات، و”يتساهل” مع الوقفات، بعدها سيمنع الوقفات ثم سيمنع التجمهر ولو استطاع أن يمنع التنفس لمنعه…
إنه يحضر لحملة قمع أخرى ضد المحتجين وخاصة قادة الحراك، وهذا ما عبر عنه بوضوح بيان وزارة الداخلية الذي يقطر تهديدا وسما، حيث يقول: «[…] قام بعض المتظاهرين برشق قوات الأمن العمومي بالحجارة مما أسفر عن إصابة 27 عنصرا، تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية. وقد قامت السلطات الأمنية المختصة بفتح بحث في الموضوع، تحت إشراف النيابة العامة، لتحديد هويات الأشخاص المعتدين وترتيب الجزاءات القانونية في هذا الشأن». بمجرد ما ستسنح له أول فرصة سوف يشن هجمته على قادة الحراك وينتقم منهم ومن خلالهم من الجماهير التي “تجرأت” ورفعت رأسها وتحدت جبروته.
لكنه لن يستعمل القمع البوليسي فقط، بل سيستعمل كذلك عصابات البلطجية وجمعيات المرتزقة، وسيجند شبيبات أحزابه الرسمية لتخريب الحراك. ستتحرك الأصالة والمعاصرة وستتحرك العدالة والتنمية، وسيتحرك بقية كلاب السلطة، سواء بمغازلة الحراك أو بالهجوم عليه، وهدفهم جميعا هو تخريبه من الداخل والقضاء عليه. لذلك علينا الحذر، علينا ألا نثق إلا في قواتنا الخاصة، علينا ألا نثق إلا في الشباب والمناضلين الذين أثبتوا في الميدان استحقاقهم والقادة الذين ننتخبهم بشكل ديمقراطي.
بالموازاة مع ذلك سيبذل كل جهد ممكن لعزل الحراك بمنطقة الحسيمة والنواحي عن بقية المغرب، من خلال تصويره وكأنه حراك لبعض “الانفصاليين” “العنصريين” الذين لا يهمهم سوى تقسيم البلد. ولينجح هذا التكتيك سيحرك النظام بعض جمعياته لتستعمل خطابا انفصاليا عنصريا، وهو ما يمكن لبعض الشباب الساخط من التهميش و”الحكرة” أن يسقط ضحية له. إننا نتفهم مشاعر الغضب والسخط والإحباط التي يحسها هؤلاء الشباب، لكننا في نفس الآن ننصحهم بألا يثقوا في من يوجههم لأن يعزلوا نضالاتهم عن نضالات بقية الطبقة العاملة المغربية وعموم الكادحين في بقية مدن وقرى المغرب.
علينا أن ننتبه إلى هذه المخططات الجهنمية، وعلينا أن نرد عليها بالتكتيكات المناسبة. في غياب الحزب العمالي الثوري الذي يمكنه أن يعبر بشكل سياسي واضح عن مطالب الجماهير، وفي الوقت الذي ترزح فيه النقابات أسيرة لليد الميتة لبيروقراطيين خونة متعاونين مع الطبقة السائدة ودولتها، من الطبيعي أن يبرز بعض الزعماء الأفراد، الذين يقودون الحراك بإخلاص وقدرة رائعة على التضحية، لكن للزعماء الأفراد حدودهم، بغض النظر عن نواياهم واستعداداتهم وقدراتهم.
سبق لتروتسكي أن قال: «ليس بمقدور منتقم معزول أن يحرر المضطهدين، بل وحدها حركة ثورية جماهيرية هي القادرة على ذلك، وهي التي لن تدع أي شيء يتبقى من نظام الاستغلال الطبقي والقهر القومي و الاضطهاد العنصري». لذا لا بد للحركة من التنظيم. لا بد من عقد جموعات عامة وانتخاب ممثلين مسؤولين أمام الجماهير في الأحياء والثانويات وأماكن العمل، ويمكن محاسبتهم وعزلهم في كل حين.
ولا بد أن ننظم حملة توضيح ممنهجة تشرح في كل لحظة وحين للجميع ما هي مطالب الحراك وما هي طرق نضاله وأهدافه، سواء في منطقة الحسيمة والنواحي أو على صعيد البلد بأسره.
لسنا مخربين ولا انفصاليين ولا عنصريين، المخرب هو النظام القائم وقواته القمعية وأزلامه من البلطجية ومرتزقة الجمعيات والأحزاب الرسمية. إنهم الوحيدون المستفيدون من تقسيم صفوف الطبقة العاملة المغربية وعموم الكادحين ليتمكنوا من قمعهم وإخضاعهم وتأبيد استغلالهم. وهم وحدهم العنصريون الذين يستفيدون من أوهام “النسب الشريف” و”العرق الصافي” و”الدماء الزرقاء” وغيرها من المزاعم الفاشستية. وهذا ما يجب أن نوضحه لرفاقنا ورفيقاتنا في الاضطهاد والقهر والنضال في كل ربوع المغرب.
والآن ما العمل؟
إن المعركة مع النظام القائم والطبقة الرأسمالية الحاكمة، سبب كل الاضطهاد والاستغلال والتهميش الذي نعيشه، معركة طويلة لن تنتهي إلا بالثورة الاشتراكية ووصول الطبقة العاملة إلى السلطة، التي ستقضي نهائيا على النظام الرأسمالي التبعي القائم وعلى كل استغلال وكل قهر وكل اضطهاد.
كل الظروف الموضوعية متوفرة لكي يتحقق هذا الهدف العظيم، كما أن الجماهير تناضل بشراسة النمور، وتعطي الدليل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة على أنها راغبة في التغيير الثوري وقادرة على إنجازه. ما الذي ينقص إذن؟ إن ما ينقص هو العامل الذاتي، أي: الحزب الماركسي الثوري القادر على قيادة الطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة لحسم السلطة والبدء في التغيير الاشتراكي للمجتمع.
قال لينين: «إن قوة الحركة المعاصرة تكمن في استيقاظ الجماهير […] وضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة القادة الثوريين». وهذا التناقض هو ما يتوجب علينا، أيها الشباب الثوري، أن نحله لكي نقدم لشعبنا ما ينتظره من جيلنا، ونحقق
ما ناضل من أجله أجدادنا ونبني مستقبلا مشرقا للأجيال القادمة: مستقبل الاشتراكية والحرية.
إننا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، نعمل على بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي، فإن كنت متفقا مع أفكارنا التحق بنا في هذا النضال من أجل الثورة الاشتراكية في بلدنا ومنطقتنا والعالم.