يوم الاثنين [09 يونيو] شن الجيش الإسرائيلي غارة ليلية على السفينة الشراعية “مادلين”، التابعة لتحالف أسطول الحرية. قامت زوارق سريعة وطائرات مسيرة إسرائيلية، بمحاصرة السفينة وصعدت وحدات قتالية مسلحة على متنها، بينما كان ركابها الاثني عشر، بمن فيهم غريتا ثونبرغ وعضوة البرلمان الأوروبي، الفرنسية ريما حسن، يجلسون في المقصورة الرئيسية للقارب وأيديهم مرفوعة، خوفا على حياتهم.

وقالت التقارير أن إسرائيل قامت بالتشويش على اتصالات القارب، مما أدى إلى انقطاع إشارة الراديو، وطلبت من جميع أفراد الطاقم إلقاء هواتفهم في الماء. كما تم رش مادة كيميائية بيضاء تشبه الطلاء على سطح السفينة، مما تسبب في تهيج جلد الناشطة وعينيها.
استخدمت وسائل الإعلام الغربية شتى أنواع التلاعب بالألفاظ لتبدو أفعال إسرائيل وكأنها قانونية أو مبررة. نقرأ في الصحافة الرأسمالية أن الجيش الإسرائيلي عمل فقط على “السيطرة” على سفينة “مادلين”، و”حول مسارها”، و”اعترضها”، و”احتجز” من كانوا على متنها. لكن هذا كذب لا أساس له، فالذي حدث في الواقع هو أن القوات المسلحة الإسرائيلية دخلت المياه الدولية واختطفت بشكل غير قانوني 12 مدنيا بريئا.
تخيلوا فقط حجم الاحتجاج الدولي لو أن بلدا آخر قام بفعل مشابه. لكن ولأنها إسرائيل، فقد منحت حرية التصرف.
ليست هذه المرة الأولى
وقوع عملية الاختطاف الإسرائيلية على بعد أكثر من 150 كيلومترا من ساحل غزة، في المياه الدولية شمال مصر، تظهر مرة أخرى أن إسرائيل لا تتورع عن تجاهل ما يسمى “قواعد” القانون الدولي. فهي سواء في غزة أو الضفة الغربية أو في الخارج، تنفذ سياستها بوعي في مواجهة جميع قرارات الأمم المتحدة وأوامر المحاكم الدولية، إلخ.

كان وصول سفينة “مادلين” إلى غزة أمرا مستبعدا تماما. ما كان النظام الإسرائيلي ليسمح بذلك أبدا، إذ كان وصولها سيعتبر نصرا رمزيا لحركة التضامن مع فلسطين. ووفاء لنهجها فقد ردت إسرائيل باستعمال قوة مفرطة، حيث صرح وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لاستخدام “أي وسيلة ضرورية”. وهذا بغض النظر عن أن النشطاء الاثني عشر كانوا عزلا، وكانوا فقط يحملون حليب أطفال وطعاما وإمدادات طبية على متن السفينة.
هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها إسرائيل إجراءات متطرفة لمنع وصول المساعدات إلى غزة عبر أساطيل مدنية. ففي الشهر الماضي فقط، هاجمت إسرائيل سفينة أخرى تابعة لتحالف أسطول الحرية بطائرتين عسكريتين مسيرتين، مما أدى إلى إصابة العديد من أفراد الطاقم على متنها. وفي عام 2010، داهمت إسرائيل ست سفن تابعة لتحالف أسطول الحرية، في المياه الدولية أيضا، مما أسفر عن مقتل عشرة من الركاب وإصابة ثلاثين آخرين. ولم يتابع أي جندي إسرائيلي على جرائم القتل تلك.
التضامن الأممي
هذه المرة، وبسبب الاهتمام الإعلامي بسفينة مادلين ووجود غريتا ثونبرغ على متنها، ربما شعرت إسرائيل أنها لا تستطيع تعريض السفينة لإطلاق نار مباشر. وبدلا من ذلك، صوروا أنفسهم بنفاق وهم يوزعون الشطائر على أفراد الطاقم، في نفس الوقت الذي يتركون فيه غزة تتضور جوعا.
وقد أثار اختطاف الطاقم، الذين يتم الآن ترحيلهم من إسرائيل، موجة من المظاهرات العفوية في جميع أنحاء العالم.

خرجت المظاهرات في بريطانيا وألمانيا والدنمارك واليونان وهولندا وإسبانيا والهند وغيرها. وفي فرنسا، خرج أكثر من 150 ألف متظاهر دعما لهم، وتجمع 50 ألفا منهم في ساحة الجمهورية في باريس وحدها.
بدأ الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن إرسال آلاف القوارب في وقت واحد إلى غزة، لكسر الحصار.
وإلى جانب تزايد عدد المظاهرات الفلسطينية الكبيرة في الأشهر الأخيرة، فإن التدفق الفوري للغضب ضد اختطاف طاقم مادلين هو علامة واضحة على أن المزاج العام قد وصل إلى نقطة الغليان في كل مكان.
شهدت حركة التضامن مع فلسطين تعبئة هائلة. ونزل الملايين إلى الشوارع في جميع أنحاء العالم. احتل عشرات الآلاف من الطلاب جامعاتهم في حركة الاعتصامات الكفاحية. كما شهدنا أعمالا فردية بطولية، وإن كانت يائسة، مثل إحراق آرون بوشنيل لنفسه. والتي تجاهلتها الحكومات الغربية جميعها. لقد بدأ الملايين الآن يتوصلون إلى خلاصة أن إنقاذ الشعب الفلسطيني سيكون ضد سياسات حكوماتنا.
يبحث الملايين عن أساليب مختلفة وأكثر فعالية. يحظى أسطول الحرية، والمسيرة التي تنظم حاليا في مصر نحو معبر رفح، بدعم كبير وذلك تحديدا لأنهما ليسا مجرد كلام، بل خطوات ملموسة دون انتظار مساعدة الحكومات الغربية. لقد أصبحا مرجعا للملايين الذين يريدون كسر الحصار وإنهاء معاناة غزة.
النفاق
هذا الغضب المتزايد يدفع الحكومات الآن إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه نتنياهو. فهم يخشون من الغضب المتصاعد تحت أقدامهم. إنهم على قمة بركان، وبينما يصعد نتنياهو الإبادة الجماعية، فإنهم يخشون مما سيحدث عندما ينفجر كل شيء.
وفي محاولة منافقة للتوازن تحاول الحكومات الرجعية تهدئة جماهير العمال والشباب بذرف دموع التماسيح والتظاهر الكاذب بالتعاطف، رغم أنها هي نفسها التي سمحت بعشرين شهرا من الإبادة الجماعية!

وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يصف الآن الحصار الإسرائيلي بأنه “خاطئ أخلاقيا” و”غير مبرر”، بينما يستخدم كلمات مثل “وحشي” لوصف التطهير الاثني ضد الفلسطينيين. لكن هذا لا يغير حقيقة أنه هو والحكومة البريطانية يصدران الأسلحة إلى إسرائيل بأعلى المعدلات حتى الآن، بالإضافة إلى تنفيذهما لمهام استطلاعية فوق غزة بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، كانت آخرها تلك التي انطلقت إلى غزة بعد اختطاف طاقم مادلين.
وبالمثل فقد وصف المستشار الألماني، فريدريش ميرز، الإبادة الجماعية بأنها “مأساة إنسانية وكارثة سياسية”، وقال: “عندما يتم تجاوز الحدود، وعندما يتم انتهاك القانون الإنساني الدولي انتهاكا صارخا، يجب على المستشار الألماني أن يقول شيئا بخصوص ذلك”.
عندما يتابع الناس الأخبار ويسمعون هذه الكلمات على لسان نفس الأشخاص الذين كانوا (وما زالوا) مدافعين متحمسين عن المذبحة التي ترتكبها إسرائيل، يمكنهم أن يدركوا أن هذا التحول في الموقف مجرد نفاق محض. فالأقوال وتغيير اللهجة لا يغيران حقيقة أن الحكومات الغربية ما تزال تدعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وبينما تحافظ الحكومات الغربية على تدفق الأموال والأسلحة إلى إسرائيل، تقوم الأنظمة العربية الرجعية المتحالفة مع الغرب في المنطقة جميعها تقريبا بالمساعدة في استمرار الحصار الإسرائيلي الإبادي على غزة.
إن الطبقة العاملة هي التي يقع على عاتقها كسر الحصار على غزة وفرض حصارها الخاص على النظام الإسرائيلي.
الصراع الطبقي
طرح أسطول الحرية الأخير مسألة العمل المباشر من أجل كسر الحصار. والسؤال هو: كيف يمكن تحقيق ذلك؟
الطبقة العاملة هي مفتاح هذا النضال، لأنها تملك القدرة على تنظيم وفرض حصار عالمي على إسرائيل. تستطيع الطبقة العاملة العالمية أن تخوض النضال مباشرة في مراكز النظام الرأسمالي التي تسمح لإسرائيل بمواصلة حصارها: المصانع، وأرصفة الموانئ، وخطوط الشحن.
وإلى جانب الدعم الجماهيري لمادلين، شهدنا أيضا تزايدا في عدد العمال الذين يتخذون إجراءات مباشرة لوقف شحن الأسلحة إلى إسرائيل. فقد منعت نقابات عمال الموانئ والنقل في بلجيكا والسويد والهند وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا الشحنات إلى إسرائيل في مواجهة معارضة شديدة من أصحاب العمل وحكوماتهم. هذه هي الطريقة المثلى لتحقيق ذلك!
يمكن للعمل الجماعي أن يتحدى إسرائيل وداعميها الإمبرياليين بشكل مباشر. يمكن دعوة الطبقة العاملة في جميع البلدان للانضمام إلى النضال من خلال الإضرابات ورفض نقل الأسلحة والبضائع إلى إسرائيل. هذا من شأنه أن يرفع الكفاح ضد الحصار الإبادي لغزة إلى مستوى أعلى بكثير، وذلك بعد عام من البحث المتواصل عن كيفية تطوير الحركة.
بعد أيام قليلة من السابع من أكتوبر، وجهت النقابات العمالية الفلسطينية نداء إلى نظيراتها في العالم لرفض تصنيع ونقل الأسلحة الموجهة إلى إسرائيل، والإضراب ضد الشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية. لقد حان الوقت للضغط على قادة النقابات العمالية لتنفيذ هذه الخطوة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن مفتاح تحرر الشعب الفلسطيني يكمن في إسقاط الأنظمة الرجعية التي ساعدت وشجعت إسرائيل. عندما ستتمكن جماهير العمال في الشرق الأوسط من إسقاط الأنظمة العربية الرجعية، ستكون المهمة التالية هي تقديم المساعدة المادية للشعب الفلسطيني.
ومهمتنا الرئيسية نحن في الغرب هي إسقاط حكوماتنا، الحكومات الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني؛ الدماء التي يحاولون جاهدين مسحها من أيديهم وهم ينظرون بقلق إلى حالة الغضب المتصاعدة في المجتمع.
فيكتور موراي
11 يونيو/حزيران 2025
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية: