الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: نساء الحسيمة يصنعن الحدث في اليوم الأممي للمرأة العاملة

المغرب: نساء الحسيمة يصنعن الحدث في اليوم الأممي للمرأة العاملة

رابطة العمل الشيوعي – جريدة: الثورة
مارس 2017

  يوم الأربعاء 08 مارس 2017، خرجت نساء مدينة الحسيمة، شمال المغرب، في مظاهرة احتجاجية حاشدة، استجابة لنداء سبق أن وجهته نساء من المدينة، عبر شريط فيديو، لجعل هذا اليوم مناسبة للنضال ضد الاستغلال والتهميش والقمع و”الحكرة”.

وفي وصف للمسيرة قال أحد الشهود عيان:

«مسيرة اليوم، التي شاركت فيها أمهاتنا وأخواتنا، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بالحسيمة، قدرت بـ 10 ألف متظاهرة، كانت ناجحة بكل المقاييس، رأيت كيف صدحت المرأة الريفية بكل حرية وعبرت عما بداخلها من حكرة وظلم، هذا الإحساس التي تعاني منه المرأة المغربية عموما والمرأة الريفية خصوصا، دعما وتتمة للحراك الشعبي بالريف للمطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، في الوقت الذي كان النضال بالريف حكرا على الرجال فقط.

شاهدت شباب الحسيمة وهم يؤمنون جميع مداخل ومخارج حديقة 03 مارس، وعدم السماح لأي غريب بالاقتراب من الحلقية النسائية، ومنع أي شخص (من غير الصحفيين) من تصوير النساء حيث أرغم الشباب الأجهزة السرية على حذف صور التقطوها بهواتفهم.

الشارع أصبح تحت سيطرة اللجنة الشعبية، تم تأمين مرور السيارات وعدم عرقلة السير دون الحاجة للدولة لتأمين المسيرة الحاشدة… لتنتهي في ساحة الشهداء رغم تنصيب سياج لمنع أي تظاهرة هناك، إلا أن المرأة الريفية العنيدة أبت إلا أن تقتحم الساحة بالشعارات القوية وبالورود والشموع… أحداث الشغب الأخيرة التي قام بها المخزن العبقري عبر دس بلطجية في الجمهور الكروي، ساهمت بشكل كبير في شحن المرأة الريفية بقوة لتتحدى خوفها والعادات والتقاليد…فشكرا لكم مجددا ! لكن يا نساء الريف الحرائر أسمى التحايا…».

جابت هذه المظاهرة، التي عرفت مشاركة نساء حتى من المناطق المجاورة للحسيمة، من امزوران وتماسينت الخ، شوارع الحسيمة التي صارت فعليا تحت سيطرة الجماهير، وأثناء المسيرة وقفن أمام البنك الذي أحرق فيه البوليس خمسة من شباب 20 فبراير، ورفعن شعارات قوية ضد النظام القائم وأجهزته القمعية.

لكن هذا الحدث غير المسبوق لم يثر اهتمام وسائل الإعلام، الرسمية منها و”المستقلة”، والتي لم تكلف نفسها طبعا الإشارة إليه، كما لم يثر اهتمام الجمعيات النسائية والآنسات والسيدات النسوانيات مناضلات الصالونات الأنيقة والاحتفالات الباذخة في فنادق خمس نجوم. وهذا طبيعي، فالحراك الذي شهدته الحسيمة يتجاوز بكثير سقف مطالبهن المتمثلة في تمكينهن من المشاركة في كعكة المناصب البرلمانية والوزارية وغيرها.

إن ذلك الصمت في حد ذاته تعبير عن أهمية الحراك وخطورته على الطبقة السائدة ودولتها وجيوش المرتزقة المتملقين لها في الإعلام وجمعيات ما يسمى “المجتمع المدني”، الخ. فهذه الخطوة تشكل بالفعل نقلة نوعية، ليس فقط للحراك الذي تشهده مدينة الحسيمة وحده، بل لمجمل النضال ضد الدكتاتورية والتهميش و”الحكرة” في المغرب.

نساء الطبقة العاملة وربات البيوت والفلاحات لا يخرجن للتظاهر من أجل التظاهر في حد ذاته، فلديهن آلاف الانشغالات ومقيدات بآلاف العراقيل وتجثم على صدورهن ركام من العادات والتقاليد والروتين، لذا فإنهم يحتجن إلى أحداث تاريخية كبرى لكي يتحركن بشكل جماهيري. لكنهن عندما يتحركن أخيرا فإنهن بدورهن يصنعن الأحداث التاريخية، فلنتذكر فقط أن الثورة الفرنسية سنة 1789، اندلعت إثر خروج نساء باريس للتظاهر من أجل الخبز وتحسين ظروف العمل والحياة الكريمة. ثم لنتذكر أن الثورة الروسية العظمى التي أسقطت النظام القيصري الاستبدادي، الذي حكم طيلة ألف عام، جاءت على إثر خروج نساء سان بيترسبورغ إلى الشوارع للمطالبة بالخبز والسلام، فبراير 1917، وتحديدا يوم 23 فبراير 1917، وفق التقويم القديم، أي بالضبط يوم 08 مارس، اليوم الأممي للمرأة العاملة، أي نفس اليوم الذي خرجت فيه نساء الحسيمة للتظاهر!

هناك ما يشبه القانون بالنسبة للحراك الجماهيري: في البداية يتحرك الشباب، والشباب المتعلم على وجه الخصوص، ثم تلتحق به تدريجيا فئات أخرى من الشباب – العاطلون العمال…- ثم يأتي دور العمال، أما نساء الطبقة العاملة ربات البيوت فلا يتحركن إلا بعد أن يتخذ الحراك عمقا وجدية أكبر، فيكون حراكهن في نفس الوقت دليلا على شرعية ذلك الحراك وعلى عمقه وسببا في المزيد من الشرعية والمزيد من العمق. الآن لم يعد يمكن لأحد أن يتهم الحركة بأنها حركة شباب مخربين لا يريدون سوى المشاكل.

لذا يجب الحرص على ألا يضيع هذا الانجاز هباء، كما يجب الحرص على ألا يكون مجرد تحرك مؤقت مناسباتي. يجب الحرص على إعطاءه الاستمرارية عبر أجهزة ديمقراطية حرة ومفتوحة. لضمان استمرارية هذا الحراك وتطويره وتعميقه يجب أن نعمل على نقاش ضرورة أن تنتظم النساء الكادحات في لجان للأحياء وأماكن العمل والتنسيق بينها في مجلس على صعيد المدينة، وتمكين النساء من قيادة حراكهن وتضمينه مطالبهن.

وننوه في هذا السياق باللجان الشعبية التي أقامها شباب المنطقة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم بعدما تبين لهم أن السلطة الأمنية لا تضمن الأمن إلا لمن يريد التخريب. وهي لجان مكونة من شباب بزي خاص، انتظموا خلال المسيرة في سلسلة بشرية يحمونها من أي خطر محتمل من الرجعيين والمشوشين على الحراك.

كما يشكل هذا النهوض فرصة للشباب الثوري لكي ينشر الوعي الثوري بين صفوف النساء عبر شرح معنى سياسة التقشف ومعنى مختلف الهجومات التي تشنها الطبقة السائدة على خبز الكادحين وظروف العمل والعيش. هذه هي الفرصة لشرح الهجمة التي تواجهها المدرسة العمومية والصحة وأصل الاضطهاد الذي تعانيه النساء وطرق النضال ضد كل ذلك. وبذلك إيصال الوعي إلى أعماق المجتمع، إلى الفئات الأكثر اضطهادا وأكثر معاناة من البطالة والتهميش والغلاء. وهو ما سوف يعطي للحراك قاعدة صلبة وكفاحية أشد.

من الخطأ أن نعتقد أنهن غير مباليات أو أنهن غير قادرات على الفهم، بل على العكس تماما، ليس هناك من هو قادر على أن يفهم النقاش حول الغلاء والتهميش والحكرة أكثر من النساء الكادحات، لأنهن يعشنه بشكل يومي وليس بالنسبة لهن مجرد ترف “مثقفين”.

يجب أن نقترح برنامج مطالب انتقالية بخصوص الصحة: النضال ضد الظروف المتردية لقطاع الصحة، حيث النساء يلدن في ظروف سيئة وتمكينهن من الكشف المبكر والعلاج المجاني للسرطان الذي ينهشهن، في منطقة هي الأعلى من حيث الإصابة بهذا المرض، وبناء مستشفيات ذات جودة وتجهيزها وتمكينها من الأطر الكافية. التعليم المجاني الجيد في كل قرية وكل بلدة، خاصة وأن المنطقة ونواحيها تسجل أرقاما رهيبة في الهدر المدرسي بين صفوف الإناث. وتقديم الدعم للتعاونيات والمشاريع الصغرى وخاصة التي تديرها النساء وتوفير مناصب الشغل وإلغاء ديون الفلاحين والفلاحات الفقراء والفقيرات، وغيرها من المطالب الملحة.

اليوم، وبعد عقود من مصادرة الاحتفال بهذا اليوم من طرف نساء الطبقة المتوسطة، ها هو تخليد يوم 08 مارس يعود أخيرا إلى جذوره الحقيقية؛ فيوم الثامن من مارس لم يأت منحة من طرف الدولة البرجوازية أو الأمم المتحدة، كما أنه لم يأت بمبادرة من نساء الطبقة المتوسطة النسوانيات، اللاتي صار يشكل بالنسبة لهن مناسبة لتقييم ما حققنه من مناصب في الحكومة والبرلمان ومراكز القرار بالشركات الكبرى.

إن جذور هذا اليوم تعود إلى مقترح توصية تقدمت بها المناضلتان الألمانيتان كلارا زيتكين وكايت دانكر للمؤتمر الأممي للنساء الاشتراكيات الذي انعقد بكوبنهاغن، 26 و27 غشت 1910، والذي كان على رأس جدول أعماله نقاش مسألة حق النساء في التصويت والحماية الاجتماعية للأمهات ومسألة بناء تنسيق منتظم بين النساء الاشتراكيات من جميع البلدان، حيث أشارتا: «بالاتفاق مع المنظمات البروليتارية السياسية والنقابية، تنظم النساء الاشتراكيات من كل القوميات في بلدانهن، يوما خاصا للنساء سيكون هدفه الرئيسي هو: الدفاع عن حق النساء في التصويت من منظور اشتراكي. وسيكون من الضروري نقاش هذا الاقتراح في العلاقة مع قضية المرأة انطلاقا من منظور اشتراكي.

سيكون لهذا الاحتفال طابع أممي ويجب التحضير له بالكثير من العناية». وبالفعل تمت الموافقة على هذه التوصية وتبنيها، فظهر الاحتفال بيوم المرأة العاملة منذ يومه الأول مناسبة للاحتجاج ضد سوء الأوضاع المعيشية وظروف العمل والنضال الثوري من أجل المساواة والاشتراكية.

مطالب نساء الحسيمة اللاتي خرجن للتظاهر يوم 08 مارس لا يمكن أن تتحقق إلا بتوحيد نضالهن بالنضال الذي تخوضه الطبقة العاملة المغربية، بنسائها ورجالها، ضد الرأسمالية والدكتاتورية. فقط في ظل الاشتراكية سيمكن تحقيق المساواة الفعلية بين النساء والرجال، وفي ظلها فقط سيصير من الممكن توفير الشغل لكل عاطل وعاطلة والمدرسة لكل طفل وطفلة والمسكن والصحة والعيش الكريم للجميع. هذا هو البديل الوحيد فلننظم أنفسنا ولننشر الوعي الاشتراكي بين النساء والرجال ولنناضل من أجل مغرب اشتراكي حر ومتقدم.