لقد ألهمت مسرحية “بروميثيوس مقيدا”، للشاعر أسخيلوس، الثوريين طيلة آلاف السنين برسالتها التي تتحدث عن التقدم البشري والتحدي في وجه القمع. وفي هذه المقالة، التي نشرت في العدد العدد 46 من مجلة “الدفاع عن الماركسية”، يستكشف الرفيق جيسي موراي دين، الموضوعات الرئيسية للمسرحية، والسياق التاريخي الذي كتبت فيه، والتأثير الذي خلفته حتى عصرنا هذا.
يعد عصر التنوير الإغريقي القديم من أهم الفترات في تاريخ البشرية. فقد شهد اندلاع ثورات في السياسة والفكر والثقافة، تشابكت فيما بينها بطريقة غير مسبوقة، بحيث يمكن مقارنتها بعصر النهضة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وعصر التنوير في القرن الثامن عشر.
كانت أثينا مركز العالم الإغريقي في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وكانت مشهورة بفلاسفتها وعلمائها وديمقراطييها، فضلا عن شكلها الفني الجديد الأصيل: الدراما.
وعندما تم إعلان الدستور الديمقراطي، أعيد تنظيم المهرجان المسرحي الأثيني ليصبح مكونا مهما للديمقراطية الجديدة. وقد ابتكر الشعراء المسرحيون الأثينيون العظماء مسرحياتهم بهدف المساهمة في أفكار المجتمع وتطويرها.
وتعتبر المسرحية الدرامية، “بروميثيوس مقيدا”، المنسوبة إلى أسخيليوس في القرن الخامس قبل الميلاد، رمزا لتلك الفترة الرائعة. إن الأفكار السياسية والعلمية الأكثر تقدما، التي كانت متداولة في الديمقراطية الأثينية الجديدة، تجسدت في أعظم وأروع لوحات المسرح التراجيدي الاغريقي التي وصلتنا.
لم تكن تلك المسرحية عملا عظيما في عصرها فحسب، بل إنها لاقت صدى لدى أكثر العناصر تقدما في المجتمع على مر العصور.
هسيود وأسخيليوس
تستمد المسرحية الكثير من مضمونها من أسطورة بروميثيوس كما جاءت في القصائد الملحمية المنسوبة إلى هسيود في القرن الثامن قبل الميلاد. ولابد أن الجمهور الأثيني كان على دراية وثيقة بعمل هسيود، والذي يمكن اعتباره، إلى جانب قصائد هوميروس، شيئا يشبه الكتاب المقدس بالنسبة لليونانيين القدماء.
في كل من نسختي هسيود وأسخيليوس، نجد أن النظام الجديد للآلهة الأولمبية، برئاسة زيوس، قد وصل إلى السلطة حديثا بعد أن تمكن من هزم جيش الآلهة القديمة، العمالقة (Titan)، بقيادة والد زيوس، كرونوس.
في تلك الفترة المبكرة من حكم زيوس، قام بروميثيوس، الذي كان أحد عمالقة النظام القديم، بسرقة النار من الآلهة وأخفاها داخل عصا مجوفة وأنزلها إلى البشر. وبسبب هذا الفعل، عاقب زيوس بروميثيوس بربطه بصخرة في جرف يطل على البحر. ولأن بروميثيوس خالد، فسوف يظل هناك ليعاني إلى الأبد.
إلا أن أسخيليوس طور هذه الأسطورة في اتجاه مختلف عن أسطورة هسيود، بحيث طرح رؤية عالمية جديدة تماما.
يقدم هسيود في كتابيه “الثيوغوني” و“الأعمال والأيام” انتصار زيوس على كرونوس باعتباره انتصارا للنظام على الفوضى. ورغم أن زيوس قاسٍ وميال إلى الغضب، إلا أنه في نهاية المطاف حكيم وعادل، ويحكم الكون بيد حازمة لكنها عادلة. أما بروميثيوس فهو محتال ذكي، فشل في محاولة التفوق على زيوس وواجه العواقب.
بينما زيوس في مسرحية أسخيليوس هو مغتصب غير شرعي على رأس دكتاتورية وحشية، يمارس سلطاته بطريقة قمعية وتعسفية. أما بروميثيوس فقد أعيد رسمه في صورة شهيد بطل، لم يعاقب على تصرفات سيئة، بل على تمرده ضد طاغية وإنقاذه للجنس البشري.
كان هذا الإطار السياسي واضحا بقدر ما كان وثيق الصلة بالأثينيين المعاصرين له. إن كفاح بروميثيوس ضد زيوس يعكس في الوقت نفسه الصراع الطبقي الذي أدى إلى تأسيس الديمقراطية الأثينية، فضلا عن التحديات المستمرة التي واجهتها.
زيوس الطاغية
استخدم أسخيليوس هذا الشكل الفني الدرامي الجديد بشكل مبتكر لنقل رؤيته. فقد اعتبره الأثينيون أول تراجيدي عظيم، ثم تبعه سوفوكليس ثم يوربيديس. وينسب إليه أرسطو إدخال الممثل الثاني وتعزيز دور الحوار إلى حد كبير، فكان رائدا في ذلك الفن.
طبيعة نظام زيوس تتجلى بوضوح في مشهد افتتاحي مروع يصور تقييد بروميثيوس. فلم يتم تثبيت أطرافه على الجرف بمشابك معدنية وسلاسل فحسب، بل تم طعنه في صدره أيضا، وهو ما يشبه عملية الصلب التي كانت مخصصة لمن اعتبروا أدنى المجرمين في أثينا. لقد تم ربطه عند “نهاية العالم” ليتعرض للعذاب الأبدي[1].
تم إجبار هيفايستوس، إله الحدادة الأوليمبي وابن زيوس، على تنفيذ ذلك الحكم القاسي تحت إشراف تابعي زيوس: كراتوس إله القوة، وبيا إلهة العنف.
سبب العقوبة هو الرغبة في كسر بروميثيوس حتى «يتعلم كيف يخضع لسيادة زيوس ويتخلى عن طبعه المحب للإنسان»[2]. وبالتالي فإن موضوع التمرد ضد الاستبداد، فضلا عن الأفكار الجديدة للإنسانية المستنيرة، واضح في الأسطر الافتتاحية.
يبقى بروميثيوس المقيد ثابتا على خشبة المسرح طوال المسرحية بأكملها، ويشكل النقطة المحورية للدراما، ويجسد قسوة نظام زيوس.
الحركة الدرامية
تعرّض الإطار السياسي الواضح للمسرحية للانتقاد من طرف العديد من خبراء العصر الكلاسيكي. وعلى سبيل المثال، يصفها أوليفر تابلين بأنها: “ضخمة لكنها فارغة”، وقال: «إنها جيدة جدا كرؤية رومانسية للتحدي ضد قوى الطغيان والتدمير، لكنها لا تصلح كدراما»[3].
من الواضح أن هذه الانتقادات تأتي من وجهة نظر طبقية، حيث أن المسرحية في الواقع تتضمن حركة درامية عظيمة للغاية، يتم من خلالها تمرير الأفكار.
يظهر بروميثيوس في البداية وكأنه قد سُحق تماما، وتحول إلى صورة لمعاناة رهيبة. ومع ذلك، فإنه وعلى مدار سلسلة من الحلقات تتناوب فيها على زيارة بروميثيوس شخصيات مختلفة، فيتبين تدريجيا أن بروميثيوس يحمل في الواقع مفتاح سقوط زيوس.
ومع اتضاح خلفية الأحداث، نعلم أن بروميثيوس يعرف نبوءة سرية مفادها أن امرأة مجهولة الاسم، حملت من زيوس، ستلد ابنا أقوى من والده.
لذا فإن ربط بروميثيوس ليس مجرد عقاب له على جريمته ضد زيوس، بل إنه أيضا وسيلة لانتزاع تفاصيل النبوءة تحت التعذيب. لأنه إذا عرف زيوس هوية تلك المرأة، سيمكنه تجنب تحقق النبوءة.
إذن فمصير زيوس يوجد حقا بين يدي بروميثيوس. ومن المؤكد أن هذه إضافة فريدة من نوعها من قبل أسخيليوس. مع تقدم المسرحية، يصبح بروميثيوس أكثر جرأة وتحديا.
وبشكل غير محسوس تقريبا، تتحول المسرحية من صورة للألم والبؤس إلى تصادم هائل بين قوة جبارة وبين كائن لا يتراجع.
بروميثيوس العنيد
في حين تعترف جميع الشخصيات الأخرى في المسرحية بطبيعة زيوس الاستبدادية، فإن بروميثيوس هو الوحيد الذي يقف في وجهه، ويحتفظ بموقفه حتى النهاية.
أوقيانوس، إله البحر القديم، الذي حل محله في النظام الأوليمبي بوسيدون، يزور بروميثيوس بدافع التعاطف. لكن النصيحة التي يقدمها لبروميثيوس هي نصيحة شخص عملي جبان خاضع للنظام. يعرض أوقيانوس التوسط في صفقة بين بروميثيوس وزيوس، حتى يتمكن بروميثيوس من التعايش مع النظام كما فعلت العديد من الآلهة القديمة الأخرى. إلا أن بروميثيوس يعبر عن ازدراءه لهذه الفكرة.
تزور بنات أوقيانوس، الأوقيانيديات، بروميثيوس وتبقين معه على خشبة المسرح، وتعملن بمثابة جوقة للمسرحية، وهي سمة من سمات جميع المسرحيات اليونانية التي تتكون من مجموعة من المؤدين الذين يغنون ويرقصون على أنغام الموسيقى، فضلا عن التفاعل مع الشخصيات الأخرى. وبينما تعبرن لبروميثيوس عن مشاعر الشفقة والتعاطف، فإنهن مرعوبات من زيوس. وتتساءلن مرارا وتكرارا عن جدوى تصرفات بروميثيوس وتشتكين من أن لا شيء يمكن أن يتغير.
في الجزء الأخير من المسرحية، يصل هيرميس، رسول زيوس، أو على حد تعبير بروميثيوس: “خادم الآلهة”، في محاولة لكسر بروميثيوس تماما[4]. “يهدده بأنه إذا لم يفش سر النبوءة، فإن زيوس سيرسل عاصفة رهيبة ستسحق بروميثيوس في الجبل، ومن هناك سيتم إرساله إلى العالم السفلي. وبعد فترة طويلة في تارتاروس، سيتم ربطه مرة أخرى إلى الجرف، لكن عذابه سيتضاعف بدرجة أكبر، حيث سيرسل زيوس كل يومين نسرا لانتزاع وأكل كبد بروميثيوس، الذي، لأنه خالد، سوف يتجدد باستمرار.
ومع ذلك، يظل بروميثيوس متحديا:
«… لا يوجد عار في المعاناة
على يد العدو، عندما يكون الكره متبادلا.
لذا، دع خصلة النار المتعرجة
من الصاعقة تُرسَل ضدي
دع الهواء يتحرك بالرعد، والرياح
في انفجارات وحشية تهز العالم كله.
فلتهتز الأرض من أساسها، نعم، من جذورها،
وأمام العاصفة المرتعشة: فلترتبك
مسارات النجوم السماوية وأمواج البحر
في سيل هائج: هذا جسدي
فليرفعه إلى الأعلى ويدفعه إلى
تارتاروس السوداء
بدوامات صارمة عاتية…»[5].
وكما وعده زيوس فقد أرسل عليه عاصفته، التي كانت قوية لدرجة أن السماء والبحر أصبحا شيئا واحدا. يخبر هيرميس أعضاء الجوقة بأنه يجب عليهم أن يغادروا، خشية أن يقعوا في عالم الألم الذي على وشك أن يلحق ببروميثيوس. لكن، وفي تحول مفاجئ، ترفض الجوقة أن تغادر:
«كيف تجرؤ على أن تأمرنا بممارسة الدناءة؟
سنتحمل معه ما يجب أن نتحمله.
لقد تعلمت أن أكره كل الخونة:
لا يوجد مرض أحتقره أكثر من الخيانة»[6].
وبهذا التعبير عن التضامن يختتم أسخيليوس المأساة.
تنتهي المسرحية برفض كامل للمساومة، وتؤكد بجرأة على الفضائل الجديدة التي طورها الديمقراطيون الراديكاليون. وتقول إيزابيل روفيل، المتخصصة في الدراسات الكلاسيكية، إن المسرحية «تبدو وكأنها تبلور المراحل الجنينية للنظرية الديمقراطية الراديكالية»[7].
صعود الديمقراطية الأثينية
ولدت الديمقراطية الأثينية من فترة طويلة من الصراع الطبقي. فعلى مدى القرنين السابقين، سادت في مختلف أنحاء العالم اليوناني القديم حالة من السخط والحرب الأهلية والثورات، والتي أطلق عليها اسم: “stasis” (الجمود).
قبل بضعة قرون فقط على ذلك، كان المجتمع اليوناني يعيش المرحلة التي وصفها عالم الأنثروبولوجيا، لويس هنري مورغان، بأنها “المرحلة العليا من البربرية”، فقد كان ذلك المجتمع يتألف بالكامل تقريبا من المزارعين الذين كانوا منظمين اجتماعيا في عشائر وقبائل.
خلال القرن الثامن قبل الميلاد، أدت موجة من الحملات الاستعمارية اليونانية إلى نمو التجارة، مما سهل تطوير إنتاج السلع والاقتصاد النقدي الجديد. وبما أن السلع كانت منتجات زراعية في الغالب، مثل الزيتون والنبيذ وما إلى ذلك، فقد بدأ كبار أصحاب الأراضي في مراكمة الثروات، واستولوا على الفائض الناتج عن عمل عدد متزايد من العبيد.
بدأت الفوارق الطبقية في النمو، ومن التنظيم العشائري القديم ظهرت أشكال مبكرة من poleis (بوليس/ مدن)، والتي أصبحت معروفة لنا باسم “الدول المدن”. في زمن هسيود، كانت تلك المدن أرستقراطية، حيث احتُكِرت المناصب القيادية من طرف حفنة من أغنى عائلات ملاك الأراضي.
أصبح المزارعون الفقراء مدينين للأثرياء، وبدأت أعباء الديون هذه تخرج عن نطاق السيطرة على مدار القرن التالي، مما أدى إلى تأجيج اللامساواة والاستياء الطبقي.
في الوقت نفسه، بدأت فئة جديدة من التجار في الظهور، لم يكونوا ينتمون إلى العائلات الأرستقراطية. وبحلول منتصف القرن السابع، ومع شعورهم بثقلهم الاقتصادي المتزايد في المجتمع، بدأوا في تحدي الحكم الوراثي للأرستقراطية. وقد أثيرت مسألة الأرستقراطية مقابل demos -وهو مصطلح يشمل الجميع باستثناء الأرستقراطيين، لكنه استبعد النساء والعبيد- ونمت إلى أبعاد ثورية.
انفجرت هذه الفترة المضطربة مع صعود الطغاة اليونانيين. كانوا أفرادا من خلفيات مختلفة، في بعض الأحيان كانوا أرستقراطيين وفي بعض الأحيان غير أرستقراطيين، اغتصبوا السلطة السياسية بالقوة وأداروا الدولة بسلطة مطلقة. وفي المسرحية تتم الإشارة إلى زيوس صراحةً باسم “الطاغية”.
وجَّهت تلك الحلقات الشائعة جدا، وإن كانت قصيرة نسبيا، من الطغيان ضربات للنظام الأرستقراطي، فضلا عن زيادة تأجيج stasis (الجمود) في المجتمع. وعلى مدار القرن السادس قبل الميلاد، إلى جانب طغيان الرجل الواحد، تم استبدال العديد من الأرستقراطيات بالأوليغارشية، حيث تم استبدال الحكم الوراثي بالحكم المبني على حجم الملكية.
ولكن في بعض المدن-الدول، تجاوزت السيرورة الأوليغارشية. ففي أثينا وكورنثوس وميغارا وسيراكوزا، ناضل demos من أجل المساواة السياسية الكاملة بغض النظر عن الملكية، وفازوا بها.
في أثينا، أسس كليسثينيس الدستور الديمقراطي في عام 508 قبل الميلاد. ومع ذلك، لم يكن هذا سوى بداية لسلسلة طويلة من الإصلاحات التي وسعت الديمقراطية وهاجمت الأرستقراطية على مدى القرنين التاليين.
لكن وحتى بعد انتصار demos، كان الأرستقراطيون ما يزالون حاضرين بقوة وكانوا حريصين دائما على استعادة زمام الأمور.
كانت أثينا أيضا محاطة من جميع الجهات بدول قوية معادية للديمقراطية، وأبرزها أسبرطة والإمبراطورية الفارسية الاستبدادية.
وتعتبر مسرحية “بروميثيوس مقيدا” جزءا من النضال ضد أي تراجع سياسي. ترسم المسرحية خطا واضحا بين القيم الديمقراطية وبين جميع عناصر الطغيان -ليس فقط ظاهرة الطغاة اليونانيين، بل وكل القيود المفروضة على الحقوق السياسية التي كان الأرستقراطيون والأوليغارشيون يسعون من أجل فرضها.
تدافع المسرحية عن المثل الثورية التي تطورت على مدار ذلك النضال، من خلال تجسيدها في الشخصية البطولية لبروميثيوس. لكن المسرحية تتجاوز مجرد الدفاع عن المثل الديمقراطية الأثينية، فهي تربطها معا وتجعلها جزءا لا يتجزأ من رؤية عالمية مادية جديدة تماما.
التنوير اليوناني
قبل مائة عام فقط من مسرحية “بروميثيوس مقيدا”، أي في القرن السادس قبل الميلاد، ظهرت الفلسفة في الدولة المدينة اليونانية ميليتوس، الواقعة في تركيا الحديثة. وهناك بدأت المحاولات الأولى لفهم الطبيعة بشكل عقلاني وفقا لشروطها الخاصة، دون اللجوء إلى الأساطير والآلهة.
بدأ الفلاسفة الميليسيون بطرح سؤال أصل وتكوين الكون. وجنبا إلى جنب مع تطور المادية الفلسفية، انفتحت بسرعة مجالات جديدة من العلوم في جميع أنحاء العالم اليوناني. كما تم وضع البيولوجيا والتاريخ الطبيعي والميكانيكا والأرصاد الجوية ورسم الخرائط والجيولوجيا والطب على أساس علمي.
مع صعود الديمقراطية نحو نهاية القرن السادس قبل الميلاد، تم تطبيق طرق التفكير الجديدة، التي تم تطويرها مع دراسة الطبيعة، على القضايا الاجتماعية. أصبحت السياسة والأخلاق والتاريخ واللغويات والمنطق مجالات للدراسة.
كان ذلك الازدهار في العلوم والثقافة نتاجا لمجتمع قائم على العبودية، والذي سمح لفئة اجتماعية بتكريس نفسها للأنشطة الفكرية، وبالتالي المساهمة بشكل غير مسبوق في تطوير القوى المنتجة والتكنولوجيا والثقافة.
تجمع مسرحية “بروميثيوس مقيدا” كل تلك الأفكار الجديدة والمتطورة معا في وحدة درامية.
“سقوط الإنسان” لهسيود
يمكننا أن نرى كيف يفعل أسخيليوس هذا من خلال مقارنة مسرحيته مرة أخرى بقصائد هسيود. فعند هسيود، حكم كرونوس خلال “العصر الذهبي” للإنسان -يقصد حرفيا “الرجل” حيث لم تكن هناك نساء. عاش الرجال في حالة من النعيم الإلهي، متحررين من المعاناة والعمل:
«… مثلهم تماما مثل الآلهة، قضوا حياتهم بروح خالية من الهموم، بعيدا تماما عن العمل الشاق والضيق. […] كان الحقل الذي يعطي الحبوب يحمل المحاصيل من تلقاء نفسه، بشكل وفير وغير محدود…»[8].
لكن نهاية تلك الحياة المثالية لم تكن بسبب وصول زيوس إلى السلطة، بل بعد ذلك، بسبب حماقة بروميثيوس.
بعد وصول زيوس إلى السلطة، تم تكليف بروميثيوس بمهمة الإشراف على كيفية تقديم البشر للقرابين للآلهة. يظهر بروميثيوس عند هسيود كمحتال ماكر، وجد طريقة لخداع زيوس والأولمبيين وسرقة أفضل الأجزاء من لحم الأضحية. وردا على ذلك، أخذ زيوس النار من الرجال، لكن بروميثيوس سرقها وأعادها إليهم، ولذلك عوقب بروميثيوس.
ولمعاقبة الرجال على تواطئهم في تلك الجريمة، خلق زيوس أول امرأة، باندورا:
«… لقد أبدع ذلك الشرير الجميل في مقابل ذاك الخير [النار] […] فمنها يأتي جنس النساء: منها يأتي جنس النساء وقبيلة النساء المميتة، وهي مأساة عظيمة للفانين (Mortals)…»[9].
ثم أعد زيوس جرة مليئة بالشرور، فتحتها باندورا فأطلقت العنان لكل الشرور التي ابتليت بها البشرية منذ ذلك الحين فصاعدا.
وهكذا بدأ انحطاط البشرية عبر مراحل متتالية، وبلغت ذروتها في “العصر الحديدي”، الذي يتوافق مع عصر هسيود، حيث «لن يتوقف الرجال عن العمل الشاق والضيق في النهار، ولا عن التعب والمعاناة في الليل، وستمنحهم الآلهة هموما مؤلمة»[10].
قصيدة عن التقدم البشري
تطرح مسرحية “بروميثيوس مقيدا” لأسخيليوس وجهة نظر معاكسة. فبدلا من سقوط الإنسان من النعمة، كان البشر (عنصر “باندورا” المعادي للنساء في قصيدة هسيود، غائب عند أسخيليوس) ليس فقط يعيشون حياة أكثر صعوبة في الماضي، بل إنهم في الواقع كانوا يعيشون في الأصل حياة حيوانية، مستعبدين بالكامل من طرف قوى الطبيعة. وقد كانت هدية النار من بروميثيوس هي التي حثت التطور المستمر وغير المحدود للإنسانية وسيطرتها على الطبيعة.
وفي واحدة من أشهر القصائد الغنائية، يسرد بروميثيوس معالم التقدم البشري بالترتيب الزمني، والتي نشأت جميعها بفضل هدية النار.
في البداية يوضح أن البشر لم يكونوا دائما يمتلكون الوعي. فقبل النار، كنا نعيش مثل الوحوش الأخرى على الأرض، غير قادرين على فهم بيئتنا أو التأثير عليها:
«… وجدتهم [البشر] بلا عقل
ومنحتهم عقولا،
وجعلتهم سادة عقولهم […]
في البداية كانت لديهم عيون لكنهم لا يبصرون،
وآذان لكنهم لا يسمعون.
كانوا مثل الأشباح داخل الحلم
يجرون حياتهم الطويلة ويتخبطون جميعا،
بشكل عشوائي…»[11].
ثم يصف بروميثيوس صعودنا الذي أثارته هدية النار. فقد تعلمنا أولا فهم دورة الفصول، مما سمح بتطوير الزراعة. ثم يذكر بروميثيوس الرياضيات واللغة وتدجين الحيوانات والطب والشحن والتعدين، وكانت هاتين الأخيرتين هامتين بشكل خاص في أثينا آنذاك، التي كانت تمتلك إمبراطورية بحرية ومناجم مربحة.
وينتهي بقوله: «كل فن من فنون الإنسان يأتي من بروميثيوس»[12]. ولكن يجب أن نتذكر أن بروميثيوس لم يمنحنا سوى هديتي النار والأمل، وبعد ذلك عوقب ولم يتدخل أكثر، كما يوضح في المسرحية:
«بحثت عن النبع السري للنار
التي ملأت جذع النارتكس، والتي عندما تم الكشف عنها
علمت الرجال كل الحرف،
وشكلت موردا عظيما.
هذه هي الخطيئة المرتكبة
التي أحاسب عليها، وأدفع ثمنها
مسمرا في سلاسلي تحت السماء المفتوحة»[13].
لكن بعد هذه الدفعة الأولية من جانب العمالقة، لم يعد هناك أي تدخل للقوى الخارقة للطبيعة. بقي البشر والطبيعة فقط، ومكتسباتنا تنبع من تقدمنا في التكنولوجيا، وفي الوقت نفسه، من قدراتنا العقلية. وبالتالي فإن المسرحية تقدم تفسيرا ماديا لتطور البشر الأوائل من مملكة الحيوان إلى الحضارة.
كانت هذه الأفكار متداولة في ذلك الوقت بأشكال مختلفة. وعلى سبيل المثال فقد طرح الفيلسوف المليسي، أنكسيماندر، في القرن السادس قبل الميلاد، فكرة أن البشر، وجميع الحيوانات، قد تطوروا من الأسماك. كما طرح الفيلسوف زينوفانيس، في القرن الخامس/السادس قبل الميلاد، وجهة نظر إلحادية للتطور البشري: «لم ترشد الآلهة الفانين إلى كل الأشياء منذ البداية، لكنهم مع مرور الوقت، وبالاستقصاء، اكتشفوا ما هو أفضل»[14].
قد تكون المسرحية أيضا صدى لوجهة نظر الفيلسوف أنكساغوراس، في القرن الخامس، والتي تقول إن تطور الأيدي البشرية هو “سبب كون الإنسان الأكثر ذكاء من بين جميع الحيوانات”[15]. وقد أثبتت العلوم الحديثة في القرن الماضي هذه النظرة العميقة للعلاقة الديالكتيكية بين العقل والجسد في التطور البشري.
هناك العديد من نقاط المقارنة الأخرى بين وجهات النظر الواردة في المسرحية وبين الأفكار المعاصرة في الفلسفة والعلوم الطبيعية. ومن خلال طرح تلك الأفكار في شكل درامي أسطوري، تقدم المسرحية في الواقع شيئا أصيلا، وتعمل على تطوير تلك الأفكار من خلال توليفها معا في وحدة شاملة.
ففن الرمزية يسمح بتجسيد الأفكار الفلسفية والسياسية والثقافية في المكونات المختلفة للمسرحية، ومن خلال وسيلة الدراما، يمكن بعد ذلك جعل تلك الأفكار تتفاعل وتتصادم وتتحد مع بعضها البعض.
وعلى سبيل المثال، فمن المحتمل أن النار ترمز إلى المفهوم الذي أطلق عليه الإغريق القدماء اسم ‘techne’ (تقنية) والذي يشمل الفعل والمهارة وفن الممارسة والحرفة والإنتاج.
غالبا ما يُعتقد أن شخصية بروميثيوس ترمز إلى التقنية. ومع ذلك، كما سنرى، لا يجسد بروميثيوس عند أسخيليوس جانبا واحدا من العقل البشري، بل الحالة الإنسانية ككل.
“الأمل الأعمى”
لقد قام بروميثيوس، في الواقع، بإعطاء البشر هدية ثانية: “الأمل الأعمى”. يبدو هذا وكأنه شيء سلبي للغاية، ومع ذلك، فقد تم شرحه في المسرحية على أنه في عصر كرونوس، كان البشر يعرفون متى سيموتون. فجاءت هدية “الأمل الأعمى” وسلبتهم هذه المعرفة. تتفق الأوقيانيديات على أن هذه هدية عظيمة حقا، لأنه إذا كنت لا تعرف متى ستموت، فإن لديك في الواقع سببا لمحاولة تحسين ظروفك.
هذه الفكرة هي أيضا تحريف آخر لنسخة هسيود. ففي جزء معقد إلى حد ما من أسطورة باندورا، كان الأمل موجودا في جرة الشرور التي ابتلي بها الرجال. لكن عندما تم فتح الجرة، وخرجت كل الشرور لتبتلي الرجال، عَلَقَ الأمل في الجرة ولم يخرج، تاركا إياهم “يائسين”.
أما بروميثيوس عند أسخيليوس فقد منح البشرية الأمل، والذي يرمز على ما يبدو إلى التفاؤل بالمستقبل وكذلك قدرات الفكر المجرد.
فمن ناحية، تشكل الهديتان التوأمان: النار والأمل، جوهر كل التقدم البشري، ووسيلتنا ودافعنا لرفع مستوى حياتنا. وبهذا المعنى، يجسد “الأمل” إرادتنا الذاتية وسعينا لتحسين حياتنا.
ومن ناحية أخرى، فإنه من خلال “تعمية” قدرتنا الإلهية على معرفة المستقبل، صرنا نضطر إلى التنبؤ بالمستقبل بأنفسنا، وتطوير قدرتنا على التفكير. استخدم الإغريق القدماء مصطلح ‘nous’ ليشمل الفكر العقلاني، والفهم، والتجريد، والتصور، وما إلى ذلك.
لذلك، يمثل بروميثيوس، بـ“هديتيه”، الأمل والنار، إنسانيتنا في جميع جوانبها: (nous وtechne) العقل والممارسة، العلم والفن، الشعور والفكر.
الوحدة الديالكتيكية
إن قصيدة بروميثيوس عن التقدم البشري ليست فرعا مثيرا للاهتمام من المسرحية، بل إنها تشكل محورا لها، حيث تضيف بعدا أوسع بكثير للموضوع السياسي المعبر عنه في صراع بروميثيوس ضد زيوس.
تطرح المسرحية وجهة النظر القائلة بأن جميع جوانب المجتمع البشري نشأت من خلال الصراع، وتطورت من خلال الصراع.
يجسد زيوس كل القيود التي تقيد المجتمع البشري، في حين يمثل بروميثيوس روحنا الإبداعية، ودافعنا إلى الأمام، وتفاؤلنا في النضال ضد تلك القيود الاجتماعية فضلا عن قوى الطبيعة.
هناك نظرة ديالكتيكية للتغيير توحد كل تلك الموضوعات معا. لكنها ليست نظرة للتغيير العشوائي الفوضوي، بل هي نظرة للتغيير الخلاق في اتجاه تصاعدي تقدمي.
يتنبأ بروميثيوس بما يبدو أنه مستحيل، وهو أن الوضع الحالي للأمور سوف يتحول إلى نقيضه:
«وهكذا، ففي مسار سقوطه المدمر، سوف يكتشف زيوس
كم هو الحكم مختلف عن العبودية»[16].
فكرة أن الكون في حالة تغير مستمر، مدفوعة بالصراع، تذكرنا بأفكار الفيلسوف هيراقليطس، أبو الديالكتيك، في القرن السادس قبل الميلاد. والذي يقول في إحدى المقاطع:
«لقد أخطأ هوميروس عندما قال: “ليت الصراع يزول بين الآلهة والبشر!”، لم يكن يرى أنه يصلي من أجل تدمير الكون؛ فإذا استُجيب لدعائه، فإن كل شيء سيزول»[17].
إن هذا المفهوم للتغيير والتناقض (“الصراع”) باعتبارهما لا ينفصلان عن الواقع هو حقيقة عميقة، وقد تم التعبير عنها بوضوح من زوايا متعددة في مسرحية “بروميثيوس مقيدا”. يملأ أسخيليوس هذه النظرة الديالكتيكية الشاملة بالأفكار السياسية والعلمية الجديدة التي تطورت منذ زمن هيراقليطس.
الروح الثورية
يعتبر الكثيرون أن مسرحية “بروميثيوس مقيدا” جزء من ثلاثية، مثلها مثلها مسرحية “أوريستيا” لأسخيليوس، على الرغم من ضياع الجزأين الآخرين مع الأسف. ومع ذلك، فبالنظر إلى ما نعرفه عن أعمال أسخيليوس الأخرى، وطبيعة المجتمع الأثيني في ذلك الوقت، فمن المرجح أن نرى في الجزء الأخير أن بروميثيوس وزيوس قد تصالحا بطريقة ما.
يجب أن نتذكر أن أثينا الديمقراطية كانت مجتمعا طبقيا. كان المواطنون في الواقع أقلية بين السكان. فقد كان الرجال الأثينيون وحدهم هم المواطنون، بينما لم تكن للأجانب والعبيد وجميع النساء الأثينيات أية حقوق سياسية. وكان المواطنون أنفسهم منقسمين على أسس طبقية. وفي حين كانت المساواة السياسية بين جميع المواطنين متوفرة، فإنه لم يكن هناك أي ادعاء بوجود المساواة الاقتصادية.
وبالتالي فإنه من المرجح أن فئة من الديمقراطيين الأكثر ثراء لم تكن تريد المزيد من stasis (الجمود)، كان لسان حالهم يقول إن النضال الثوري من أجل الديمقراطية ضروري وبطولي، ولكننا الآن بحاجة إلى الهدوء والبدء في العمل. وبالتالي فإن التسوية التي تختتم بها ما يسمى بـ“ثلاثية بروميثيا” تعكس هذا المزاج.
ومع ذلك، فإن مسرحية “بروميثيوس مقيدا” في حد ذاتها لا تكشف الكثير عن الجانب المحافظ في المجتمع الأثيني. وعلى الرغم من أن المسرحية هي إلى حد كبير نتاج زمن ومكان معينين، فإن دفاعها الجريء عن التمرد والحرية والتقدم البشري والتنوير تجاوز حدود أثينا القرن الخامس قبل الميلاد.
لقد تردد صدى بروميثيوس لأسخيليوس بقوة بين الفنانين والراديكاليين في عصر الثورات الديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا.
فقد كتب بيرسي شيلي، الشاعر الرومانسي الإنجليزي الثوري، تكملة لـ“بروميثيوس مقيدا”، أطلق عليها اسم “بروميثيوس طليقا”، حيث لا توجد أي تسوية، وحيث نرى نهاية حكم جوبيتر (الاسم الروماني لزيوس). في مقدمة قصيدته، يلخص المزاج السائد بين تلك الفئة الشابة المتفائلة من الفنانين قائلا:
«… كنت أكره كارثة التوفيق بين البطل وبين مضطهِد البشرية. […] إن بروميثيوس كان، وما يزال، أسمى نموذج للكمال المادي والروحي معا، تُحرِّكه أنقى الدوافع وأصدقها نحو أفضل الغايات النبيلة»[18].
لقد تبنى غوته الشاب العديد من الأفكار الواردة في “بروميثيوس مقيدا”، بل وكتب قصيدة بعنوان بروميثيوس، والتي يمكن وصفها بحق بأنها دعوة واضحة للإلحاد. كما ألف بيتهوفن معزوفة مخلوقات بروميثيوس، وهي باليه يدافع عن رحلة الجنس البشري نحو التنوير.
كارل ماركس بدوره استلهم من المسرحية. فهو يذكر أسخيليوس باعتباره شاعره المفضل، ويشير إلى بروميثيوس عدة مرات في أعماله. كما أنه كتب في تحفته “رأس المال”، أن الإنتاج الرأسمالي «يثبت العامل برأس المال بشكل أقوى من تثبيت أسافين فولكان [الاسم الروماني لهيفايستوس] لبروميثيوس بالصخرة»[19].
والأمر المثير للاهتمام بشكل خاص هنا هو أنه بالنسبة لماركس لم يعد الأمر يتعلق ببساطة بالطبيعة أو الاستبداد السياسي، بل بقوانين النظام الرأسمالي نفسه التي تضطهد البشرية. ومع ذلك، فإن ذلك الاستبداد هو الذي يدفع نضال الطبقة العاملة نحو الإطاحة به.
بروميثيوس اليوم
اليوم، تم تشويه أفكار المسرحية من قبل الأكاديميين الكلبيين والمتشائمين، وخاصة من “اليسار”، الذين يستخدمون مصطلح “البروميثيوسية” للإشارة بشكل ساخر إلى الإيمان الساذج بالثورة أو بالعلم. وهذا ليس سوى تعبير عن عجز البرجوازية الصغيرة في عصر انحطاط الرأسمالية واحتضارها.
لقد ورثت الطبقة العاملة، في الواقع، النضال البروميثيوسي الذي خاضه المضطهدون ضد مضطهديهم عبر التاريخ.
ليست الرأسمالية عائقا أمام تطور الإنتاج فحسب، بل إنها أيضا تشكل قيدا على الثقافة والفلسفة والعلم والتطور البشري ككل. وإلى جانب وفرة الموارد المادية والتكنولوجيا وما إلى ذلك، هناك أيضا تراث غني جدا من الأفكار والفن والثقافة التي طورها البشر على مر القرون.
وكما هو الحال مع نضال الإغريق القدماء ضد الأرستقراطيين، ونضال الراديكاليين البرجوازيين ضد اللوردات الإقطاعيين، فإن نضال الطبقة العاملة ضد الرأسمالية مرتبط بتنوير جديد.
ومن خلال الاستيلاء على القوى المنتجة الهائلة التي خلقتها الرأسمالية، يمكن للطبقة العاملة أن تضع البشرية لأول مرة على طريق الحرية الحقيقية.
عنوان النص الإنجليزي:
‘Prometheus Bound’: A prism of the Greek enlightenment
مصادر:
[1] Aeschylus, ‘Prometheus Bound’, The Complete Greek Tragedies: Aeschylus, Vol. 2, University of Chicago Press, 1991, pg 139, henceforth referred to as PB
[2] ibid.
[3] O Taplin, The Stagecraft of Aeschylus, Oxford University Press, 1977, pg 467
[4] PB, pg 175
[5] ibid., pg 179
[6] ibid
[7] I A Ruffell, Aeschylus: Prometheus Bound, Bristol Classics Press, 2012, pg 57
[8] Hesiod, Theogony, Works and Days, Testimonia, Harvard University Press, 2006, pg 97
[9] ibid., pg 51
[10] ibid., pg 103
[11] PB, pg 115-116
[12] ibid., pg 157
[13] ibid., pg 143
[14] P Curd (ed.), A Presocratics Reader, Hackett, 2011, pg 34
[15] Aristotle, On the Parts of Animals, Kegan Paul, Trench and Co., 1882, pg 117
[16] PB, pg 173
[17] J Burnet, Early Greek Philosophy, Adam and Charles Black, 1908, pg 150
[18] P B Shelley, Alastor, Prometheus Unbound, Adonais and Other Poems, Collins, 1970, pg 63-64
[19] K Marx, ‘Capital’, Marx and Engels Collected Works, Vol. 35, Lawrence and Wishart, 1975, pg 639-640