الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب – الحسيمة: الدكتاتورية تنقل القمع إلى السرعة القصوى لتسحق الحراك، فلننقل الوعي والتنظيم والتضامن إلى السرعة القصوى لنسحق الدكتاتورية!

المغرب – الحسيمة: الدكتاتورية تنقل القمع إلى السرعة القصوى لتسحق الحراك، فلننقل الوعي والتنظيم والتضامن إلى السرعة القصوى لنسحق الدكتاتورية!

رابطة العمل الشيوعي
السبت: 27 ماي 2017

  يوم الجمعة: 26 ماي 2017 تفاجئ المصلون في منطقة الحسيمة باستغلال خطيب الجمعة لخطبته من أجل شن حملة مسمومة ضد الحراك وكيل الاتهامات لدوافعه وقادته والمشاركين فيه، مما أثار غضب أغلبية المصلين، واسحب الكثير منهم من مختلف مساجد الحسيمة احتجاجا على هذه الخطبة، ومن بينهم الناشط القيادي في الحراك ناصر الزفزافي، الذي احتج هو ومجموعة من المصلين، بعد انتهاء الخطيب من خطبته، على هذا التوظيف الانتهازي لمنبر الجمعة من أجل خدمة أجندة التهميش والقمع والهجوم على المطالب العادلة للحراك.

مباشرة بعد ذلك، وبتنسيق دقيق تحركت أجهزة الدولة وأقلامها المأجورة لتشن حملة عنيفة ضد الحراك وخاصة ضد الزفزافي، لكونه صار رمزا للحراك، حيث أصدرت وزارة الأوقاف بيانا قالت فيه إن: «ذلك يخل بالتقدير والوقار، الواجبين لبيوت الله أثناء صلاة الجمعة بمدينة الحسيمة مما أفسد الجمعة و أساء إلى الجماعة…. وأن الحدث يمثل تصرفا منكرا…» ونشرت قناة 2M خبرا عن اعتداء مزعوم على حرمة المسجد ومنع المصلين عن أداء صلاتهم الخ الخ. كما أصدر الوكيل العام قرارا باعتقال الزفزافي.

وبدورهم شن كلاب الدولة في الإعلام ومرتزقة الريع بمختلف أنواعهم وأشكالهم هجوما شرسا على الزفزافي والحراك دفاعا عن “المقدسات”، وهي الحملة التي تزعمها مغني المواخير وقواد الحفلات الماجنة المدعو الصنهاجي، صاحب الفيديو سيء الذكر، إلى جانب الشيخ الإرهابي المتورط في أحداث 16 ماي 2002، الذي صار اليوم عميلا المخابرات ومن كبار المستفيدين من ريع الدولة المدعو الفيزازي، واللص خالد عليوة ناهب صندوق البنك العقاري والسياحي الفار من السجن بمساعدة الملك، وأمثالهم… والذين انتفضوا معا للدفاع عن “حرمة المسجد”!!

تظهر سرعة ردة فعل الدولة وهذا التنسيق الكبير أن السيناريو محبوك من قبل لتبرير حملة القمع والاعتقالات الواسعة التي انطلقت مباشرة بعد ذلك. حيث أعلنت النيابة العامة عن اعتقال 20 من قادة الحراك، لحد كتابة هذه المقالة، بينما يتحدث النشطاء عن أزيد من 30 معتقلا. من الواضح أن قائمة المعتقلين بالحسيمة كانت جاهزة بشكل مسبق في دهاليز الداخلية ولا تنتظر سوى اللحظة المناسبة.

وقد بثت القناة الأولى تقريرا في نشرتها الإخبارية، يوم السبت 27 ماي، حول عمليات الاعتقال التي استهدفت المتظاهرين في مدينة الحسيمة ونواحيها، بناء على أمر من وكيل الملك، مصحوبا بفيديوهات مرافقة تظهر ما يفترض أنه أعمال الشغب التي دفعت لإصدار أمر الاعتقال. بينما عبر إجراء بحث في الانترنيت يتبين أن الأمر يتعلق بفيديوهات لأحداث شغب كروي، وقعت في مارس السابق.

مثلما أكدنا مرارا ليست الطبقة السائدة ودولتها مهتمتان نهائيا بالاستجابة لمطالب المتظاهرين في منطقة الريف، بل كل همهما هو إخماد الاحتجاجات بأية طريقة كانت، سواء بالقمع أو الوعود الكاذبة، مع تفضيلهما طبعا لخيار القمع لأنه هو الوحيد، من وجهة نظر هؤلاء المجرمين، القادر على ضمان استقرار نظامهم ومنع انتقال “عدوى” الاحتجاجات إلى مناطق أخرى.

في البداية حاول النظام إلصاق تهمة “الانفصال” و”العنصرية” بالحراك لعزله عن عمقه الشعبي في منطقة الريف وخارجه، لكن الخدعة لم تنطل على أحد، فلجأ إلى أسلوب الوعود بكل شيء من الجامعة والمدارس إلى المستشفيات والمصانع ومن البنية التحتية والمطارات إلى الملاعب والحدائق… فالكلمات لا تساوي شيئا على كل حال. إلا أن الجماهير لم تنخدع بتلك الأكاذيب واستقبلت الوزراء السبعة وبقية المسؤولين بما يستحقونه من الاحتقار والتجاهل.

عندها تحركت العقلية الإجرامية لصناع القرار في الدولة لفبركة سيناريو محبوك، يستحضر البعد الديني، هذه المرة، لكي تكون الضربة قاضية. وبينما من المفترض في خطبة أخر يوم في شهر شعبان أن تخصص لشهر رمضان وفرائض الصوم وفوائده وما إلى ذلك من المواضيع المألوفة في مثل هذه المناسبة… فإن خطة النظام كانت تقتضي استفزاز المواطنين بخطبة كلها تحامل على الحراك ومطالبه والمشاركين فيه، بشكل يضعهم في الزاوية: إما الصمت وقبول ما يقوله ذلك الخطيب الرجعي، وإما الاحتجاج على ذلك الهجوم وبالتالي إعطاء مبرر للنظام لكي يشن حملته ضد الحراك وقادته تحت شعار “حماية المقدسات”. وبالفعل بمجرد ما بدأ ذلك الخطيب حملته المسمومة ضد المتظاهرين ومطالبهم حتى نهض الشباب، وفي طليعتهم ناصر الزفزافي، للاحتجاج ضد هذا التوظيف السياسي لخطبة الجمعة ضد الاحتجاج وضد المطالب المشروعة لسكان الريف.

  تركزت الحملة المضادة ضد ما قام به الزفزافي ورفاقه على الزعم بأن مقاطعة خطيب الجمعة “سابقة لم تحدث أبدا” و”اعتداء على المقدسات” وما إلى ذلك من الأكاذيب. هذا كذب! فإذا أخذنا مرحلة الاستعمار المباشر، على سبيل المثال، فإنه من الثابت تاريخيا أن رجال المقاومة والوطنيين والمتعاطفين معهم كانوا كثيرا ما يحتجون على خطباء الجمعة وفقهاء حلقات الدرس المتعاونين مع الاستعمار والذين كانوا يستغلون المنابر لتخوين المقاومين ودعوة المواطنين إلى الاستسلام والخنوع وطاعة “أولي الأمر”، أي طاعة السلاطين الخونة المتعاونين مع الاستعمار، أجداد محمد السادس.

من حق المتظاهرين أن يحتجوا على ذلك الخطيب ويجعلوه يصمت، لأنهم لم يأتوا لكي يتجرعوا سمومه ضد الحراك، بل جاؤوا لممارسة شعائرهم التي من المفترض أنه ليس للدولة ولا للسياسة دخل فيها. لذلك فإن موقفنا، نحن الماركسيين، هو التضامن المطلق مع ما قام به الزفزافي ورفاقه عندما استنكروا استغلال المسجد لتمرير خطاب رجعي يبرر القمع والتهميش ويجرم النضال.

فلتصمت إذن تلك الأقلام المنافقة التي تحارب الحراك وقادته بحجة الدفاع عن “قدسية المسجد” و”حق العبادة” وما إلى ذلك. إن من دنس حرمة المسجد هو من حول خطبة الجمعة إلى محطة لمحاربة الحراك الجماهيري، ومن يتحمل مسؤولية ما حدث هو من لم يحترم قدسية المكان عند المسلمين وحوله إلى ساحة لتصفية الحساب مع المتظاهرين الذين خرجوا بالآلاف طيلة شهور طويلة يطالبون بالمستشفى والعمل والمدرسة وغيرها من المطالب البديهية.

والآن ماذا بعد؟ لقد كانت هذه المرحلة منتظرة منذ البداية. تأخر النظام في القمع كل هذه المدة لم يكن مدفوعا بنزعة ديمقراطية أصابته فجأة أو تفهم من طرفه لمطالب المحتجين، كما تزعم الأقلام المأجورة ووسائل الإعلام الرسمية، بل كان خوفا من استفزاز حراك ثوري أكثر عمقا وأكثر امتدادا، يشمل بقية مناطق المغرب. كما أنه كان يأمل أن ينطفئ الحراك بعامل الوقت والاستنزاف والوعود أو شراء ذمم القادة، لكن كل ذلك لم يحدث. فوجد نفسه محصورا في الزاوية مطالبا إما بالاستجابة لمطالب المتظاهرين، وفي هذه الحالة سيعمل على إعطاء المثال لمناطق أخرى في المغرب تعاني من نفس ما تعاني منه منطقة الريف من تهميش وفقر أو ربما أكثر، فتتحرك هي أيضا، وإما أن يشن حملة قمع واسعة تعيد للنظام الدكتاتوري “هيبته”. وذلك ما كان.

تجري الآن حملة إجرامية من الاعتقالات ضد قادة الحراك لإرهابهم وإرهاب بقية المحتجين لدفعهم إلى الصمت والقبول بالفتات الذي يقدمه لهم، وفتح جبهات جديدة تستنزف الحراك من أجل إطلاق سراح المعتقلين ووقف المتابعات، الخ.

يتوهم النظام وأتباعه الآن أنهم سيقبرون الحراك وينتهون منه إلى الأبد. لكن الحراك ما يزال في أوجه وما يزال التعاطف الشعبي معه كبيرا في منطقة الريف وخارجها، في بقية مناطق المغرب وأوربا. وبتكتيكات صحيحة يمكن قلب السحر على الساحر. إن اعتقال المناضلين يمكن أن يصير حافزا لتفجير المزيد من النضالات، ومحاكماتهم يمكن أن تستغل من طرفهم منابر لشرح مطالبهم ونشر الفكر الكفاحي وفضح الدكتاتورية وإيصال صوتهم إلى أبعد مدى.

إن أبشع كوابيس النظام القائم صارت حقيقة، فحراك الريف صار نقطة مرجعية لكل المناطق المهمشة والمفقرة في المغرب. وكفاحية المحتجين صارت مصدر إلهام للشباب الثوري وعموم الفقراء في كل أنحاء الوطن. والتضامن صار يتوسع بشكل يثير رعب الحاكمين. فمن الناضور ووجدة وتطوان وطنجة إلى القنيطرة وفاس وتاوجطات والرباط والدار البيضاء إلى قلعة السراغنة وأكادير وتزنيت، الخ. كل المغرب ينتفض! وما تزال الدعوات إلى تحركات تضامنية جديدة تتوالى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويظهر رعب النظام من هذا الامتداد في محاولاته اليائسة لقمع كل وقفة وكل تحرك تضامني لوأده في المهد. لكنه لا يطفأ وقفة احتجاجية حتى تشتعل أخرى ولا يمنع مسيرة إلا وتتحرك أخرى…

ومن الدروس التي يمكن استخلاصها من “حادثة المسجد”: ضرورة تجاوز العفوية، إذ لا يعقل ولا يمكن أن يبقى حراك من هذا الحجم وبهذا العمق رهينا بتحركات وقرارات ومزاجية هذا الزعيم أو ذاك، وأن يتخذ هو القرارات بشكل فردي ودون أي هياكل ديمقراطية. لقد أعطى قادة الحراك، ومن بينهم ناصر الزفزافي، دروسا في الصمود والإخلاص والنزاهة والكفاحية، هذا لا شك فيه. لكن رغم ذلك يجب أن يقتنع هؤلاء القادة أنفسهم أن الحراك أكبر من أن يسيره زعيم أو مجموعة من الزعماء، وأن يبادروا، هم قبل غيرهم، إلى تأسيس هياكل ديمقراطية مبنية على قاعدة الجموعات العامة الجماهيرية في الأحياء والمدارس وأماكن العمل.

في ظل نظام دكتاتوري مثل هذا الذي يجثم على صدورنا، كل نضال ولو من أجل أشد المطالب خبزية لا بد أن يصطدم بالقمع والاعتقالات والاختطافات، لذا يجب على نضالنا من أجل الشغل والخدمات العمومية وتحسين أوضاعنا المعيشية ورفع التهميش وغيرها من المطالب أن يرتبط بالنضال من أجل الحريات السياسية وإسقاط الدكتاتورية.

لقد فضحت “حادثة المسجد” وبيان وزارة الأوقاف كيف يستغل النظام القائم والطبقة السائدة الدين لخدمة مصالحهم الرجعية وتبرير القمع والظلم وتأبيد الاستغلال. لذا يتوجب علينا أن نناضل من أجل فصل الدين عن الدولة ومنع الحاكمين من استغلال المعتقدات الدينية، التي هي مسألة شخصية، لخدمة مصالحهم ومخططاتهم وتبرير سياساتهم. إن النضال من أجل العلمانية جزء لا يتجزأ من النضال من أجل إسقاط الدكتاتورية والقهر.

الآن يجب النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين ووقف كل المتابعات ومعاقبة المسؤولين عن قمع المتظاهرين، لكن لكي نتمكن من ذلك يجب أن يكون ذلك نقطة ضمن برنامج معد مسبقا يتضمن مطالب الجماهير التي تعبر عنها من خلال جموعات عامة ديمقراطية. برنامج يجب أن يتضمن مطلب الخبز والمستشفى إلى جانب مطلب الديمقراطية ومحاسبة المسؤولين عن تهميش المنطقة لعقود طويلة إلى جانب مطلب فصل المساجد عن السياسة. برنامج يجب أن يتوجه إلى كل الطبقة العاملة المغربية وكل الفقراء في كل مناطق المغرب لخوض نضال موحد ضد النظام الدكتاتوري القائم وضد الطبقة الرأسمالية السائدة التي هي سبب كل المآسي والظلم والفقر والتهميش الذي يعيشه المغرب عموما ومنطقة الريف على وجه الخصوص.

وفي الختام نقول إن تصورنا، نحن الماركسيون، مبني على أن تحقيق مطالب التشغيل ورفع التهميش وتوفير الخدمات العمومية وغيرها من المطالب المشروعة، رهين بإسقاط الطبقة الرأسمالية الحاكمة ونظامها ودولتها. لا وجود لأي حل في ظل نظام الاستغلال والقهر الذي هو النظام الرأسمالي؛ وندعو رفاقنا الشباب الثوري في منطقة الريف وغيرها من مناطق المغرب إلى التطلع حولهم في أي مكان، في المغرب والعالم، لكي يتضح لهم الواقع الوحيد الممكن الذي تقدمه الرأسمالية: الاستغلال والبطالة الجماهيرية والحروب والإرهاب والموت جوعا ومرضا…

لكن لإسقاط النظام الرأسمالي لا بد من برنامج اشتراكي ثوري، وحزب عمالي ماركسي ثوري، يقود النضالات العمالية والشبابية نحو حسم السلطة ووضع مفاتيح الاقتصاد والدولة في يد مجالس العمال والفلاحين الفقراء. إن الحل الوحيد لكي تنتصر نضالاتنا وتصل إلى تحقيق أهدافها هو النضال الثوري من أجل الاشتراكية، فالاشتراكية هي البديل الوحيد الممكن للرأسمالية وشرورها، في المغرب وأمميا.