الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / فلسطين/إسرائيل / الهجوم الإسرائيلي الإرهابي على حزب الله: نتنياهو يريد حربا إقليمية

الهجوم الإسرائيلي الإرهابي على حزب الله: نتنياهو يريد حربا إقليمية

قتل تسعة أشخاص على الأقل -بينهم فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات- وأصيب أكثر من 2800 شخص، يوجد كثير منهم في حالة حرجة، عندما انفجرت أجهزة الاتصال (Pagers ) التي كانوا يحملونها، وذلك في هجوم منسق غير مسبوق ضد حزب الله في لبنان. وقد قال مسؤولون أمريكيون إن إسرائيل كانت وراء الهجوم، الذي تم الإعداد له منذ أشهر، ويأتي في الوقت الذي صوتت فيه حكومة نتنياهو للتو على توسيع أهداف الحرب لتشمل إعادة النازحين من شمال البلاد إلى ديارهم، وهو ما يعني التحضير لشن غزو على لبنان.

دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة: هذا هجوم إرهابي ارتكبته إسرائيل، في انتهاك للسيادة الوطنية للبنان، ضد حزب يشكل جزءا من الائتلاف الحكومي في ذلك البلد، والذي أثر على مئات المدنيين (سواء أعضاء حزب الله الذين يشكلون جزءا من البنية التحتية المدنية أو أقاربهم وأصدقائهم وزملائهم والمارة) ويهدف إلى إثارة تصعيد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة.

إن أول ما يجب أن يقال هو أنه لو كانت إيران، أو حزب الله، أو الحوثيون، هم من قاموا بهذا الهجوم واسع النطاق، فإن ما يسمى بالمجتمع الدولي بأكمله كان سيصدر إدانات شديدة اللهجة. وكان ليصف مرتكبي الهجوم بالإرهابيين ويضعهم على القائمة السوداء. ثم كان ليشرع في تسليح من تعرضوا للهجوم بأحدث الأسلحة، باسم حق الدفاع عن النفس.

لكن وبما أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم، وأن هذا البلد هو أحد الحلفاء القلائل الجديرين بالثقة بالنسبة للإمبريالية الأمريكية في تلك المنطقة ذات الأهمية الحاسمة، فإنه لن يحدث أي شيء من ذلك القبيل.

لقد اقتصر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الساخر، ماثيو ميلر، على القول بأن الولايات المتحدة ليست لها أية علاقة بالهجوم وأنه لم يتم إخطارها به مسبقا، وهو التأكيد الذي يجب أن نأخذه بحذر شديد. فقلما يحدث شيء في الشرق الأوسط دون علم الاستخبارات الأمريكية.

إذا لم يكن الأمريكيون على علم بأن هذا الهجوم سيحدث، فهذا لا يعكس صورة جيدة عن واشنطن. لأن هذا يعني أن حليفهم الأكثر موثوقية قد اختار عدم تحذيرهم مسبقا، وأنهم فشلوا هم أنفسهم في معرفة ذلك.

وبالطبع، فبدلا من أن يقوم ميلر بإدانة الهجوم الإرهابي -والذي يشكل عملا إرهابيا وفقا لأي تفسير للقانون الدولي- فقد ألحق ادعاءاته بالجهل بدعوة أخرى لإيران “بعدم استغلال أي حادث لإضافة المزيد من الاضطراب”.

هذه هي المعايير المزدوجة الوقحة لما يسمى “النظام الدولي القائم على القواعد”. حيث تنفذ إسرائيل حربا دموية ضد غزة، استمرت ما يقرب من عام كامل، وأسفرت عن مقتل 40 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، بمن في ذلك النساء والأطفال. لكن الولايات المتحدة تواصل دعمها، بلا تردد، بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والتمويل، وتتعهد بالوقوف إلى جانبها مهما حدث. ثم تقتل إسرائيل زعيم حماس فوق الأراضي الإيرانية، فتتوجه الولايات المتحدة لإيران بالدعوة إلى ضبط النفس. ثم تنفذ إسرائيل هجوما إرهابيا جماعيا في لبنان ضد أحد الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم، ومرة ​​أخرى تدعو الولايات المتحدة إيران (وليس إسرائيل!) إلى ضبط النفس.

كيف تم تنفيذ الهجوم؟

وفقا لعدة مصادر استخباراتية، نقلتها وسائل إعلام غربية وعربية، فإن الهجوم على حزب الله قد تم الإعداد له بعناية قبل أشهر. كانت إسرائيل قد نفذت، في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر، عددا من عمليات الاغتيال الانتقائية ضد مسؤولين رفيعي المستوى في حزب الله. ومن أجل منع إسرائيل من تحديد مواقعهم، انتقل حزب الله، بحلول فبراير، من استخدام الهواتف المحمولة إلى استخدام أجهزة الاتصال، التي تتواصل عبر موجات الراديو والتي من المفترض أن يكون تحديد موقعها أكثر صعوبة.

لا نعرف، حتى الآن، الكثير من التفاصيل الدقيقة حول الطريقة التي تم بها تنفيذ الهجوم. ووفقا لنفس التقارير المنشورة في وسائل الإعلام الغربية والعربية، يبدو أن أجهزة الاتصال التي انفجرت كانت جزءا من دفعة جديدة وزعتها المنظمة في الأشهر القليلة الماضية.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فقد:

“نفذت إسرائيل عمليتها ضد حزب الله يوم الثلاثاء من خلال دس مواد متفجرة داخل دفعة جديدة من أجهزة الاتصال المصنوعة في تايوان والتي تم استيرادها إلى لبنان، وفقا لمسؤولين أمريكيين ومسؤولين آخرين مطلعين على العملية”.

كانت أجهزة الاتصال المستخدمة في الهجوم كلها تقريبا من طراز AP924 من الشركة التايوانية Gold Apollo. ولم يكن انفجار تلك الأجهزة ناتجا عن ارتفاع درجة حرارة البطارية فحسب. بل لقد تم زرع كمية صغيرة من المواد المتفجرة، ربما لا تزيد عن ثلاثة غرامات، بالقرب من البطارية. كما تم تجهيزها بمفتاح يمكن تشغيله عن بعد عبر رسالة مشفرة لإثارة الانفجار.

تلقت الأجهزة مكالمة، ثم أصبحت ساخنة جدا وانفجرت. وقد أفاد الحرس الثوري الإيراني أن تلك الأجهزة كانت مبرمجة لتصدر صوتا لمدة عشر ثوان قبل الانفجار، وذلك حتى يتمكن المستخدم من تقريبها إليه وبالتالي التسبب في أقصى قدر من الأضرار. وكان السفير الإيراني في لبنان أيضا ضحية لذلك الهجوم.

يبدو أن نحو 5000 جهاز قد تم طلبها وتوزيعها على أعضاء حزب الله في لبنان، وبعضها ذهب إلى سوريا أيضا، وكان المتأثرون هم الذين تم الاتصال بهم وتلقوا رسائل في وقت الهجوم.

ومن هذه المعلومات يمكننا استخلاص بعض الاستنتاجات. أحدها يتعلق بمستوى التعقيد والتخطيط الذي قامت به الاستخبارات الإسرائيلية، ومدى قدرتها على اختراق أعدائها، وخاصة حزب الله.

وفي هذه الحالة، كان لزاما عليها أن تعرف متى ومن أي شركة سيطلب الحزب أجهزة الاتصال من أجل أن تتمكن من التلاعب بها قبل وصولها إلى لبنان وتوزيعها. وإذا كان التلاعب بتلك الأجهزة قد حدث في تايوان، فإن هذا من شأنه أن يثير تساؤلات حول مستوى المعرفة والتعاون بين الاستخبارات الإسرائيلية وبين حكومة الجزيرة وإدارة الشركة المصنعة.

تزعم الشركة المصنعة، Gold Apollo، أن تلك الأجهزة قد صنعت بواسطة شركة أخرى، وهي شركة BAC Consulting، التي مقرها بودابست، والتي لديها اتفاقية معها تسمح لها باستخدام اسم علامتها التجارية. وما زال من غير الواضح متى تم تعديل تلك الأجهزة من قبل المخابرات الإسرائيلية. هل كان ذلك في مرحلة الإنتاج، قبل أو بعد وصولها إلى لبنان.

الاستعداد لغزو لبنان

لكن السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا الآن؟ يزعم جهاز الأمن الإسرائيلي، شين بيت، أنه قد أحبط للتو هجوما لحزب الله على ضابط أمن كبير سابق، لم يتم الكشف عن اسمه. لكن هذا مجرد خبر استهلاكي للرأي العام. أما السبب الحقيقي فيكمن في مكان آخر.

ففي نفس اليوم الذي وقع فيه الهجوم على حزب الله، صوت مجلس الوزراء الإسرائيلي على توسيع أهداف حربه لتشمل العودة الآمنة للمواطنين الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من شمال البلاد والحفاظ عليهم في مأمن من تبادل إطلاق النار عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وهذا يعني أن إسرائيل تستعد الآن رسميا لغزو لبنان، بهدف معلن هو إنشاء “منطقة عازلة” “لضمان الأمن في شمال إسرائيل”.

هذه هي الخلفية التي علينا أن نرى على ضوئها الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الثلاثاء، والذي من خلاله تأمل إسرائيل ضرب عصفورين بحجر واحد. أولا، من شأن الهجوم أن يقضي على عدد من مسؤولي حزب الله، ويثير الارتباك والاضطراب، فضلا عن زرع الشكوك داخل المنظمة حول مستوى ودرجة الاختراق من جانب الأمن الإسرائيلي. وثانيا، ربما تأمل إسرائيل أن يؤدي الهجوم إلى إثارة رد فعل غاضب وعنيف من جانب حزب الله، والذي من شأنه أن يخدم كمبرر للغزو الإسرائيلي للبنان.

ويزعم تقرير نشر في “Al-Monitor”  أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد خططت في الأصل لاستخدام المؤامرة لتتزامن مع غزو بري للبنان، لكنها اعتقدت أن حزب الله قد بدأ يشك في تلك الأجهزة، وبالتالي كان عليها أن تفجرها، أو أنها ستفقد بالكامل فرصة استخدامها. قد يكون هذا صحيحا، أو مجرد قصة تسربت إلى وسائل الإعلام لتحويل الانتباه عن السبب الحقيقي. لكن أيا كان الحال، فقد وقع الهجوم في وقت مناسب للغاية حيث يتم الانتهاء من الاستعدادات للغزو البري الإسرائيلي.

ما هو هدف إسرائيل من التخطيط لغزو آخر للبنان؟ في الواقع، هناك انقسام عميق للغاية داخل إسرائيل حول هذه المسألة، وهو انقسام يصل إلى أعلى مستويات السلطة والدولة والجيش.

في الأيام الأخيرة، قامت كل من هيئة البث العام الإسرائيلية والقناة 13 ببث علني لأخبار هذه الانقسامات. ووفقا لتلك التقارير، فإن الضابط الأعلى في الجيش، اللواء أوري غوردين، المسؤول عن القيادة الشمالية للقوات الإسرائيلية، يحرض لصالح شن غزو للبنان، لكن وزير الدفاع، غالانت، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، يعارضان ذلك.

أهداف حرب غزة لم تتحقق

إن أولئك الذين يعارضون غزو لبنان ليسوا من الحمائم المحبين للسلام. ومع ذلك فإنه يمكنهم أن يروا أنه لا معنى، من وجهة نظر عسكرية، لاستهداف عدو قوي مثل حزب الله الآن. يمتلك حزب الله ترسانة مكونة من عشرات الآلاف من الصواريخ، وقد أجبر إسرائيل سابقا على الانسحاب من لبنان في غزو عام 2006. وفي الوقت نفسه، ستأتي هذه الحرب في وقت لم يتمكن فيه الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهدافه المعلنة في غزة، ولم يتمكن من سحق المقاومة الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية.

فبعد ما يقرب من عام من الحملة الدموية، تبقى الحقيقة هي أن إسرائيل لم تتمكن من إنقاذ الرهائن وهي بعيدة كل البعد عن تدمير حماس. لست أنا الوحيد من يقول ذلك، فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز تقييم القائد السابق لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، اللواء غادي شامني، الذي قال:

“حماس تفوز بهذه الحرب، جنودنا يفوزون بكل المواجهات التكتيكية مع حماس، لكننا نخسر الحرب، وبشكل كبير”. ما يزال المسؤولون المدنيون والعسكريون في حماس يسيطرون على أجزاء كبيرة من غزة، وعندما ينفذ الجيش الإسرائيلي “عملية تطهير”، تعود المنظمة وتستعيد السيطرة “بعد 15 دقيقة”. وقال شامني: “لا يوجد أحد يستطيع تحدي حماس هناك بعد رحيل القوات الإسرائيلية”.

ولقد أشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانيال هاغاري، إلى نفس النقطة في يونيو، حين قال في مواجهة علنية مع نتنياهو: “إن الفكرة القائلة بإمكانية تدمير حماس، وإبادتها، هي مجرد ذر للرمال في عيون الجمهور”.

ومن ناحية أخرى، فإن مصالح نتنياهو مختلفة تمام الاختلاف، بل إنها تتعارض، مع مصالح قطاعات كبيرة من الطبقة السائدة الإسرائيلية وأجهزة الدولة. ويمكن تلخيص تلك المصالح على النحو التالي: إنه يحتاج إلى البقاء في السلطة بأي ثمن، وإلا فإنه سيواجه هزيمة انتخابية وملاحقة قضائية بتهمة ارتكاب جرائم متعددة قد تنتهي به إلى السجن.

ومن أجل البقاء في السلطة، يحتاج إلى استمرار الحرب. وبما أن الحرب في غزة لا تسفر عن النتائج المرجوة، فهو مستعد تماما لشن مغامرة عسكرية في لبنان، وهو ما قد يعجل بدخول المنطقة في صراع شامل. إن اندلاع صراع شامل في المنطقة من شأنه في الواقع أن يصب في مصلحته، مهما بدا هذا جنونا، لأنه من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، ويضمن له موقعه في السلطة، أو هكذا يظن.

انقسامات في القمة

بعد خلافه العلني مع وزير دفاعه غالانت في مناقشة خلال اجتماع مجلس الوزراء، حول التخريب المستمر والصارخ الذي يقوم به نتنياهو لصفقة الرهائن مع حماس، بدأ هذا الأخير الآن يناور لإبعاد غالانت من الحكومة.

خلال الأيام القليلة الماضية كانت هناك مفاوضات ومساومات محمومة. مقترح نتنياهو هو استدعاء منافسه السابق، جدعون ساعر، الذي كان قد انفصل عن الليكود لتشكيل حزبه “الأمل الجديد”، من أجل تعويض غالانت. سوف يجب على نتنياهو تقديم تنازلات له فيما يتعلق بالإصلاح القضائي المثير للجدل، لكن بالنسبة لبيبي هذا لا يهم الآن، لأن المسألة الرئيسية هي التخلص من أي أصوات داخل مجلس الوزراء تعارض مغامرته في لبنان.

غالانت هو أيضا عقبة أمام نتنياهو في مسألة أخرى ذات صلة. فقد هددت الأحزاب المتشددة بإسقاط ائتلافه إذا لم يعف طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية. نتنياهو، الذي تحركه غريزته القوية للحفاظ على الذات، مستعد تماما لتقديم تنازلات، لكن غالانت يعارض ذلك.

وقد حذر منتدى الأعمال الإسرائيلي، الذي يمثل قسما كبيرا من الرأسماليين في البلاد، نتنياهو من إقالة غالانت، قائلا إن القرار من شأنه أن “يضعف إسرائيل في نظر أعدائها وسيؤدي إلى انقسامات اجتماعية أعمق بين شعبها”، فضلا عن التأثير السلبي لذلك على الاقتصاد: “يعرف رئيس الوزراء، أفضل من أي شخص آخر، أن جميع المؤشرات الاقتصادية تظهر أن إسرائيل تتدهور إلى هاوية اقتصادية وتغرق في ركود عميق”.

ولكن هيهات، فمصالح نتنياهو -بقاءه في السلطة- لا تتوافق بالضرورة مع مصالح الرأسماليين في هذا الوقت بالذات.

ليس الرأسماليون الإسرائيليون وحدهم هم الذين يشعرون بالقلق. فقد نقل تقرير في شبكة ABC news الإخبارية عن ضباط لم يذكروا أسمائهم في الجيش الإسرائيلي، وضباط عسكريين آخرين، تحذيرهم من أن نتنياهو “يدفع إسرائيل إلى حرب كارثية محتملة مع حزب الله في لبنان”. وقال أحد هؤلاء المسؤولين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الحرب مع حزب الله “من السهل أن تبدأ، ولكن من الصعب للغاية أن تنتهي”. “نحن نخسر الحرب، ونخسر الردع، ونخسر الرهائن”. وتنص المقالة في ABC news  على أن هناك “مخاوف عامة بشأن ما إذا كانت إسرائيل تمتلك ذخائر كافية وصواريخ وقنابل اعتراضية للدفاع عن نفسها في أي مواجهة مع حزب الله”.

وفي محاولة محمومة لتجنب اندلاع حرب إقليمية من شأنها أن تجر الولايات المتحدة إليها، أرسلت واشنطن كبير مستشاري بايدن، عاموس هوكشتاين، إلى إسرائيل لمحاولة التأثير على بيبي لصرفه عن غزو لبنان. ووفقا لمصادر نقلها موقع Axios، فقد أصر هوكشتاين على “أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن الصراع الأوسع في لبنان سيحقق هدف إعادة الإسرائيليين النازحين إلى ديارهم في الشمال”، وأن “الحرب الشاملة مع حزب الله تهدد بإشعال صراع إقليمي أوسع نطاقا وطويل الأمد”.

بالطبع، وكما في المناسبات السابقة، تجاهل نتنياهو تماما هذه الدفعة اللطيفة من الولايات المتحدة، وشرع في فعل العكس تماما مما نصحته به. إنه يدرك تمام الإدراك أن الولايات المتحدة قد تختلف معه في التكتيكات أو الاستراتيجية، لكنها، في نهاية المطاف، سوف تقف إلى جانبه.

بعد السابع من أكتوبر مباشرة، سارع بايدن إلى إسرائيل لاحتضان رئيس الوزراء المجنون وأخبره بعبارات لا لبس فيها أن الولايات المتحدة تقف إلى جانبه مهما كلف الأمر. في الواقع إن بايدن، من خلال تصريحه بأن الدعم الأمريكي “حديدي”، قد أعطى نتنياهو شيكا مفتوحا، شرع هو في صرفه، ليس مرة واحدة بل عدة مرات.

لقد اختلفت الإمبريالية الأمريكية معه علنا في بعض الأحيان، بل وهددت حتى بوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل. كان ذلك جزئيا للاستهلاك العام أمام الناخبين الأمريكيين -دون أن يكون له أي تأثير على الإطلاق-، وجزئيا بسبب الخوف الحقيقي من العواقب الثورية لأفعال نتنياهو على الأنظمة الأخرى في المنطقة، والتي هي أيضا حليفة للولايات المتحدة والتي لا تريد واشنطن أن تراها تسقط.

النقطة الحاسمة هنا هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك تمام الإدراك أنه في نهاية المطاف، وبمجرد أن يتم قول وفعل كل شيء، ستقوم الولايات المتحدة دائما بدعم إسرائيل. وسيكون ذلك أكثر صحة في حالة نشوب حرب إقليمية.

لذا فإن نتنياهو يستمع إلى ما يقوله له بايدن ومبعوثوه، ثم يشرع في فعل ما يعتقد أنه الأفضل لنفسه، بغض النظر عن حقيقة أنه غالبا ما يكون عكس ما أخبرته به الولايات المتحدة للتو.

وقد أشار نفس التقرير الذي نشرته Axios  إلى رد نتنياهو على هوكشتاين، حيث قال له: “إن إسرائيل تقدر وتحترم دعم إدارة بايدن، لكنها في النهاية ستفعل ما هو ضروري للحفاظ على أمنها وإعادة سكان الشمال إلى ديارهم بأمان”. وبترجمة هذه العبارة من اللغة الدبلوماسية إلى اللغة البسيطة فقد قال له نتنياهو: “اذهب إلى الجحيم!”.

الحقيقة هي أن نتنياهو لا يكترث إطلاقا بأمن سكان الشمال، مثلما لا يهتم على الإطلاق بمصير الرهائن الذين أخذتهم حماس وغيرها. وهذا ما فهمه حتى أقارب الرهائن وقطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي. فهم، بالنسبة له، مجرد أوراق لعب صغيرة يمكن استخدامها في مؤامراته الكلبية.

إذا نظرنا إلى الهجمات عبر الحدود بين لبنان وإسرائيل، فإن الصورة الحقيقية تظهر. فقد نفذت إسرائيل أكثر من 80% من تلك الهجمات، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80% من الضحايا. كما تم إجلاء المدنيين من الجانب اللبناني من الحدود أكثر بكثير مما حدث في الجانب الإسرائيلي. وبالتالي فإذا قبلنا منطق نتنياهو، فسيكون لبنان هو من يملك المبرر لغزو إسرائيل، وليس العكس.

بما أن حزب الله قال مرارا إن هجماته على إسرائيل هي لدعم شعب غزة وأنها ستتوقف إذا تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فإنه من الواضح أن أبسط طريقة لضمان أمن مواطني شمال إسرائيل هي أن تتوصل إسرائيل إلى تلك الصفقة. لكن هذا بالضبط هو ما يقوم نتنياهو بتخريبه بشكل متعمد.

يقول تقرير حديث في Axios أن مستشار بايدن، هوكشتاين، كان في إسرائيل عندما اتخذ نتنياهو وغالانت وكبار المسؤولين العسكريين قرار تنفيذ الهجوم الإرهابي، لكنهم قرروا عدم إخباره بأي شيء. ولم يتصل غالانت بوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلا قبل وقت قصير فقط على بداية انفجار أجهزة الاتصال، لإبلاغه بأن الهجوم على لبنان وشيك.

لكن ومرة أخرى، يجب على المرء أن يأخذ مثل هذه التقارير بحذر. المصدر الوحيد الذي استشهد به Axios هو “مسؤول أمريكي” لم يذكر اسمه، وبالطبع، ستكون الولايات المتحدة مهتمة بالنأي بنفسها علنا عن الهجوم. ومع ذلك، هناك تفصيلة واحدة في القصة تبدو صحيحة، وهي أن غالانت، المعروف بمعارضته لعملية لبنان في هذا الوقت، هو الذي اتصل بلويد أوستن. وزير الدفاع هو العميل الأمريكي الأكثر مباشرة داخل مجلس الوزراء، ومن المعروف أن لويد أوستن ينتمي إلى الجناح الأقل ميلا إلى الحرب في إدارة بايدن. لكن حتى لو قبلنا أن أجزاء من هذا التقرير صحيحة، فإن ذلك يشير إلى أن واشنطن كانت لديها معرفة مسبقة بالهجوم، وهو عكس ما أكده بشدة المتحدث باسم الولايات المتحدة، ميلر.

المواد القابلة للاشتعال قد تشعل حربا إقليمية

إن هجوم إسرائيل على لبنان هو خطوة متهورة أخرى من جانب نتنياهو تهدد بتصعيد الصراع في المنطقة. لقد تراكمت بالفعل كميات كبيرة من المواد القابلة للاشتعال. وما تزال هناك مسألة لم تُحَل بعد وهي الانتقام الإيراني من الهجوم الإسرائيلي الذي قتل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران. من الواضح أن إيران ليست مهتمة بإثارة حرب إقليمية، لكنها، وفي الوقت نفسه، لا يمكنها أن تسمح بفقدان ماء وجهها بينما تستفزها إسرائيل بشكل صارخ.

وقد شن الحوثيون، في الأيام الأخيرة، هجوما على إسرائيل، بما يزعمون أنه صاروخ فرط صوتي. تجري العديد من المناقشات حول الطبيعة الدقيقة للسلاح المستخدم، ولكن من الواضح أنه طار بسرعة عالية جدا، ولم يتم اعتراضه من قبل قوات البحرية الأمريكية أو الفرنسية المتواجدة في المنطقة، كما أنه تجنب جزئيا الدفاعات الجوية الإسرائيلية. هذا تطور مقلق بالنسبة لإسرائيل. ولا يُعرف كيف تمكن الحوثيون من تصنيع أو الحصول على ما كان بوضوح سلاحا متطورا. وهناك تكهنات بأنه ربما جاء من إيران.

لقد شهدنا الاستفزازات المتهورة التي قامت بها الإمبريالية الغربية ضد روسيا فيما يتصل بالحرب في أوكرانيا، وبشكل أكثر تحديدا المناقشة حول السماح لها باستخدام صواريخ بعيدة المدى، بريطانية أو أمريكية الصنع، لضرب عمق الأراضي الروسية. ومن المنطقي أن تكون روسيا، في المقابل، مهتمة بتزويد أعداء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالأسلحة والتكنولوجيا. وقد ترددت في وسائل الإعلام بعض التكهنات بأن إحدى عمليات تسليم تلك الشحنات قد توقفت في اللحظة الأخيرة، في غشت، نتيجة للضغوط السعودية على روسيا.

كما وعدت الميليشيات العراقية الموالية لإيران بمساعدة لبنان في حالة حدوث غزو إسرائيلي. والولايات المتحدة مكشوفة بشدة في المنطقة، إذ لديها قواعد عسكرية في العديد من البلدان، والتي يمكن أن تصبح أهدافا لتلك الهجمات.

لا يمكن التنبؤ بشكل مسبق بالمسار الدقيق للأحداث، ولكن من الواضح أن نتنياهو مهتم، لأسبابه الخاصة، بتصعيد الصراع، وأن الهجوم الإرهابي الذي شنته إسرائيل على حزب الله قد جعل هذا الاحتمال أكثر قربا.

إن الأفعال غير المسؤولة والمتهورة التي يقوم بها رجل واحد، تهدد بإطلاق العنان لصراع دموي من شأنه أن يتسبب في موت وتدمير هائلين. وقد تحدث المسؤولون الإسرائيليون علانية عن “قصف لبنان حتى يعود إلى العصر الحجري” وتحويل بيروت إلى غزة جديدة.

لكن نتنياهو ليس المسؤول الوحيد. لم تكن إسرائيل لتتمكن من مواصلة حملتها الإجرامية على غزة، ولا التهديد بحرب إقليمية، لولا الدعم “الحديدي” الذي تقدمه لها الإمبريالية الأمريكية وبايدن شخصيا. فإذا ما قطعت واشنطن بشكل كامل مساعداتها العسكرية والمالية لإسرائيل، سيصير الجيش الإسرائيلي غير قادر على مواصلة حربه أحادية الجانب.

هذه هي طبيعة الرأسمالية الإمبريالية في القرن الحادي والعشرين: رعب بدون نهاية. ولهذا السبب نقول: فليسقط دعاة الحرب! وإذا أردنا تحقيق السلام، فيجب علينا الإطاحة بالنظام الفاسد الذي هو أصل الإمبريالية والحرب.

خورخي مارتن

18 سبتمبر/أيلول 2024

ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:

Israeli terrorist attack on Hezbollah: Netanyahu wants a regional war