نزف، نحن موقع ماركسي، خبر البدء في نشر فصول الترجمة العربية لكتاب تيد غرانت: “روسيا: من الثورة إلى الثورة المضادة”، الذي كان قد نشر لأول مرة باللغة الانجليزية، سنة 1997، ثم ترجم بعد ذلك إلى عشرات اللغات، مما يعكس الاهتمام الكبير من طرف الجيل الجديد من الثوريين لمعرفة معنى ثورة أكتوبر وماذا حققته ولماذا انحطت.
لماذا هذا الكتاب بالضبط في هذا الوقت بالضبط؟ إن القناعة التي لدينا هي أننا على أعتاب مرحلة ثورية عاصفة، حيث ستعرف نضالات الطبقة العاملة وعموم الكادحين والشعوب المضطهَدة تصاعدا كبيرا، وحيث الجماهير ستبحث بشكل نشيط عن حل للمشاكل العويصة والبؤس والاستغلال وكل أنواع المعاناة التي تواجهها. وسوف يقدم لنا التاريخ، نحن عمال العالم، الكثير من الفرص لإحداث التغيير الثوري وإسقاط الرأسمالية وبناء الاشتراكية.
لكن هذه الفرص ستضيع هباء إن لم نكن مستعدين لها بالوعي والتنظيم. لا بد من بناء قيادات ثورية تمتلك برنامجا ماركسيا وتكتيكات صحيحة لكي تتمكن الطبقة العاملة من حسم السلطة السياسية وانتزاع مفاتيح الاقتصاد من يد الرأسماليين ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للمنتجين أنفسهم. أي سيرا على خطى ما حققته الطبقة العاملة الروسية، بقيادة الحزب البلشفي، قبل حوالي 100 سنة.
عندما نصل إلى هذه النقطة يواجههنا المدافعون عن الرأسمالية، بمختلف تلاوينهم (لبراليون، إصلاحيون، إسلاميون…)، بالقول: “الثورة الروسية!! لقد فشلت! هل تدعون الناس إلى السير على خطى تجربة أثبت التاريخ فشلها؟!”.
في الماضي، كان المدافعون عن الرأسمالية يبررون أحقية نظامهم في البقاء بالقول إنه “أفضل العوالم الممكنة”، وبأنه “سيحمل السعادة للبشرية”، و”الحرية والعدالة والإخاء”، وسيقيم “مملكة العقل” في عالمنا، الخ. ثم صاروا لاحقا يقولون إنه “وإن كان لم يحقق كل تلك الأهداف السامية، فإنه، على الأقل، طور وما زال يطور وسائل الانتاج وتحكم الانسان في الطبيعة”، الخ.
أما اليوم، وفي ظل هذه الأزمة العميقة وانتشار الحروب والمجاعات والأمراض، فلم يعد المدافعون عن الرأسمالية يبررون نظامهم بأنه “الأفضل” أو “الأكثر فعالية” أو “الأقدر على تحقيق التقدم والسعادة للبشرية”. إذ أن مثل هذه الادعاءات ستكون شديد الوقاحة والحمق حتى بمقاييسهم… بل صاروا يبررون أحقية نظامهم في البقاء بالقول بأنه “الوحيد الممكن” وأنه “لا بديل عنه”، فإذا كان سيئا فما على البشر إلا أن يتحملوا “فالعالم مكان قاس بطبيعته” و”الانسان شرير بطبعه” وقد “كتب على الانسانية الشقاء”، و”ليس هناك ما يمكنه فعله”. فإذا رفعنا في وجوههم أنه يوجد بالفعل نظام بديل أفضل من نظامهم هو الاشتراكية، يردون بسخرية، بما يعتبرونه أكثر أسلحتهم فتكا ضد الماركسية وضد الاشتراكية، قائلين: “لقد تم تجريبها وفشلت، لقد انهارت مع انهيار الاتحاد السوفياتي”. في حين أن الرأسمالية “ما زالت قائمة”.
فلنكن نزيهين، إن هذه حجة قوية وتحتاج فعلا إلى رد مبني على أسس صلبة وبراهين مقنعة. وإلا فإنه لا معنى لأي كلام من جانبنا عن البديل الاشتراكي وإمكانية تجاوز الرأسمالية بنظام أفضل قادر على الحياة.
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب. يتضمن كتاب تيد غرانت هذا: “روسيا من الثورة إلى الثورة المضادة”، دراسة للثورة الروسية وتقييما تاريخيا لأهميتها وما الذي حققته. كما يرد على الانتقادات والتشويهات التي وجهت إليها وما تزال. ويقدم شرحا وافيا للموقف الماركسي للدولة، ويطوره لدراسة طبيعة النظام الانتقالي الذي نبع عن ثورة أكتوبر، والأسباب وراء صعود الستالينية، ثم يحلل أزمة هذه الأخيرة والعوامل التي أدت إلى انهيارها.
وهو لذلك سلاح مهم في ترسانة الطبقة العاملة العالمية في نضالها ضد الرأسمالية والمشككين في المشروع الاشتراكي. يؤكد أن ما سقط في روسيا ليس الاشتراكية ولا الماركسية، ما سقط هناك هو نظام ستاليني قام على أنقاض الدولة العمالية والحزب البلشفي والأممية الشيوعية، بعد أن قام بسحقها جميعها تباعا. نظام هو بدوره لم يكن قيامه حتميا، بل كان نتاجا لعزلة الثورة الروسية في بلد متخلف محاصر، زادته خرابا تلك الحرب الأهلية التي أشعلتها ضده قوى الثورة المضادة وأسيادها الإمبراليين. وبالتالي فإنها لم تكن سوى محاولة أولى علينا أن نتعلم دروسها لنقوم بالمحاولة مجددا، لكن هذه المرة بخبرة أكبر وفي ظروف أفضل بكثير من تلك التي نهضت في ظلها الطبقة العاملة الروسية، قبل حوالي 100 سنة، لإنجاز ثورتها.
الرأسمالية اليوم في أعمق أزماتها، والطبقة العاملة العالمية اليوم أقوى وأكثر عددا مما كانت عليه في بدايات القرن العشرين، والقاعدة الاجتماعية للثورة المضادة هي اليوم أضعف بكثير جدا مما كانت عليه آنذاك. ناهيك عن أن الظروف الموضوعية للاشتراكية ناضجة بل، وعلى حد تعبير تروتسكي، بدأت تتعفن. وعليه، فإننا الجيل الذي سوف ينجز مهمة التغيير الاشتراكي في حياتنا. لذا علينا أن نكون مستعدين برصيد من التجارب والخبرات والدروس. وفي هذا السياق تعتبر تجربة الثورة الروسية ودروسها، ليس في مرحلة انتصارها فقط، بل وأيضا، وخصوصا، في مرحلة انحطاطها وسقوطها اللاحق، كنزا عظيما من أجل خوض النضال المقبل مسلحين نظريا بشكل جيد، إذ لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية. وهذا ما يجعل كتاب “روسيا من الثورة إلى الثورة المضادة” ضروريا وراهنيا.
قراءنا، أيها الشباب الثوري والعمال والمثقفين الثوريين، نضع هذا الكتاب بين أيديكم، اقرأوه، انشروه، والتحقوا بنا في نضالنا من أجل نشر الفكر الماركسي وبناء القيادة الثورية في منطقتنا، الشرق الأوسط وشمال افريقيا، باعتبارها جزءا من القيادة الثورية الأممية التي يسعى التيار الماركسي الأممي إلى بناءها أمميا.
هيئة تحرير موقع ماركسي
27 يونيو/حزيران 2022
تعليق واحد
تعقيبات: [كتاب] روسيا: من الثورة إلى الثورة المضادة – ماركسي