الرئيسية / دول العالم / آسيا / اليابان / أولمبياد طوكيو: أيا كان من سيفوز فالعمال سيخسرون

أولمبياد طوكيو: أيا كان من سيفوز فالعمال سيخسرون

قبل أيام أسدل الستار عن الألعاب الأولمبية المربكة والتي طال انتظارها بعد أن تأجلت كثيرا. أجريت هذه الألعاب بدون جماهير، ووسط استياء عام من طرف العمال والشباب اليابانيين، الذين كانوا يخشون بحق من خطر انتشار فيروس كوفيد 19، والغاضبين من المحاولات الكلبية لأرباب العمل لإجبارهم على تعويض النقص في مبيعات التذاكر.

في هذا المقال، المنشور في الأصل يوم 22 يوليوز أي قبل يوم من انطلاق الألعاب، يحلل ستان لايت الوضع المتشنج الذي كان يتطور بالفعل في اليابان حتى قبل بدء الألعاب.


سيقام، ما بين 23 يوليوز و 08 غشت، أكبر حدث رياضي في العالم بدون حشود الجماهير المبتهجة. فبعد ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد 19، أعلن رئيس الوزراء الياباني، يوشيدي سوغا، حالة الطوارئ في 08 يوليوز، مما يعني أن أولمبياد طوكيو 2020 ستقام في ملاعب فارغة.

كانت الفترة التي سبقت الألعاب مليئة بالفضائح، بدءا من إجبار رئيس الأولمبياد، الياباني يوشيرو موري، على الاستقالة بعد اتهامه بتعليقات متحيزة ضد النساء.

كما ثبتت إصابة عدد من الرياضيين والمسؤولين والصحفيين والمقاولين بفيروس كوفيد 19 عند وصولهم إلى اليابان. وكان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، قد أشار إلى الشعب الياباني على أنه صيني، وتعرض لانتقادات شديدة من قبل الصحافة البرجوازية والمتظاهرين بسبب زيارة المنافقة لهيروشيما.

وعلاوة على ذلك فقد أوضحت الجماهير اليابانية أنها لا تريد إجراء الألعاب، سواء بحضور أو بعدم حضور المشجعين. وطالبت الاحتجاجات بإلغاء الألعاب. وارتفعت شعارات من قبيل: “إلغاء اللجنة الأولمبية الدولية” و”الألعاب الأولمبية تقتل الفقراء” و”السيد جون كوتس، مرحبًا بكم في هرمجدون”- في إشارة إلى تصريح نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بأن طوكيو 2020 ستمضي قدمًا “في منع حدوث هرمجدون”.

وفي حين أن الطبقة السائدة تشعر بالقلق إزاء المخاطر الطويلة الأمد التي يتعرض لها النظام الرأسمالي من خلال السماح للألعاب بالمضي قدما، فإن الحزب الحاكم في اليابان قد قرر أن “هرمجدون” ثمن عادل يجب دفعه لحماية الأرباح.

جائحة كورونا في اليابان

مع اشتداد الأزمة لجأ الحزب الليبرالي الديمقراطي البرجوازي الحاكم وحيلفه في التحالف، كوميتو، بشكل متزايد إلى النعرة الشوفينية القومية كأداة إلهاء. حيث كثفوا الخطاب المعادي للصين، بالإضافة إلى محاولة تغيير الدستور ليصير في إمكان الجيش التدخل في النزاعات الخارجية.

وقد أدت الألعاب دورا في هذه “الحرب الثقافية”. فبهدف حشد قاعدة الدعم الشوفيني للحزب الليبرالي الديمقراطي خلف سوغا، اتهم سلفه شينزو آبي أولئك الذين يعارضون الألعاب بأنهم أعداء لليابان. لكن الجائحة كسرت هذه الحملات القومية.

سجلت اليابان حتى الآن حوالي 12.000 حالة وفاة بسبب كوفيد 19، وهو الأسوأ بين جميع بلدان شرق آسيا على الرغم من كون اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم. كما سنت اليابان واحدة من أكبر إجراءات التحفيز في العالم (03 تريليون دولار وما زال الرقم يرتفع). ومن المتوقع بالطبع أن تدفع الطبقة العاملة الفاتورة من خلال الاقتطاعات والتقشف في المستقبل.

لم تفرض اليابان حالة إغلاق كامل إلا أنها طبقت العديد من الإغلاقات الجزئية. وقد تسببت هذه الإغلاقات الجزئية وإعادة الفتح المتكرر للاقتصاد الياباني في حالة من الترنح بين الانتعاش والانكماش. عانى الاقتصاد الياباني من الركود لعقود من الزمن، وتود الطبقة السائدة أن تتجنب الركود، بعد أن تجنبت بصعوبة الانغماس في ركود هذا العام.

إن أكبر تهديد لأي انتعاش اقتصادي هو متحور دلتا، الذي يجتاح منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كان الخبراء الطبيون قد توقعوا في ماي أن الألعاب لا يمكنها أن تستمر بأمان، حتى بدون مشجعين، إلا إذا انخفض عدد الحالات إلى أقل من 100 حالة في اليوم، وهم الآن يسجلون رقما أعلى بكثير، 1000 حالة في اليوم.

بطء برنامج التلقيح في اليابان هو أيضا مصدر قلق، وقد تسبب في انتشار الغضب والإحباط بين الجماهير. لم تبدأ اليابان في تطعيم الناس إلا في فبراير. فقط أزيد من 26% بقليل تناولوا جرعة واحدة على الأقل وحوالي 15% تناولوا جرعتين.

بدون تلقيح نسبة كبيرة من الناس، ومع احتمال تعرض اليابان لموجة خامسة (هي الثالثة هذا العام)، والتي قد تشمل متحورات متعددة، فإن “تعافي” اليابان ما يزال في خطر. وعلاوة على ذلك فإنه يوجد في اليابان عدد كبير من كبار السن المعرضين بشكل خاص للإصابة بآثار خطيرة بسبب العدوى.

وكما هو الحال في بقية العالم، فقد أدت الأزمة التي أطلقتها الجائحة إلى تعميق التناقضات القائمة في المجتمع. ارتفع معدل الفقر في اليابان حاليا إلى 15,7%، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. اندلاع الموجة الخامسة سيدفع ملايين آخرين إلى لجة العوز. لذلك فإنه ليس من قبيل الصدفة أن ترتفع معدلات الانتحار في عام 2020، لأول مرة منذ 11 عاما. كانت آخر مرة تسجل ارتفاعا هي في أعقاب الانهيار المالي لعام 2008.

وبشكل عام فإنه على الرغم من تأكيدات المنظمين بأن هناك احتمال “صفر” لانتشار العدوى بين السكان، نظرا للرقابة الصارمة على المشاركين، فإن هذه الألعاب تشبه إلقاء عود ثقاب مشتعل على برميل بارود.

يشعر البرجوازيون بالقلق من موجة جديدة قاتلة تهدد الاقتصاد الياباني على المدى الطويل، حيث حث أمثال الرئيس التنفيذي لمصرف سوفت بانك، ماسايوشي سون، رئيس الوزراء سوغا على تبني سياسة “لا مشجعين”. بل حتى الإمبراطور قام، في تدخل نادر من جانبه، بترديد صدى التحذيرات من أن الإصابات بكوفيد 19 قد ترتفع إذا أجريت المباريات بملاعب مملوءة.

ومع ذلك فإن هذا لا يعني أن الطبقة السائدة مستعدة لتفويت فرصة الحصول على منجم الذهب الأولمبي بشكل كامل. يُنظر إلى الألعاب على أنها بالغة الأهمية للانتعاش الاقتصادي الهش لليابان على المدى القصير، على الرغم من الخطر الذي يتهدد حياة العمال.

صفقوا لكن لا تهتفوا

يستعد الرأسماليون لتحقيق أرباح كبيرة من الألعاب الأولمبية، ولديهم استثمارات ضخمة في هذا الحدث. دفعت الشركات اليابانية 03 مليارات دولار لرعاية الألعاب، ودفعت 200 مليون دولار أخرى لتمديد العقود بعد تأجيل الأولمبياد لمدة عام.

الشركات الأكبر مثل تويوتا وبريدجستون وباناسونيك وسامسونغ، هي الراعية الرئيسية ولديها صفقات منفصلة مع اللجنة الأولمبية الدولية، تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. ومن المقرر أن تحصل اللجنة الأولمبية الدولية على إيرادات كاملة من حقوق البث المربحة.

لقد أطلق الرعاة بالفعل حملات مربحة لبيع التذاكر، حيث ساهمت مبيعات التذاكر وحدها بمبلغ 800 مليون دولار في طوكيو 2020. ومن المحتمل أن يقوم المنظمون برد أموال حاملي التذاكر من خلال تحميل دافعي الضرائب الفاتورة، أو بعبارة أخرى، سيتعين على الطبقة العاملة تعويض الرأسماليين عن أرباحهم الضائعة.

وبشكل عام فإن الفترة التي سبقت دورة الألعاب لم تكن فترة المجد التي كان يأمل سوغا فيه. تم تلخيص البداية الحذرة في مرافقة الشعلة الأولمبية في شهر مارس بقافلة سيارات تحذر بواسطة مكبر الصوت قائلة: «من فضلكم صفقوا لكن لا تهتفوا. صفقوا لكن لا تهتفوا!»، هذا التصريح الكئيب يوضح طبيعة الوضع.

في يونيو استقال حوالي 10.000 متطوع -كانوا يعملون مرشدين وسائقين ومقدمي رعاية طبية ومترجمين فوريين- بعد أن سمعوا أن المنظمين كانوا يدفعون لآخرين مقابل خدمات مماثلة. قال أحد المتقاعدين الذين تطوعوا للعمل سائقا، «ستكون مزحة لو كنت أقوم بهذا العمل جنبا إلى جنب مع أشخاص يتقاضون رواتب مقابل ذلك».

في استطلاعات الرأي المختلفة هذا العام، عبر ما بين 60 %و80% من الأشخاص عن رغبتهم إما في إلغاء الألعاب أو تأجيلها. وتمت مقابلة أحد الطلاب العاملين في طوكيو وسئل عن رأيه في الألعاب، فقال:

«يبدو كما لو أنهم [السياسيون] يعيشون في عالم مختلف، ويجهلون تماما حياة الناس العاديين ذوي الدخل المنخفض مثلنا. تذهب الضرائب المرتفعة المفروضة على الأشخاص العاديين إلى جيوبهم، وهذا يجعلني غاضبا… لقد انفجرت الفقاعة الاقتصادية اليابانية، وساستنا جميعا هم مجرد عجزة يعملون ضد متطلبات الوقت».

حتى تويوتا قامت الآن بسحب إعلاناتها من البث الأولمبي، معترفة بأن الافتقار إلى الحماس من شأنه أن يضر بعلامتها التجارية أكثر مما قد ينفعها.

لكن وعلى الرغم من كل هذا فإن سوغا والحزب الليبرالي الديمقراطي يمضيان قدما في تنظيم الألعاب، ضد إرادة غالبية الطبقة العاملة، الذين يدركون أنه يتم إجبارهم على تحمل كل من المخاطر الصحية والاقتصادية المرتبط بها.

سوغا والحزب الليبرالي الديمقراطي

كل هذا يحدث مع اقتراب الانتخابات العامة في أكتوبر. ويقود سوغا الحزب الليبرالي الديمقراطي منذ شتنبر من العام الماضي. إنه الحزب البرجوازي الرئيسي الذي هيمن على السياسة اليابانية لعقود من الزمان وكان في الحكومة دون انقطاع تقريبا منذ الخمسينيات.

كان ائتلاف الأحزاب الليبرالية الذي هزم الحزب الليبرالي الديمقراطي في عام 2009 سرعان ما فقد مصداقيته عندما نفذ إجراءات تقشفية في أعقاب الأزمة المالية 2007-2008. وسرعان ما تم اسقاطهم في انتخابات 2012 وعاد الحزب الليبرالي الديمقراطي وائتلاف كوميتو.

لكن الجائحة والوضع الكارثي الذي أحاط بالألعاب أدى إلى استياء شعبي متزايد ضد رئيس الوزراء سوغا، الذي من المحتمل جدا أن يشهد نهاية عقد من التوازن السياسي للبرجوازية.

كان فوز آبي في انتخابات عام 2012 قد أوقف حالة من الاضطراب شهدت فيها اليابان سقوط ستة رؤساء وزراء خلال سنوات قليلة. وكان من المفترض أن يكون سوغا الوريث الطبيعي لذلك الاستقرار النسبي، بعد أن قام بحملة لقيادة الحزب باعتباره مرشح الاستمرارية وحصل على دعم الفصائل الرئيسية داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي المنقسم على نفسه. وكان أيضا الحليف الأقرب والأكثر ولاء لآبي بصفته رئيسا لوزراء حكومته لمدة ثماني سنوات.

لكن كل شيء دخل في حالة من الفوضى بمجرد أن ضربت جائحة كوفيد 19، ولم تؤد كارثة الألعاب الأولمبية إلا إلى تفاقم الوضع.

يتمتع الحزب الليبرالي الديمقراطي وشركاؤه في التحالف الآن بإمكانية الحفاظ على هيمنتهم في البرلمان. لكن هذا قد يتغير، حيث يتعين إجراء انتخابات عامة قبل 21 أكتوبر. حملة سوغا تسير في الاتجاه المعاكس. في ماي انخفض معدل دعم حكومة سوغا إلى مستوى قياسي بلغ 32,2 %. وفي نفس الاستطلاع، بلغ معدل الرفض 44,6 %، وهو أعلى معدل على الإطلاق تشهده حكومته.

انعكس هذا المزاج في فشل ائتلاف الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميتو في الحصول على الأغلبية في انتخابات مجلس العاصمة طوكيو. فاز الحزب الليبرالي الديمقراطي بـ33 مقعدا فقط من أصل 127 مقعدا. وهذا ما شكل ضربة موجعة لسوغا، الذي كان يأمل في الحصول على الأغلبية بسهولة وإزاحة الحزب الإقليمي، تومون فيرست نو كاي، من خلال ائتلاف مع حزب كوميتو اليميني الأصغر.

يعتبر الحزب الدستوري الديمقراطي الياباني المعارضة الرئيسية في البرلمان الوطني. وقد عارض هو والحزب الشيوعي الياباني  الألعاب الأولمبية، وقاما بحملتهما معا على أساس التعاون الطبقي، في إطار ما سمي بـ “الجبهة المتحدة”. لقد حققا 15 و19 مقعدا على التوالي.

من المرجح أن تؤدي هزيمة الانتخابات العامة إلى حدوث انقسام بين فصائل الحزب الليبرالي الديمقراطي مرة أخرى. فإذا لم يفز سوغا بهذه الانتخابات، فسوف يرغب حزبه في رحيله. لكنه لا يوجد بديل قوي له.

يفقد الحزب الليبرالي الديمقراطي سيطرته على السلطة. وهذا الوضع ملائم جدا لاندلاع معارضة جريئة من طرف الطبقة العاملة لتحقيق مكاسب. لكن و لسوء الحظ لا توجد أداة تعبير عن ذلك، ومن الممكن أن تصل أحد الأحزاب اليمينية أو الليبرالية الأصغر إلى السلطة على أساس تحالف هش.

لكن ذلك التحالف من شأنه أن ينفذ نفس السياسة المؤيدة للرأسمالية من خلال الهجوم على الطبقة العاملة. وسوف لن يجد أي قاعدة دعم حقيقية، وسوف ينهار بمجرد تعرضه للضغط.

اجعلوا أرباب العمل يدفعون ثمن الأزمة!

ذلك الاستطلاع الذي أظهر انخفاض الدعم للحزب الليبرالي الديمقراطي بمستوى غير مسبوق، أبان أيضا أن 64,8% من الناس “لا يؤيدون حزبا معينا”، مما يعني أن الغالبية المطلقة من الجماهير اليابانية لا تثق في أي من الخيارات السياسية التي يقدمها النظام الرأسمالي الياباني.

لكن هذا ليس مفاجئا على الاطلاق. لقد فضحت الجائحة والألعاب الأولمبية بشكل حاد تعفن النظام السياسي الياباني. إن استمرار الألعاب رغم إرادة العمال فضيحة، خاصة وأنهم سيجبرون على تحمل إهانة إضافية من خلال تعويض أرباب العمل على خسارة أرباحهم!

لا ينبغي أن تتحمل الجماهير دفع فاتورة الفوضى التي خلقتها البرجوازية. نحن الماركسيون نقول: اجعلوا أرباب العمل يدفعون ثمن عواقب أزمة كوفيد 19، وهذه الفوضى التي خلفتها الألعاب الأولمبية!

علينا أن نصادر ثرواتهم ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال، لتوفير حياة كريمة للعمال والشباب اليابانيين، الذين تحملوا عقودا من الانهيار الاقتصادي وبعض ظروف العمل الأكثر وحشية في أي بلد رأسمالي متقدم.

لقد أصبحت مهمة نشر الأفكار الماركسية الحقيقية في اليابان وكل شرق آسيا أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. إننا ندعو بكل إخلاص جميع الثوريين الحقيقيين في جميع أنحاء اليابان للتواصل مع التيار الماركسي الأممي والانضمام إلى نضالنا من أجل الاشتراكية في حياتنا.

ستان لايت
22 يوليوز/تموز 2021

عنوان ومصدر المقال الأصلي:

Tokyo Olympics: whoever wins – the workers lose