الرئيسية / دول العالم / الأوضاع العالمية / قومية اللقاحات: فوضى رأسمالية

قومية اللقاحات: فوضى رأسمالية

مع دخول جائحة كوفيد 19 عامها الثاني، فإنها تواصل كشف وتقوية تناقضات الرأسمالية العالمية. إن جنون “قومية اللقاحات” القائمة يؤكد بوضوح أن النظام القائم على الملكية الخاصة، وتقسيم العالم إلى دول قومية متعادية، ليس مجهزاً للتعامل مع تهديد فيروسي لا يحترم الحدود أو هوامش الربح أو المصالح القومية الضيقة.

إن البلدان الأكثر ثراء تجازف بأرواح لا تحصى لها، وتكلف اقتصاداتها تريليونات الدولارات، من خلال اكتناز اللقاحات والمشاجرات بشأنها في سباق لتطعيم سكانها أولا. وفي نفس الوقت، يستمر الفيروس في الانتشار والتحور في البلدان الأكثر فقراً، الأمر الذي يهدد بظهور سلالات جديدة أكثر قدرة على الانتقال وأكثر فتكاً.

“لسنا جميعا في نفس القارب”

يقال لنا دائما إن الوباء يشكل تهديدا عالميا، ونحن جميعا في نفس القارب. ولعلكم تعتقدون أن قادة العالم سيخصصون لذلك كل مواردهم، وأن يضعوا جانبا شواغلهم الفورية، ويتعاونون لمكافحة هذا العدو المشترك.

وكما حذر تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، في غشت/آب: “نحن بحاجة لمنع قومية اللقاحات … فبينما هناك رغبة بين القادة في حماية شعبهم أولا، فإن التصدي لهذا الوباء يجب أن يكون جماعيا”.

والواقع أن البلدان الرأسمالية المتقدمة، كما ذكرنا في تقارير سابقة، سارعت إلى عقد صفقات مع شركات تصنيع المستحضرات الصيدلانية الخاصة للحصول على اللقاحات، قبل وقت طويل من الانتهاء من التجارب السريرية.

لقد كانت جميع القوى الإمبريالية حريصة على استعادة الحياة الاقتصادية الطبيعية، والتفوق على منافسيها في الساحة العالمية. ولأن العديد من العقاقير المرشحة كانت تخضع لاختبارات طيلة عام 2020، فقد نوعت الدول الغربية المخاطر التي تتعرض لها وطلبت مسبقا مجموعة متنوعة من العقاقير المختلفة، في حالة ثبوت عدم فعالية أي منها.

والنتيجة هي أن دولاً مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا؛ والدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا، يهيمنون على مئات الملايين من اللقاحات الفائضة. وفي بعض الحالات، يرجع ذلك إلى أن بعض اللقاحات لم تتم الموافقة عليها بعد في مناطق معينة، مثل لقاح أسترازينيكا في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن بعض البلدان (وخاصة في أوروبا) تكافح من أجل تحويل الفائض لديها بسبب عدم الكفاءة الإدارية والتشكيك في اللقاحات من عامة الناس ــ الذي أثاره التضليل الإعلامي، وانعدام الثقة في مواجهة الوباء وسوء إدارة أزمة الوباء.

وفي نفس الوقت، تم دفع البلدان الأكثر فقراً العاجزة عن التفاوض على صفقات مباشرة مع شركات الدواء العملاقة إلى مؤخرة قائمة الانتظار. والنتيجة هي أن البلدان التي لا تتجاوز 16% من إجمالي سكان العالم قد حصلت على 60% من إمدادات العالم من اللقاحات.

ففي الوقت الذي تهدف فيه الدول الرأسمالية المتقدمة إلى تطعيم سكانها بحلول فصل الصيف، فإن 90% من الناس في البلدان الفقيرة من غير المرجح أن يحصلوا على جرعة واحدة هذا العام.

إن المنتجات المعتمدة على الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA) التي طورتها فايزر ومودرنا (التي تفوق فعاليتها أكثر من 90% بعد جرعتين) ستذهب بشكل حصري تقريبا إلى البلدان الغنية في الغرب. وقد قاومت هذه الشركات كل الضغوط التي تلقتها من منظمة الصحة العالمية، والمنظمات غير الحكومية مثل أطباء بلا حدود، والدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية مثل الهند وجنوب أفريقيا لتخفيف الحماية على براءات الاختراع أو جعل لقاحاتها مفتوحة المصدر، من أجل تزويد العالم بنسخ عامة أرخص.

ونتيجة لرغبتهما في الربح دون شفقة أو رحمة، تنتظر مودرنا وفايزر مبيعات ما بين 15 إلى 18 مليار دولار في سنة 2021 وحدها. في أحسن الأحوال هذه أموال ملطخة بالدماء.

world Image pixabay

“الفقراء يموتون على لوائح الانتظار”

ومن ناحية أخرى، فإن شركة أسترازينيكا، التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، والتي تعهدت ببيع لقاحها بسعر التكلفة في الدول الغربية (حوالي 2,50 يورو)، نجدها تتقاضى سعرا مضاعفا عن كل جرعة من جنوب إفريقيا، الدولة الأكثر تضرراً في القارة.

ولتبرير ذلك، أوضحت أن البلدان ذات الدخل المرتفع “استثمرت في [البحث والتطوير]، وبالتالي تلقت خصومات في السعر”. وهذا بالرغم من أن 2000 مواطن جنوب إفريقي شارك في التجارب السريرية في عام 2020، وعرضوا أجسامهم كحقول لاختبار اللقاح، والآن يجب على ميزانيتها العامة أن تدفع مبالغ أكبر مقابل ذلك.

وقد وُضع برنامج “كوفاكس” بدعم من الأمم المتحدة لتزويد البلدان الفقيرة باللقاح، لكنه معرض بشكل كبير لمخاطر الفشل بسبب نقص التمويل ورفض الولايات المتحدة الأمريكية المشاركة فيه خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.

ورغم أن الرئيس الحالي جو بايدن أصبح الآن مشارك في البرنامج، إلا أنه استن قيوداً جديدة على تصدير المواد المستخدمة في إنتاج اللقاحات من أجل حماية سلاسل التوريد الأميركية. وهذا على الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية بأن الثغرات في سلاسل التوريد تكمن وراء العديد من حالات نقص الإمدادات التي تعاني منها حملات التطعيم.

اطمئنوا، لقد رحل ترامب، لكن شعار “أميركا أولا” لم يرحل بعد.

يواجه “كوفاكس” هذا العام نقصًا كبيرًا في التمويل، وهدفه حاليا متواضع وهو إصدار ملياري جرعة بحلول نهاية عام 2021، وهو جزء صغير من السكان المستهدفين. وقد وجهت له مؤخرا ضربة أخرى بعد أن أعلن المعهد الهندي للأمصال (أكبر مساهم في كوفاكس) فرض حظر فعلي على صادرات اللقاحات بسبب زيادة الإصابات في البلاد.

على الرغم من أن برنامج “كوفاكس” متعدد الأطراف في حالة خطرة، فإن البلدان الغربية تبيع بعض فائضها إلى حلفائها وشركائها التجاريين الذين ليس لديهم مشاكل في الحصول على اللقاحات أو دفع ثمنها، بدلاً من عرضها مباشرة على البلدان الفقيرة. فعلى سبيل المثال، قام الاتحاد الأوروبي بتصدير 34 مليون جرعة إلى سنغافورة والمملكة العربية السعودية وهونج كونج.

بل لدينا أمثلة سادية بشكل خاص على قومية اللقاحات، مثل حالة إسرائيل، التي أهدت فائضها من لقاح موديرنا إلى البلدان التي وافقت على نقل سفاراتها إلى القدس، مثل هنغاريا وجمهورية التشيك وهندوراس، ولكنها رفضت تقديم أي منها إلى فلسطين المحتلة.

وعندما سُئِل وزير الصحة الإسرائيلي عن هذا الأمر، أجاب ساخرا بأن إسرائيل ليست ملزمة بتطعيم الفلسطينيين، وتسائل (في تعليق لا يقل قسوة وغرابة) عما إذا كان الفلسطينيون لديهم أي التزامات بالعناية بالدلافين في البحر الأبيض المتوسط!

وقد لخّصت فاطمة بوتو (الكاتبة وحفيدة رئيس الوزراء الباكستاني المقتول ذو الفقار علي بوتو) في صحيفة الجارديان الموقف بإيجاز:

«إن أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة هم الذين نشروا الوباء، وأصبحوا أثرياء بالاستثمار في اللقاح، والآن سيتعافون بشكل مريح، فهم في الصفوف الأولى في قائمة الانتظار للحصول على أفضل اللقاحات التي لا يريدونها حتى. والفقراء الذين كافحوا من الطعام والبقاء على قيد الحياة، من الإغلاق إلى الإغلاق، سينتظرون في الطابور ليموتوا».

أوروبا وبريطانيا: إطلاق النار

والواقع أن الإخفاق يتفاقم في أوروبا بسبب البطء الشديد في إطلاق اللقاح. وتصاعد النزاعات الحمائية بين الاتحاد الأوروبي وبين بريطانيا وأسترازينيكا بشأن الجرعات المحدودة (والتي قمنا بتغطيتها في الأسبوع الماضي).

وقد اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس في مؤتمر قمة على الانترنت لمناقشة القيود الجديدة المفروضة على الصادرات إلى الدول التي لديها بالفعل إمدادات كافية من اللقاحات. وأشارت المفوضة أورسولا فون دير لاين في كلمتها الافتتاحية إلى أن الاتحاد الأوروبي قد صدّر بالفعل 21 مليون جرعة لقاح إلى المملكة المتحدة، وأن هناك حاجة إلى حماية إمدادات أوروبا.

Europe Image Socialist Appeal

وتستند هذه  القيود إلى القواعد التي وُضعت بعد النزاع الأول مع شركة أسترازينيكا في كانون الثاني/يناير، والتي سمحت في السابق للاتحاد الأوروبي بتعليق صادرات موردي اللقاحات الذين لم يفوا بالتزاماتهم التعاقدية. والآن سوف يتمكن التكتل من وقف الصادرات حتى ولو تم تحقيق الأهداف. ومن الواضح أن بريطانيا كانت في مرمى النيران.

ولقد أصر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على أنه لا يريد صراعا انتقاميا بخصوص الحمائية. وفي هجوم عنيف على خلفه، قال مفوض الاتحاد الأوروبي السابق جان كلود يونكر إن الاتحاد الأوروبي لابد أن يمتنع عن شن “حرب لقاح غبية” مع بريطانيا. ولكن هذا بالضبط ما تسير إليه الأمور، حيث يتهم كل جانب الآخر بقومية اللقاحات.

ولا يزال الاتحاد الأوروبي متخلفاً كثيراً عن تحقيق أهداف التطعيم ؛ وحتى الآن قامت أسترازينيكا بخفض شحناتها المتوقعة بثلاثة أرباع.

ومما يثير انزعاج أوروبا بشكل خاص أن مكونات أسترازينيكا المطورة في هولندا وبلجيكا تشق طريقها إلى بريطانيا، في حين أن الشحنات القادمة من المصانع البريطانية الرئيسية تباطأت إلى حد كبير. وقد تم الآن فرض حظر على الصادرات على هذه المصانع الأوروبية.

ومن الواضح أن شركة أسترازينيكا تجاوزت وعدها بشكل كبير، نظراً لالتزاماتها التعاقدية تجاه بريطانيا بعدم تصدير أي لقاحات حتى يتم الوفاء بطلباتها للخدمات الصحية الوطنية.

وفي حين تم التفاوض على العقد سرا، هناك حديث عن “شرط عقوبات” إذا تخلفت أسترازينيكا عن الوفاء بالتزاماتها تجاه بريطانيا. وهذا يفسر سبب عدم رغبتها في تحويل أي من جرعاتها المصنوعة في المملكة المتحدة. بيد أن الشركة استحوذت على المليارات من الأموال العامة التي أنفقها الاتحاد الأوروبي على طلبات مسبقة.

إن قادة الاتحاد الأوروبي لا يكلفون أنفسهم عناء إخفاء إحباطهم. فقد قال فيليب لامبيرتس، الرئيس المشارك لمجموعة الخضر في البرلمان الأوروبي، بكل صراحة: “أسترازينيكا تعاملنا كقطعة من القذارة“.

أصبحت المفوضية الأوروبية متشككة بشدة في أن أسترازينيكا كانت تخفي مخزونات كبيرة من اللقاحات داخل أوروبا والتي كانت موجهة إلى بريطانيا.

وقد أدى هذا إلى موقف غريب عندما داهمت قوات الدرك الإيطالية على مصنع بالقرب من روما بناء على أوامر الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم أنهم وجدوا بالفعل 29 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا، فقد ادعت الشركة أن هذه الجرعات كانت في انتظار “مراقبة الجودة”، وكانت مخصصة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والبلدان المنضوية في برنامج كوفاكس.

لقد بدأت كل هذه الدراما تؤتي ثمارها السلبية على شركة أسترازينيكا أيضا، والتي على الرغم من دورها “البطولي” المحتفى به كثيرا في حملة التطعيم، فإنها ببساطة شركة من شركات الأدوية الكبرى (Big Pharma) المربحة ــ مع بعض الممارسات التجارية المشبوهة للغاية.

وقد سار المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية على خطى السيرك الأوربي، حيث انتقد أسترازينيكا لأنها قدمت تحليلاً “مضللاً” لتجاربها السريرية، والتي يبدو أنها تظهر فعالية أقل قليلاً مما كان مقترحا في البداية.

والتأثير التراكمي لكل هذا يتلخص في انخفاض أسهم الشركة بمقدار الخمس، وهناك أحاديث مفادها أن الرئيس التنفيذي قد يضطر إلى الاستقالة. ومع وجود حظر التصدير من أوروبا على الأجندة الآن، فإن الشركة تتعرض لضغوط هائلة لحملها على كسر الشرط التعاقدي مع بريطانيا ــ وهو على وجه التحديد المقصود وراء إلقاء الاتحاد الأوروبي بكل ثقله.

قصر النَظَرِ

والواقع أن الصدام بين بريطانيا واسترازينيكا والاتحاد الأوروبي ذو طابع سياسي. فالاتحاد الأوروبي يعاني من الإهانة الناجمة عن مشاهدة بريطانيا في مرحلة ما بعد البريكسيت تقوم بتطعيم نصف سكانها البالغين بالفعل، في حين يكافح الاتحاد الأوروبي من أجل بدء الحملة.

لم يضيع القوميون المسعورون في سدة الحكم في بريطانيا الفرصة في الشماتة من أوروبا. فقد تباهى وزير الصحة مات هانكوك بضرورة أن تتخذ شركات الأدوية بريطانيا قاعدة لها في المستقبل، بدلاً من الاتحاد الأوروبي الذي يهيمن عليه التدابير الحمائية، وذلك لأن “المملكة المتحدة تستطيع أن تصدر منتجاتها إلى أي مكان في العالم ـ ولن نضع حداً لهذا أبدا”.

وكما كان الحال دوماً، فإن هؤلاء المنافقين البغضين ليسوا في وضع يسمح لهم بالتفاخر بأي شيء، نظراً لسوء إدارة المحافظين الإجرامية لهذا الوباء، الذي أودى بحياة البريطانيين أكثر بثلاثة مرات ممن قتلوا خلال قصف لندن خلال الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك، فقد كان من الواضح أن السخط ضد البريطانيين المتغطرسين كان عاملاً في تعليق لقاح أسترازينيكا، الذي لا أساس له من الصحة، من طرف 17 دولة من دول الاتحاد الأوروبي لمدة أسبوعين كاملين بسبب ارتباطها (غير المثبت) بالجلطات الدموية. وردا على ذلك، يبذل جونسون والمحافظون كل جهد ممكن للدفاع عن لقاح أسترازينيكا البريطاني كجزء من “حربهم الثقافية” الوطنية المستمرة.

ومن الأدلة على قصر نظر هؤلاء الساسة البرجوازيين أن مثل هذه النزاعات الصغيرة تحتدم في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا طفرة جديدة في معدلات الإصابة، بما في ذلك في البلدان التي تجنبت في السابق الأسوأ في هذا الوباء.

فقد انضافت المجر، والجبل الأسود، وسلوفينيا، والبوسنة والهرسك، وبلغاريا إلى الدول العشر الأكثر تضرراً في العالم، واحتلت سلوفاكيا وبولندا أعلى قائمة مشكلة من 25 دولة أكثر تضررا. وتعزى هذه الموجة الثالثة إلى حد كبير إلى انتشار ما يسمى متغير كينت من الفيروس، الذي تحور في بريطانيا وانتشر في القارة على مدى فصل الشتاء، حيث ترددت حكومة المحافظين حول فرض حظر جديد.

أما بريطانيا فقد شهدت بالفعل واحدة من أسوأ معدلات الوفيات في العالم ولم تخرج بعد من منطقة الخطر بأي حال من الأحوال. وتدرس حكومة المحافظين إمكانية السماح بالسفر إلى الخارج أثناء فصل الصيف من ضمن الخيارات المتاحة، فإن تم ذلك فسوف يعيد التاريخ نفسه إذ لن يكون من الممكن السيطرة على الفيروس على جانبي القناة.

وكل هؤلاء السيدات والسادة يتقيدون بحدود تجارية جديدة في اللحظة التي تشتد فيه الحاجة إلى تقاسم الموارد والخبرات واللقاحات بشكل مفتوح. وفي الوقت الذي يتشاجرون فيه هؤلاء، يموت العمال العاديون على جانبي القناة، وينشر الوباء إلى الخارج بدون مبرر.

الاتحاد الأوروبي: بيت منقسم

وبصرف النظر عن العداء بين بريطانيا وبروكسل، فإن ما يسمى بالجماعة الأوروبية يتم تمزها قومية اللقاح من الداخل.

على الرغم من فرض ضوابط جديدة على الصادرات من قبل أمثال فون دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن القادة السياسيين في ألمانيا وبلجيكا وفنلندا والسويد وهولندا تراجعوا يوم الخميس. فجميع هذه البلدان منخرطة بعمق في سلاسل الإمدادات لإنتاج اللقاحات، وستخسر اقتصاداتها بشدة بسبب القيود التجارية.

وبعيداً عن الجبهة الموحدة، فإن قادة الاتحاد الأوروبي منقسمون إلى حد ميئوس منه. فقبل انعقاد مؤتمر القمة، كان هناك بالفعل الكثير من الانزعاج بين الدول الأعضاء بسبب عدم المساواة في الحصول على الجرعات.

ووفقا للتحقيق الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز، فقد خصصت المفوضية الأوروبية جرعات لدولها الأعضاء، بما يتناسب مع عدد السكان، من خلال اتفاقها المشترك مع شركات الأدوية العملاقة.

وقد سعت العديد من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة تلك التي تضم سكانًا أكبر و/أو هناك صعوبة كبيرة في الوصول إليهم، واقتصادات أضعف، للحصول على لقاح أسترازينيكا للحفاظ على انخفاض التكاليف. بينما كانت الدول الأعضاء الأكثر ثراء تفضل اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبوزي الرسول من فايزر ومودرنا. مما أدى إلى مراجحة غير رسمية حيث تقوم فيه الدول بمبادلة لقاحاتها بخيارها المفضل.

وعندما وقَعَ الاتحاد الأوروبي في كارثة الإمدادات مع أسترازينيكا، تسبب هذا في مشكلة كبيرة للدول التي كانت تتداول في لقاحات فايزر ومودرنا. حيث قامت الدول الأعضاء الأكثر ثراء بتخزين كميات كبيرة من هذه اللقاحات، وتجاوزت أيضا الجرعات المخصصة لها من خلال تأمين صفقات جانبية منفصلة ومباشرةً مع شركات الأدوية الكبرى.

على سبيل المثال، عقدت ألمانيا صفقة جانبية مع شركة فايزر-بيونتك (نصفها ألماني)، مقابل 30 مليون جرعة إضافية في عام 2021.

وقد تسبب هذا في إثارة غضب واتهامات بالنفاق من طرف دول الاتحاد الأوروبي الأكثر فقراً التي أشارت (عن حق) إلى أن برلين قادت التكتل الأوروبي لعقد اتفاق مشترك، ثم استخدمت نفوذها المالي لتخزين ملايين اللقاحات الإضافية لنفسها.

في محاولة لتهدئة الأمور، رتبت بروكسل 30% من 10 ملايين جرعة إضافية من اللقاح التي تم شراؤها من شركة فايزر (في تطور مربح لهذه الأخيرة) لتوزع على الدول الأعضاء التي تكافح لاحتواء الفيروس.

ولكن هذا الأمر أثار المستشار النمساوي الرجعي سباستيان كورتز، المناهض للاتحاد الأوروبي، الذي اعترض على استبعاد بلاده من الاتفاق.

وفي الواقع أن معدل التطعيم في النمسا أعلى قليلا من المتوسط في الاتحاد الأوروبي، ومن الواضح أن كورتز يستغل الموقف لتوجيه هجوم داخلي على بروكسل، فأصدر بيان مشترك ضد القرار مع قادة من بلغاريا وجمهورية التشيك وسلوفينيا وكرواتيا ولاتفيا. وهو بذلك يسعى إلى تحقيق أجندته الضيقة الخاصة على حساب الاتحاد الأوروبي.

لقد تحولت المثل العليا للتجارة الحرة والديمقراطية والعولمة إلى تهافت حمائي وضيع، بينما يستغل الديماغوجيون والقوميون اليمينيون موقف بروكسل لتحقيق مكاسبهم الخاصة. وبعيدا عن المجتمع الأوروبي، وفي مواجهة جائحة فيروس كورونا، فإن كل إنسان يهتم بنفسه.

وكل هذا يظهر الاتحاد الأوروبي على حقيقته: نادي للزعماء، الذي يمر بالفعل بانحدار نهائي، حيث يتم التخلي عن كل مظهر من مظاهر الوحدة عندما تسوء الأحوال.

روسيا والصين ودبلوماسية اللقاح

ومع تورط الدول الإمبريالية الغربية في قومية اللقاحات، أصبحت القوى المتنافسة منهمكة في لعبة مختلفة. وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة وأوروبا تخزن إمداداتها وتقيم حواجز تجارية جديدة لحمايتها، قامت الصين وروسيا بشحن الملايين من لقاحات سينوفاك وسبوتنيك إلى أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وفيما بينهما زودا 41 بلدا بأكثر من 800 مليون جرعة.

وبالإضافة إلى ذلك، أبدت الشركات الروسية والصينية استعدادها لإبرام صفقات ترخص لدول مثل إندونيسيا والإمارات العربية المتحدة وماليزيا بإنتاج لقاحات كوفيد -19 محلياً بتكلفة منخفضة وذلك بصورة جزئية أو كلية، في تناقض صارخ مع الشركات الغربية التي تدافع بحرص عن ملكيتها الفكرية.

إن سخرية المعلقون الغربيون من سياسة اللقاحات التي تنتهجها الصين وروسيا، تكشف نفاقهم الشديد، فهم يعارضون تقديم أي إغاثة حقيقية للدول الفقيرة. بل هم في الواقع يرغبون موت ملايين الناس، على أن يتقوض نفوذهم على هذه البلدان.

بطبيعة الحال، فإن دبلوماسية اللقاح هذه ليست لفتة إنسانية من بكين أو موسكو. فهم يريدون أولاً وقبل كل شيء أن يتم الاعتراف بهم كأناس يُلجأ إليهم في مواجهة أزمات الصحة العامة والأوبئة، التي من المرجح أن تصبح أكثر تواتراً في المستقبل.

وقالت نجوى خوري -بولص، أستاذة الأمراض المعدية، التي تقدم المشورة للحكومة الأردنية بشأن الجائحة: «من الآن فصاعداً سننظر بعين الرضا إذا جاءت شركة صينية وقالت: “لدينا لقاحات جيدة ضد الخناق أو شلل الأطفال أو التهاب الكبد”.  قد لا نغير ما نشتريه، لكننا سننظر إلى عرضها باحترام اكثر من ذي قبل».

كما أدخلت الصين حملتها للتطعيم في إطار مبادرة “حزام واحد طريق واحد”، وذلك باستخدام مؤتمرات قمة في الشرق الأوسط وأفريقيا لتقديم فرص تفضيلية للحصول على اللقاحات إلى جانب الاستثمارات في الطرق السريعة والموانئ وشبكات الجيل الخامس والطاقة المتجددة، فأنشأت سبلاً وأسواقاً جديدة لرأس المال الصيني.

هناك أجندة جيوسياسية هنا. إن الصين تعمل على توسيع نفوذها في البلدان التي لم تتمكن من تأمين الجرعات من شركات مثل فايزر أو أسترازينيكا. أو بعبارة أخرى، تملأ الفراغ الذي خلفته قومية اللقاحات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرائدة. وهذا يشكل أيضاً وسيلة تستطيع بها الصين أن تخرج من الحرب التجارية، التي يشنها عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

فقد اختبرت الصين لقاحها وعقدت صفقات لتوريده إلى دول مثل البرازيل، في الفناء الخلفي للولايات المتحدة. وقد تم ترتيب هذا بعد أن تبين أن الشروط التي طلبتها شركة فايزر من البرازيل جد مجحفة، والتي من بينها تسليم أصول الدولة كضمان مقابل تكاليف الدعاوى القضائية في حالة وجود أعراض الجانبية.

وفي نفس الوقت، وفي أعقاب كارثة أسترازينيكا، كانت روسيا تضغط على أوروبا باستخدام سبوتنيك V.

فقد اعلنت شركة الادوية الايطالية السويسرية اديين في لومبارديا عن اول اتفاقية لانتاج وتصنيع اللقاح الروسي ابتداء من يوليوز. واندلعت أيضا أزمة سياسية شاملة في سلوفاكيا، حيث قال رئيس الوزراء إيغور ماتوفيتش إنه على استعداد للاستقالة بعد أن أدى قراره بشراء اللقاح الروسي إلى إغراق حكومته الائتلافية في الاضطرابات.

بل كانت هناك شائعات مفادها أنه تم التوصل إلى صفقات مع شركات في إسبانيا وفرنسا وألمانيا (في انتظار الموافق عليها من الاتحاد الأوروبي) لتصنيع سبوتنيك V في قلب الاتحاد الأوروبي من أجل تعويض العجز الناتج عن النزاع مع أسترازينيكا.

وكان هذا ليشكل ضربة قاصمة لمكانة الاتحاد الأوروبي كقوة عالمية. وقد سارع المفوض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بريتون، الذي يرأس فرقة العمل التنفيذية المعنية باللقاحات في الاتحاد الأوروبي، إلى إسقاط هذا الاحتمال، حيث قال: “لا نحتاج على الإطلاق إلى سبوتنيك V”.

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يتعرض لضغوط هائلة ناجمة عن الأزمة الحالية. فمن أجل إنقاذ اقتصاده والحفاظ على الاستقرار السياسي، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من اللقاحات. ولكن الحصول على هذه اللقاحات من روسيا ـ وهي اللقاحات التي قد تأتي مع المطالبة بتخفيف النهج الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي في التعامل مع روسيا ـ من شأنه أن يضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة، التي تسعى إلى عزل روسيا دوليا.

كرة القدم الجيوسياسية

لقد تفاقمت هذه الأزمة بسبب الأثر الحاد للوباء على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. بينما استطاعت الصين، على سبيل المثال، تتجاوز هذه الأزمة بسرعة نسبيّا، وبدأت في تسجيل نمو اقتصادي من جديد. وهذا يخلق لها مجالا لاستخدام فائض إمداداتها من اللقاحات كأداة دبلوماسية، بدلاً من الاضطرار إلى تخزين كل الجرعات لسكانها.

وفي تأكيد للقوة، استأنفت الصين معالجة تأشيرات الدخول للزوار الأجانب، ولكن شريطة تلقيهم حقنة سينوفارم ــ وهو ما يستبعد فعلياً أغلب الدول الغربية، التي لم ترخص باستخدام هذا اللقاح.

إن هذا النوع من القوة الناعمة قد يشكل جزءاً من محاولة الضغط على أميركا الشمالية وأوروبا لحملها على الموافقة على اللقاح الصيني. ولكن مع مناقشة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لفكرة جوازات سفر اللقاحات للسماح للأشخاص بالسفر بحرية، يمكن للمرء أن يتصور سيناريو حيث تستخدم القوى المتنافسة الموافقة الانتقائية على اللقاحات للحد من السفر إلى الخارج في صراع حمائي آخر.

من الأمور البديهية أن اللقاحات المنقذة للحياة لا ينبغي أن تكون كرة قدم جيوسياسية. ولا ينبغي حتى أن يكون هناك لقاحات متعددة تخدم نفس الغرض في نهاية المطاف. إن الحالة الراهنة دليل على لاعقلانية الرأسمالية وتبذيرها الشديد.

ففي ظل نظام اشتراكي عالمي، كان من الممكن تطوير لقاح واحد وتوزيعه على العالم بأسره، بدلاً من بيع مجموعة من المنتجات في السوق المفتوحة، واستغلالها لتتناسب مع مصالح القوى الرأسمالية المتنافسة.

وبوسعنا أن نلمح ما هو ممكن في كوبا، التي رفضت شراء أي لقاحات من شركات الدواء الكبرى. وبدلا من ذلك، فقد وضعت لقاحاها المرشح المطور محليا، سوبرانا 2، على المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.

والبلد على ثقة من أنه سيتوفر لديه ما يكفي من الجرعات لتطعيم سكانه بحلول فصل الصيف، مع فائض يمكن توفيره. كما أعلن أن هذا اللقاح سيكون مجانيا لأي شخص في مواقع تقديمه: بما في ذلك جميع الزوار الأجانب الذين يصلون إلى مطار هافانا.

وهذا كله على الرغم من استمرار العقوبات الغربية والأزمة الاقتصادية الأشد حدة منذ فترة التسعينات. وحتى في حالة الدولة العمالية المشوهة، فإننا نلمس المزايا الواضحة التي يتمتع بها الاقتصاد المخطط مقارنة بالاقتصاد الرأسمالي عندما يتعلق الأمر بمواجهة أزمة صحية عامة من هذا النوع.

لا يمكنك الحصول على مناعة في بلد واحد

لقد ذكرنا من قبل أن نهج “نحن أولا” الذي تتبعه البلدان الرأسمالية المتقدمة هو ممارسة تؤدي إلى الهزيمة الذاتية، فالفيروس لا يهتم بالحدود الوطنية. إن تحصين حفنة من الدول الغنية لن يمنع الفيروس من الانتشار والتحور والعودة في المستقبل بشكل أكثر ضراوة.

وكما حذرت منظمة الصحة العالمية: “لا أحد في مأمن حتى يصبح الجميع في مأمن”.

وإذا تركنا جانبا الخسائر الفادحة في الأرواح التي ستستمر إلى أن يتم السيطرة على هذا الوباء في جميع أنحاء العالم، وعلى نطاق أوسع، فإن قومية اللقاحات لا معنى لها حتى على أساس رأسمالي.

فقد خلصت دراسة بتكليف من مؤسسة أبحاث مركز التجارة الدولية إلى أن الاقتصاد العالمي سوف يخسر 9,2 تريليون دولار إذا فشلت الحكومات في ضمان قدرة البلدان الفقيرة على الحصول على لقاحات كوفيد-19. وسيقع نصف هذه التكاليف على الاقتصادات المتقدمة.

وكمثال آخر، تشير التقديرات إلى أن استثمار 27,2 مليار دولار من جانب الدول الرأسمالية المتقدمة -نقص التمويل الحالي الذي يواجهه كوفاكس- من شأنه أن يولد عائدات تصل إلى 166 ضعف الاستثمار. والواقع أن 27 مليار دولار تشكل هبوطاً حرفياً مقارنة بالتريليونات التي تنفقها الولايات بالفعل على دعم اقتصادها. ومن ناحية أخرى ، فإن الاستثمار من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة.

كانت هذه هي العقلية التي يتبناها هؤلاء الناس منذ اليوم الأول من انتشار الوباء، ولهذا السبب رفض العديد منهم اتخاذ تدابير إغلاق فعّالة في وقت مبكر، بهدف حماية اقتصادهم بدلاً من حماية أرواح البشر، ثم فشلوا في النهاية في كل من الحالتين.

وتكمن المشكلة في أن الممثلين السياسيين المنحطين للبرجوازية لا يفكرون في رفاهية الإنسان، أو حتى في صحة النظام الرأسمالي على المدى الطويل، بل إنهم لا يفكرون إلا في مصالحهم المباشرة: حياتهم المهنية، والأرباح القصيرة الأجل التي يحققها الرأسماليين الذين يقفون وراءهم.

وكان هذا هو تفكيرهم منذ اليوم الأول لهذا الوباء ، ولهذا السبب رفض الكثير منهم اتخاذ تدابير إغلاق فعالة في وقت مبكر، وبدلاً من ذلك يهدفون إلى حماية اقتصاداتهم على حياة البشر، وفشلوا في النهاية في كلا الأمرين.

فضلاً عن ذلك فإن الرأسمالية مقيدة بالدولة القومية: المؤسسة الفاسدة العتيقة التي تمارس تأثيراً رهيباً على الجنس البشري، من خلال عرقلة أي إمكانية للتعاون الدولي.

فإلى جانب المصالح الخاصة للشركات الساعية إلى تحقيق الربح والتي تتحكم في وسائل الإنتاج الطبي، يظل عمال العالم واقعين في هذا الكابوس بينما يدافع الزعماء البرجوازيون عن مواردهم ومشاكلهم التجارية.

وقد سبق أن حذرنا من أن الاخفاق المخز للرأسمالية في التعامل مع هذه الأزمة يثير احتمال أن يصبح فيروس كورونا متوطنا. وهناك أقسام من البرجوازية على استعداد لقبول هذا الوضع الطبيعي الجديد، كما جاء في مقال نشر في بلومبرغ تحت عنوان “يجب أن نبدأ التخطيط لجائحة دائمة”:

«ولنتأمل هنا في مسارين تطوريين بديلين. الأول يصبح فيه الفيروس أكثر حدة ولكن ليس أكثر انتقالا. وسوف يسبب المزيد من المرض والموت، ولكن النمو خطي. وفي المسار الآخر، لا يصبح الفيروس المتحور أكثر أو أقل ضراوة ولكنه أكثر عدوى. سوف يتسبب في زيادة المرض والموت بنسق  أسي وليس خطي…
إذا كان هذا هو المسار التطوري لفيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (SARS-CoV-2)، فإننا سنواجه دورات لا تنتهي من تفشي المرض وانحساره، والقيود الاجتماعية والتخفيف منها، وحالات الإغلاق وإعادة الفتح.
فعلى الأرجح قد نحصل في البلدان الغنية على التطعيم بضع مرات سنوياً، ضد أحدث نوع متداول، ولكن ليس سريعا أو شاملا بما يكفي لتحقيق مناعة القطيع…
يجب أيضا أن نكون واقعيين. إذ تتطلب المرونة أن ندرج هذا السيناريو الجديد في تخطيطنا».

وتعكس هذه الانهزامية المروعة عجز الرأسماليين عن التعامل مع هذا الموقف. ولكن وجود وباء دائم ليس أمراً حتمياً: فمع اتخاذ تدابير مناسبة ومنسقة للإغلاق، وتقديم الدعم الاقتصادي للعمال، ووضع برنامج فعال للتطعيم، يمكننا عندها أن نضع حداً لهذه الكارثة.

يجب أن نؤمم شركات الدواء العملاقة وينبغي أن تتحول أبحاثهم ــ التي تمولها الخزينة العامة ــ إلى ملكية عامة. ويجب مصادرة المنشآت القائمة، من أجل الاسراع في إنتاج ما يكفي من الجرعات والأدوات الزجاجية والمحاقن ومرافق تبريد. ويجب رفع مستوى الإنتاج وتنفيذ خطة منسقة دوليا للتطعيم السريع والشامل. ولكن لكي يحدث هذا، يجب أن ننتشل التعامل مع الوباء من أيدي الرأسماليين وممثليهم السياسيين. فقط وصول الطبقة العاملة إلى السلطة هو ما يمكنه أن يحقق ذلك من خلال فدرالية اشتراكي عالمية.

لقد اختبر هذا الوباء واستجابة الحكومات له النظام الرأسمالي إلى أقصى حدوده. وكانت النتيجة الموت والحرمان على مستوى مروع، وتهميش كامل للفقراء من طرف الدول الكثر ثراء وتسليمهم إلى مصيرهم، وسعي  متهور إلى تحقيق المصلحة الذاتية من قبل قادة العالم.

إن قومية اللقاح تشكل لائحة اتهام للنظام الذي نعيش في ظله. إننا نحتاج إلى مجتمع يقوم على الأممية والتضامن وتلبية الاحتياجات الإنسانية. ولتحقيق ذلك، لا بد من إلقاء الرأسمالية في مزبلة التاريخ.

جو أتارد
26 مارس 2021

ترجم عن الإنجليزية عن موقع “الدفاع عن الماركسية”:

 Vaccine nationalism: a capitalist disorder