الرئيسية / دول العالم / أمريكا / الولايات المتحدة / الولايات المتحدة الأمريكية: الاشتراكية الثورية والنضال ضد رئيس وول ستريت

الولايات المتحدة الأمريكية: الاشتراكية الثورية والنضال ضد رئيس وول ستريت

نعيد نشر هذا المقال للرفيق جون بيترسون، القيادي في الفرع الأمريكي للتيار الماركسي الأممي، الذي صدرت ترجمته العربية في العدد السابع من مجلتنا “الشيوعية والحرية”. ويتناول فيه الرفيق نتائج الانتخابات الأمريكية والاستقطاب الذي يمزق المجتمع الأمريكي.


ربما يكون جو بايدن قد فاز بـ 80,9 مليون صوت (بهامش 4,4%)، لكنه لم يحقق الاكتساح الذي توقعه كثير من المراقبين الليبراليين. فعلى الرغم من كل شيء، حصل ترامب على أكثر من 74 مليون صوت – وهو أعلى مجموع على الإطلاق لرئيس حالي أو جمهوري. ولم تكن هناك “موجة زرقاء” ولا أي اجتياح ديمقراطي للكونغرس. فقد خسر الديمقراطيون بالفعل عدة مقاعد في مجلس النواب، ولم يتضح بعد من الذي سيسيطر على مجلس الشيوخ. ربما تعرض ترامب لهزيمة شخصية لكن الترامبية ما زالت حية وتركل.

كيف يمكننا أن نفسر هذا؟ وماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل الصراع الطبقي؟ وكما سنرى، لا يمكن فهم جوهر واستمرارية الترامبية – كما تعبر عنها الانقسامات العميقة داخل الطبقة العاملة الأمريكية – بشكل صحيح إلا إذا اتخذنا منظوراً طبقياً في تحليلنا.

مرشح وول ستريت:

مع خروج ترامب من البيت الأبيض، يشعر الملايين من الناس، لأسباب مفهومة، وكأن كابوساً طويلاً وسريالياً قد انتهى. لكن هناك ملايين آخرين يشعرون كما لو أن هذا الكابوس قد بدأ للتو. كانت الاستجابة العاطفية على جانبي الانقسام الانتخابي مدفوعة بالقلق العميق والخوف والاكتئاب والمرض والديون والبطالة واليأس من أجل تغيير حقيقي. لكن الرأسمالية لا تستطيع أن تقدم أي مساعدة حقيقية للخروج من هذه المآسي لأنها لا تستطيع توفير وظائف جيدة ورعاية صحية وتعليم وأمان وكرامة للجميع. والحقيقة المرة هي أنه على المدى الطويل، فإن كابوس الرأسمالية البنيوي سيزداد سوءاً بالنسبة للغالبية العظمى من العمال، بغض النظر عمن صوتوا له.

برنامج بايدن قائم بشكل أساسي على ما يلي: “أنا لست دونالد ترامب، وسأعيد البلاد إلى “الأيام الخوالي” في عهد أوباما”. لكن تلك “الأيام الخوالي” نفسها هي التي أرست الأساس لبروز ترامب في المقام الأول. قد يكون ترامب هو أكثر الرؤساء الذين لا يحظون بشعبية في تاريخ الولايات المتحدة، لكن بايدن، بصفته ابن المؤسسة السياسية الرسمية طوال حياته، مكروه بشدة أيضاً. جاء في المركز الرابع في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا والخامس في الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير. هذا هو المقياس الحقيقي لمدى شعبيته في صفوف قواعد الحزب الديموقراطي. صوت الملايين “ضد ترامب” ليس “لصالح” بايدن.

غالبية الطبقة السائدة في الولايات المتحدة تكره ترامب لكونه شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وعامل مزعزع للاستقرار. أظهرت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات لكبار المديرين التنفيذيين وسلسلة التبرعات المالية الكبيرة أن بايدن كان مرشح وول ستريت بامتياز. استثمر المليارديرات مبالغ كبيرة في إيصال رجلهم إلى البيت الأبيض، مع تبرعات صغيرة تمثل أقل من ربع إجمالي المساهمات.

نتيجة لذلك، كانت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 هي الأعلى تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة. تم إنفاق ما يقدر بـ 14 مليار دولار – أكثر من الانتخابات الرئاسية السابقة والتي تسبقها مجتمعتين – وتفوق الديمقراطيون على الجمهوريين من حيث تمويل الحملة الانتخابية بنحو الضعف. على الرغم من هذه الميزة الهائلة في الإنفاق، إلا أن بايدن بالكاد كان يتمتع بنفس هامش الهيئة الانتخابية الذي حصل عليه ترامب في عام 2016. ومع ذلك، في الأيام التي تلت انتخاب نائب الرئيس السابق، ارتفعت سوق الأسهم إلى مستويات قياسية على الرغم من انتشار فيروس كورونا، والاضطراب الاقتصادي المهول، والتسونامي الذي يلوح في الأفق لعمليات الإخلاء والتشريد.

لتحميل العدد السابع من مجلتنا “الشيوعية والحرية” اضغط على الصورة

لقد حطم ترامب “الحواجز التقليدية” للرئاسة. تتمثل مهمة بايدن في إضفاء الشرعية على المؤسسة والنظام ككل نيابة عن الطبقة الحاكمة. لكنه سوف يرأس دولة منقسمة بشدة، وورث بالفعل تركة غير مسبوقة من الكوارث.

وعلى الرغم من العدد الكبير للأصوات ضده، يزعم بايدن أنه حصل على تفويض شعبي لتشكيل حكومة “مصالحة” و “التعافي” و “وحدة وطنية”. حتى لو كانت هذه رسالة يرغب الملايين من الناس في سماعها، يجب أن نكون واضحين أن هذا ما هو إلا وسيلة لإخضاع مصالح العمال لمصالح الرأسماليين. هذه الوحدة مستحيلة في مجتمع منقسم إلى مستغِلين ومستغَلين.

قد يطبق الرئيس الجديد إجراءات إغاثة قصيرة المدى للفقراء والعاطلين عن العمل والشركات الصغيرة. لكن الدافع الرئيسي لسياساته سيكون دعم وول ستريت. بطريقة أو بأخرى، ستُجبر الطبقة العاملة في نهاية المطاف على دفع ثمن أزمة الرأسمالية، إما من خلال التقشف المباشر أو غير المباشر، أو الضغوط التضخمية، أو مزيج آخر من الهجمات على الأجور وظروف المعيشة.

لذا، حتى لو كان هناك عدد قليل من التعديلات التجميلية التي يبدو أنها تخفف القيود قليلاً على المدى القصير، فإن خيبات الأمل الأكبر في انتظار أولئك الذين لديهم أوهام بأن التغيير الحقيقي يمكن أن يأتي من خلال الحزب الديمقراطي. وإذا بدا أن ما أعقب أوباما لا يمكن تصوره، فإن مخلفات مدرسة الديمقراطيين، في نسختها الثانية، ستكون أكثر قسوة. ما لم يتم الإطاحة بالبنى والمؤسسات والأحزاب الرأسمالية، وإلى أن يتم الإطاحة بها، يمكن أن تسوء الأمور دائماً – أسوأ بكثير مما نعتقد.

استقطاب:

إن الافتقار إلى حزب سياسي جماهيري للطبقة العاملة عامل موضوعي يلقي بثقله على النظرة الذاتية للعمال. ونتيجة لذلك، ينعكس الاستقطاب الشديد في المجتمع بشكل ضبابي متصدع كتقاطب بين الحزبين الرأسماليين الرئيسيين.

فبعد أربع سنوات مضطربة للغاية، يريد الليبراليون العودة إلى ما يرون أنه الوضع الطبيعي. من خلال عدد قليل من الأوامر التنفيذية، سيحاولون طي صفحة عهد ترامب وكأنها لم توجد أبداً. لكن الترامبية وُجدت بالفعل، ووُجدت لسبب ما.

بدأت خطوط الصدع التي تمزق الطبقة العاملة الآن تتبلور لأول مرة في عام 2016، كما اتضح حينها من هزيمة هيلاري كلينتون في منطقة حزام الصدأ. بعد ثماني سنوات من “الأمل” و “التغيير” الفاشلين واستسلام بيرني ساندرز لمؤسسة الحزب الديموقراطي، اختار العديد من العمال الذين يبحثون عن حلول جذرية منح فرصة غريبة وجريئة. وكانت النتيجة انتخاب ملياردير مناهض للعمال يدعى دونالد ترامب.

يقع اللوم على الارتباك والانقسام الذي يمزق الطبقة العاملة بشكل مباشر على عاتق قادة العمال، الذين يتمثل مبدأهم التوجيهي في “ما هو جيد لصاحب العمل هو جيد للعامل”. لكن ما هو جيد لأرباب العمل ليس جيداً للعمال – في الواقع، مصالحنا متناحرة ولا يمكن التوفيق بينها.

ويقف هؤلاء الأشخاص على رأس الملايين من العمال المنظمين عبر عشرات الصناعات الأساسية. فهم لا يملكون القوة لإغلاق الاقتصاد فحسب، بل لديهم أيضاً الوسائل اللازمة لتعبئة أعضائهم ومواردهم خلف الجهود الرامية لبناء حزب جماهيري جديد على أساس طبقي جديد. وبدلاً من ذلك، فهم يتعاونون ويتوافقون ويعقدون مساومات مع أرباب العمل في أماكن العمل وفي صناديق الاقتراع، الأمر الذي أدى إلى دوامة تدهور الأجور الحقيقية والظروف المعيشية والمزايا والمكتسبات. وترك غياب قيادة مناضلة على أساس طبقي مستقل فراغا ملأه ترامب ورفاقه، غالباً باستخدام خطاب جريء مؤيد للعمال.

نتيجة لذلك، بدأ قادة النقابات يفقدون السيطرة على القواعد العمالية. ربما فاز بايدن بنسبة 57% بين ناخبي النقابات، مع تصويت 40% فقط لصالح ترامب. لكن في الماضي، كانت هذه كتل تصويت ديموقراطية موثوقة – لم يعد الأمر مضموناً بعد الآن. لا يزال العاملون في نقابات الخدمات والقطاع العام يميلون إلى التصويت للديمقراطيين، في حين أن العديد من النقابات الصناعية، وليس من المستغرب في اتحادات الشرطة، يدعمون ترامب بأغلبية ساحقة. على الرغم من أنه يبالغ في تقدير القوة والتأييد الذي يحظى به، فليس من قبيل الصدفة أن أعلن ترامب أن “لقد أصبح الحزب الجمهوري حزب العامل الأمريكي”.

من دون شك، من بين مؤيديه حثالة المجتمع: العنصريون المتطرفون، وأنصار نظرية تفوق العرق الأبيض، وجماعة “الفتيان الفخورون”، وما إلى ذلك. يتم جمع هذه العناصر في نوبة من الجنون الآن. إنهم “يقفون” ويستعدون ليتم تعبئتهم كحائط صد فكري ومادي ضد اليسار والعمال في مرحلة معينة. ولكن ليس فقط البرجوازية الصغيرة الغاضبة والعناصر التي رفعت عنها السرية هي التي تدعمه. تضم قاعدته أيضاً ملايين العمال الغاضبين واليائسين.

صحيح أنه في المزاج السياسي الحالي، تحول هؤلاء العمال أكثر إلى اليمين. لكن هذا فقط لأن الخيارات السياسية المتاحة يمينية فقط. يدعم العديد منهم ترامب لنفس السبب الذي دفعهم إلى دعم أوباما والديمقراطيين في الماضي – لأنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق ومستقل طبقياً. وفقط بعد فشل ما يسمى بالقدم اليسرى للرأسمالية قرروا منح الفرصة للقدم اليمنى. إنه أكثر من مجرد ترنح نحو اليمين، فهو يمثل بحثاً محموماً عن مخرج من المأزق.

في الأساس، فإن غضبهم وإحباطهم من النخبة الليبرالية هو غضب طبقي مشوه، يتم التلاعب به بشكل ساخر من قبل ترامب والجمهوريين. بالنسبة لمعظم فترة ولايته، كان ترامب محظوظاً عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، ونسب لنفسه الفضل في ذلك. وقد منحه هذا الكثير من المصداقية بين العمال. نظراً لسلطته الشخصية وانعدام الثقة في وسائل الإعلام الليبرالية، فقد نجح في تحميل الصين وفيروس كورونا سبب مشاكله الاقتصادية.

كان الديمقراطيون يعتبرن لعدة عقود، نظراً لرؤساء مثل روزفلت وليندون جونسون، هم الحزب “الصديق للعمال” أو “أهون الشرين”. لكن بعد عقود من الإخفاقات والخيانات، حوّل ملايين العمال ولائهم السياسي. لم يعد الديمقراطيون قادرين على الاعتماد على شريحة من العمال الذين كان بالإمكان اعتبارهم، في وقت سابق، داعمين أساسيين إلى حد ما مسلم: قسم من الطبقة العاملة البيضاء المنقبة، وقبل كل شيء، عمال حزام الصدأ والمناطق الريفية.

على الرغم من كونه برجوازياً، فقد نجح ترامب في استغلال الغضب الشديد من الوضع الراهن، والآن أصبح الحزب الجمهوري مدين بالفضل لترامب، لأنه بتسخير هذا الغضب، منح الحزب فرصة أخرى للحياة. وهذا ما يفسر التملّق، الذي يبدو أنه لا يمكن تفسيره، اتجاه كل كلمة وتصريح سخيف يصدر عنه.

كان تركيز ترامب منصبا على إعادة فتح الاقتصاد وإعادة الناس إلى العمل، بغض النظر عن المخاطر التي تهدد الملايين من الأشخاص الذين يعيشون براتب في انتظار الآخر، عبر اغراقهم بالأخلاقيات المهنية من قبل “ما حك جلدك مثل ظفرك”. ولقد صور الديموقراطيين بمهارة على أنهم مجموعة من الليبراليين المتذمرين الذين بوسعهم الانتظار حتى انتهاء الوباء بكل راحة – بينما الجميع يخاطر بحياته ويكافح من أجل تلبية احتياجاته.

عندما يسمع العمال في المناطق المنكوبة من البلاد شعاراً مثل “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، فإنهم لا يفكرون في القومية الشوفينية والإمبريالية. إنهم يؤمنون بصدق أن ترامب سيعيد الوظائف الجيدة التي سمحت لآبائهم وأجدادهم بالحصول على جودة حياة لائقة نسبياً خلال فترة ازدهار ما بعد الحرب العالمية الثانية. بالطبع، لا يمكنك ببساطة أن تتمنى عودة الخمسينيات إلى الوجود – فالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية جعلت ذلك ممكناً حينها – ولم يستفد الجميع حينها أيضاً.

صحيح أن ترامب فشل في الوفاء بوعده بإعادة بناء البلاد وخلق مئات الآلاف من وظائف تعدين الفحم والتصنيع. ومع ذلك، فإن رسالته تلقى صدى لدى العمال في الأماكن التي يكون فيها العمل كمدير في متاجر وول مارت أو مطاعم ماكدونالدز أو الانضمام إلى الجيش هو أفضل ما يمكنك أن تطمح إليه. هناك مناطق في هذا البلد أغرقت فيها مدن ومقاطعات بأكملها فالوحل بسبب العولمة الرأسمالية وتجزيئ العمل، ولم تعوض سوى بالبطالة الجماعية والفقر اللاإنسانيين – ​​ناهيك عن انتشار الأفيون والسمنة وأوبئة الصحة العقلية.

يتوعد ترامب بغطرسة في تجمعاته الجماهيرية – التي تذكرنا باجتماعات إحياء المسيح – بإطلاق النار على من تسببوا في ذلك. إنها ظاهرة متناقضة للغاية، فعلى الرغم من أنه الرئيس الحالي، لا زال بإمكان ترامب تصوير نفسه على أنه من خارج المؤسسة السياسية الرسمية. وبينما يهاجم الوضع الراهن، فغنه يعد بالعودة إلى نوع مختلف من الوضع الراهن – نوع يتم فيه إعطاء العمال الصناعيين البيض القليل من الفتات لإقناعهم بمفهوم الشراكة مع أرباب العمل.

عندما تكون هناك ندرة وتنافس على الوظائف والسكن، بل وحتى كرامة الإنسان الأساسية، يؤدي اليأس إلى رؤية ضيقة الأفق. هذا يجعل الناس يتقبلون الرسالة الدينية لشخص مثل ترامب. إنه يعدهم بالعالم ويشحن مشاعرهم  بجنون – مع إضافة جرعة هائلة من الخوف والعنصرية وكراهية الأجانب. إن إلقاء اللوم على شرائح أخرى من الطبقة العاملة في أزمات النظام العديدة، هو تكتيك “فرق تسد” الكلاسيكي، الذي يهدف إلى صرف الانتباه عن العدو الطبقي الحقيقي.

ناهيك عن أن المجانين قد استولوا على الحزب الجمهوري. الناس يريدون شيئاً مختلفاً، وهو ليس نفس الشيء القديم. يبحث الناس عن إجابات، وسيلة للخروج من المأزق، وقبل كل شيء، قيادة مقاتلة وغير تقليدية. ترامب عبارة عن قمامة بشرية وعدو لدود للطبقة العاملة. لكنه فاضح ومتحدي – وهذا أكثر بكثير مما يمكن أن يقدمه قادة النقابات أو الليبراليون.

لذا إذا أردنا شرح ومحاربة الترامبية، يجب أن نفهمها أولاً. يجب أن نبدأ بفضحها على حقيقتها: تحالف آخر عابر للطبقات يعتمد فيه قطاع من الطبقة الحاكمة على قطاع من الطبقة العاملة لتعزيز مصالحه. يجب فصل العقلاني عن اللاعقلاني في ظاهرة ترامب. هناك الكثير من الأمور غير المنطقية واللاعقلانية -ربما معظمها. لكن استياء الطبقة العاملة المدفون في أعماق ذلك هو نواة صغيرة من البلشفية المحتملة – ليس كأيديولوجيا، ولكن في جوهرها الطبقي الأساسي. هذه هي “المادة المظلمة” لظاهرة تأييد ترامب التي تربك الليبراليين.

فرصة ضائعة:

أما بالنسبة لليسار في هذه الانتخابات، فقد رضخ معظمه للضغوط ودعم “أهون الشرين” المزعوم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لقد عمل هذا فقط على زرع الأوهام أن الديمقراطيين أداة محتملة للتغيير الحقيقي. ومع ذلك، فإن دور الاشتراكيين الحقيقيين لا يكمن في إعطاء غطاء يساري لأقدم حزب للرأسماليين، ولكن في مساعدة الطبقة العاملة على الإطاحة به واستبداله.

يتهم الإصلاحيون الماركسيين بأنهم “غير واقعيين” – هذا في ظل أنهم هم من يقتنعون بالوهم السخيف أن الرأسمالية يمكن إصلاحها بشكل هادف وواعي وأن أحزابها ومؤسساتها القائمة يمكن بطريقة ما أن تخدم سيداً آخر وهدفاً غير أهداف الرأسمالية. كل تلك المنظمات والأفراد الذين طالبوا بالتصويت لبايدن بأي شكل أو طريقة أو صيغة هم متواطئون ويجب عليهم تحمل المسؤولية عما يحدث أثناء إدارته.

منبع جبنهم أنهم لا يثقون في الطبقة العاملة وليس لديهم أيديولوجية متماسكة لتوجيههم. من ناحية أخرى، يفهم الماركسيون أن القوة الهائلة للطبقة العاملة هي في نهاية المطاف إلى جانبنا. نحن مسلحون بالأفكار والطريقة التي تسمح لنا باختراق الضباب والارتباك مع إبقاء أعيننا على الصورة الكبيرة والنظرة الطويلة للتاريخ في جميع الأوقات. هذا لا يعني أن استراتيجيتنا ستكون سهلة التحقيق. لكنها على الأقل تستند إلى تحليل علمي لكيفية تحرك المجتمع والتاريخ وكيف يمكن أن يحدث التغيير الأساسي حقاً.

يجب أن نسأل: ما هي بالضبط خطة اليسار من أجل “وضع أقدام بايدن في النار”، و”تحميله المسؤولية”، و”دفعه إلى اليسار”؟

الحزب الديمقراطي ليس وعاء فارغ يمكن ملؤه بمحتوى طبقي مختلف من خلال “الضغط”. إنه ممتلئ إلى أقصى حد بالمحتوى الرأسمالي، وبينما يمكنه كحزب تغيير شكله الخارجي لإعطاء الانطباع بالتغيير، يبقى المحتوى الأساسي ثابتاً.

وبعيداً عن دفع الديمقراطيين إلى اليسار، فإن كل الاشتراكيين المعروفين والذين حاولوا دفع الحزب لليسار انجرفوا أكثر إلى اليمين في النهاية. والشيء نفسه سيحدث لكل اشتراكي يحاول تغيير ذلك الحزب من الداخل. هذا بالضبط ما حدث لبيرني ساندرز، الذي فقد مصداقيته الآن عند الملايين.

منذ انتخابه، أوضح بايدن أنه سيحكم من “الوسط” – وهو ما يعني في المصطلحات الرأسمالية من اليمين. وتحت ضغط اليمين المتطرف، سيجبر علي أن يتقدم في نهاية المطاف في هذا الاتجاه اليمني. لقد بدأ بالفعل الهجوم داخل الحزب على مصطلح “اشتراكية” وحتى “تقدمية”. حتى أن الإصلاحيين اليمينيين المدافعين عن الرأسمالية مثل ساندرز ووارن تم تنحيتهم جانباً. ولم يعودوا مرشحين لمناصب وزارية لأنهم يعتبرون “بعيدون جداً في اتجاه اليسار”. هذا هو الجزاء الذي يحصل عليه هؤلاء الأشخاص لنجاحهم في التطبيل للعبة “الطعم والتبديل”[1] التي تقام كل أربع سنوات.

من المؤكد أن ملايين الأشخاص لديهم أوهام صادقة وشريفة بأن الشرطة يمكن أن تكون “أكثر لطفاً ورحمة” وأن ما يسمى بالصفقة الخضراء الجديدة يمكن أن توقف كارثة المناخ. غريزتهم الأولية هي محاولة إيجاد حل داخل النظام من خلال الأحزاب والقادة الذين يعرفونهم. هذا جزء طبيعي ومنطقي من عملية تنمية وتجذر الوعي الطبقي.

أثناء الانخراط بشكل إيجابي مع أولئك الذين لديهم مثل هذه الأوهام، فإن مهمة الماركسيين هي استخلاص القضايا والتناقضات الأعمق وشرح أنه لإنهاء الأزمة البنيوية، نحتاج إلى تغيير بنيوي. ولتحقيق مثل هذا التغيير بعيد المدى، تحتاج الطبقة العاملة كخطوة أولى إلى تنظيم نفسها سياسياً للتعامل مع أحزاب أرباب العمل بشكل مباشر.

الجمهوريون والديمقراطيون وجهان لعملة رأسمالية واحدة. نحن نرفض فكرة أنهم أقطاب متناقضة. الاستقطاب الوحيد الذي نشجعه ونشيد به وندفع من أجله هو الاستقطاب الطبقي.

كما رأينا، صوّت ملايين الأشخاص “ضد” ترامب، وليس “لصالح” بايدن. وبالنسبة لملايين آخرين، فإن التصويت “لصالح” ترامب كان حقاً تصويتاً “لصالح” وظائف وأجور أفضل، وليس بالضرورة “لصالح” ترامب وكل ما يمثله. في حين لم يصوت عشرات الملايين أخرى لأي حزب أو لأي شخص على الإطلاق. ونصف الأمريكيين تقريباً – بما في ذلك أغلبية كبيرة من الشباب – قالوا إنهم سيصوتون لرئيس أو حزب اشتراكي. ودعونا لا ننسى أن 10% من الأمريكيين نزلوا إلى الشوارع وسط جائحة في الصيف الماضي للاحتجاج على مقتل جورج فلويد على يد الشرطة. كان هذا تطوراً استثنائيا مليئاً بالتأثيرات الثورية على المستقبل.

هذا هو الأساس الموضوعي لحزب أغلبية جديد، حزب من الطبقة العاملة ومن أجلها – حزب اشتراكي جماهيري قائم على النقابات. يمكن لحزب عمالي وحكومة عمالية حقيقية، مسلحة بسياسات تعالج مشاكل المجتمع على أساس طبقي، كسب دعم الملايين الذين يصوتون حالياً للأحزاب القائمة أو لا يكلفون أنفسهم عناء التصويت على الإطلاق. الاشتراكية من خلال الأفعال – وليس الليبرالية التي تتنكر بزي الاشتراكية – ستشق تكتيكات الطبقة الحاكمة القائمة على سياسة “فرق تسد”. فانطلاقا من البراغماتية المطلقة، فإن ملايين الأمريكيين العاديين سيدعمون في نهاية المطاف السياسات التي ستفيدهم بشكل ملموس وتفيد عائلاتهم – سواء تم تصنيفهم على أنهم اشتراكيون أم لا.

العمال هم الأغلبية و سيضطرون في النهاية إلى بناء آلة سياسية خاصة بهم. لا يمكننا معرفة التركيبة الدقيقة للقوى أو الشكل أو التوقيت الذي سيتخذه مثل هذا الحزب. ولكن بمجرد أن تشرع أعداد كافية من العمال في هذا العمل، فمن المؤكد أنها ستنجزه بقوة وتصميم. سيكون الماركسيون هناك معهم، ويدافعون بصبر عن سياسات وهياكل مستقلة طبقية.

في مثل هذه الأوقات المضطربة، تكون هناك ضمنيا قفزات هائلة في الوعي. على المدى القصير، من المرجح أن تستمر الانقسامات السامة بل وتتفاقم. سوف يستغرق الأمر بعض الوقت والكثير من الخبرة المريرة لحل التناقضات المعقدة. لكن يجب أن نكون واثقين من أن السؤال الطبقي سيحتل الصدارة في النهاية. هذا هو المنظور الذي يجب على اليسار ككل أن يناضل من أجله.

النضال من أجل الثورة الاشتراكية!

هناك الكثير لتحليله عندما يتعلق الأمر برئاسة بايدن: من تشكيل حكومته إلى سياسته الخارجية إلى علاقته بالحركة العمالية وحركة حياة السود مهمة، وأزمة الصحة العامة، وأكثر من ذلك. سوف نستكشف كل هذا في المقالات والافتتاحيات المستقبلية.

لكن بالنسبة لنا، هناك شيء واضحاً تماماً: عدم الاستقرار المستمر وعدم اليقين هو الوضع الطبيعي الجديد، ولا يمكن أن تستمر لعبة كرة الطاولة في نظام الحزبين إلى ما لا نهاية. لا شيء يدوم إلى الأبد، وعلينا استخلاص النتائج السياسية والتنظيمية وحتى النفسية اللازمة.

بعد الأحداث التي هزت الوعي الجمعي في عامي 2008 و 2016، يمثل عام 2020 نقطة تحول أخرى على الطريق نحو الثورة الاشتراكية الأمريكية. الأحداث التي وقعت في الاثني عشر شهراً الماضية هي بمثابة اختبار ضغط هائل للنظام – وبالمناسبة الضغوط الأشد لم تأت بعد. كل شيء يتحول في النهاية إلى نقيضه. أصبحت الدولة الأكثر استقراراً في العالم هي الأكثر اضطراباً، وفي مرحلة معينة، ستصبح القوة الأكثر رجعية على وجه الأرض هي الأكثر ثورية.

بالنسبة للماركسيين، هناك الكثير في السياسة أكثر من الانتخابات البرجوازية. التصويت مرة كل بضع سنوات لا يكفي لتغيير المجتمع. يتم حل جميع المشاكل الأساسية في نهاية المطاف في ساحة النضال، في أماكن العمل والشوارع والثكنات، وغالباً ليس في صناديق الاقتراع. كما أوضح لينين، السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد. السياسة هي النضال من أجل أجور وظروف عمل أفضل، وفي نهاية المطاف، النضال لتغيير العلاقات الاقتصادية الأساسية للمجتمع.

على الرغم من طبيعته الملتوية، فإن الاستقطاب الحاد هو في النهاية مقدمة للثورة – ربما ليس الأسبوع المقبل، ولكن في وقت أقرب بكثير مما يعتقده معظم الناس. يجب أن نكون مستعدين للتغييرات الحادة والمفاجئة وصعود وهبوط الأحداث والأرقام والحوادث العرضية. مع الأخذ في الاعتبار ما قاله تروتسكي ذات مرة: “يجب على الماركسيين، ولا سيما أولئك الذين يطالبون بالحق في القيادة، أن يكونوا قادرين ليس على الدهشة ولكن على التبصر”.

يمكننا أن نرى على وجه التحديد ما سيحدث إذا لم يتم بناء بديل عمالي جماهيري في الفترة المقبلة. لا ينبغي أن نشعر بالصدمة أو المفاجأة إذا عاد ترامب نفسه أو أي شخص آخر أكثر رجعية منه إلى البيت الأبيض في عام 2024 أو 2028. يجب أن نوضح باستمرار أنه إذا لم نقم ببناء بديل مستقل طبقياً عن الديمقراطيين، سوف يعود حينها ما يسمى بالشر الأعظم، أعظم وأكثر شرا من أي وقت مضى.

يمكن أن تكون الولايات المتحدة دولة محيرة ومذهلة. قال الصحفي بول كروغمان مؤخراً: إذا حدث هذا كله في أي بلد آخر، فسيتم اعتباره دولة فاشلة. لكن الشيء الرئيسي هو هذا: قوانين الصراع الطبقي تنطبق هنا أيضاً، وأساسياته واضحة بشكل جلي. يبدأ كل شيء بفهم أن مصالح العمال والرأسماليين متعارضة تماماً وأنه يجب الحفاظ على الاستقلال الطبقي والنضال من أجله في جميع الأوقات.

يمثل التيار الماركسي الذاكرة التاريخية للطبقة العاملة. يجب أن نتعلم وننقل دروس الصراع الطبقي الأممي إلى الطبقة العاملة الأمريكية، وتطبيق هذه الدروس بشكل جدلي على الظروف الملموسة التي نعيشها ونعمل فيها اليوم. مهمتنا الفورية هي التواصل مع الشرائح المتقدمة والثورية، واكتساب المناضل تلو الآخر لصف النظرية الماركسية والتيار الماركسي الأممي، مع التحريض على الانفصال عن أحزاب أرباب العمل والحاجة إلى بناء حزب اشتراكي جماهيري عمالي.

ربما يكون ترامب قد تعرض للهزيمة في صناديق الاقتراع هذه المرة، لكن الترامبية والنظام الذي يدافع عنه هو والديمقراطيون لم ينته بعد. قلنا ذلك في عام 2016، ونقوله مرة أخرى: الاشتراكية فقط هي التي يمكنها هزيمة ترامب – والترامبية!

جون بيترسون
04 دجنبر 2020

مترجم عن موقع الفرع الأمريكي للتيار الماركسي الأممي “الثورة الاشتراكية”:

Revolutionary Socialism and the Fight Against Wall Street’s President


[1] : الطعم والتبديل – bait and switch أحد اشكال الاحتيال المستخدمة في عمليات البيع، حيث يتم استدراج العملاء من خلال الاعلان عن سلع منخفضة السعر والضغط عليه لشراء منتجات أخرى بسعر أعلى. وعموما هو تعبير يستخدم عن الاعلان عن شيء مرغوب فيه لشخص ما لكسب تأييده ثم إحباطه بشيء مناف لتوقعاته. – المترجم-