النص التالي هو افتتاحية العدد الأول من المجلة الماركسية المكسيكية Clave، التي نُشرت في أكتوبر 1938.
تم العثور على المخطوطة الأصلية، التي كتبها تروتسكي، حوالي عام 1977 في أرشيف تروتسكي في هارفارد.
إن الحملة الموجهة ضد الصحافة الرجعية في المكسيك آخذة في التطور. ويديرها قادة اتحاد العمال المكسيكي (CTM)، وبالأخص السيد لومباردو توليدانو. هدف الحملة “كبح” الصحافة الرجعية، سواء عن طريق إخضاعها للرقابة، أو حتى حظرها بشكلٍ كامل. ودخلت النقابات العمالية الحرب. وقد استقبل الديمقراطيون الميئوس من علاجهم، والذين قد أفسدتهم تجاربهم مع موسكو الستالينية، تحت قيادة “الأصدقاء من جهاز غيبيو”[1]، بالتصفيق. تلك الحملة التي لا يمكن وصفها إلا بأنها حملة انتحارية. في الواقع، ليس من الصعب رؤية أنه حتى ولو انتصرت هذه الحملة وحققت نتائج ملموسة، والتي قد تناسب لومباردو توليدانو، فإن العواقب النهائية ستقع على عاتق الطبقة العاملة.
تثبت النظرية، وكذلك التجربة التاريخية، أن أي تقييد للديمقراطية في المجتمع البرجوازي، سيكون في النهاية موجها ضد البروليتاريا، تماما مثلما تقع الضرائب في نهاية المطاف على عاتق البروليتاريا. ليس للديمقراطية البرجوازية من قيمة بالنسبة للبروليتاريا إلا بمقدار ما تفتح الطريق أمام تطور الصراع الطبقي. وبالتالي، فإن أي “زعيم” عمالي يسلح الدولة البرجوازية بوسائل للسيطرة على الرأي العام، وعلى الصحافة بشكل خاص، هو خائن للبروليتاريا.
إن اشتداد الصراع الطبقي سيجبر البرجوازيين من كل نوع، على إبرام معاهدات والتوصل إلى اتفاق، والقبول بقوانين استثنائية وكل أنواع التدابير المقيدة للحريات وإجراءات الرقابة “الديمقراطية” ضد الطبقة العاملة. لذلك فعلى هؤلاء الذين لم يدركوا ذلك بعد، أن يغادروا صفوف الطبقة العاملة.
قد يعترض البعض من “أصدقاء” الاتحاد السوفياتي بالادعاء أن: «دكتاتورية البروليتاريا ملزمة باللجوء إلى تدابير استثنائية، وخاصة ضد الصحافة الرجعية».
نجيب على هؤلاء:
«أولاً، إن هذا الاعتراض يساوي بين الدولة العمالية والدولة البرجوازية. بالرغم من أن المكسيك بلد شبه مستعمر، فإنها في نفس الوقت دولة برجوازية، وبالتأكيد ليست دولة عمالية. ولكن حتى من وجهة نظر مصالح دكتاتورية البروليتاريا، فإن منع الصحف البرجوازية أو الرقابة عليها ليست نهائيا مسألة “برنامج” أو “مبدأ”، ولا وضعا مثاليًا. إن مثل تلك الإجراءات لا يمكنها أن تكون إلا “شرا لا بد منه وبشكل مؤقت”.»
مباشرة بعد انتصارها قد تجد البروليتاريا نفسها مضطرة، لفترة من الزمن، إلى اتخاذ تدابير خاصة ضد البرجوازية، إذا تبنت البرجوازية موقفاً تمردياً مفتوحاً ضد الدولة العمالية. في هذه الحالة ستسير القيود المفروضة على حرية الصحافة جنبًا إلى جنب مع جميع التدابير الأخرى المستخدمة خلال الحرب الأهلية. وعندما سنضطر لاستخدام المدفعية والطيران ضد العدو، فلن نتسامح بطبيعة الحال مع نفس هذا العدو بأن يحتفظ بمراكزه الخاصة للمعلومات والدعاية داخل معسكر البروليتاريا المسلحة. ومع ذلك، فحتى في هذه الحالة، إذا طال أمد الإجراءات الاستثنائية لفترة كافية لخلق وضع دائم، سوف تحمل خطر الخروج عن السيطرة، وإعطاء البيروقراطية العمالية احتكارًا سياسيًا، لتصبح بذلك مصدرًا لانحطاطها.
لدينا مثال حي لمثل هذه الدينامية في القمع المقيت لحرية التعبير والصحافة الذي يطبق الآن في الاتحاد السوفياتي. وهذا لا علاقة له بمصالح دكتاتورية البروليتاريا، بل إنه، على العكس من ذلك، يساعد على حماية مصالح الفئة الجديدة الموجودة في السلطة ضد معارضة العمال والفلاحين. وهذه البيروقراطية البونابارتية في موسكو يقلدها الآن السادة لومباردو توليدانو ورفاقه، الذين يخلطون بين حياتهم المهنية وبين مصالح الاشتراكية.
إن المهام الحقيقية للدولة العمالية لا تتمثل في ضبط الرأي العام بطرق بوليسية، بل في تحريره من سيطرة رأس المال. ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال وضع وسائل الإنتاج، والتي من ضمنها وسائل إنتاج المعلومات، في أيدي المجتمع بأكمله. وبمجرد اتخاذ هذه الخطوة الجوهرية نحو الاشتراكية، يجب أن تكون كل تيارات الرأي، التي لم تحمل السلاح ضد دكتاتورية البروليتاريا، قادرة على التعبير عن نفسها بحرية. ويصبح واجباً على الدولة العمالية أن تضع بين أيديهم الوسائل التقنية اللازمة لذلك، من المطابع، والورق، ووسائل النقل، وذلك حسب وزنهم النسبي في المجتمع. إن أحد الأسباب الرئيسية لانحطاط آلة الدولة هو احتكار البيروقراطية الستالينية للصحافة، والذي يهدد بدوره بتحويل كل مكاسب ثورة أكتوبر إلى كومة من الخراب.
إذا كان علينا البحث عن أمثلة للتأثير الشائن للكومنترن على الحركات العمالية في مختلف البلدان، ستشكل الحملة الحالية التي يقودها لومباردو توليدانو واحدة من أسوئها. إنه يحاول مع رفاقه العقائديين أن يدخلوا في نظام ديمقراطي برجوازي أساليب ووسائل قد تكون، في ظل ظروف معينة، حتمية في ظل ديكتاتورية البروليتاريا. وعلاوة على ذلك، فهم في الواقع لا يستعيرون هذه الأساليب من دكتاتورية البروليتاريا، بل من مغتصبيها البونابارتيين. وبعبارة أخرى إنهم ينقلون فيروس البيروقراطية المتعفنة إلى ديمقراطية برجوازية مريضة أصلا.
الديمقراطية الهزيلة في المكسيك تواجه يوميًا خطرا دائما مميتا من اتجاهين:
أولا من جانب الإمبريالية الأجنبية، وثانيا من جانب عملاء الرجعية في داخل البلاد، والذين يسيطرون على أكبر دور النشر والطباعة. لكن وحدهم هؤلاء العميان أو الأغبياء من يعتقدون أنه يمكن تحرير العمال والفلاحين من الأفكار الرجعية من خلال حظر الصحافة الرجعية. في الواقع وحدها أعظم أشكال حرية التعبير ما سيمكن من خلق الظروف المواتية لتقدم الحركة الثورية داخل الطبقة العاملة.
من الضروري شن معركة لا هوادة فيها ضد الصحافة الرجعية. لكنه لا يمكن للعمال أن يتركوا المهمة التي يتعين عليهم القيام بها بأنفسهم من خلال منظماتهم وصحفهم الخاصة، للقبضة القمعية للدولة البرجوازية.
قد تبدو الحكومة اليوم صديقة للمنظمات العمالية، لكن هذه الحكومة قد تسقط غدا، وستسقط حتماً، في أيدي أكثر العناصر رجعية في البرجوازية. عندها سيتم استخدام القوانين القمعية الحالية ضد العمال. وحدهم المغامرون الذين لا يفكرون بأي شيء سوى احتياجات اللحظة من يمكنهم أن يفشلوا في حماية أنفسهم من مثل هذا الخطر.
إن الطريقة الأكثر فعالية للنضال ضد الصحافة البرجوازية هي أن تتطور الصحافة العمالية. إن الصحف الصفراء مثل El Popular، غير قادرة، بالطبع، على القيام بمثل هذه المهمة. ليس لمثل هذه الصحف أي مكان بين الصحافة العمالية أو الصحافة الثورية أو حتى الصحافة البرجوازية ذات السمعة الجيدة. وماEl Popular إلّا اداة لخدمة الطموحات الشخصية للسيد توليدانو، الذي هو بدوره في الواقع في خدمة البيروقراطية الستالينية. أساليبها التي هي: نشر الأكاذيب والافتراءات والحملات المغرضة، أساليب مميزة لتوليدانو. صحيفته لا تحتوي على أي برنامج سياسي ولا أفكار. ومن الواضح أن صحيفة كهذه لا يمكنها أبدًا أن تلاقي أي تعاطف من جانب الطبقة العاملة، ولا أن تبعدهم عن الصحافة البرجوازية.
لذلك نصل إلى الاستنتاج الحتمي بأن النضال ضد الصحافة البرجوازية يبدأ بطرد القادة المنحطين من المنظمات العمالية وعلى وجه الخصوص بتحرير الصحافة العمالية من وصاية توليدانو وغيره من الوصوليين البرجوازيين الآخرين.
تحتاج البروليتاريا المكسيكية إلى صحافة نزيهة للتعبير عن احتياجاتها والدفاع عن مصالحها وتوسيع أفقها، وتمهد الطريق للثورة الاشتراكية في المكسيك. وهذا ما تنوي صحيفةClave فعله. ولذلك نحن نبدأ بإعلان حرب لا هوادة فيها ضد الادعاءات البونابارتية لتوليدانو، ونأمل أن نحصل في هذا النضال على دعم جميع العمال الطليعيين، وكذلك دعم الماركسيين والديمقراطيين الحقيقيين.
ليون تروتسكي
(أغسطس/آب 1938)
هوامش:
[1] – جهاز المخابرات السوفياتية (GPU).