منذ عام 1889، اتخذ عمال العالم فاتح ماي يوما للاحتفال والنضال من أجل تحرير العمل. في هذا العام الذي يشهد أزمة غير مسبوقة للنظام الرأسمالي، تُرسل الأممية الشيوعية الثورية تحياتها الثورية إلى قرائنا وإلى جميع من ينتظمون من أجل الثورة الاشتراكية حول العالم.

ننتهز الفرصة في عيد العمال هذا العام لإعادة نشر مقال لتروتسكي كُتب عام 1918. يشرح فيه تطور يوم العمال العالمي من أصوله الثورية النضالية إلى تحوله إلى مناسبة لإلقاء خطابات تبدو جذرية من جانب السياسيين الاشتراكيين الديمقراطيين وبيروقراطيي الحركة العمالية دون أي صلة بالنضال الأممي للبروليتاريا، وهذا بقيادة أحزاب الأممية الثانية.
كما يوضح تروتسكي، فإن عصر الصراع الطبقي الذي بدأته الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية استلزم من الشيوعيين استعادة فاتح ماي يوما للطبقة العاملة العالمية في نضالها الثوري من أجل إسقاط الرأسمالية.
اليوم أيضا ثمة حاجة لاستعادة التقاليد الأصيلة لفاتح ماي. ففي كل عام، ينزل الشيوعيون المنتظمون في الأممية إلى الشوارع في جميع أنحاء العالم، منضمين إلى آلاف العمال والشباب. فقد شاركنا في العام الماضي في مظاهرات في أكثر من 23 بلد، وبيعنا آلاف الصحف، والأهم من ذلك التقينا بمئات الشيوعيين المُحتملين.
ونتوقع أن نُحدث هذا العام ضجة أكبر، خاصة وأننا، ولأول مرة، سنشارك في هذه المظاهرات بصفتنا الأممية الشيوعية الثورية. في جميع أنحاء العالم، ستُقيم فروع الأممية الشيوعية الثورية حفلات وتجمعات ومظاهرات بهدف التواصل مع العمال والشباب الأكثر راديكالية وتنظيمهم.
لمساعدتنا على استعادة الإرث الثوري لفاتح ماي، انضموا إلينا في هذه المظاهرات وشاركوا في بناء قوى الشيوعية الثورية الأصيلة أينما كنتم.
نُشر المقال التالي ضمن مجموعة “السنوات الخمس الأولى للأممية الشيوعية”، التي تجمع جميع خطابات وكتابات تروتسكي خلال المؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الثالثة. احصل على نسختك من “Wellred Books” هنا!
فاتح ماي والأممية!
ليون تروتسكي، 1 مايو 1918
ينعكس طابع الحركة العمالية برمتها خلال عهد الأممية الثانية في تاريخ ومصير فاتح ماي.
أقرّ مؤتمر باريس الاشتراكي الأممي عام 1889 يوم 1 مايو عطلة رسمية.
كان الهدف من تحديد اليوم بهذه الطريقة، مع مظاهرات متزامنة لعمال جميع البلدان في ذلك اليوم، تمهيد الطريق لجمعهم في منظمة بروليتارية أممية واحدة للعمل الثوري، ذات مركز أممي واحد وتوجه سياسي أممي واحد.

كان مؤتمر باريس، الذي اتخذ القرار المذكور أعلاه، يسير على نهج الرابطة الشيوعية الأممية والأممية الأولى. وكان من المستحيل منذ البداية أن تتبع الأممية الثانية نهج هاتين المنظمتين. فخلال السنوات الـ14 التي انقضت منذ أيام الأممية الأولى، نشأت في كل بلد منظمات طبقية للبروليتاريا، وقد مارست هذه نشاطها باستقلالية تامة داخل أراضيها، ولم تكن متكيفة مع التوحيد الأممي على مبادئ المركزية الديمقراطية.
كان ينبغي للاحتفال بفاتح ماي أن يعدهم لمثل هذا التوحيد، ولذلك قُدم مطلب يوم العمل المكون من 8 ساعات شعارا له، بما يتوافق مع تطور قوى الإنتاج ويحظى بشعبية واسعة بين الجماهير العاملة في جميع البلدان.
كانت المهمة الفعلية الموكلة إلى عطلة فاتح ماي هي تسهيل عملية تحويل الطبقة العاملة باعتبارها فئة اقتصادية إلى طبقة عاملة بالمعنى الاجتماعي للكلمة، أي إلى طبقة واعية بمصالحها في مجملها، وسعيًا إلى إرساء ديكتاتوريتها والثورة الاشتراكية.
من هذا المنطلق، كانت المظاهرات الداعمة للثورة الاشتراكية الأنسب لفاتح ماي. وقد حققت العناصر الثورية في المؤتمر ذلك. ولكن في مرحلة التطور التي كانت الطبقة العاملة تمر بها آنذاك، وجدت الأغلبية إن مطلب يوم العمل المكون من 8 ساعات يمثل إجابة أفضل لإنجاز المهمة. على أي حال، كان هذا شعارا قادرا على توحيد عمال جميع البلدان.
وقد لعب شعار السلام العالمي، الذي طُرح لاحقا، دورا مماثلا.
لكن المؤتمر اقترح والشروط الموضوعية لتطور الحركة العمالية رفضت.
تحول فاتح مايو تدريجيا من وسيلة نضال للبروليتاريا العالمية إلى وسيلة نضال لعمال كل بلد على حدة من أجل مصالحهم المحلية. وقد أصبح هذا ممكنا أكثر بطرح الشعار الثالث: الاقتراع العام.
في أغلب البلدان، كان يُحتفل بفاتح ماي إما مساءً بعد انتهاء العمل مباشرة أو في يوم الأحد التالي. أما في الأماكن التي احتفل بها العمال بتوقف عن العمل، كما في بلجيكا والنمسا، فقد خدم هذا الاحتفال قضية تحقيق المهام المحلية، وليس قضية توحيد صفوف عمال جميع البلدان في طبقة عاملة عالمية واحدة. ولكن إلى جانب النتائج التقدمية (توحيد عمال بلد معين)، كان لهذا الاحتفال جانب سلبي محافظ، إذ ربط العمال ربطا وثيقا بمصير بلد معين، ممهدا بذلك الطريق لتطور الاشتراكية الوطنية.
لم تتحقق المهمة التي وضعها مؤتمر باريس على جدول أعماله. لم تتشكل أممية باعتبارها منظمة للعمل البروليتاري الثوري الأممي ذات مركز واحد وتوجه سياسي أممي واحد. لم تكن الأممية الثانية سوى اتحاد ضعيف لأحزاب عمالية مستقلة عن بعضها البعض في نشاطها.
لقد انقلب فاتح ماي إلى نقيضه، ومع الحرب انتهى وجوده.
هذه كانت نتائج المنطق الحتمي لعملية التطور الديالكتيكي للحركة العمالية.
أين يكمن سبب هذه الظاهرة؟ ما الضمان لعدم تكرارها؟ ما هو الدرس المستفاد للمستقبل من هذا؟ بطبيعة الحال، يكمن السبب الأساسي لفشل عطلة فاتح ماي في طبيعة المرحلة المشار إليها من التطور الرأسمالي، وفي سيرورة تعميقه في كل بلد على حدة، والنضال الذي فرضته هذه العملية من أجل إضفاء الديمقراطية على نظام الدولة وتكييفه مع احتياجات التطور الرأسمالي. ولكن حتى في تطور النظام الرأسمالي أو أي نوع آخر من الأنظمة، توجد نزعتان: نزعة محافظة ونزعة ثورية.
لقد كان لزاما على الطبقة العاملة، المشاركة الفاعلة في العملية التاريخية، وطليعتها، الأحزاب الاشتراكية، أن تمضي قدما في هذه العملية، وأن تواجه نزعتها الثورية التيار المحافظ في كل مرحلة من مراحل الحركة العمالية، وأن تُقدم وتُدافع عن المصالح العامة للبروليتاريا ككل، بغض النظر عن جنسيتها. هذه هي المهمة ذاتها التي لم تُؤدها الأحزاب الاشتراكية خلال فترة الأممية الثانية، وكان لذلك تأثير مباشر على مصير عطلة فاتح ماي.
تحت تأثير قادة الحزب من المثقفين والبيروقراطية العمالية، ركزت الأحزاب الاشتراكية في الفترة المذكورة اهتمامها على نشاط برلماني بالغ الأهمية وطني في جوهره، ليس أمميا أو ذو طابع طبقي. لم تنظر منظمات العمال إلى نشاطها باعتباره وسيلة للصراع الطبقي، بل باعتباره غاية في حد ذاته. ويكفي أن نتذكر كيف طالب قادة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية تأجيل الاحتفال بفاتح ماي إلى الأحد التالي. وقالوا إنه لا يمكن تعريض منظمة حزبية نموذجية ونشاط برلماني ونقابات عمالية غنية عدة للخطر من أجل مجرد مظاهرة.
إن العصر الحالي يتناقض تماما في طابعه مع العصر الماضي. فقد افتتحته الحرب، وخاصة ثورة أكتوبر الروسية، لكي يكشف عن نفسه بصفته عصر النضال المباشر للبروليتاريا من أجل السلطة على نطاق عالمي.
إن طابعه مناسب لأن يؤدي فاتح ماي الدور الذي سعت العناصر الثورية في مؤتمر باريس عام 1889 إلى إسناده إليه. إن مهمته تتمثل في تسهيل تشكيل الأممية الثورية الثالثة وخدمة قضية تعبئة القوى البروليتارية من أجل الثورة الاشتراكية العالمية.
ولكن من أجل المساعدة في أداء هذا الدور العظيم، تُملي دروس الماضي ومتطلبات العصر الحالي بقوة على الاشتراكيين في جميع البلدان ما يلي:
1. تغيير جذري في سياستهم.
2. طرح شعارات مناسبة لفاتح ماي.
في المقام الأول، لا بد من اتخاذ الخطوات التالية:
1. تركيز الجهود على تشكيل الأممية الثورية الثالثة.
2. إخضاع مصالح كل بلد للمصالح العامة للحركة البروليتارية العالمية، وإخضاع النشاط البرلماني لمصالح نضال الجماهير البروليتارية.
ينبغي أن تكون الشعارات الرئيسية لفاتح ماي في العصر الحالي:
1. الأممية الثالثة.
2. دكتاتورية البروليتاريا.
3. الجمهورية السوفياتية العالمية.
4. الثورة الاشتراكية.
الدفاع عن الماركسية
1 مايو/أيار 2025
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية: