الرئيسية / تحليلات تاريخية / الحرب العالمية الثانية / الحرب العالمية الثانية – تصحيح المغالطات

الحرب العالمية الثانية – تصحيح المغالطات

في الثامن من مايو/أيار من كل عام، تُخلَّد ذكرى يوم النصر في أوروبا، الذي شهد الاستسلام الرسمي لألمانيا النازية عام 1945، مُنهِيًا بذلك واحدةً من أشد الحروب دمويةً في التاريخ. وها نحن نصل إلى الذكرى الثمانين لهذه المحطة المفصلية، في لحظةٍ عالميةٍ تعجُّ بالأزمات، وتُعيد إلى الواجهة أسئلةَ الحرب والثورة والاشتراكية.

وبهذه المناسبة، ننشر افتتاحيةَ العدد 49 من مجلة “الدفاع عن الماركسية” بقلم آلان وودز، والتي تُسلِّط الضوءَ على التاريخ الحقيقي للحرب العالمية الثانية، ذلك التاريخ الذي طمَسَهُ مؤرخو الرأسمالية لعقودٍ طويلة. كما يستكشف العددُ الإرثَ الثوريَّ لنهاية الحرب، بما في ذلك مقالات حول سقوط الفاشية في إيطاليا؛ وتحرير فرنسا؛ وسينما الواقعية الجديدة في فترة ما بعد الحرب؛ إضافةً إلى تحليلٍ كتبه تيد غرانت عام 1945 حول النظام العالمي المتغير.

وسنقوم بنشر العدد كاملًا بصيغة PDF بحلول نهاية هذا الأسبوع.

جنود الجيش الأحمر يرفعون علم الاتحاد السوفييتي فوق مبنى الرايخستاغ في برلين – 2 ماي 1945

يصادف الثامن من ماي/أيار هذا العام الذكرى الثمانين ليوم النصر في أوروبا، الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية رسميا.

سوف يشهد ذلك الحدث التاريخي تنظيم احتفالاتٍ متنوعة في العديد من البلدان. إلا أن غيابا واضحا سيميز جميع تلك الفعاليات الرسمية: فكما جرت العادة، لن يتم توجيه الدعوة لروسيا.

وقد كان أبرز مثال على تلك المناورة الكلبية هو الاحتفال الأخير بتحرير أوشفيتز. ففي تغطيتها الأولية، أبلغتنا هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن تحرير معسكر الموت النازي سيئ السمعة قد تم على يد “قوات حليفة” مجهولة. بدون أية إشارة إلى روسيا أو الاتحاد السوفياتي.

والحقيقة هي أن القوة التي حررت أوشفيتز، في 27 يناير 1945، كانت هي الجيش الأحمر السوفياتي. ومع ذلك فإنه لم يسمح لأي ممثل روسي بالحضور. وهذا يثبت لأي ذي عقل أن تلك الاحتفالات الرسمية المتبجحة لها علاقة بالسياسة المعاصرة أكثر بكثير مما لها مع أحداث ما قبل 80 عاما.

لقد تعرضنا، طيلة عقود، لوابل من الدعاية التي تقول إن هتلر قد هُزم بشكل رئيسي على يد الأمريكيين والبريطانيين. وشكلت الأفلام البطولية التي تصور مآثر الحلفاء الغربيين المزعومة المادة الأساسية في هوليوود منذ عام 1945.

والحقيقة هي أن مشاركة الأمريكيين والبريطانيين في الحرب في أوروبا لم تبدأ فعليا إلا مع إنزال نورماندي في صيف عام 1944.

أما قبل ذلك فقد تقلصت الحرب إلى صراعٍ هائل بين الاتحاد السوفياتي وبين ألمانيا النازية، المدعومة بكل القوى الإنتاجية الأوروبية. لقد كانت روسيا -أو بالأحرى الاتحاد السوفياتي- هي القوة الأكثر حسما في ذلك الصراع الملحمي. أما الأمريكيين والبريطانيين فقد بقوا، معظم فترة الحرب، مجرد متفرجين.

كانت هناك محاولات عديدة لتصوير ستالين على أنه “قائد حربٍ عظيم”. هذا خطأ فادح. لقد تسببت سياسات ستالين، في الواقع، في وضع الاتحاد السوفياتي تحت رحمة هتلر، مما كاد يؤدي إلى تدميره سنة 1941.

فبعد تخليه عن سياسة لينين الأممية الثورية، لجأ ستالين إلى سلسلة من المناورات مع الحكومات الأجنبية لتجنب التورط في حرب.

لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن ما يسمى بالديمقراطيات الغربية كانت هي نفسها منخرطة في المناورات، حيث كانت تسترضي هتلر باستمرار لتشجيعه على التوجه شرقا ومهاجمة الاتحاد السوفياتي.

وإدراكا منه لذلك، رد ستالين بتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا النازية: معاهدة هتلر-ستالين. لقد كانت تلك، في الواقع، خطوة دفاعية من جانب روسيا، تهدف إلى تفادي الهجوم الألماني على الاتحاد السوفياتي.

من حيث المبدأ، قد تكون تلك المناورة الدبلوماسية مبررة لأغراض عملية قصيرة المدى. لكنها، وكما أثبتت الأحداث اللاحقة، لم توفر أي دفاع حقيقي طويل المدى للاتحاد السوفياتي.

وضع ستالين ثقة عمياء في مناورته “الذكية” مع هتلر لدرجة أنه تجاهل العديد من التقارير التي كانت تفيد بأن الألمان كانوا يستعدون للهجوم. ونتيجة لذلك، وفي لحظة الحقيقة، وجد الاتحاد السوفياتي نفسه أعزلا في مواجهة العدوان النازي.

وعندما عبر جنرالات هتلر عن معارضتهم لغزو روسيا، أجابهم هتلر بأن الجيش الأحمر لم يعد لديه جنرالات أكفاء بسبب تطهيرات ستالين.

وتباهى بأن كل ما هو مطلوب هو ركلة واحدة قوية، وسينهار ذلك البناء المتعفن بأكمله. وقد بدا هذا التنبؤ مبررا خلال الأشهر الأولى التي تلت الغزو الألماني، في صيف سنة 1941.

عندما أطلق هتلر غزوه، رفض ستالين تصديق الخبر. وخوفا من الاستفزاز، أمر الجيش بعدم المقاومة. كانت النتيجة كارثة عسكرية.

تم تدمير سلاح الجو السوفياتي على الأرض. وحوصر ملايين جنود الجيش الأحمر، الذين كانوا عاجزين عن أي مقاومة فعالة، وأسروا وأُرسلوا إلى معسكرات الموت، حيث لقي معظمهم حتفه.

كان القادة السوفييت في حالة من الفوضى. في البداية، أصيب ستالين بالذعر واختبأ. كانت أفعاله بمثابة فشل ذريع، وخيانة للاتحاد السوفياتي، الذي تعرض لخطر مميت بسبب سياسات ستالين الخاطئة.

والحقيقة هي أن انتصار العمال والفلاحين السوفييت في الحرب لم يكن بفضل نظام ستالين، بل رغما عنه.

لكن هتلر أخطأ في حساباته. إذ بعد أن أعمته نجاحاته السهلة في الغرب، قلل بشكل كبير من شأن الإمكانات العسكرية للاتحاد السوفياتي. فالاتحاد السوفياتي ورغم سياسات ستالين الإجرامية، تمكن من التعافي بسرعة وإعادة بناء قدراته الصناعية والعسكرية.

قام النازيون، المدعومين بجميع موارد أوروبا الهائلة، بتكثيف الإنتاج، وإنتاج أعداد هائلة من الدبابات والمدافع الهجومية والطائرات. لكن وبحلول عام 1943، تمكن الاتحاد السوفياتي من التفوق على الفيرماخت [الجيش الألماني] الجبار في الإنتاج والتسليح، وذلك من خلال تعبئة القوة الهائلة للاقتصاد المخطط.

الجيش الأحمر في معركة ستالينغراد: التقدّم نحو كالاتش، نوفمبر /تشرين الثاني 1942 / الصورة: ملكية عامة

كانت المعدات والأسلحة التي أنتجها الاتحاد السوفياتي من الطراز الأول، متفوقة على تلك التي استخدمها الألمان أو البريطانيون والأمريكيون. وهذا ما يفند الادعاء المتكرر بأن الاقتصاد المؤمم المخطط غير قادر على إنتاج سلع عالية الجودة.

لكن كان هناك سبب آخر للنجاح السوفياتي المذهل في الحرب، وهو الروح القتالية الجبارة للجيش الأحمر. كانت الطبقة العاملة السوفياتية تقاتل دفاعا عما تبقى من مكاسب ثورة أكتوبر.

رغم الجرائم البشعة التي ارتكبها ستالين والبيروقراطية، فقد مثل الاقتصاد المؤمم المخطط مكتسبا تاريخيا هائلا. وبالمقارنة مع همجية الفاشية -التي هي العصارة الخالصة للإمبريالية والرأسمالية الاحتكارية- كانت ذلك المكتسب يستحق خوض القتال والموت من أجله.

وهو ما قام به عمال الاتحاد السوفياتي بشكل بطولي عظيم. وهكذا فقد كانت الشجاعة الاستثنائية للطبقة العاملة السوفياتية وجيشها الأحمر هي العامل الحاسم في إلحاق الهزيمة بألمانيا النازية.

إن سبب حرص الغرب الشديد على تزوير السجل التاريخي وتجاهل الدور الحاسم للاتحاد السوفياتي واضح تماما. إن النصر المجيد للجيش الأحمر دليل على التفوق الهائل للاقتصاد المخطط المؤمم الذي مكن الاتحاد السوفياتي من النجاة من الكوارث الأولى وإعادة تنظيم قوى الإنتاج وراء جبال الأورال.

وبناء على تضحياتٍ جسيمة، أثبت بما لا يدع مجالا للشك تفوق علاقات الملكية الجديدة التي أرستها ثورة أكتوبر.

لقد منح وجود الاقتصاد المخطط المؤمم للاتحاد السوفياتي ميزةً هائلةً في الحرب.

لكن شعوب الاتحاد السوفياتي دفعت ثمنا باهظا للحرب، إذ سقط 27 مليون قتيل ودمار شامل لقوى الإنتاج.

بعد الغزو الألماني، طالب السوفييت الحلفاء مرارا بفتح جبهة ثانية ضد ألمانيا. لكن تشرشل لم يكن في عجلة من أمره لتلبية مطالبهم. ولم يكن السبب وراء ذلك عسكريا بقدر ما كان سياسيا.

سياسات وتكتيكات الطبقة السائدة البريطانية والأمريكية في الحرب العالمية الثانية لم تكن على الإطلاق مدفوعة بحب الديمقراطية أو بكراهية الفاشية، كما تريد الدعاية الرسمية منا أن نصدق، بل بمصلحة طبقية خالصة.

عندما غزا هتلر الاتحاد السوفياتي سنة 1941، كانت الطبقة السائدة البريطانية تهنئ نفسها. فقد حسبوا أن الاتحاد السوفياتي سيهزم سريعا على يد ألمانيا. وفي تلك العملية ستضعف ألمانيا لدرجة أنه سيكون من الممكن التدخل وقتل عصفورين بحجر واحد.

لكن خطط كل من الدوائر الحاكمة في بريطانيا وأمريكا كانت خاطئة بشكل كامل. فالاتحاد السوفياتي بدلا من أن يُهزم على يد ألمانيا النازية، قاوم وألحق هزيمة ساحقة بجيوش هتلر.

لقد كانت مصالح الإمبرياليتين البريطانية والأمريكية مختلفة، بل ومتعارضة. وقد عكست الصراعات بين تشرشل وروزفلت حول مسألة يوم الإنزال ذلك التوتر.

لم تكن الإمبريالية الأمريكية تريد نجاح هتلر لأن ذلك كان سيخلق منافسا قويا للولايات المتحدة في أوروبا. ومن ناحية أخرى، كان من مصلحة الإمبريالية الأمريكية إضعاف بريطانيا وإمبراطوريتها، لأنها كانت تسعى إلى الحلول محلها باعتبارها قوة عالمية رائدة بعد هزيمة ألمانيا واليابان.

كانت واشنطن، ورغم أنها حليف رسمي للندن، تسعى دائما إلى استغلال الحرب لإضعاف مكانة بريطانيا في العالم، وخاصة لكسر سيطرتها على الهند وأفريقيا.

كان تشرشل يريد حصر حرب الحلفاء في البحر الأبيض المتوسط، وذلك جزئيا بهدف استمرار السيطرة على قناة السويس والطريق إلى الهند البريطانية؛ وجزئيا لأنه كان يفكر في غزو البلقان لعرقلة تقدم الجيش الأحمر هناك.

وبعبارة أخرى فقد استندت حساباته حصريا إلى المصالح الاستراتيجية للإمبريالية البريطانية وضرورة الدفاع عن الإمبراطورية البريطانية. وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم يتخل تماما عن أمله في أن تستنزف كل من روسيا وألمانيا نفسيهما، مما سيؤدي إلى حالة من الجمود في الشرق.

لكن الأحداث في الشرق سارت في النهاية عكس مراده.

كان روزفلت يضغط من أجل فتح الجبهة الثانية في فرنسا. لكن تشرشل كان يلح باستمرار على التأجيل. وقد أدى ذلك إلى خلافات حادة بين لندن وواشنطن.

وفي الوقت الذي كان فيه الجيش الأحمر يخوض صراعا مميتا مع الفيرماخت في كورسك، كان البريطانيون والأمريكيون قد وصلوا شواطئ صقلية.

كان غزو إيطاليا في الواقع على هامش الجبهة الرئيسية للحرب. فقد استمر الجزء الأكبر من القتال مع ألمانيا النازية على الجبهة الشرقية، حيث كان الجيش الأحمر يواجه حوالي 200 فرقة عسكرية ألمانية. وفي المقابل كانت قوات بريطانيا العظمى والولايات المتحدة تواجه في صقلية فرقتين ألمانيتين فقط.

كان توسل موسوليني لهتلر بإرسال تعزيزات بدون جدوى. فقد كان كل اهتمام هتلر منصبا على الجبهة الشرقية. لكن زعم ​​تشرشل بأن إيطاليا ستكون “المنطقة الرخوة في أوروبا” قد ثبت زيفه.

لقد أعطت مراوغات الجنرالات الأمريكيين الفاشلة لهتلر وقتا لتعزيز الجبهة الإيطالية، مما هيأ الظروف لمعركة مونتي كاسينو الدموية.

وازدادت العمليات في إيطاليا تعقيدا بسبب الأخبار غير السارة التي تفيد بأنه بعد الإطاحة بموسوليني، عام 1943، قد تستولي حركة المقاومة القوية بقيادة الشيوعيين الإيطاليين على السلطة.

فكان رد سلاح الجو الملكي البريطاني هو شن حملة قصف شرسة على الفور على مدن شمال إيطاليا، لمنع الشيوعيين الإيطاليين من الاستيلاء على السلطة.

كان البريطانيون والأمريكيون قلقين من إمكانية وصول الأنصار إلى السلطة قبل وصول قوات الحلفاء بوقت طويل. وكان رأيهم هو أنه من الأفضل ترك النازيين يقاتلون الأنصار، وبالتالي إضعاف قوات المقاومة.

وهكذا فبينما كان الحلفاء يقاتلون الألمان في إيطاليا، فقد كان هناك اتفاق ضمني وغير معلن بين الجانبين بشأن وقف العدو الطبقي المشترك، الذي في هذه الحالة هو الطبقة العاملة الإيطالية.

ولذلك فإنه حتى في ذروة الحرب، ظلت المسألة الطبقية -الخوف من الثورة- تجثم بشكل هائل على حسابات الطبقة السائدة. وقد تفاقم ذلك الوضع أكثر بعد توقف المواجهات.

في غضون ذلك كانت الأحداث قد اتخذت منعطفا دراماتيكيا على الجبهة الشرقية.

بحلول نهاية يناير 1943، انهارت القوات الألمانية بعد معركة ضارية في ستالينغراد. ورغم سعار هتلر، الذي أمر الجيش السادس “بالقتال حتى الموت”، فقد استسلم الجنرال باولوس للجيش الأحمر.

حتى تشرشل، ذلك العدو المتعصب ضد الشيوعية، اضطر للاعتراف بأن الجيش الأحمر “مزق أحشاء الجيش الألماني” في ستالينغراد.

الجيش الأحمر في معركة ستالينغراد: اشتباك داخل مصنع أكتوبر الأحمر/ الصورة: المجال العام

لكن خلف كلمات الثناء تلك، كانت القيادة البريطانية مصابة بخوف مميت، خوف كان يزداد قوة يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة.

خسر الألمان، خلال حملة ستالينغراد، ما مجموعه 500 ألف رجل، من بينهم 91 ألف أسير. تلك الهزيمة الساحقة تلاها حدث أكثر حسما في صيف عام 1943: معركة كورسك، التي كانت أكبر معركة دبابات في التاريخ، شاركت فيها نحو 10.900 دبابة، و2.600.000 جندي، و5.000 طائرة. ولعلها كانت الأكثر حسما في الحرب بأكملها.

مهد الانتصار السوفياتي في ستالينغراد وكورسك الطريق للتقدم الدراماتيكي للجيش الأحمر، مما أجبر البريطانيين والأمريكيين على التحرك.

اتضح للأمريكيين، منذ أواخر عام 1943، أن الاتحاد السوفياتي كان ينتصر في الحرب على الجبهة الشرقية، وأنهم إذا لم يتخذوا أي إجراء، فسيكتسح الجيش الأحمر أوروبا.

اضطر تشرشل على مضض للرضوخ لمطالب الرئيس الأمريكي الملحة. ورغم ذلك فقد تأخر فتح الجبهة الثانية حتى ربيع عام 1944.

لم يسارع الحلفاء إلى فتح الجبهة الثانية بغزو نورماندي إلا في صيف عام 1944، عندما كان الجيش الأحمر يتقدم بسرعة نحو برلين. لو أنهم لم يفعلوا ذلك، لكانوا سيلتقون الجيش الأحمر على شواطئ القناة الإنجليزية.

بلغ قلق الإمبرياليين حد وضع خطة جديدة، هي عملية رانكين، تتضمن إنزالا اضطراريا في ألمانيا في حال انهيارها أو استسلامها. وكانوا مصممين على الوصول إلى برلين قبل الجيش الأحمر.

قال روزفلت لقادة جيوشه: «يجب أن نصل إلى برلين. عندها يمكن للسوفييت الاستيلاء على الأراضي الواقعة شرقها. ويجب أن تحصل الولايات المتحدة على برلين»[1].

لكن الأمور سارت على نحو مختلف، فقد وصل الجيشان البريطاني والأمريكي إلى حدود ألمانيا، لكنهما توقفا هناك. ومن ناحية أخرى، كان تقدم الجيش الأحمر هو الأكثر إثارة للإعجاب في تاريخ الحروب.

اقترب الجيش الأحمر من برلين في 25 أبريل 1945.

استمر هتلر حتى النهاية تقريبا في إصدار الأوامر لقوات غير موجودة، ونقل طائرات وفرق خيالية. لكن النهاية كانت قد حلت. فانتحر في 30 أبريل، ونقعت جثته بالبنزين وأُحرقت.

وبينما كانت النيران تلتهم جثته، كان دوي المدافع الروسية يسمع في قلب برلين. في فاتح ماي، ارتفع العلم السوفياتي فوق الرايخستاغ. وفي اليوم التالي، كانت القوات السوفياتية تسيطر بالكامل على العاصمة الألمانية. وبعد خمسة أيام، استسلمت ألمانيا.

شاطئ أوماها، نورماندي – يونيو 1944/ الصورة: ملكية عامة

كتب تشرشل إلى الحكومة السوفياتية أن إنجازات الجيش الأحمر تستحق “تصفيقا لا حدود له”، وأن الأجيال القادمة تدين له «بكل إجلال كما ندين له نحن الذين شهدنا هذه الإنجازات العظيمة»[2].

لكن تلك الكلمات تفوح منها رائحة النفاق. ففي الواقع لم يكن تشرشل سعيدا على الإطلاق بانتصار الاتحاد السوفياتي. فقد بدأ فورا بالتخطيط للتحضير لحرب جديدة: ما سمي بالحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي.

ليس من المعروف عموما أن هزيمة اليابان جاءت في الواقع نتيجة الضربة القاضية التي وجهها الاتحاد السوفياتي لجيشها في منشوريا. فبعد هزيمته للجيش الياباني في هجوم خاطف، اجتاح الجيش الأحمر منشوريا بسرعة، متجها مباشرة نحو اليابان.

في 06 غشت 1945، ألقت الولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ قنبلة نووية على هيروشيما، تلتها بعد ثلاثة أيام قنبلة أخرى على ناغازاكي، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 246 ألف انسان. لم يكن ذلك العمل موجها في الواقع ضد اليابان، التي كانت بالفعل راكعة وتلتمس السلام. بل كان القصد منه توجيه تحذير للاتحاد السوفياتي بعدم المضي قدما. لو لم يقم الأمريكيون بذلك، لما كان هناك ما يمنع الجيش الأحمر من احتلال اليابان نفسها.

كان ذلك أول مؤشر واضح على الصراع بين الإمبريالية الأمريكية والاتحاد السوفياتي، وهو الصراع الذي هيمن على العالم لعقود بعد عام 1945. كانت بذور الحرب الباردة تزرع.

قبل وفاته بفترة وجيزة، كان تروتسكي قد عبر عن رأي مفاده أن الاتحاد السوفياتي في ظل النظام الستاليني من غير المرجح أن ينجو من الحرب. لكن وكما سبق لنابليون أن أوضح فإن الحرب هي أكثر المعادلات تعقيدا.

لقد فند التاريخ تنبؤات تروتسكي. لكن حتى أعظم العباقرة لم يكن لهم أن يتنبأوا بالتطور الغريب للحرب العالمية الثانية. وقد تبين أن توقعات ستالين وهتلر وروزفلت وتشرشل جميعها كانت خاطئة تماما، وبنتائج كارثية.

إن النصر الباهر للاتحاد السوفياتي في الحرب غير الوضع بشكل كامل. وأدى إلى تقوية النظام الستاليني طيلة فترة كاملة.

وفي غضون ذلك اجتاحت موجة ثورية بقية أوروبا. كانت خيانة الستالينيين والإصلاحيين هي التي منعت الطبقة العاملة من الاستيلاء على السلطة في عدد من البلدان. ​​وقد وفر ذلك الظروف السياسية اللازمة لانتعاش الرأسمالية بعد الحرب.

لكن العامل الحاسم كان هو اضطرار الإمبريالية الأمريكية للتدخل من أجل دعم الرأسمالية في أوروبا واليابان. فخوفا من شبح الشيوعية، اضطر الإمبرياليون الأمريكيون إلى دعم النظام الرأسمالي.

لم تتعرض الولايات المتحدة قط لمثل ذلك القصف الذي دمر اقتصادات أوروبا واليابان. وبحلول نهاية الحرب، كان ثلثا ذهب العالم موجودا في قاعدة فورت نوكس. وكان الدولار الأمريكي يساوي قيمة الذهب.

مكنت تلك القوة الاقتصادية الأمريكيين من تقديم مساعدات اقتصادية هائلة لأوروبا من خلال خطة مارشال، التي وفرت الظروف المادية اللازمة لانتعاش اقتصادي وإعادة التوازن الاجتماعي والسياسي.

في ظل تلك الظروف، سيطر عملاقان على العالم بأسره: الإمبريالية الأمريكية من جهة، والاتحاد السوفياتي الستاليني القوي من جهة أخرى. عرف ذلك باسم الحرب الباردة، واستمر لعقود.

ويتناول هذا العدد من مجلة “الدفاع عن الماركسية” تلك الأحداث من زوايا مختلفة.

والآن عادت عجلة التاريخ العظيمة للدوران من جديد. تواجه قوة الإمبريالية الأمريكية تحديا من جانب روسيا الصاعدة، التي تعافت من الانهيار الاقتصادي الذي عانت منه بعد عودة الرأسمالية في تسعينيات القرن الماضي، ومن جانب الاقتصاد الصناعي القوي للإمبريالية الصينية الصاعدة.

لقد تحطم التوازن الهش القديم. وبدأت تناقضات جديدة تبرز بسرعة. وقد انفتحت حقبة تاريخية جديدة عاصفة. ستكون هناك هزائم عديدة وانتكاسات عديدة، لكن وفي خضم العاصفة، ستتبلور الظروف الملائمة لتكثيف الصراع الطبقي. وعاجلا أم آجلا، في هذا البلد أو ذاك، ستوف تطرح الثورة الاشتراكية مجددا على جدول الأعمال.

عنوان الافتتاحية ومصدرها:

The Second World War: setting the record straight


[1] FRUS, The Conferences at Cairo and Teheran, 1943, p. 254.

[2] Correspondence…, Vol. 1, p 307.