الرئيسية / تحليلات تاريخية / الحرب العالمية الثانية / تيد غرانت: العمال يريدون السلام – السادة يريدون الحرب

تيد غرانت: العمال يريدون السلام – السادة يريدون الحرب

كلمة هيئة تحرير موقع ماركسي

نضع بين أيدي قراءنا هذا المقال الهام الذي كتبه تيد غرانت عشية الحرب العالمية الثانية، عندما كان المجرمون الإمبرياليون –ألمانيا وحلفائها من جهة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى- يشحذون سكاكينهم لشن المذبحة العالمية، التي تسببت في مقتل ما يزيد عن 50 مليون انسان ودفعت الحضارة البشرية إلى حافة الهاوية، من أجل تقرير من له الحق من بينهم في الاستيلاء على المستعمرات واستعباد شعوبها واستغلال ثرواتها.

ورغم أنه كتب قبل ما يزيد عن 80 سنة، فإنه ما يزال يحتفظ بكل راهنيته، في ظل الأوضاع العالمية اليوم وما نشهده من حروب لا تنتهي في العديد من مناطق العالم، حيث يفضح الستالينيين والإصلاحيين الذين يصطفون إلى جانب الرأسماليين في بلدانهم ويحثون العمال على أن يتعبأوا لذبح عمال البلدان الأخرى؛ ويقدم الموقف الماركسي الأممي من الحروب الإمبريالية، المبني على أن العدو الحقيقي للعمال والكادحين موجود في الداخل، أي الطبقة الرأسمالية نفسها، وليس عمال وكادحي البلدان الأخرى؛ وأن مهمة القضاء على الحروب رهينة بالقضاء على الرأسمالية التي هي سبب الحروب.

وهي الدروس التي يجب أن يفهمها كل ماركسي لكي لا ينهار تحت ضغط الدعاية الشوفينية التي تصاحب كل حرب، سواء من جانب وسائل الإعلام الرسمية أو القيادات الإصلاحية للمنظمات العمالية، ويحافظ على موقف ماركسي أممي ثوري: موقف ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي وتيد غرانت، والذي هو اليوم موقف التيار الماركسي الأممي، في خيط لم ينقطع.

العمال يريدون السلام السادة يريدون الحرب

كل العناصر التي تؤدي إلى أزمة عالمية تنضج في الوقت الحاضر. إن التوجه الرأسمالي نحو الحرب يتخذ أبعادا لا تقاوم. تجري استعدادات متقنة ، في السر والعلن، لمواجهة جديدة في غشت أو شتنبر والتي قد تؤدي إلى حرب. وتجري الاستعدادات العسكرية الدبلوماسية في كل بلدان أوروبا.

سيكون الأسطول البريطاني بكامل قوته الحربية في هذه الأشهر. سيتم تجنيد مليون رجل في إنجلترا، وهو أكبر رقم مسجل في أوقات السلم. تستدعي فرنسا المزيد من جنود الاحتياط وتحافظ على خط ماغينو بالكامل. ويتم إبقاء الجيش البريطاني على أهبة الاستعداد للقيام بعمل فوري. سارت القوات البريطانية جنبا إلى جنب مع الفرنسيين في استعراضات في باريس، وحلقت قاذفات بريطانية فوق فرنسا في طلعات للاستعراض.

وفي غضون ذلك، في دانزيغ، النقطة الأساسية في الأزمة، وعلى عكس التهديدات وفي تحد لبولندا، قام النازيون بتعزيز وتسليح وإرسال آلاف الجنود بشكل محموم استعدادا للضربة. ورد في مقال في صحيفة الديلي تلغراف أن “التركيزات العسكرية الألمانية في الشرق والغرب هائلة وشبه كاملة”. وقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي أن هذا هو “أخطر وضع تعرفه أوروبا خلال 20 عاما”.

ويؤكد المقال نفسه على الأزمة العالمية. تقول صحيفة فرانكفورتر تسايتونغ : “لا أحد يعتقد أن تغيير الاتجاه في السياسة البريطانية سوف يرضي المطالب الحيوية لألمانيا… وبالتالي فإن المشكلة سوف تستمر”.

أعلن حكام بولندا في خطبهم العدائية أن أي محاولة لضم دانزيغ إلى الرايخ ستعني الحرب، وأن بريطانيا وفرنسا قد أكدتا دعمهما لبولندا. وقد أعلن اللورد هاليفاكس، نيابة عن الحكومة في 30 يونيو، أنه: “في حالة حدوث عدوان إضافي، نحن مصممون على استخدام كل قوتنا في الحال للوفاء بتعهداتنا بمقاومته” .

وقد أشار هور بليشا إلى جدية موقف الإمبرياليتين الفرنسية والبريطانية في خطاب ألقاه في فرنسا. قال: إن “شعوبهم” -أي الرأسماليين البريطانيين والفرنسيين- “تعرف أن الفترة الطويلة التي حظوا خلالها بالتمتع بالثروة الهائلة والنفوذ الكبير بشروط ميسرة قد أوشكت على الانتهاء”.

من أجل ضمان ابتعادهم عن التعقيدات الأوروبية ، اضطر الرأسماليون البريطانيون إلى التراجع مؤقتا في أقصى الشرق. واليابان، التي تستفيد من الوضع المضطرب، أجبرت الإمبريالية البريطانية على منحها دعما غير مباشر في حربها في الصين. تعتبر هذه الصفقة في حد ذاتها دليلا هاما على مدى ضآلة اهتمام الإمبرياليين البريطانيين حقا بالسلام أو بمحاربة “العدوان”. إن همهم الرئيسي، كما هو الحال بالنسبة لجميع الإمبرياليين، هو حماية وزيادة استغلالهم بلا رحمة للشعوب المستعمرة وشعوب العالم الأخرى.

ما يزال الإنفاق على التسلح متواصلا، وهو يتصاعد إلى أبعاد مذهلة ؛ تم إنفاق 730 مليون جنيه إسترليني على الأسلحة في بريطانيا هذا العام وحده. وتستعد الحكومة البريطانية والحكومات الأخرى لإلقاء أعباء هائلة على كاهل جماهير الشعب من أجل تعزيز استعداداتها للحرب.

المفاوضات في موسكو بشأن اتفاقية عسكرية طويلة الأمد ما تزال تسير ببطء، حيث تناور بريطانيا والاتحاد السوفيتي للحصول على مزايا ويتجادلان حول تفاصيل الالتزامات العسكرية. يمكننا هنا مرة أخرى أن نرى بوضوح أن هدف الإمبرياليين البريطانيين هو حماية مصالحهم ولا شيء آخر.

الاستعدادات الأيديولوجية للمذبحة تتواصل على قدم وساق. تواصل وزارة الدعاية الخاصة بغوبلز بث الهجمات ضد المعاملة اللاإنسانية للشعوب المستعمَرة من قبل “الأنظمة البلوتوديموقراطية”، والتي بدورها ترد بإدانة الفظائع المرتكبة في الدول الشمولية.

أعلن المارشال سميغلي-ريدز أن الشعب البولندي سيقاتل حتى آخر رجل من أجل دانزيغ. “بولندا لا تريد الحرب، لكن بالنسبة لنا هناك أشياء أسوء من الحرب وأحد تلك الأشياء هو فقداننا لحرياتنا”. صار اللئيم يحاضر في الشرف. وهكذا فإن الرأسماليين البولنديين الذين قتلوا وأرهبوا واضطهدوا الأوكرانيين والغاليسيين والألمان واليهود والأقليات الأخرى، بالإضافة إلى قمع العمال والفلاحين، لديهم الوقاحة المذهلة للحديث عن “الدفاع عن الحرية”.

لقد نقلت الصحافة البريطانية هذه الكلمات باستحسان، بما في ذلك الصحافة العمالية. قال آرثر غرينوود من حزب العمال إنه بقدر ما يحب السلام فهو يحب الحرية أكثر، وطالب بإيقاف ألمانيا النازية. أصدر حزب العمال بيانا للشعب الألماني لاتخاذ إجراءات ضد حكامه من أجل السلام. وقد وجهت البي بي سي الجزء الأكبر من بثها إلى ألمانيا. وقد أدى ذلك إلى موجة غضب من طرف النازيين في ألمانيا. قالت صحيفة ديلي هيرالد، الصادرة في 05 يوليوز، “هم” -الصحف الألمانية- “لا تعجبهم لأن نداء حزب العمال يعامل الشعب الألماني كبشر، كرفاق، كشركاء في تراث مشترك. لكن الحكومة الألمانية تعاملهم كبيادق، وكأوراق لعب، وكلحم للمدافع”.

إن إلقاء عبء خوض النضال ضد الحرب على أكتاف العمال الألمان قد أثار سخطا صحيحا من الحزب الشيوعي البريطاني. وبالإشارة إلى نداء حزب العمال، قال إن مهمتنا هي النضال في الداخل، ثم نواصل المطالبة بمضاعفة الجهود للإطاحة بتشامبرلين باعتباره حليفا لهتلر، والطابور الخامس لهتلر، وما إلى ذلك.

إذا كان هناك من فرق فهو أن نفاق الحزب الشيوعي أكثر وقاحة من نفاق حزب العمال، فكلاهما يخدعان عمال ألمانيا وبريطانيا فيما يتعلق بالأسباب الحقيقية للصراع الوشيك. صحيح أن هتلر يستخدم الشعب الألماني كبيادق وأوراق لعب ولحما للمدافع. لكن في حسابات الإمبريالية البريطانية والفرنسية والبولندية التي تقوم بها بدم بارد، العمال في هذه البلدان هم أيضا لحم للمدافع يستخدمونهم للدفاع عن مصالحهم الرأسمالية، لا شيء أكثر من ذلك.

إن اهتمام بريطانيا الجديد ببولندا “المحبة للحرية” وبسلامة أوروبا الشرقية لم يكن بأي حال من الأحوال مدفوعا بحب طاهر تجاه الإنسانية. إنه نابع من الخوف من المنافسة الناجحة للإمبريالية الألمانية.

تعترف صحيفة ديلي هيرالد، الصادرة في الأول من يوليوز، أن السبب الحقيقي للصراع ليس نابعا من إيديولوجيات مختلفة، بل هو صراع مصالح إمبريالية متناقضة. وقالوا إنه يجب إنهاء الإمبريالية القديمة إذا أريد الحفاظ على السلام الدائم. إن حث الإمبرياليين على الكف عن كونهم إمبرياليين يشبه مطالبة الوحوش المفترسة آكلة اللحوم بالتوقف عن أكل اللحوم والعيش على العصيدة. طالما أن الإمبريالية والرأسمالية موجودتين، سوف يستمران حتما في خوض الحروب بسبب تضارب المصالح الاقتصادية.

الرأسماليون البريطانيون ليسوا أفضل من منافسيهم الألمان وهم أكثر نفاقا. إن مهمتنا تكمن في الداخل. وإذا كان هناك شيء واحد يمنع الرأسماليين من خوض الحرب حتى الآن، فهو الخوف من غضب الطبقة العاملة.

يحاول الرأسماليون البريطانيون بشكل يائس إيجاد طريقة للخروج من المأزق الذي وصلوا إليه. كان عرض وزير التجارة الخارجية، روبرت هدسون، بتقديم قرض بقيمة مليون جنيه إسترليني لألمانيا، بمثابة محاولة للتوصل إلى حل وسط. كل رأسماليي العالم خائفون من الحرب التي تتطور، ليس بسبب أي اهتمام من جانبهم بالحياة البشرية، بل خوفا من الثورات الحتمية التي ستنشأ عنها. لكنهم يجدون أن الحل مستحيل. قد يتمكنون من تأخير اندلاع الحرب لفترة قصيرة، لكن هذا كل شيء.

نقول للعمال، وخاصة للشباب الذين يتم تدريبهم على استخدام السلاح في الميليشيات والجيش: عدوكم ليس الشباب في البلاد الأخرى، إن عدوكم هو الطبقة الرأسمالية في الداخل. هناك طريقة واحدة فقط لمنع اندلاع الحرب، وإذا اندلعت لإنهائها، وهي إسقاط الرأسمالية، التي هي الجذر الحقيقي الذي تنبثق منه الحرب.

بقلم تيد غرانت
غشت 1939

ترجم عن الإنجليزية من موقع أرشيف تيد غرانت:

Workers want peace—Bosses prepare for war!