الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / سوريا / ويكيليكس وسوريا: تسريبات ودروس

ويكيليكس وسوريا: تسريبات ودروس

توصلنا بهذا المقال الهام بقلم الرفيق رامز مكرم باكير، يتناول فيه بعض الوثائق التي سربها ويكيليكس عن العلاقات بين بعض تيارات النظام القائم في سوريا والولايات المتحدة، وتورط الدول المجاورة في زعزعة استقرار سوريا من خلال تفجير الصراعات الطائفية والاثنية. ويهدي هذا المقال لجميع معتقلي الرأي في العالم، ولجوليان أسانج وكل المدافعين على إبراز الحقيقة.


في يوم 11 أبريل/نيسان 2019، وفي تمام الساعة 09 صباحاً، اقتحم 6 رجال شرطة، ضخام الجثة، السفارة الإكوادورية بحي نايتسبريدج في لندن، واعتقلوا جوليان أسانج بشكل عنيف ومهين، وفيه شيء من الانتهاك لكرامته، وبدا وكأن السلطات عمدت الى إظهاره بهذا المنظر الضعيف الهزيل، بشعره الأبيض وكأنه عجوز لاحول له ولا قوة.

لتكون نهاية الست سنوات والعشرة أشهر، 2487 يوماً بالتحديد، قضاها أسانج في مبنى سفارة الإكوادور، لم تطأ قدمه خارجها، ولم ير الشمس إلا نادراً.

تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، زفت الخبر بعبارة “لا أحد فوق القانون” وقد اقتيد أسانج إلى سجن بيلميريش، وهو سجن يخضع لحراسة ومراقبة مشددة، والمخصص للمجرمين الخطرين، خلافاً لأوغوستو بينوشيه، الديكتاتور التشيلي، والذي كان متهما بجرائم قتل لخصومه وتهم فساد، والذي كان خاضعاً للإقامة الجبرية في فيلته، يسرح ويمرح، حتى أنه كان يتلقى زيارات من مارغريت تاتشر نفسها، والتي كانت تجمعها به صداقة حميمة وكانت تحرص دائما على أن تحضر له الويسكي الذي كان يحب.

وتمت المماطلة في قضية بينوشيه حتى رفضت بريطانيا تسليمه، وتوفي جراء كبر السن.

في ظهر يوم 04 يناير/ كانون الثاني 2021، أصدرت محكمة اولد بيلي “محكمة الجنايات المركزية في بريطانيا” قرار الحكم اخيراً بعدم تسليم جوليان أسانج للولايات المتحدة، لمواجهة تهم تجسس، والتعامل مع شيلسي مانينغ لاختراق أجهزة الكومبيوتر الحكومية الأمريكية، وتسريب ما سربوه من تقارير سرية للغاية، ورسائل بريد إلكترونية، أهمها رسائل هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية تحت إدارة باراك أوباما.

ومع أن الحكم قوبل بارتياح كبير من أنصار أسانج وقضيته، فالقلق ما زال موجوداً، حيث أن مفاد حكم المحكمة استند الى مخاوف من أن السجون الأمريكية غير مؤهلة وآمنة بشكل كاف في حال ما حاول أسانج الانتحار.

والحكم كان لصالح الادعاء، بتسليم أسانج الى الولايات المتحدة، والرسالة هنا أن النظام القضائي البريطاني خاضع لأهواء ومصالح الإمبريالية الأمريكية، ومن المبكر اعتبار هكذا حكم بأنه انتصار.

لمحة عامة

لقطات مصورة تظهر طائرة هيليكوبتر حربية أمريكية من طراز ايربورن، يقوم الطيارون الحربيون بإعدام شخصين مدنيين في بغداد بدم بارد، وكأنهم يتسلّون بلعبة من ألعاب الفيديو الحربية.

يتضح لاحقا أن هذين المدنيين كانا موظفين في وكالة رويترز للأنباء.

كانت تلك واحدة من مئات الآلاف، من المواد والوثائق السرية والتقارير العسكرية الميدانية من حرب العراق وأفغانستان والتي سربها أسانج بالتعاون مع صحيفة الغارديان البريطانية، والتي وثقت و فضحت عشرات الآلاف من جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتكبتها قوات العدوان الأمريكية وشركات المرتزقة الرديفة لها، والتي لولا هذه التسريبات لطواها الزمان، ولبقيت اشاعات ونظريات مؤامرة.

وفي يوم 5 يوليوز/ تموز 2012، بدأت وكالة ويكيليكس بنشر الوثائق المتعلقة بالملف السوري، وتزامن ذلك مع بدء تفاقم الوضع في سوريا، حيث بدأت الأزمة تأخذ منحاً عالميا والوضع كان قد خرج عن السيطرة. أكثر من مليونين واربعمائة الف رسالة إلكترونية وتقارير استخباراتية وبرقيات سرية، كان بعضها رسائل متبادلة بين السلك الدبلوماسي الأمريكي وأكثر من 680 جهة حكومية سورية، من بينهم سياسيين أفراد، وشركات ووزارات، مكتب الشؤون الرئاسية، مكتب الشؤون الخارجية، وحتى مؤسسات حكومية كوزارة الثقافة والري والنقل.

وقد تم نشر عدد من هذه الوثائق والمقالات ذات الصلة بها من طرف العديد من الوكالات العربية والعالمية، لما فيها من معلومات حساسة، من أهمها، صحيفة “المصري اليوم”، و”الاخبار اللبنانية”، مما اثار ضجة واهتماما لم يدم طويلاً.

وقد وصفت هذه التسريبات بالمحرجة، ليس فقط للحكومة السورية وحسب، بل أيضا للجانب الأمريكي.

تكمن أهمية هذه الوثائق، في اتاحة الفرصة لفهم أعمق للإجراءات الداخلية الامريكية ولخفايا سياساتهم وأهدافهم الإمبريالية، ولتكون نافذة على مراكز صنع القرار فيما يخص الملف السوري.

الوثيقة الأولى:

‏”INFLUENCING THE SARG IN THE END OF “2006

وهي برقية دبلوماسية صادرة عن السفارة الأمريكية في دمشق يوم 13 يناير/ كانون الثاني 2006، والتي كانت تدار بها عمليات تجسس واستخبارات بعيدة كل البعد أحياناً عن الشأن الدبلوماسي.

كاتب هذه البرقية كان ويليام روبوك، القائم بالأعمال في ذلك الوقت، ومن المهم الإشارة الى أن عامي 2005 و2006 كانا حافلين بالأحداث التي ادت الى تأزم العلاقات السورية الأمريكية بشكل كبير.

ويشرح ويليام روبوك في البرقية بعضاً من نقاط الضعف في النظام بدقة، وكيفية استغلالها والتعامل معها، والتي غالباً ما كانت موجهة لضرب الاستقرار في المنطقة، لخدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية، حتى ولو كلف الأمر حمامات من الدماء وإشعال جحيم الطائفية في المنطقة، دون أي اعتبارات إنسانية.

هذا بعض مما جاء في البرقية والنغمة الطائفية:

«نقاط الضعف: التحالف مع طهران: يمضي بشار الأسد بقوة في علاقاته المتزايدة القوة مع إيران، حيث يسعى للحصول على الدعم الضروري، ويحرص في الوقت ذاته على عدم تنفير جيرانه العرب السنة المعتدلين ولكي لا ينظر الى النظام السوري على أنه يخدم  مصالح الشيعة الفارسية والأصولية. 

ويمكن النظر إلى قرار بشار بعدم حضور قمة طالباني أحمدي نجاد في طهران بعد زيارة وزير الخارجية المعلم إلى العراق على أنه دليل على حساسية بشار الأسد»

«الإجراء المحتمل: اللعب على المخاوف السنية من النفوذ الإيراني: هناك مخاوف في سوريا من أن الإيرانيين ينشطون من خلال حملات التشيّع، مع إشارة الى تضخيم هذه المخاوف ، وهي تعكس وجه نظر شريحة من المجتمع السني في سوريا يشعر بالضيق بشكل متزايد من انتشار النفوذ الإيراني في بلدهم ويلاحظ ذلك من خلال أنشطة تتراوح من بناء المساجد إلى الأعمال التجارية.

تولي البعثتان المحليتان المصرية والسعودية هنا (بالإضافة إلى الزعماء الدينيين السنة السوريين البارزين) اهتمامًا متزايدًا بالمسألة وعلينا التنسيق بشكل أوثق مع حكومتيهما بشأن سبل الإعلان بشكل أفضل عن هذه القضية وتركيز الاهتمام الإقليمي عليها».

وهنا تفضح البرقية أيضاً احتمالية عمالة بعض اركان النظام لأمريكا، وخصوصاً كبارهم من آل مخلوف.

فبحسب البرقية، النظام السوري لم يكن محصناً من الاختراقات الأمريكية، ولم يكن ممانعاً بالشكل الذي ما زال الكثيرون يعتقدونه.

«نقاط الضعف: الدائرة الداخلية: تهيمن عائلة الأسد على النظام وبدرجة أقل بشار الأسد، وأيضاً عائلة الأم، عائلة مخلوف، حيث يعتقد العديد من أفراد الأسرة أنهم فاسدون بشكل متزايد. إن العائلة والجماعات العلوية وكذلك الطائفة العلوية الأكبر ليست محصنة ضد الخلافات والمؤامرات المناهضة للنظام، وكان ذلك واضحًا العام الماضي عندما اقترب منا مقربون من أركان النظام المختلفة (بمن في ذلك آل مخلوف) بشأن احتمالات ما بعد بشار.

الفساد هو الحاجز الكبير والدائرة المقربة من بشار كذلك.»

ومن نقاط الضعف التي تمت الإشارة إليها في البرقية أيضاً ثلاثة من ابرز اركان النظام، والذي وصفهم روبوك وصفاً تشبيهياً قد يكون مطابقاً لما كان يتداول عنهم في الشارع السوري من اشاعات وأوصاف.

ماهر الفاسد الذي من المستحيل إصلاحه، وشوكت المزعج وغير المرغوب به، وخدام الذي يعرف أين يخفي النظام هياكله العظمية.

«ماهر الأسد فاسد ولا يمكن إصلاحه. ليس لديه رادع في نزاعاته مع أفراد أسرته أو غيرهم. هناك أيضًا خوف هائل في المجتمع العلوي من الانتقام إذا استعادت الأغلبية السنية السلطة. 

تسبب تعيين شوكت انزعاجاً كبيراً، وكان موضوع نقاش كبير في مجتمع الأعمال والدائرة المقربة من النظام».

«خدام: يعرف خدام أين تختبئ الهياكل العظمية للنظام، الأمر الذي يثير استياءً هائلاً من بشار، لا يتناسب إلى حد كبير مع أي دعم يقدمه خدام داخل سوريا. يتابع بشار الأسد شخصياً ونظامه بشكل عام كل خبر يتعلق بخدام باهتمام عاطفي هائل. يتصرف النظام بغضب عارم عندما تستضيف دولة عربية أخرى خدام أو تسمح له بالإدلاء بتصريح علني عبر أي من وسائل الإعلام التابعة لها».

الوثيقة الثانية:

الوثيقة هي واحدة من 50.547  وثيقة مأخوذة من أكثر من 30 الف رسالة من البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون، يعود تاريخها الى الوقت الذي كانت تشغل فيه منصب وزيرة الخارجية وذلك بين عامي 2010 -2014. 

أطلقت ويكيليكس ارشيف هذه الوثائق في يوم 16 مارس/آذار 2016، والتي كانت السبب الرئيسي لقتل طموحات واحلام كلينتون الرئاسية للأبد.

الرسالة مصنفة (سرية للغاية) تلقتها كلينتون في يوم 18 يوليوز/ تموز من عام 2012 من مسؤول استخباراتي مجهول، وعلى صلة مباشرة بمؤسسات حكومية وأمنية، وأحزاب سياسية، بما في ذلك التركية والاسرائيلية.

وخاصةً منظمة المخابرات الوطنية التركية (TNIO).

إسرائيل تتلاعب وتعبث مع حزب الله، فئران تجارب لاختبار أسلحتها وقدراتها العملياتية لا أكثر، ولا يشكلون أي تهديد حقيقي لأمن إسرائيل، وتفكك سوريا من مصلحة تركيا.

وجاء في الرسالة في هذا السياق:

«وفقًا لمصدر له إمكانية الوصول المباشر إلى منظمة المخابرات الوطنية التركية (TNIO)، الذي تحدث بشرط السرية، سيؤدي استمرار تفكك سوريا إلى تدهور وربما قطع خطوط الإمداد القائمة منذ فترة طويلة بين إيران وحزب الله. سيكون لهذا تأثيران على حزب الله، يجعله أكثر ميلاً لمحاولة اتباع مسار أكثر شعبية في لبنان لتعزيز الشعبية الانتخابية للتعويض عن تراجع القدرة العسكرية وجعله أكثر عرضة للقوات الإسرائيلية (العلنية والسرية) في لبنان، وفي جميع أنحاء المنطقة، التي لا تواجه مشاكل إعادة الإمداد. كجزء من الضغط على إيران، تشعر TNIO بالقلق من احتمال قيام إسرائيل بالتحقيق في دفاعات حزب الله في محاولة لتطوير قدرتها العملياتية. كما تتوقع TNIO ومديرية المخابرات العسكرية اللبنانية أن تصعد إسرائيل من مستوى نشاطها الخطير، بينما تتلاعب باختراقها السري لحزب الله لنشر القلق وإلحاق الضرر بالمعنويات».

إسرائيل ليست مهتمة بالدخول في مواجهة مع سوريا، سوريا كانت تمثل لهم رقعة شطرنج ومكان لحل الخلافات بينها وبين تركيا.

وعلى العكس، هدفهم كان دائماً تفادي استفزاز بشار الأسد، وكان دائماً خيار فتح قنوات حوار مع المعارضة المسلحة مطروحاً على طاولة المخابرات الاسرائيلية.

«في الوقت الذي يشعر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالقلق إزاء وضعه السياسي داخل إسرائيل، ينصح كبار قادته العسكريين والاستخباراتيين بضرورة تجنب إسرائيل أي مواجهة علنية مع سوريا أو  أي استفزاز من شأنه أن يمكّن الأسد من الادعاء بأن إسرائيل كانت تستفيد أو مسؤولة عن المشاكل هناك. وفي الوقت نفسه، يعتقد هذا الشخص أن إسرائيل ستحاول استخدام تصعيد العداء بين سوريا وتركيا لمحاولة إصلاح سياجها مع أنقرة».

«أخيرًا، ينصح أنه إذا كان بإمكان الإسرائيليين استخدام الوضع السوري لإعادة تأسيس درجة من الثقة مع TNIO والجيش التركي، فيجب على الحكومات الغربية أن تتوقع بعض المساعدة السرية للمتمردين السوريين “العلمانيين” ليتم توجيهها إليهم من إسرائيل عبر حكومة إقليم كردستان في العراق وتركيا.»

«في الوقت نفسه، أضاف أن ضباط المخابرات العسكرية الإسرائيلية، في مناقشات مع قادتهم العسكريين ومكتب رئيس الوزراء، قد أثاروا إمكانية محاولة فتح روابط سرية مع مختلف القوات السورية المتمردة. سيتم تصميم هذا الجهد لجمع المعلومات الاستخبارية والتأثير على سياسات أي حكومة لاحقة تظهر في دمشق. في الوقت الحالي، ينصحون بإجراء هذه الاتصالات على مستوى منخفض للغاية وسري، دون مساعدة أو اتصال عسكري مباشر، الأمر الذي من شأنه أن يعمل ضد مصالح كل من الحكومة الإسرائيلية والجيش السوري الحر».

زعزعة الاستقرار وتوازن الرعب:

زعزعة استقرار سوريا، وخلق نزاعات طائفية كان، وما زال، دافعًا رئيسياً وحاضراً في سياسة الولايات المتحدة لخدمة مصالحها الإمبريالية، لتكون سوريا ساحة لتصفية حسابات الدولة وحروب بالوكالة، لتحقيق نوع من “توازن الرعب” بين القوى الإقليمية.

ومصطلح توازن الرعب هو الأكثر دقة في التوصيف، المصطلح نفسه الذي صاغه كينيدي للتعبير عن السلام الهش الذي كان قائماً بين القطبين الأمريكي والسوفياتي إبان الحرب الباردة في ظل سباق التسلح النووي.

فإيران، والسعودية هما قنبلتين نوويتين قد تنفجران في أي لحظة.

الدرس الثاني، إن النظام السوري مثله مثل الكثيرين في المعارضة، لم يكن بعيداً عن العمالة للإمبريالية بالكامل كما كان يدعي، والفساد والوحشية متأصلة بأركانه ودوائر الحكم فيه ويصعب إصلاحه.

ما الجديد؟ لا جديد!

الوضع لم يتغير حتى قبل مارس/آذار 2011، الذي تغير هو أن أخطاء الماضي قد تراكمت، وتراكمت معها أقساط الضريبة، حتى أصبحت أقساطاً من الدماء والدمار.

والإنسان السوري اليوم ما زال عالقاً بين سندان نظام استبدادي فاسد وقوى ظلامية، ومطرقة المصالح الإمبريالية وجرائم دول الجوار.

تفضح هذه الوثائق وغيرها الوجه الحقيقي للإمبرياليين وعملائهم في المنطقة، والذين لا يتورعون عن إشعال الحروب وتفجير الصراعات الطائفية والاثنية وإغراق شعوب بأسرها في أتون الحرب والهمجية والدمار، وكل ذلك من أجل خدمة مصالحهم، مصالح الشركات الرأسمالية الكبرى والأوليغارشيات الحاكمة.

أفق الحل يكمن في التغيير الجذري للمعادلة، وليس لحلول إصلاحية وترقيعية، فلم يعد هناك ما يمكن إصلاحه أو ترقيعه.

علينا أن نشرح هذا للعمال والشعوب المقهورة في المنطقة والعالم أجمع، ونشرح أن الرأسمالية هي الرعب والحروب بدون نهاية، وأنه لكي يتم القضاء نهائيا على كل الحروب والمآسي والدمار لا بد من القضاء على الرأسمالية وبناء الاشتراكية.

رامز مكرم باكير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *