الرئيسية / دول العالم / افريقيا / مالي / الانقلاب في مالي وكيف زعزع حلف الناتو الاستقرار في منطقة الساحل

الانقلاب في مالي وكيف زعزع حلف الناتو الاستقرار في منطقة الساحل

تفاقمت الاضطرابات في مالي الأسبوع السابق، بعد أن قامت مجموعة من الجنود وصغار الضباط، المتمركزين في العاصمة باماكو، باعتقال الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا ورئيس الوزراء بوبو سيسي ومسؤولين حكوميين كبار آخرين وأجبروهم على الاستقالة.

جاء ذلك بعد أسابيع من الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية ضد حكومة كيتا. وقد نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للاحتفال بعد الإعلان عن نبأ اعتقال كيتا. وعرفت باماكو مشاهد ابتهاج شديدة، حيث أطلق المتظاهرون والجنود الذخيرة الحية في الهواء احتفالا بالإطاحة بالحكومة المدعومة من فرنسا. ثم حوالي منتصف الليل، ظهر كيتا على شاشة التلفزيون ليعلن استقالته وحل البرلمان.

فشل المناورات في وقف الاحتجاجات الجماهيرية

في مارس الماضي اتخذت الحكومة قرارا بتنظيم الانتخابات البرلمانية على الرغم من المخاطر التي تشكلها جائحة كوفيد 19. كانت النتيجة فوز حزب كيتا بطريقة احتيالية بـ 10 مقاعد إضافية. بينما كان مسلحون مجهولون قد اختطفوا زعيم المعارضة الرئيسي، سوميلا سيسي، والذي لم يظهر منذ ذلك الحين.

تلا ذلك اندلاع احتجاجات حاشدة أجبرت المحكمة الدستورية على إلغاء نتائج الانتخابات. لكن هذا القرار فشل في تهدئة الحركة الجماهيرية. وبدلا من ذلك شجع المتظاهرين على المزيد من الضغط من أجل إسقاط الحكومة بالكامل. تفاقم كل هذا الغضب في يونيو، عندما خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع باماكو للاحتجاج على انهيار الاقتصاد، وسوء تعامل الحكومة مع جائحة كوفيد 19 والأزمة المتفاقمة في المناطق الشمالية والوسطى من البلاد، حيث أدى تمرد إسلامي خطير إلى زعزعة استقرار منطقة الساحل بأكملها.

في البداية كان كيتا قد  رفض التنحي. ثم استقالت حكومته بالكامل وسط اشتداد حدة الحرب الأهلية المندلعة منذ 2012. فقام بتشكيل حكومة جديدة أواخر يوليوز في محاولة للخروج من الأزمة. لكن ذلك أظهر فقط مدى ضعف قاعدة دعمه.

عندها حاول النظام تحويل الحركة في اتجاه ائتلاف معارض يعرف باسم حركة 05 يونيو، بقيادة رجل الدين محمود ديكو. وكان الهدف هو إنقاذ النظام برمته من السقوط. لكن هذا التحالف المشكل من قادة المعارضة “الموالين” فشل في تهدئة الحركة الجماهيرية. كان كل طلب صغير يطرحه التحالف على كيتا يحفز الجماهير أكثر، مما يجبر التحالف بدوره على تقديم مطالب إضافية. لقد كان هذا وضعا خطيرا للغاية بالنسبة للنظام.

والآن بعد أن أصبح واضحا أن حكومة كيتا الفاسدة غير قادرة على منح أي تنازلات، تدخل خط الدفاع الأخير، أي الجيش، لإنقاذ النظام من السقوط.

الفوضى التي سببها تدخل الناتو

هذا هو الانقلاب الثاني الذي تشهده مالي خلال ثماني سنوات. لقد سبق أن وقع تمرد في نفس تلك القاعدة العسكرية عام 2012، عندما تمت الإطاحة بالرئيس السابق أمادو توماني، بعد تعامله الكارثي مع انتفاضة متمردي الطوارق شمال البلاد. كان ذلك التمرد مسلحا بالأسلحة التي بدأت تتدفق من ليبيا المجاورة، بعد تدخل الناتو للإطاحة بالقذافي عام 2011.

كان تدخل الناتو في ليبيا يهدف إلى قطع مسار الثورات العربية. وقد أدى ذلك إلى زعزعة استقرار الوضع بشكل كامل وألقى البلد في حالة من الفوضى، حيث قامت الميليشيات الإسلامية بارتكاب فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك عمليات الخطف والمجازر والتفجيرات والاتجار بالبشر وانطلاق تجارة الرقيق المزدهرة. كان هذا هو الثمن الذي دفعته ليبيا مقابل “التحرير” المدعوم من الغرب.

امتدت هذه الفوضى إلى غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، وزعزعت استقرار النيجر وبوركينا فاسو ومالي على وجه الخصوص. في مالي عاد مقاتلون من الطوارق، كانوا قد قاتلوا كمرتزقة لصالح القذافي، إلى مالي، ما أدى إلى اندلاع تمرد واسع النطاق في شمال البلاد. كما أدى تدفق الأسلحة الثقيلة إلى المنطقة إلى تأجيج تمرد بوكو حرام في نيجيريا والكاميرون والنيجر.

وصل كيتا إلى السلطة عام 2013. وتم توقيع اتفاق في عام 2015 مع بعض الجماعات المتمردة، يمنح الشمال مزيدا من الحكم الذاتي. وشمل ذلك الجماعات الإسلامية المتطرفة، المرتبطة بالقاعدة والدولة الإسلامية، التي استغلت تمرد الطوارق لشن هجماتها الخاصة. بقي كيتا في السلطة سنة 2018 بعد انتخابات مزورة، لكن تنازلاته لم توقف التمرد. ازداد الوضع سوءا بالنسبة للشعب، وخلق استياء عميقا داخل الجيش.

بعد أن تسببت القوى الإمبريالية في زعزعة استقرار ليبيا، بدأت تطارد الجماعات الجهادية في منطقة الساحل من خلال نشر أكثر من 20.000 جندي في المنطقة. وشمل ذلك 4500 جندي فرنسي، و 13.000 جندي من الأمم المتحدة، وحوالي 5000 جندي مرتبطين بحكومات “دول الساحل الخمس” الممولة من فرنسا، والتي هي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر. لم تؤد هذه “الحرب على الإرهاب” إلا إلى زيادة الاضطرابات في منطقة الساحل. وتعمل الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى من خلال فرعها في المنطقة على تسريع عملياتها في مالي وبوركينا فاسو والآن في النيجر.

النفاق

رد فعل ما يسمى بالمجتمع الدولي منافق إلى أقصى الحدود. قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، إنه يدين “أي محاولة لتغيير الدستور” ودعا المتمردين إلى “وقف كل لجوء إلى العنف”.

يحظر الميثاق الأفريقي للاتحاد الأفريقي بشأن “الديمقراطية والانتخابات والحوكمة” أي تعديل أو مراجعة للدستور قد يشكل “انتهاكا لمبادئ التغيير الديمقراطي للحكومة”. لكن الاتحاد الأفريقي لم يلجأ أبدا إلى هذا البند والتزم الصمت تجاه موجات الاستيلاء على السلطة بطرق “غير دستورية” التي اجتاحت القارة الأفريقية مؤخرا. في غينيا كان من المفترض أن يغادر الرئيس ألفا كوندي السلطة هذا العام، لكنه دبر انقلابا دستوريا يسمح له بالبقاء في منصبه لولاية رابعة. وحدث نفس الشيء في مصر وأوغندا وجزر القمر وجمهورية الكونغو والكاميرون وتشاد وجيبوتي وكوت ديفوار ورواندا وتوغو.

القوى الإمبريالية بدورها أدانت الانقلاب. إلا أن تلك القوى هي المسؤولة بشكل مباشر عن هذه الأزمة. لقد احتج المتظاهرون في باماكو بحق على وجود القوات الأجنبية وطالبوا القوات الفرنسية، المرتبطة ارتباطا وثيقا بالزعماء المحليين الفاسدين، بمغادرة البلاد.

ماذا بعد؟

منطقة الساحل من أفقر المناطق في العالم. الثروات المعدنية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة لم تفد الشعوب التي تعيش هناك. والآن يزيد التواجد العسكري الأجنبي والجماعات الجهادية من معاناة السكان المحليين. لكن الاحتجاجات التي شهدتها مالي تظهر بوضوح أن الجماهير قد سئمت الوضع. وينطبق الشيء نفسه على بوركينا فاسو حيث طالب المتظاهرون الدولة بتزويدهم بالسلاح لكي يقوموا بمحاربة الجماعات المسلحة بأنفسهم.

الفرق بين هذا الانقلاب وانقلاب 2012 هو دور الحركة الجماهيرية في العملية. فالجيش الآن يتدخل للتصدي للغضب الثوري في المجتمع. وفي بوركينا فاسو شهدنا وضعا ثوريا واسع النطاق، تطور عام 2014، مع الإطاحة ببليز كومباوري. كما أطاحت الجماهير في وقت لاحق بانقلاب معاد للثورة. يوضح كل هذا الإمكانات الثورية للجماهير الكادحة. لكن لكي تنجح الجماهير المالية، يجب ألا تكون لديها أية أوهام في ضباط الجيش أو المعارضة الدينية لمحمود ديكو. وحده الاعتماد على قوتها الخاصة والارتباط بالجماهير في بوركينا فاسو والنيجر، ما سيمكنها من القضاء على الأنظمة الفاسدة والجماعات الإرهابية والقوى الإمبريالية من المنطقة.

بن مورغن
21 غشت 2020

المقال بالانجليزية على موقع “الدفاع عن الماركسية”:

The coup in Mali and how NATO destabilised the Sahel

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *