يوم الثلاثاء 29 يناير 2019 ، أعلنت وكالة المغرب العربي للأنباء إن المملكة المغربية قد عبرت عن دعمها الرسمي لخوان غوايدو الذي كان قد نصب نفسه رئيسا “مؤقتا” للبلاد. وبهذا يكون المغرب أول بلد في كل افريقيا والشرق الاوسط يعبر عن تأييده للانقلاب المدعوم أمريكيا على الرئيس مادورو المنتخب ديمقراطيا، بحيث لم تسبقه إلى هذا الانجاز سوى الدولة الصهيونية، برئاسة قاتل الأطفال نتنياهو، والتي اعترفت بدورها بغاييدو “رئيسا شرعيا” لمجرد أنه أعلن نفسه كذلك.
تعتبر هذه الخطوة تدخلا إجراميا سافرا في شؤون بلد ذي سيادة وتواطئا مكشوفا مع الإمبريالية الأمريكية، التي تعمل منذ سنوات طويلة على إسقاط نظام الحكم في فنزويلا وإدخال البلد في الفوضى ليسهل عليها السيطرة عليه وإعادته إلى بيت الطاعة بعد أن حاول في عهد تشافيز أن يحقق استقلاله وسيادته. إنها طعنة غادرة في ظهر الشعب الفنزويلي الذي طالما وقف إلى جانب شعوب العالم قاطبة والمنطقة تحديدا ضد الاعتداءات الامبريالية والصهيونية (موقفه المتضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي…).
إن هذا الاعتراف المتبادل، الذي يجمع من جهة بين مغامر وصولي يريد أن يفرض نفسه رئيسا دون أن ينتخبه أحد ويستقوي على بلده وشعبه بالتدخل الامبريالي، ومن جهة اخرى نظام دكتاتوري مغرق في التخلف والدكتاتورية وصمة عار لهما معا، وكما يقول المثل: الطيور على أشكالها تقع.
المثير للسخرية هو أن وزير الخارجية المغربي بوريطة، الذي يقدم شهادة الشرعية للمدعو غاييدو، هو شخص نكرة لم يسبق له أن حصل في حياته ولو على صوت واحد في أية انتخابات، فقد وصل إلى المنصب بتعيين من الملك والذي هو بدوره شخص غير منتخب (إلا إذا اعتبرنا الانتخاب الطبيعي القائم على صراع الحيوانات المنوية الملكية على من يصل أولا إلى بويضة جلالة الملكة لتخصيبها بالملك المستقبلي انتخابا)، وينتمي إلى نظام لم يسبق له أبدا أن شهد أية انتخابات ديمقراطية نزيهة في تاريخه.
نشاط تضامني مع الثوة الفنزويلية بجامعة مغربية في دجنبر 2006. / صورة: أرشيف الطلبة الماركسيون الأمميون
وكما لو أن كل هذا لا يكفي ليشكل فضيحة بكل المقاييس، نجد في نفس بيان الوكالة أن وزير الخارجية ناصر بوريطة قد أعرب […] عن دعم المملكة المغربية لكل التدابير المتخذة من طرف غاييدو “من أجل الاستجابة للتطلعات الشرعية للشعب الفنزويلي للديمقراطية والتغيير”. وهكذا فإن نفس النظام المغربي الدكتاتوري الذي لم يتورع أبدا عن قتل المتظاهرين العزل واعتقالهم والحكم عليهم بسنوات طويلة من السجن لمجرد أنهم طالبوا بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، قد صار مهموما اليوم “بتطلعات الشعب الفنزويلي للديمقراطية والتغيير”!!
والآن ولكي نخفف من حدة قلق مسؤولي المملكة السعيدة تجاه الأوضاع التي يعيشها الشعب الفنزويلي دعونا نُجْرِ بعض المقارنات وفق ما يسمح به الحيز: إن التعليم في فنزويلا أفضل بكثير من نظيره في المملكة السعيدة، حيث أن 95% من الشعب الفنزويلي متعلمون وأكثر من 92% من الأطفال الفنزويليين يستفيدون من التعليم الأولي، كل هذا بفضل الثورة البوليفارية، ورغم الحصار الإمبريالي والتخريب الذي تقوم به البرجوازية؛ أما في المغرب، الذي لا يعاني من أي حصار خارجي، سوى الحصار الذي تفرضه عليه طبقة من الطفيليات النهابة التي تمتص كل الثروات بجشع منقطع النظير، فإن نسبة المتعلمين، بالأرقام الرسمية المبالغ فيها، تصل إلى 70%، كما أنه لا ينوي تحقيق استفادة 67 % من الأطفال من التعليم الأولي إلا في موسم 2021-2022، وهو الرقم الذي بالرغم من تواضعه مستحيل في ظل النظام القائم.
وبينما لا توجد في المغرب سوى 14 جامعة (إضافة إلى جامعتي الأخوين والقرويين)، فإن فنزويلا تمتلك حوالي 100 مؤسسة للتعليم العالي ومليون طالب يدرسون مجانا.. أما بخصوص قطاع الصحة ففي حين تسجل فنزويلا 16 حالة وفاة بين الرضع لكل 1.000 ولادة جديدة، فإن المغرب يسجل 26 حالة وفاة في صفوف الذكور، و21 في صفوف الإناث من بين كل ألف ولادة جديدة، الخ الخ.
لذلك فإن الشعب الذي يستحق من يتضامن معه فعلا في نضاله من أجل الديمقراطية والتغيير هو الشعب المغربي.
إن المبرر الذي أعطته أبواق النظام لهذه الطعنة الغادرة ضد الشعب الفنزويلي هو “خدمة المصالح الاستراتيجية” للمغرب، أي باختصار عقاب فنزويلا على موقفها من قضية الصحراء الغربية. لكن هذا المبرر لا يبرر شيئا، إذ أن موقف فنزيلا من قضية الصحراء الغربية هو نفس موقف أغلبية دول العالم، حيث أنها تعتبر المنطقة منطقة نزاع وتساند مساعي جبهة البوليزاريو لتحقيق استفتاء لتحديد مصير المنطقة وشعبها. وهو نفس الموقف الذي تتبناه الولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك الاتحاد الإفريقي، الذي انضم إليه المغرب مؤخرا، وبالتالي فإن على “المملكة السعيدة” أن تدعم كل مغامر وصولي يظهر في أي بلد من تلك البلدان ويعلن نفسه رئيسا.
هذا المبرر هراء، لكن الشيء الايجابي في هذه الخطوة هو أنها، إلى جانب خطوات أخرى مثل مشاركته في العدوان السعودي على الشعب اليمني، ستفاقم من عزلته في محيطه الاقليمي والقاري وتزيد من انفضاح طبيعته الاجرامية والرجعية في كل مكان.
إن السبب الحقيقي الوحيد وراء هذه الخطوة الاجرامية، المتمثلة في دعم الانقلاب على حكومة شرعية، هو محاولة يائسة من جانب هذا النظام اليائس كسب ود إدارة ترامب، التي يعرف أنها غاضبة منه منذ دعمه لهيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية بملايين الدولارات من أموال الشعب المغربي المفقر. ليقول له “انظر إنني كلب طيع ويمكنك الاعتماد علي”. لكن الأكيد هو أن ذلك لن يؤدي إلى أي نتائج عند ساكن البيت الأبيض.
وفي سياق التحضير لهذه الجريمة كان بوريطة قد دعا بعض أعضاء الائتلاف الصهيوني الجمهوري، وهي جماعة ضغط أمريكية مؤيدة لإسرائيل، لزيارة المغرب، وهو ما حصل بالفعل يوم 23 يناير الماضي، وكان من بينهم ايليوت ابرامز، أي نفس الشخص الذي كلفه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، للمساعدة في ما تسميه أمريكا بـ “استعادة الديمقراطية” في فنزويلا. ولا بد أن المسؤولين المغاربة قد تلقوا الأمر بدعم غاييدو في ذلك الاجتماع بالضبط.
نحن الماركسيون ما زلنا قوة صغيرة، لكن ضعفنا العددي لا يمنعنا من أن نسجل موقفنا مما يحدث ونسجله للتاريخ وللشباب الثوري والطبقة العاملة المغربية والأممية. إننا ندين بشدة هذه الخطوة التي قام بها النظام القائم بالمغرب ونعتبر أنها لا تمثل الشعب المغربي ولا تخدم مصالح الشعب المغربي. إنها تعبير عن مصلحة الطبقة السائدة الطفيلية الرجعية ودولتها، فقط لا غير. ونطالب بأن يترك للشعب الفنزويلي الحق في تقرير مصيره بنفسه بدون أي تدخل أجنبي.
يا عمال المغرب ويا شبابه الثوري فلنرفع صوتنا بشعار: أيها الإمبرياليون، أيها الرجعيون ارفعوا أيدكم عن فنزويلا واتركوا الشعب الفنزويلي يقرر مصيره بيده !
أنس رحيمي
02 فبراير 2019