يوم الثلاثاء 14 مارس الماضي، قامت قوات الجيش الإسرائيلي بقصف واحتلال سجن أريحا وبعدما دمرت جزءا من جداره، اختطفت مجموعة من السجناء كان من بينهم: أحمد سعدات، المتهم بكونه العقل المدبر لعملية قتل وزير إسرائيلي يميني متطرف، يدعى رحبام زئيفي (Rehabam Zeevi).
أحمد سعدات هو قائد تنظيم يساري مسلح، يدعى “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. أما زئيفي فهو شخص كان معروفا بعلاقاته الوثيقة مع تنظيم المافيا الإسرائيلية وكان قائدا لحزب موليدت (Moledet) -“البلد”-، الداعي إلى “تهجير” مواطني إسرائيل العرب، أي طردهم، لإضافتهم إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين المشردين في المخيمات، منذ تقسيم فلسطين واحتلال الأراضي الفلسطينية. لقد كان رحبام زئيفي، إضافة إلى العديد من الأشياء، واحدا من العقول المدبرة لعملية تهجير 120.000 عربي من مرتفعات الجولان، بعد احتلاله سنة 1967.
نحن الماركسيون نعارض طرق الإرهاب الفردي لأنها لا تخدم سوى مصالح أشد الأجنحة رجعية بين صفوف الطبقة السائدة. وبدل أن تضعف اليمين الصهيوني فإنها تقويه وبدل أن ترفع من الوعي الطبقي بين صفوف الطبقة العاملة الإسرائيلية فإنها تضعفه. إلا أننا بالرغم من ذلك، لا نرفض قتل زئيفي لدوافع أخلاقية إننا لا نذرف أية دمعة من أجله.
يجب على هؤلاء المنافقين الذين يدينون قتل زئيفي لدواع “أخلاقية” أن يتذكروا حالة هيرشل غرينسبان (Hershel Grynszpan). إنه ذلك الطالب اليهودي الشاب الذي قتل دبلوماسيا ألمانيا في باريس، شهر نوفمبر 1939، بعد تهجير عائلته إلى بولندا مع 17000 يهودي آخرين. لقد استغل النازيون هذه الحادثة لتبرير شنهم لمذابح كرستلنخت (Kristallnacht). آنذاك اجتمع كل منافقي العالم لإدانة عملية الاغتيال هذه، لكن تروتسكي في المقابل كتب ما يلي:
«من الواضح للجميع، حتى لمن ليس لديه سوى إلمام بسيط بالتاريخ السياسي، أن سياسة العصابات الفاشية، تثير بشكل مباشر وأحيانا بشكل متعمد، الأعمال الإرهابية. والمثير للاستغراب هو أنه لحدود اللحظة لم يوجد هناك سوى غرينسبان واحد فقط. بدون شك مثل هذه الإعمال سوف تتصاعد.
«نحن الماركسيون نعتبر أن تكتيك الإرهاب الفردي لا يلاءم مهمة النضال التحرري الذي تخوضه البروليتاريا وكذلك القوميات المضطهدة. إذ لا يمكن لبطل واحد معزول أن يعوض الجماهير. إلا أننا نتفهم مع ذلك حتمية ردود الأفعال هذه المعبرة عن اليأس والرغبة في الانتقام. كل مشاعرنا وكل تضامننا مع هؤلاء الذين يضحون بأنفسهم لينتقموا، بالرغم من عجزهم عن إيجاد الطريق الصحيح. إن تضامننا يزداد عندما نعلم أن غرينسبان ليس مناضلا سياسيا بل مجرد شاب عديم التجربة، مجرد طفل تقريبا، دافعه الوحيد كان هو الشعور بالإدانة. إن إنقاذ غرينسبان من براثن العدالة البرجوازية (المستعدة لبيع رأسه لخدمة مصالح الرأسماليين الدبلوماسية) مهمة عاجلة للطبقة العاملة الأممية !
«إن أكثر ما يثير السخط هو تلك الحملة البوليسية الغبية العنيفة بشكل غير مسبوق، التي يخوضها الكريملين الآن، في الصحافة الستالينية العالمية، ضد غرينسبان. لقد حاولوا تصويره كعميل للنازية أو عميل للتروتسكيين متحالف مع النازيين. إن الستالينيين إذ يجمعون هكذا في كومة واحدة المستفز مع ضحيته، يتهمون غرينسبان بكونه أراد خلق مبرر مناسب لهتلر لكي ينظم المذابح. ما الذي يمكن للمرء أن يقوله عن هؤلاء “الصحفيين” المرتزقة، الذين لم يعد لديهم أية ذرة من الحياء؟ منذ بدايات الحركة الاشتراكية، عملت البرجوازية على نسب أي مظهر عنيف من مظاهر الإدانة لنظامهم،خاصة العمليات الإرهابية، إلى التأثير السيئ للماركسية. لقد ورث الستالينيون، هنا كما في أشياء أخرى، أكثر تقاليد الرجعية قذارة…
«نحن، وعلى غرار أممية ماركس في حينه، نرتبط طبعا بأواصر متينة من التضامن الأخلاقي مع غرينسبان وليس مع سجانيه “الديموقراطيين”…
«يصرح الستالينيون في آذان البوليس أن غرينسبان سبق أن حضر “اجتماعات للتروتسكيين”. لكن هذا مع الأسف ليس صحيحا. لأنه لو كان قد دخل إلى أوساط الأممية الرابعة لكان قد اكتشف طريقا مختلفا وأكثر فعالية لتفجير طاقته الثورية. إن هؤلاء الناس الذين لا يستطيعون سوى السخط على الظلم والهمجية لا قيمة لهم، أما هؤلاء القادرين، مثل غرينسبان، على النضال وكذلك الإبداع مضحين بأنفسهم إذا ما لزم الأمر، فإنهم يشكلون خيرة الجنس البشري.
«من الناحية الأخلاقية، يصلح غرينسبان أن يكون مثلا أعلى لكل الشباب الثوري (حتى وإن بطريقة مختلفة عن طريقته). إن تضامننا الأخلاقي الكامل مع غرينسبان يعطينا حقا إضافيا لنقول لجميع من يريدون أن يكونوا غرينسبان، لجميع المستعدين للتضحية بأنفسهم في النضال ضد الاستبداد والهمجية: ابحثوا عن طريق آخر ! ليس الانتقام الفردي هو من بإمكانه تحرير المضطهدين، بل فقط الحركة الجماهيرية الثورية العظيمة من بإمكانها ذلك: الحركة التي سوف تدمر بنية الاستغلال الطبقي كليا وستقضي على الاضطهاد القومي والعنصري. »(ليون تروتسكي 14 فبراير 1939).
في ردهم على ما ذكر، سوف يقول هؤلاء الذين تضامنهم هو مع أمثال زئيفي في هذا العالم وليس مع أمثال غرينسبان: إن إسرائيل ليست نظاما نازيا. نعم، صحيح أن إسرائيل ليست نظاما نازيا والعام الذي نعيشه ليس هو 1942، لكن رحبام زئيفي كان فاشستيا وممارسته لم تكن أفضل من ممارسات ذلك النازي الذي هجر 17000 يهودي سنة 1938. يجب علينا أن نكون قادرين على التمييز بين العمل اليائس الذي يقوم به المضطهَد وبين القمع الرهيب الذي ينظمه المضطهِد، رغم أننا لا نتفق مع طرق الاغتيالات الفردية.
ما شهدناه في أريحا كان عملا يقوم به المضطهِد، يقوم به جيش قوي أكثر تجهيزا من الشعب الفلسطيني. في تصريح للجزيرة على لسان قائد الأمن المحلي، أكرم رجوب قال: « دخل الجيش الإسرائيلي أريحا صباح يوم الثلاثاء [ من الأسبوع الماضي ] وحاصر السجناء وطلب منهم، من خلال مكبرات الصوت، بأن يسلموا أنفسهم. بعدها كسرت القوات الباب الأمامي للسجن بواسطة جرافة، ودخلوا في حاملات جنود وتبادلوا إطلاق النار مع قوات الشرطة الفلسطينية »
المراقبون الأمريكيون والبريطانيون، الذين كانوا يحرسون السجن طيلة الأربعة سنوات الماضية، انسحبوا في الصباح الباكر من يوم الثلاثاء – بالضبط قبيل الهجمة – “لأسباب أمنية”. قال الجيش الإسرائيلي أن الحكومة الإسرائيلية أعطت الأوامر بتنفيذ الهجوم بسبب انسحاب المراقبين. لكن الحقيقة هي بالتأكيد عكس ذلك: إذ انسحب الحراس الأمريكيون والبريطانيون لتمكين الجيش الإسرائيلي من اجتياح السجن.
هذه ممارسة مألوفة. إذ قبل مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا ضد اللاجئين الفلسطينيين، كانت الحكومة الأمريكية قد وعدت المقاتلين الفلسطينيين بأنها ستضمن سلامة اللاجئين. فيما بعد، وبعدما غادر مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية بيروت، قامت الكتائب بتنظيم مذبحة في المخيمات، بينما سهر الجيش الإسرائيلي على ضمان عدم فرار أي شخص من المذبحة. “الأصدقاء” الحقيقيون يساعدون بعضهم البعض في حالات مثل هذه. لكن لسوء حظهم، يمكن للأصدقاء أحيانا أن يغيروا أصدقائهم.
قبل قيام باروخ غولدشتاين بمذبحة الأقصى، كان الحرس، لأسباب عجيبة ما، غائبون ولم تكن الكاميرات في المغارة معبئة بالفيلم. وحدثت معجزة أخرى وهي أنه كان من المفترض أن غولدشتاين لم يستعمل سوى سلاح واحد، لكن تم إيجاد بقايا رصاص سلاحين اثنين “لله معجزاته” هكذا سيقول الأصولي المسيحي بات روبرتسون (Pat Robertson)، بينما سيقول بوش، بلير وأولمرت: “سبحان الله”.
خلال المواجهة المسلحة القصيرة التي اندلعت بين القوات الإسرائيلية وبين فرقة صغيرة من قوات الشرطة الفلسطينية، قتل ثلاثة فلسطينيين وجرح 35 آخرون. لقد أتى هذا الهجوم على بعد أسبوعين من الانتخابات بإسرائيل. وطبعا أدى هذا العمل إلى رفع شعبية الوزير الأول الإسرائيلي إيهود أولمرت وحزبه كاديما في استطلاعات الرأي، لكنه أدى في الوقت نفسه إلى تصعيد حدة الاضطراب في الأراضي المحتلة وزادت من الاضطراب في المنطقة بأسرها.
كل هذا حصل بينما يُحافظ على شارون حيا، بطريقة اصطناعية، إلى حين انتهاء الحملة الانتخابية. إن المنظمة الفلسطينية التي ستشعر أكثر بغياب شارون هي حماس. إذ أن سياسته القمعية كانت عاملا مساعدا هاما في انتصارها الانتخابي شهر يناير الماضي. إلا أن أولمرت على ما يبدو يتبع بشكل كامل خطى القائد المحتضر وهذا ما سيخدمهم بالضبط، مثله مثل شارون.
لقد استعمل فوز حماس من طرف أولمرت وحزبه كاديما لربح الأصوات خلال الحملة الانتخابية فقد أعلن « إننا لن نتفاوض مع الإرهابيين ». بل إن أولمرت استغل فوز حماس لسرقة الأموال، أي الضرائب التي تجمعها الحكومة من أجل السلطة الفلسطينية، مما يشكل انتهاكا للاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، قي الوقت الذي يطلب من حماس احترامها.
إلا أنه عندما يتعلق الأمر برغبة إسرائيل في السلام فإن كلا الحزبين، كاديما وحزب العمل، أعلنا أنهما سوف يدعمان ما سمياه “الجناح المعتدل” (أي المتعاون) في فتح بزعامة الرئيس محمود عباس، المعروف أيضا “بأبي مازن” وأنهما لن يعترفا أبدا بحكومة حماس.
قبيل أسبوع فقط التقى فريق من حزب العمل بأبي مازن للحصول على مباركته ودعمه، مثنيا عليه لشجاعته وحكمته. في نفس اليوم وخلال برنامج سياسي بثه التلفزيون الإسرائيلي، كان إفرايم سنيه (Ephraim Sneh)، القيادي في الجناح اليميني لحزب العمل، واضحا حيث صرح أن حزب العمل يريد من أبو مازن، الذي لا يزال يسيطر على القوات المسلحة الفلسطينية، أن ينظم انقلابا عسكريا ضد حكومة حماس المنتخبة.
ربما بسبب هذه “الفضيحة” عمل أبو مازن من موقعه على التصريح بأنه يفضل حزب كاديما، وهو الشيء الذي أغضب طبعا قيادة الجناح اليميني لحزب العمل. إنهم ليس فقط لم يبدو أي احترام للشكليات الديموقراطية، بل إنهم لم يقدموا أي شيء في سبيلها.
منذ عدة أسابيع كانت إستراتيجية كاديما في الانتخابات هي دفع الجميع للنوم. وبدل أن يعبئ حزب العمل الطبقة العاملة والفقراء في نضالات جماهيرية ضد الحكومة فإنه حصر نفسه داخل إستراتيجية كاديما.
لقد أفاد هذا كثيرا حزب كاديما إذ أن نسبة أصوات حزب العمل واصلت التراجع بشكل متواصل. لكن أثناء ذلك نشرت تقارير عن فساد أولمرت في وسائل الإعلام مما أدى إلى تراجع شعبية كاديما لصالح الأحزاب المتموقعة على يمين حزب العمل وكاديما والتي اكتسبت الدعم.
طبعا هذا لم يجعل أولمرت، الوزير الأول الحالي، يشعر بالسعادة اتجاه استطلاعات الرأي. لقد عمل مثل ساحر عجوز باستخدام الخدعة القديمة المتمثلة في خلق جو قومي متطرف في البلد وجعل من نفسه بطلا عظيما على طريقة رعاة البقر لسنوات الخمسينات. وهكذا أرسل الجيش الإسرائيلي لمهاجمة سجن أريحا. إذا كان باستطاعة ريغان أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة بالرغم من شهرته كممثل في أفلام الدرجة الثانية، فلماذا لا يمكن لأولمرت أن يصير رئيسا لوزراء إسرائيل ؟
لقد أتت تلك الخدعة أكلها. إذ صفق أغلب سياسيي إسرائيل بما فيهم عمير بيرتس، الزعيم الجديد لحزب العمل. لقد خضع بيرتس في الواقع لضغوط النزعة القومية، لكن من الممكن أن يكون قد قام بذلك للانتقام. إذ ألم يقم أبو مازن بخيانته أولا؟ وهكذا تمكن أولمرت وحزبه كاديما من ربح الأصوات المؤيدة عشية الانتخابات. والآن قبل 12 يوما عن الانتخابات العامة يبدو أنه سوف يفوز. بوجود قيادة لحزب العمل مثل هذه، حتى ميكي ماوس يمكنه الفوز. بعد أن أنعش آمال العديد من العمال في اليسار انزلق بيريتس نحو “الوسط” مخيبا آمال العديد من مؤيديه.
كانت عملية القرصنة الناجحة هذه، التي قام بها أولمرت، أشبه ما يكون بانقلاب عسكري، لكن ليس ضد حماس، بل ضد محمود عباس، الرئيس العظيم، حبيب الطبقة السائدة في الولايات المتحدة وإسرائيل. ماذا سيحصل لو خانوه ؟ أليس هذا الفعل أمر طبيعيا بين اللصوص آسف أقصد بين “الديموقراطيين”؟
من المحتمل أن تؤدي هذه العملية إلى فتح جولة جديدة من العمليات الإرهابية داخل إسرائيل والتي ستؤدي إلى مقتل عمال وفقراء أبرياء- من بينهم عمال أجانب- وسوف تعطي للحكومة الإسرائيلية الفرصة لترد بإطلاق العنان لإرهاب الدولة. الشيء الذي يشكل نتيجة عظيمة من وجهة نظر الرأسماليين الذين يخدمهم أولمرت. منذ بداية الانتفاضة، قبل أكثر من خمسة أعوام، ازداد الأغنياء غنى بينما انتقل عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر، في إسرائيل من أقل من مليون شخص إلى 1,6 مليون.تود الإدارة الإسرائيلية لو أنها تفرض الحصار على حكومة حماس وتريد تنفيذ عملية جوية ضد إيران وقلب نظام بشار الأسد في سوريا وهكذا. لكن زعيم العصابة هو الإمبريالية الأمريكية وهو لديه منظور للتعامل مع حماس. إذ وقبل كل شيء للإمبريالية والأصوليين تاريخ طويل من التعاون. لقد عملوا معا في اندونيسيا وبعد نجاح الانقلاب الذي مولته وكالة المخابرات الأمريكية ضد الحومة المنتخبة لـسوكارنو قاموا بذبح ما بين نصف مليون ومليون عامل وفلاح مشتبه في كونهم مؤيدين لـسوكارنو والحزب الشيوعي. ولقد اشتغلوا معا في أفغانستان لإسقاط الحكومة اليسارية هناك. وهم يشتغلون الآن معا في العراق المحتل.
بعبارة أخرى، إن الجيش الإسرائيلي الذي تحرك لضرب نفوذ أبي مازن عبر العملية التي نفذها بسجن الضفة الغربية، من أجل تقوية حظوظ رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت في إعادة انتخابه، هاهو يؤكد الآن إنه سيتفاوض مع حماس.
قيادة فتح واعية جدا بواقع أن اولمرت، الذي ظلت تدعمه إلى حدود الأيام الأخيرة، يعمل على تدميرها. وقد صرح كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، للصحفيين قائلا: « إن ما حدث في أريحا والجرائم ضد الشعب الفلسطيني… هي خطة مرسومة مسبقا لتدمير السلطة الفلسطينية. هذا هو أساس السياسة الإسرائيلية ».
أغلبية الفلسطينيين واعون بأن الهجمة على السجن كانت بدعم من بوش وبلير اللذان أبعدا المراقبين البريطانيين والأمريكيين قبيل الهجوم. إن الشعب الفلسطيني ساخط على قطاع الطرق الأمريكيين وكلبهم. لكن عريقات الذي تحدث أمام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ناقش اعتقال إسرائيل لسعدات، لقد وضع الحبل حول عنقه عندما أشار إلى مسؤولية بريطانيا والولايات المتحدة و… دعاهم للضغط على إسرائيل لإعادة المقاتلين. ويقول أحد أعضاء مجلس منظمة التحرير، صالح رأفت: « لقد قررنا أن نطالب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لممارسة الضغط على إسرائيل لإعادة الأشخاص الذين اختطفتهم من السلطة الفلسطينية.»
إذا كان أولمرت هو الساحر العجوز فإن مجموعة أبو مازن هم الأرنب المذعور الموجود في قبعة الساحر. يريد أولمرت طبعا استعمال عملية الاختطاف التي نظمها كقشدة لكعكته، وتنظيم مسرحية محاكمة لسعدات وأربعة من رفاقه في الجبهة الشعبية بسبب قتل زئيفي. لقد حكم كبير القضاة بعدم وجود أي عائق قانوني لتنظيم هذه المحاكمة، بالرغم من أن أحدهم قد سبق أن حوكم من طرف محكمة إسرائيلية كما أن الجميع ما عدا سعدات كانوا قد حكموا من القضاء الفلسطيني. وقد صرح ناطق باسم وزارة العدل: « إنه بالنظر إلى الاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين والملابسات، يمكن أن تتم محاكمتهم في إسرائيل ».
للحصول على تغطية إعلامية حقيقية سيكون عليهم اللجوء إلى محاكمة مدنية بدل العسكرية. لقد سبق للرومان أن استعملوا مثل هذه الخدعة القديمة برميهم للمسيحيين للأسود سنوات طويلة قبل قادة إسرائيل الحاليين. لكن ذلك لم ينفعهم في شيء…
خلال الأسبوع الماضي بدأت المخابرات في استنطاق سعدات ورفاقه. إلا أن سعدات وحسب محاميه حسن محمود، بعد زيارته له، قال للضباط الإسرائيليين في السجن: « أنا أرفض أي تعامل معكم لأنني أعتبركم قد اختطفتموني ».
إن نقل محاكمة سعدات على شاشات التلفاز، يمكنها أن تتحول إلى عكسها، إذ ستعطي للجبهة الشعبية الفرصة للتركيز على جرائم الدولة الإسرائيلية والإمبريالية الأمريكية وبريطانيا التي تدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين. من خلال رسالة موجهة للشعب الفلسطيني بعثها من زنزانته في القدس، عبر Adameer Society، قال سعدات أن خطة السلام “الرباعية” [ أي الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة ] توفر الغطاء لإسرائيل وأن ما حدث في أريحا يعني أن الولايات المتحدة والمملكة البريطانية، تشكلان الآن بوضوح طرفا في هذا الصراع. لقد حمل سعدات المسؤولية لكل من أمريكا وبريطانيا واتهمهما بالتواطؤ مع إسرائيل. كما أدان كذلك السلطة الفلسطينية لكونها لم تحرر الأسرى من سجن أريحا، قبل الهجوم.
إلا أنه إذا ما تواصل هذا فإننا لا نستبعد أن تقوم “الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” بمساعدة سعدات على مغادرة عالمنا بينما هو في السجون الإسرائيلية وستبرر آنذاك أسباب الوفاة بكونها طبيعية.
إن الجماهير تتحرك الآن في كل منطقة الشرق الأوسط لكن سعدات قي رسالته يوضح بشكل كاف أنه لا يهتم بالعمال والفقراء في البلدان العربية لكنه يهتم فقط بالطبقات السائدة في البلدان العربية و”الإسلامية”. بعبارة أخرى إنه لم يتعلم بعد أي درس من الماضي.
نحن الماركسيون في إسرائيل، الذين نناضل داخل صفوف حزب العمل من أجل التغيير الاشتراكي للنظام الرأسمالي المتعفن، نطالب بالإطلاق الفوري لأحمد سعدات. الطبقة السائدة في إسرائيل هي آخر من له السلطة الأخلاقية لمحاكمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لقتلها لمجرم حرب إسرائيلي، عدو الطبقة العاملة.
في نفس الآن نحن نعارض الإرهاب الفردي، لأنه طريقة لا تخدم سوى الرجعية داخل إسرائيل. إن الطريق الوحيد إلى الأمام يمر عبر النضال الثوري الذي تخوضه الطبقة العاملة.
يوسي شوارتز، من إسرائيل
الاثنين: 20 مارس 2006
عنوان النص بالإنجليزية :