خلال شهر فبراير شهد إقليم بوليفار عددا من النضالات الهامة خاضها الطلاب والطبقة العاملة واللجان الشعبية. من بين تلك النضالات كان هناك نضال ضد ارتفاع أسعار تذاكر الحافلات، قام خلاله الطلاب باحتلال مبنى البرلمان المحلي. في هذا الحوار يقوم كل من روني بانت (Ronny Pante) وكارلوس روندون (Carlos Rondón), العضوان القياديان المحليان للحركة الطلابية برواية ما حدث.
حوار صحفي مع قادة محليين للحركة الطلابية
باتريك لارسن: أولا وقبل كل شيء، أعتقد أنه من الضروري أن تحدثوا قراء موقع الدفاع عن الماركسية، قليلا عن أنفسكما وخلفياتكما السياسية وعن الحركة الطلابية الاندماجية (MEI)، الخ.
روني بانت: اسمي روني بانت، طالب بجامعة سيمون رودريغيز (UNESR) المتواجدة ببروسيريس (proceres) وهي منطقة تقطنها الطبقة العاملة وفقراء مدينة بوليفار. بدأت الدراسة هنا سنة 2001، قبل ذلك كنت منخرطا أساسا في العمل البيئي والثقافي في الحي حيث أقطن. لكن عندما بدأت أدرس بالجامعة اكتشفت أنه من الضروري الانخراط في نضال الحركة الطلابية. لقد كان هذا هو السبب الذي جعلنا نؤسس حركة الطلاب الاندماجية (MEI)، سنة 2002. في البداية، كانت حركة الطلاب الاندماجية وسيلة نستعملها للنضال من أجل تحسين شروط حياتنا اليومية، من أجل مجانية الالتحاق بالجامعة والنقل الجامعي اللائق، إلخ. باختصار، لقد بدأنا كمجموعة من الشباب المتمرد المناضل من أجل مطالب خبزية، من أجل الحاجيات اليومية للشباب الجامعي. لم يكن لدينا أية إيديولوجية واضحة أو وجهة نظر علمية، لكن تدريجيا بدأنا نتعلم من خلال النضال، بدأنا نعمم تجاربنا وندرس كتابات بوليفار، سيمون رودريغيز وخاصة كتابات تشي غيفارا وهذا ما قادنا إلى تبني وجهة نظر ثورية أكثر عمقا.
كارلوس روندون: اسمي كارلوس روندون، طالب بجامعة سيمون رودريغيز(UNESR) كذلك. عندما بدأت الدراسة هنا سنة 2002، التحقت مباشرة بحركة الطلاب الاندماجية، حيث انخرطنا في النضال ضد إغلاقات أرباب العمل، خلال دجنبر/يناير 2002/2003. في الجامعة هناك عدد من الأساتذة والموظفين الذين دعموا المعارضة بنشاط. وحاولوا آنذاك إغلاق الأقسام الدراسية. فردت حركة الطلاب الاندماجية على ذلك بالدعوة إلى جموعات عامة طلابية والدعاية ضد الإغلاقات. نجحنا في مسعانا وبقيت الدراسة مستمرة، بالرغم من عراقيل المعارضة.
سنة 2003، بدأ العديد منا داخل حركة الطلاب الاندماجية في تطوير أنفسنا سياسيا عندما ذهبنا إلى كوبا في رحلة طويلة مع جبهة فرانيسكو ميراندو(FFM) [منظمة شبيبية وطنية في فنزويلا]. هنا صرنا قادرين على نقاش منظورات سياسية من وجهة نظر أممية، وبدأنا نرى أن النضال لا يدور فقط حول المطالب اليومية، بل هو نضال موحد ضد الامبريالية وسياساتها الرأسمالية.
باتريك لارسن: مؤخرا، شهدت مدينة بوليفار نضالا عارما ضد ارتفاع أسعار تذاكر الحافلات. بماذا يتعلق الأمر؟
روني بانت: في مدينة بوليفار من عادة مالكي وسائل النقل رفع أسعار التذاكر خلال شهر دجنبر بحجة موسم الاحتفالات. ويقولون أن الأمر يتعلق بتكاليف “خاصة واستثنائية”. وهكذا عملوا على رفع الأسعار من 500 بوليفار إلى 800 بوليفار وهو ما يشكل مبلغا كبيرا بالنسبة لسكان الأحياء الفقيرة.
إلا أنه عندما دخلنا شهر يناير من هذه السنة، كانت الأسعار لا تزال 800 بوليفار، فصارت الجماهير تصبح أكثر فأكثر سخطا. أغلبية الحافلات في المدينة هي ملك شركات خاصة، وهناك رأسمالي واحد يطلق عليه اسم “caballero de hierro” (“سيد الصلب”)، يملك جزءا كبيرا من الحافلات ويحقق عبرها أرباح هائلة. لقد ارتفع عدد سكان المدينة بشكل كبير جدا، لكن البنية التحتية ظلت كما هي عليه طيلة سنوات عديدة، ولم يتم تجديدها للاستجابة لحاجيات السكان. إن الزيادة في أسعار التذاكر لم يصادق عليها من طرف السلطات المحلية، لكن ترددت إشاعات حول أن العمدة كان على مشارف إعطاء توقيعه.
يوم 6 فبراير، التقى ممثلوا الحركة الطلابية، من أربعة جامعات مختلفة في المدينة، لنقاش الوضعية. وقررنا الدعوة إلى تظاهرة في اليوم الموالي. رغم أن الإعلان كان مختصرا فقد خرج أكثر من 200 طالب في المسيرة. لقد كان هدفنا هو الاحتجاج، لكن في نفس الوقت إرسال تمثيلية إلى البرلمان للتفاوض. لكن بمجرد ما وصلنا إلى عتبة البرلمان المحلي طلب العمدة من قوات الشرطة أن تشكل حاجزا أمامنا ليمنعوا أية إمكانية لدخول البناية وقد حاول الطلبة الدخول رغم ذلك، مما أدى إلى مواجهات مع قوات الشرطة. فقامت الشرطة بقمع المظاهرة وأطلقت الغازات المسيلة للدموع علينا، مما سبب إصابة طالبين ثم إرسالهما إلى المستشفى.
وفي الأخير، حاول المتظاهرون اقتحام القاعة وتمكنا فعلا من احتلالها، إلى حين جعلهم ينصتون إلينا. عند هذه النقطة اضطر السياسيون إلى تقديم تنازلات، واعترفوا أن الرفع من أسعار التذاكر تجاوز الوقت المحدد له.
كارلوس روندون: لكن هذا لم يكن نهاية القصة، إذ أن مالكي وسائل النقل لم يتقبلوا هذا الأمر بسهولة. فبدؤوا يوقفون جميع الحافلات في بوليفار عن العمل، استجابة لدعوة وزيرة الخارجية الأمريكية غونديليزا رايس. لقد عقد العمدة وأعضاء المجلس لقاءا سريا مع مالكي وسائل النقل اتفقوا خلاله على الوقوف ضد المكسب الذي حققناه. فدعونا إلى تظاهرة طلابية جديدة حضرها حوالي 150 طالب. في غياب الحافلات انتشرت الفوضى في المدينة إلى درجة أن الجيش اضطر إلى جلب حافلات عمومية لتلبية الحاجيات اليومية بينما كانت الحافلات الخاصة متوقفة عن العمل.
وفي النهاية اضطر المالكون والسياسيون المحليون إلى الخضوع ووافقوا – لحد الآن على الأقل- على تطبيق الاتفاقية الجماعية التي تمنع أي رفع في أسعار التذاكر.
باتريك لارسن: معركة أخرى هامة شهدتها المدينة قرب مصنع (CVG Cabelum)، هل يمكنكما أن تحدثانا عنها؟
روني بانت: كابليوم مصنع يوجد في ضواحي مدينة بوليفار، يشتغل فيه حوالي 300 عامل وينتج الأسلاك الكهربائية. وبالرغم من أنه في ملكية الدولة، فقد عرف عدة حالات من الفساد وسوء الإدارة، الخ.
خلال شهر دجنبر من السنة الماضية، قررت الحكومة الفنزويلية تعيين رئيس آخر للمصنع هو مانويل ارسينيخر (Manuel Arsienieger)، موظف سابق في CVG ومعروف بمواقفه اليسارية. وقد جاء تعيينه لتطبيق سياسة جديدة، سياسة ما يسمى بـ cogestion [التسيير المشترك ] حيث من المفترض أن يقوم العمال والبلدية بالرقابة على الإنتاج.
بدأ مانويل في مساعدة الجماعات المحلية بنهج العديد من الإصلاحات. خصص بعض أجزاء الفائض الذي سجلته ميزانية الشركة للأعمال الاجتماعية. مثلا لمساعدة barrio adentro الذي هو برنامج مكن آلاف الفقراء الفنزويليين، لأول مرة، من زيارة الطبيب والحصول على أدوية مجانية, الخ. كما قام مانويل بتمويل أشغال ترميم مدرسة ثانوية محلية. وداخل المصنع كان قد بدأ أيضا يعيد هيكلة طريقة سير الإنتاج. لقد كان يريد تطبيق خطة التسيير المشترك بنفس الشكل الذي تعرفه شركة (ALCASA). ولأول مرة صار الناس يحسون أن كابليوم تخدم مصالحهم.
لكن اليمين أطلق حملة شرسة ضد مانويل, متهما إياه بكل أنواع التهم عبر وسائل الإعلام. إلى أن تمت تنحيته من منصبه بتاريخ 26 فبراير. الشيء الذي خلف سخطا كبيرا بين صفوف الجماهير في الأحياء الفقيرة وكذلك بين العمال في المصنع. فحدثت احتجاجات أمام بوابة المصنع لمدة يومين، حضرها ممثلو المجالس والطلبة والعمال. كما هدد العمال في كابليوم بالدخول في إضراب.
كل هذا شكل ضغطا على الرئيس المعين الجديد. فالتزم بالدخول في حوار معنا. لقد قرر الطلاب، خلال هذه النضالات، تنظيم جموعات عامة كل أسبوع، حيث يتم اتخاذ القرارات الحاسمة من طرف ممثلين منتخبين عن العمال وقادة المنظمات الشعبية. يوم 9 مارس، عقد الاجتماع الأول مع الرئيس الجديد وتم التوصل إلى بعض الاتفاقات. لكن الصراع لازال مفتوحا، إذ يلزمنا النضال من أجل التسيير الكامل للمعمل من طرف العمال والمجتمع.
باتريك لارسن: عماذا يدور النضال حاليا في جامعتكم(UNESR)؟
كارلوس روندون : إن جامعة سيمون رودريغيز التجريبية، هي جامعة وطنية لديها 20 فرعا في 16 جهة. في الماضي كانت خاضعة بشكل كبير لسيطرة الموظفين الفاسدين وبيروقراطيي حزب العمل (AD) الذي يعتبر واحدا من أقدم الأحزاب العديمة المصداقية في الحياة السياسية الفنزويلية. لكن عندما بدأت الحكومة البوليفارية، بقيادة هوغو شافيز، في إدخال إصلاحات على مجتمعنا، أطلقت مسلسلا من إعادة تنظيم الجامعة وكان الشخص الذي انتخب للقيام بهذا هو ايميل كاييس (Emil Calles) – عضو الحزب الشيوعي المعروف- عين رئيسا للجامعة وبدأ ينسج علاقات مع الحركة الطلابية ويستمع فعلا لمطالب الطلاب، مما جعله محبوبا جدا بين الطلاب وكذلك الأساتذة.
لكن يوم السبت الماضي تم إبعاده من منصبه من طرف قطاعات داخل جهاز الدولة واتهامه بالفساد. فرد الطلاب بشكل كثيف، بعدها مباشرة نظمت تظاهرة وطنية في كاراكاس شارك فيها أناس أتوا من جميع الأقاليم. وقد تم التوصل إلى بعض الاتفاقات مع الرئيس الجديد، لكنه يتوجب علينا مضاعفة جهودنا لجعله يواصل المسار الذي بدأ منذ 2000.
باتريك لارسن: إجمالا، ما الذي تبينه لنا هذه الأمثلة الثلاثة بخصوص المسلسل الثوري والتحولات الجارية ومستوى الوعي في فنزويلا؟
روني بانت وكارلوس روندون: إنها تبين أنه لايزال أمامنا، في فنزويلا، طريق طويل نقطعه. فالدولة البرجوازية لا تزال قائمة وتصارع ضد الإجراءات الثورية الذي يتخذها هوغو شافيز. مرة بعد مرة، تتأكد الجماهير من أنه لا يمكنها أن تثق في أغلب الناس المشكلين لجهاز الدولة. هناك قطاعات من الإصلاحيين المختبئين وراء الألوان البوليفارية، لكنهم لا يريدون في الواقع أن تستمر الثورة، بل يفضلون المساومة مع الإمبريالية.
إنهم يعرقلون المسلسل الثوري من الداخل، مما يجعلهم يصطدمون مع القطاعات الأكثر وعيا داخل الحركة. العديد من الناس استخلصوا ضرورة أن نقوم نحن بأنفسنا بتسيير وسائل الإنتاج. والنضال ضد الرفع من أسعار التذاكر مثال جيد، إذ بين لنا أن الشعب المنظم هو من يجب أن يسيطر على نظام النقل.
هذا الموقف هو أيضا موقف التيار الماركسي الأممي، الذي نريد أن نشكره كثيرا. إن هذه المنظمة فهمت طبيعة ثورتنا بشكل جيد حقا وبذلت جهدا للتدخل فيها ومساعدة الشرائح الأكثر نضالية، مثلنا، على امتلاك الوضوح النظري.
إننا على مشارف مرحلة مهمة في المسلسل الثوري، حيث صارت هذه الأفكار تجد تعاطفا أكبر، بالضبط لأن الكثير من المناضلين يتعلمون أن نضالاتهم اليومية هي جزء من معركة كبيرة ضد الرأسمالية. معركة يجب علينا أن نحقق فيها نصرا حاسما.
أجرى الحوار: باتريك لارسن
الثلاثاء 14مارس 2006
عنوان النص بالإنجليزية: