الرئيسية / دول العالم / آسيا / النيبال / النيبال ضاعت الفرصة الثورية، لكن الجماهير لا زالت تناضل!

النيبال ضاعت الفرصة الثورية، لكن الجماهير لا زالت تناضل!

تنضج الحركات الثورية بشكل متواصل في عالم يتغير بسرعة، حيث تتعمق الأزمات الاقتصادية والسياسية مع كل ساعة تمر. وبالرغم من أن أمريكا اللاتينية قد استقطبت أنظار العالم بأسره بفضل ما تشهده من ميل قوي نحو اليسار، فإن جنوب آسيا هو المكان الذي يمكن أن يعرف، في أية لحظة، نهوضا ثوريا قد يفاجئ الجميع.

   لقد كانت النيبال، شهر أبريل 2006، على أعتاب ثورة كان بإمكانها، ليس فقط وضع حد لنظام ملكي دام عدة قرون، بل كذلك كنس النظام الرأسمالي، ووضع الأسس لبناء مجتمع اشتراكي. وفوق كل هذا، كان بإمكان الثورة في النيبال، بلد جبل إيفرست، أن تشكل الشرارة التي ستشعل جبال البارود البروليتارية في الصين والهند.

   إلا أن هذا لم يتحقق بسبب إفلاس ما يسمى بالأحزاب الشيوعية، فلم تنجز ثورة شهر أبريل (التي أطلق عليها اسم لوكنترا أندولان) مهماتها. والآن تعمل جميع الأحزاب السياسية في النيبال على استغلال انتفاضة الشعب من أجل خدمة مصالحها وإبعاد الثورة عن مسارها.

   ليست محادثات السلام الجارية حاليا بين تحالف الأحزاب السبعة والماويين سوى مسرحية لن تقرر أي شيء ما عدا من سوف يستغل الجماهير في المستقبل.

   إن النيبال، البلد الصغير بسكانه البالغ عددهم حوالي العشرين مليون نسمة، (12% منهم فقط يعيشون في المدن)، هو بلد محاط بالهند والصين. ولقد استعمل هذان البلدان دائما النيبال لخدمة مصالحهما الاستراتيجية. واليوم، ليس النيبال سوى مستعمرة هندية، تستغل ثرواتها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي لخدمة مصالحها.

   لقد مارست الهند والصين دائما تأثيرا قويا على الحياة السياسية والاقتصادية النيبالية. حزب المؤتمر النيبالي هو ابن المؤتمر الوطني الهندي. بينما كانت الحركة الشيوعية في النيبال متأثرة بقوة بالحركة من أجل استقلال الهند وكذا بالثورة الصينية سنة 1949.

   تشكل الحزب الشيوعي النيبالي في أبريل 1949. والتاريخ الطويل من الصراعات والانشقاقات داخل الحركة الشيوعية في النيبال راجعة بشكل كبير إلى تأثير الصراعات والمواجهات التي عرفتها الأحزاب الشيوعية في الهند والصين. تأثرت الحركة الشيوعية في النيبال أيضا بستالينيي روسيا. وقد كان للصراع الصيني السوفياتي، وكذا العلاقات بين الهند والصين والاتحاد السوفياتي تأثير كبير على الأحزاب الشيوعية في النيبال، التي انشقت بشكل مستمر على خلفية العديد من القضايا الإيديولوجية والتنظيمية. هنالك حاليا في النيبال أكثر من 20 حزبا شيوعيا.

   النظرية السائدة بين جميع هذه الأحزاب كانت هي نظرية المرحلتين الستالينية. وهي النظرية التي كانت تقول أنه بما أن مهمات الثورة هي مهام الثورة الوطنية الديموقراطية البرجوازية، فإن قيادة الثورة يجب أن تكون في يد البرجوازية. ومن ثم فإن دور البروليتاريا هو أن تتحالف مع البرجوازية من أجل إنجاز مهام الثورة البرجوازية. بعد ذلك وفي مرحلة ما في المستقبل، بعد أن تكون الرأسمالية قد تطورت، ستكون هناك ثورة اشتراكية بقيادة البروليتاريا.

   لكن البرجوازية، وخاصة في ما يسمى بالعالم الثالث، عاجزة عن إنجاز مهام الثورة الوطنية الديموقراطية. فبعد أن صار النظام الرأسمالي نظاما عالميا، تم اقتسام العالم من طرف القوى الإمبريالية العظمى. لقد جاءت برجوازية ما يسمى بالعالم الثالث إلى الوجود متأخرة جدا. إن البرجوازية في بلدان مثل روسيا أوائل القرن العشرين، أو الهند والنيبال اليوم، طبقة ضعيفة جدا وتابعة للإمبريالية وملاكي الأراضي، إنها طبقة رجعية بالمطلق وعاجزة عن قيادة الحركة الثورية. ومن ثم فإن إنجاز مهام الثورة البرجوازية ملقاة على كاهل البروليتاريا الثورية. لكنها بقيامها بذلك، سوف تنتقل فورا إلى إنجاز المهام الاشتراكية للثورة.

   بسبب طاعتهم العمياء للبيروقراطيات القوية في الصين والاتحاد السوفياتي، لم يكن الشيوعيون النيباليون قادرين على فهم التطور الاقتصادي والسياسي للبلدان المستعمرة سابقا ولا على فهم طبيعة الثورة.

   أجبرت الانتفاضة التي عرفتها النيبال في التسعينات (والتي أطلق عليها اسم جانا أندولان)، الملك على التحول من نظام ملكي مطلق إلى نظام ملكي برلماني ومتعدد الأحزاب.

   إفلاس الأحزاب الشيوعية في الهند من جهة، والحكومة الصينية من جهة ثانية، ترك الشيوعيين النيباليين معزولين. وبسبب عدم امتلاكهم لأي حل ثوري حقيقي، عجزوا عن قيادة الحركة الجماهيرية نحو انتصار الاشتراكية. لو توفرت في النيبال منظمة ثورية حقيقية، لتوحدت الحركة الثورية حول برنامج اشتراكي ولتم القضاء على الرأسمالية وتخلف النيبال الفيودالي/ القبلي.

   كان الحزب الشيوعي النيبالي – الماركسي اللينيني الموحد (ح ش ن – م ل م) أكبر حزب شيوعي في البلد آنذاك. وكان العمال المنظمون موحدين في الفدرالية العامة لنقابات النيبال (ف ع ن ن)، التي هي كونفدرالية مكونة من17 فدرالية نقابية وطنية. (ف ع ن ن) هي الجناح النقابي لـ (ح ش ن – م ل م).

   تأسست (ف ع ن ن) سنة 1989، وأهدافها المعلنة هي “بناء الاشتراكية من أجل تحقيق كرامة الطبقة العاملة وحياة مزدهرة”. وقد لعبت دورا قياديا في جانا أندولان، لكن قيادة (ح ش ن – م ل م) قبلت بلعب دور في ظل ملكية برلمانية واقتسام السلطة والغنائم في الحكومة. وبعد سقوط حكومة حزب المؤتمر، شكل (ح ش ن – م ل م) حكومة أقلية. تقلد الأمين العام للحزب آنذاك، مانموهان أديكاري، منصب الوزير الأول بينما بقي الملك في الحكم باعتباره أعلى سلطة في الدولة. لم تمضي هذه الحكومة سوى ثمانية أشهر. لم يكن النظام البرلماني، الذي يوجد على رأسه الملك، قادرا على حل أي من مشاكل الجماهير التي واصلت معانات البؤس.

   في هذا الوقت سنة 1996، ظهر الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) على مسرح الأحداث بقيادة باراشندا (أي “الشرس”)، والذي أعلن “الحرب الشعبية” في النيبال.

   انتظم الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) على شاكلة الحزب الشيوعي في البيرو وانخرط في حرب عصابات لإسقاط الطبقة السائدة في النيبال. هدفهم كان هو إقامة دولة ديموقراطية في إطار الرأسمالية. ففي أوج الإعلان عن شن “الحرب الشعبية”، شهر فبراير 1996، أعلن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) في منشور وزعت منه مئات الآلاف من النسخ، ما يلي:

   «إننا واعون تماما بأن الحرب من أجل تكسير قيود آلاف السنين من العبودية وإقامة دولة ديموقراطية جديدة ستكون عسيرة، مليئة بالتعرجات والالتفافات ومديدة بطبيعتها.»

   خلال الأسبوعين الاثنين الأولين، بعد إعلان الحرب، تم تنفيذ حوالي 5000 عملية بما فيها هجمات مسلحة على مراكز الشرطة في المناطق القروية، مصادرة ممتلكات ملاكي الأراضي القمعيين، ومعاقبة الطغاة المحللين.

   كانت قاعدة باراشندا هي غرب البلاد حيث تمكن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) من بناء قواه. خاصة في رولبا وريكيم. أطلق باراشندا على القرى اسم مهد الثورة. وقال في أحد الاستجوابات الصحفية، سنة 2000:

   «لقد توصلنا إلى فهم تصور ماو القائل بأن المناطق القروية المتخلفة هي مهد الثورة- هي القاعدة الحقيقية للثورة. لقد رأينا في رولبا، ريكيم، غورخا، سندهولي وكابري، بذور المجتمع الجديد، النماذج التي ستلهم الشعب. في كل ربوع البلد، في الثورة، تشعر الجماهير بالفخر برولبا وريكيم. ونحن نرى، على الأرض، على مستوى الجماهير، أن مسلسل التغيير لا يمس فقط الحزب والمنظمات الجماهيرية، بل أيضا الجماهير عموما. إن قيود الاضطهاد الفيودالي، وخاصة العلاقات الفيودالية، بدأت تنكسر»

   تجاهل باراشندا دور الطبقة العاملة في المدن واستند على الفلاحين والقرويين المسحوقين. وقد مكنه هذا من امتلاك عدد كبير من الأتباع في القرى. إلا أن شعبيته في المدن محدودة. إن هذا التجاهل للطبقة العاملة في المدن يعني أنه حتى وإن سيطر الماويون على 70% من البلاد، فإنهم مضطرون للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تحالف الأحزاب السبعة للتحاور حول تنظيم الانتخابات.

   في بدايات الصراع كان باراشندا قد أعلن أنه إذا ما تمكن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) من السيطرة على جزء مهم من البلاد فإنه سيتم إعلان الجمهورية الشعبية النيبالية، دولة تعطي الحكم للشعب. ويشرح باراشندا في نفس الاستجواب الصحفي، سنة 2000 قائلا:

   «نحن نفكر في أنه عندما ستصبح رولبا، جاراجاركوت وساليان منطقة محررة، سنعلن جمهورية النيبال الشعبية، حكومة جمهورية النيبال الشعبية. ستكون هذه الحكومة في المركز، وستكون هناك أيضا مناطق قاعدية ومناطق مغاوير وبعض المناطق القاعدية المحتملة ومختلف أنواع المناطق. لكن عندما سيتم إعلان منطقة قاعدية ما، فإن جمهورية النيبال الشعبية ستعلن أيضا.»

   شهر أبريل 2006، وعلى عكس منظورات باراشندا، تركزت اللوكتانترا أندولان (Loktantra Andolan) في كتماندو، أكبر مدن النيبال. حيث خرج طلاب وعمال كتماندو إلى الشوارع يطالبون بوضع حد للاضطهاد وطغيان الطبقة السائدة.

   دعا (ح ش ن – م ل م) إلى إضراب، فتطورت الحركة أكبر بكثير مما توقع قادة الحزب. لقد بدأت الحركة بطرح أكثر المطالب إلحاحا. لكن المتظاهرين بدءوا مباشرة بتحدي النظام القائم واجتمعوا أمام القصر الملكي مصرين على إسقاط الملكية.

   مباشرة قبيل وصول المظاهرة إلى القصر، تدخل قادة(ح ش ن – م ل م) ودعوا إلى وقف الإضراب، لأن الملك وافق على الدعوة إلى تشكيل برلمان جديد. ليتم إيقاف الحركة الثورية مرة أخرى. لقد ضاعت فرصة إسقاط الملكية والرأسمالية بسبب غياب قيادة ثورية.

   تراجع الماويون عن مطلبهم بإقامة جمهورية شعبية في النيبال. إنهم يعقدون الاتفاقات في البرلمان من أجل الحصول على جزء من الكعكة.

   ليست محادثات السلام الجارية حاليا سوى مفاوضات حول أفضل طريقة لاقتسام غنائم انتفاضة أبريل. باراشندا، الذي كان مقاتلا في حرب العصابات، يحاول الآن أن يصير سياسيا برجوازيا محترما. ليس محور النقاش الدائر على طاولة المفاوضات، هو هل يجب القضاء على الرأسمالية أم لا، أو تحرر الطبقة العاملة، بل فقط هل يجب أن يبقى الملك في النيبال أم لا.

   يبدو وكأن مسألة نزع سلاح المغاوير الماويين ستحل بإدماجهم في الجيش الملكي. لكن من المحتمل جدا ألا تقبل قواعد الحزب بهذا الاقتراح. ويمكن أن تثور القواعد ضد القيادة.

   وحسب ديف غيرنغ، أحد ممثلي الماويين في المفاوضات، تعتبر مسألة الأسلحة ثانوية وقد صرح قائلا:

   «إدارة أسلحة الماويين مسألة تقنية وستحل مباشرة بعد وضع أجندة سياسية. »

   وأضاف أن الماويين سيكونون مستعدين لنزع السلاح إذا ما وافق ائتلاف الأحزاب السبعة على مسألة مصير النظام الملكي، وإجراء استفتاء وطني وعقد جمعية تأسيسية.

   إن قادة الماويين مستعدون للتوصل إلى اتفاق مع تحالف الأحزاب السبعة من أجل أن يتمكنوا من الحصول على الغنائم وامتيازات الحكومة.

   الحزب الشيوعي النيبالي – الماركسي اللينيني الموحد، متفق مع حزب المؤتمر حول مسألة مصير الملك. فكلاهما مجمعان على أن القرار بخصوص ذلك يجب أن يتخذ في وقت ما من السنة المقبلة. إنهما يستعملان تكتيك المماطلات لكي يخمدوا نيران الثورة ويحرفوا مسار الحركة. وقد صرح الأمين العام للحزب الشيوعي النيبالي – الماركسي اللينيني الموحد، ماهاديف كومار نيبال، قائلا:

   «موقفنا هو أن الاستفتاء حول مصير الملكية يجب أن ينظم في نفس وقت عقد الجمعية التأسيسية»

   إذا ما توصل ائتلاف الأحزاب السبعة والماويين إلى اتفاق، وهو الشيء المحتمل، فسوف يتم عقد الانتخابات السنة المقبلة.

   لقد صارت الإضرابات والمظاهرات واقعا يوميا. خلال شهر غشت، نظم إضراب في مشاتل الشاي، دام أسبوعين. كما كان هناك أيضا إضراب وطني للمعلمين وكان هناك أيضا إضراب لعمال الملابس.

   لقد سببت الأزمة الاقتصادية والسياسية تفاقم بؤس الجماهير. إغلاق معامل النسيج، بسبب إلغاء نظام الكوطا والرسوم الجمركية، أدى إلى ارتفاع ملحوظ للبطالة. كانت صناعة الملابس النيبالية تصدر، سنة 2000، 200 مليون دولار من السلع، مما يشكل 30% من مجمل صادرات النيبال. أغلب شركات الملابس هذه، أغلقت أبوابها بعد انتهاء الاتفاقية حول النسيج والملابس يوم فاتح يناير 2005. والآن لم يتبقى من حوالي 100 معمل نسيج كان في النيبال سوى 12 معملا.

   تسبب هذا في ارتفاع البطالة في المناطق الحضرية. حوالي 50% من الساكنة النشيطة عاطلون عن العمل. ويعني فقدان مناصب الشغل في النسيج أن المطاعم، والخدمات الأخرى المشابهة، القريبة من المصانع قد أغلقت أيضا. الناس يذهبون إلى الهند وغيرها من البلدان، من قبيل ماليزيا، للبحث عن عمل. والفتيات النيباليات يشكلن مصدرا للدعارة في الهند.

   الظروف المعيشية لدى النساء والفئات الدنيا غير محتملة. والشعب مستغل بشكل وحشي. وليس لديهم أي بديل سوى كسر سلاسل الاضطهاد الرأسمالي، لكن هذا مؤجل بسبب غياب حزب ثوري حقيقي.

   إن المهمة الملقاة على كاهل الجماهير النيبالية هي بناء حزب قادر على قيادة الثورة نحو النصر وقادر على كنس الرأسمالية والملاكين العقاريين. إلا أن الثورة الاشتراكية لا يمكنها أن تعيش معزولة داخل حدود الدولة النيبالية. ستعمل النيبال الثائرة على ربط نضالها مع النضال الطبقي في الهند، باكستان، بنغلادش والصين. إن تحرر النيبال، وكل شبه القارة الهندية، سيتحقق في ظل فدرالية آسيا الاشتراكية.

آدم بال
الاثنين: 30 أكتوبر 2006

عنوان النص بالإنجليزية :

Nepal – A revolution lost! Yet masses struggle on!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *