الرئيسية / دول العالم / آسيا / باكستان / المناضل الشيوعي الباكستاني المخضرم، جام ساقي، يتحدث لموقع الدفاع عن الماركسية

المناضل الشيوعي الباكستاني المخضرم، جام ساقي، يتحدث لموقع الدفاع عن الماركسية

 جام ساقي، هو الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الباكستاني. إنه رجل يمتلك فهما عميقا جدا لثقافة وآداب بلده الأم كما أنه شاعر متمكن ينظم أشعاره باللغة السندية.

  التحق بالتيار الماركسي الباكستاني، الكفاح، [فرع التيار الماركسي الأممي بباكستان]. ويشرح في هذا الحوار كيف أصبح مناضلا وكيف تمكن في النهاية من استيعاب محدودية الستالينية. إنه يدعو جميع العمال والشباب الثوريين الحقيقيين في شبه الجزيرة الهندية إلى الالتحاق بالتيار الماركسي الأممي والنضال من أجل الثورة الاشتراكية.


  • هل يمكنكم أن تقولوا لنا شيئا عن سنوات حياتكم الأولى؟
جام ساقي، لال خان وآلان وودز

  ولدت يوم 31 أكتوبر 1944 في قرية تدعى جانجهي بمقاطعة شاشارو السندية. إنها منطقة صحراوية. السند، كما تعلمون، ليس مجرد إقليم، إنه أيضا وحدة قومية وثقافية، لديه هويته الخاصة به ولغته وماض سحيق جدا. بل هناك من يعتبر أن لغتنا أقدم من اللغة السنسكريتية. على كل حال، أنتمي إلى واحدة من أقدم الثقافات في شبه القارة. لكن وباعتباري شيوعيا فإنني أولا وأساسا أممي وقد ناضلت دوما ضد كل محاولات تقسيم الطبقة العاملة على أساس قومي.

  كان والدي معلما في مدرسة ابتدائية. عمل على تعليم والدتي ومن ثم صارت معلمة هي أيضا. لم نكن أغنياء من الناحية المادية لكن والدي معا كانا جد أغنياء من الناحية الثقافية. كانا معا مهتمان بالشعر، خاصة شعر شاه لطيف. كان العديد من الناس متعلمين وشعراء.

  عندما ولدت كانت الهند لا تزال تحت الاحتلال البريطاني (باكستان لم تكن قد وجدت بعد). وقد كانت هناك نضالات بما فيها حركة المغاوير. كانت أغلبية الجيش البريطاني الهندي مشكلة أساسا من المسلمين. لقد قاتلوا من أجل بريطانيا في كلا الحربين العالميتين. قال لهم البريطانيون أنهم سيعطونهم الأرض بعد الحرب. وما أعطي لهم في النهاية كان هو التقسيم وباكستان.

  كان التقسيم كارثة أدت إلى موت ملايين الناس. قال جناح في البداية أن باكستان ستكون دولة علمانية وسيكون الجميع حرا في ممارسة شعائره الدينية. قال هذا في خطاب له يوم 11 غشت 1947. لكن هذا الخطاب تعرض للمنع. فقد تدخل الجيش لحذف المقطع المغضوب عليه وعندها أمرت الجرائد بعدم طبع هذا الخطاب. تم إخراس صوت الإذاعة الباكستانية. وحده ألطاف حسين، الصحفي المستقل، من رفض الامتثال للرقابة. ومن ثم فإن باكستان كانت منذ اليوم الأول دولة تحت سيطرة الجيش.

  الأيام الأولى

  • كيف انخرطت في الحياة السياسية؟

  كنت طالبا في المرحلة الثانوية، سنة 1961، ألقيت خطابا في مدرسة مهنية. فلاحظني أحد المناضلين من الحزب الشيوعي، معلم متقاعد كان يشتغل كممثل مبيعات لدار نشر تقدمية تدعى سندي آدابي. بقي طيلة يومين أو ثلاثة أيام يخبرني عن الاشتراكية. قال أنه لا يوجد أي طريق آخر أمام العالم ما عدا الاشتراكية. ذهبت إلى الكلية سنة 1962 وهناك بدأت النضال داخل الحزب الشيوعي.

  •   كم كان عدد المناضلين آنذاك؟

  كان لدينا حوالي 100 عضو. كنا آنذاك حركة سرية بالمطلق. المسألة القومية جد هامة في باكستان عموما وفي السند خصوصا. كانت الطبقة السائدة والجيش مشكلان أساسا من القومية البنجابية. حاولوا فرض التمييز ضد اللغة السندية. كان هناك، على سبيل المثال، شرط أن يكون الطالب متمكنا من اللغة السندية، لكن عندما فشل ابن أحد جنرالات الجيش في امتحان السندية، قررت الحكومة إلغاء ذلك الشرط. فنظمنا حملة جمع توقيعات نطالب بإعادة امتحانات اللغة السندية.

  لقد كان التحريض الذي قمنا به آنذاك تحضيرا فعليا لأحداث 1968. نظمنا العديد من المظاهرات. سنة 1968 كنت طالبا جامعيا. وجهت دعوة لذو الفقار علي بوتو لإلقاء خطاب في مجموعة منا بحيدر أباد بعد استقالته من حكومة أيوب خان. قال أن ذلك سيجلب علينا المشاكل مع الحكومة، فقلنا له: ذلك شأننا. سألنا بوتو لماذا لم نستدعه عندما كان لا يزال وزيرا. وقال: « عندها كنت سأفعل شيئا من أجلكم». فقلنا له: « لم نكن أبدا لنستدعي وزراء من حكومة أيوب خان، أما الآن أنت لست كذلك ومن ثم بإمكاننا استدعاءك.»

  كانت الحركة الطلابية جد كفاحية كرد فعل ضد العديد من مفوضي الشرطة الذين كانوا يتدخلون بشكل دائم في شؤون الجامعات. كان مسرور حسن احد الذين يتدخلون في شؤون الجامعة هو ونائب المستشار البلطجي. نظمنا مظاهرة من الجامعة إلى المدينة ضد تدخل الدولة في شؤون الجامعة. شارك في تلك المظاهرة أكثر من 1000 طالب. تم اعتراض طريقنا وتعرضنا لقمع همجي وتم اعتقالنا. لقد اعتقل 207 من الطلبة. كانت تلك هي المرة الأولى التي أعتقل فيها. وقد تعرضت للاعتقال سبعة مرات في حياتي.

  الظروف داخل السجن

  أخذنا إلى السجن. لم تكن الظروف سيئة إلى الدرجة التي كنا نتوقعها. وبالمقارنة مع التجارب اللاحقة لم تكن سيئة جدا. بقينا في السجن لخمسة عشر أو عشرين يوما، بعدها أطلق سراحنا بدون محاكمة.

  واصل الطلبة الآخرون مظاهرات الاحتجاج ضد اعتقالنا، وفي اليوم الموالي التحق بعض العمال والفلاحين أيضا. كل تلك المسيرات كانت غير قانونية حسب البند 144 الذي يؤكد على أنه ليس من حق أكثر من أربعة أشخاص أن يسيروا معا. وقد اعتقلوا بسبب هذا القانون. لكن هذه النضالات كانت تحضر الشروط لـ 1968.

  آنذاك كانت دكتاتورية أيوب خان قد صارت في أزمة. كانت الجماهير في منطقة الحدود الشمالية الغربية والسند وبلوشيستان في حالة غليان. لكن أهم مشكل كان هو الانشقاق المتزايد بين غرب باكستان وشرق باكستان (بنغال الشرقية، بنغلاديش اليوم). كان شعب بنغال الشرقية يشكل في الواقع أغلبية السكان: 56% من الساكنة آنذاك. لكنهم كانوا يتعرضون للقمع من طرف الجيش والطبقة السائدة ذوو الأغلبية البنجابية.

  هدد الجيش بأنه لن يكون هناك أي دستور حتى يتحول بنغاليو البنغال الشرقية إلى أقلية. وهو ما يشكل محاولة مكشوفة لضرب الدستور، الشيء الذي قاد إلى انفجار الغضب الشعبي في شرق باكستان، وساد سخط عام على دكتاتورية أيوب خان. وقد ردت الحكومة بالقمع في كل الأقاليم الأربعة.

  لكن هذا القمع لم يحقق أي شيء. فقد كانت الجماهير في هذه الأقاليم تعارض سياسة الحكومة المبنية على الوحدة الإجبارية. لقد كانت المسألة القومية تشتعل في كل مكان والجماهير تنتفض ضد هيمنة الجنرالات والملاكين العقاريين والرأسماليين البنجابيين.

  تمرد عام

  لقد كانت الشرارة التي فجرت جبل البارود هي اغتيال أحد الطلبة. عاد بعض الطلبة من بيشاور وجاء البوليس للبحث عنهم. نتيجة لذلك تعرض أحد الطلاب (عبد الحميد) لإطلاق النار فسقط قتيلا في راوالبيندي. وهو الشيء الذي أدى إلى تفجير تمرد عام.

  كان هناك عدد لا يحصى من المظاهرات من أجل الإصلاح الزراعي والديمقراطية. وانتفضت الجامعات ضد محاولات ضرب استقلاليتها ووضعها تحت سيطرة الحكومة. انتشرت المظاهرات الجماهيرية كالحريق. والتحق الشعب بها بأعداد هائلة في جميع القرى تقريبا. انخرط فيها ملايين الناس من البلدات والمدن والقرى.

  في السابق كان البوليس يتصرف اتجاه الشعب الفقير في القرى بالكثير من العنجهية والتسلط. لكن كل ذلك تغير الآن. إذ لم يعد في مقدور أي مفتش شرطة أن يذهب إلى أي مكان ليهين القرويين الفقراء بثيابهم الرثة والحفاة الأقدام. لم يعودوا يجرئون على شتمهم ولا على إهانتهم بل صاروا مجبرين على إبداء الاحترام. لقد كانت تلك المظاهرات جماهيرية حقا! كان العمال يلعبون دورا نشيطا في تلك المظاهرات. كانوا يرفعون مطالبهم الطبقية الخاصة. كانت الاشتراكية هي شعارهم.

      « من يحرث الأرض هو الذي يجب أن يملكها:
      يجب أن تأتي الاشتراكية، ستأتي الاشتراكية!»

  والمثير للسخرية هو رغبة الدكتاتور أيوب خان الاحتفال بالذكرى العاشرة لوصوله إلى السلطة. أرسل القطارات من أجل الاحتفال، لكن كلما توقف القطار في محطة ما، كان يستقبل بالاحتجاجات الجماهيرية. في النهاية وصل القطار إلى محطة بورن باهاوالبور، حيث أحرقته الجماهير!

  استنفر النظام قواته. عملوا على اعتقال بوتو وعلي خان وآخرين اتهموا بالتآمر لإسقاط الدكتاتورية. اتهموا أيضا بالعلاقة مع الشيوعيين. تم سجنهم لثلاثة أشهر، لكن أطلق سراحهم بعدما اسقط أيوب خان بانقلاب عسكري نظمه يحيى خان. لقد أسقط أيوب خان عندما أراد فرض الأحكام العرفية.

  كان كل شيء خارج السيطرة. خلال هذه الفترة قام الطلاب والفلاحون باحتلال أراضي الجيش وكبار الملاكين. أضرب العمال عن العمل وأقاموا السوفييتات. وتعرض العمال الذين رفضوا المشاركة في الإضراب للاحتقار والاستهزاء. كانت النساء ترسلن حليهن لعمال الخطوط الجوية والسكك الحديدية ويسألنهم عن سبب عدم مشاركتهم في الإضراب. يوم 18 فبراير نظم إضراب عام، فتوقفت البلاد تماما.

  أتذكر عندما كنت سكرتيرا للحزب الشيوعي في السند، كان لدي موقفا لينا اتجاه بوتو، إذ كان أعضاء حزب الشعب الباكستاني أقرب إلى الاشتراكية بينما كان الحزب الشيوعي يحد من آفاق الحركة في إطار الثورة الديموقراطية. لقد سارت الحركة أبعد كثيرا من هذه الحدود. في الواقع لم يكن بوتو هو من أعطى صوتا للشعب بل الشعب هو الذي أعطى صوتا لبوتو.

  أزمة القيادة

  مع الأسف كانت الحركة تفتقد لقيادة ملائمة. لقد تراجعت حدتها عندما أسقطوا أيوب خان. عندها أشعلوا حربا ضد الهند من أجل ذر المزيد من الرماد في العيون. لقد حاول النظام استعمال الشوفينية القومية من أجل شق صفوف الحركة.

  عندما وصل بوتو إلى السلطة سرعان ما انحرف إلى اليمين. لقد قام باعتقالي وقال للجيش والدولة “اعتقل هذا الولد الذكي خدمة لكم”. لأنني عارضت ممارساته ضد الشعب البنغالي واتهمت بالخيانة. حكم علي بسنة سجنا و15 جلدة. كل هذا كان في ظل حكم بوتو. وقد تم اعتقال العديد من قادة “حزب عوامي [الشعب] الوطني” الآخرين. تعرض القادة للمنع في جميع الأقاليم وأرسل العديد منهم ا إلى السجن.

  نهج بوتو سياسة كارثية. بعث الجيش إلى بلوشستان بعد إسقاط الحكومة المحلية. بعدها حاول بوتو إخراج الجيش، لكن ضياء الحق لم يرد ذلك. عند هذه النقطة كان على بوتو أن يكون شجاعا بما فيه الكفاية لكي يتوجه نحو الشعب ويقول له: ذلك النذل لن يغادر ويقوم بقمع الشعب. لقد اتفقت الحكومة على ألا يكون هناك قمع، لكن الجيش رفض الامتثال. بعد ذلك، صار من الواضح ما سوف يحدث. تم اعتقال بوتو وأعدم فيما بعد من طرف الجيش. هذا يعطي الدليل على أن الجيش هو الذي بقي مسيطرا منذ 1947، حتى خلال اليوم الأول لإنشاء باكستان عندما مارس الجيش الرقابة على خطاب جناح.

  عندما أسقط بوتو وفرضت الأحكام العرفية سنة 1977، عاد الحزب الشيوعي إلى السرية. لقد وصلت دكتاتورية ضياء الحق حدودا أبعد من كل ما عرف لحد الآن. قمنا بنشر جريدتين: الراية الحمراء (باللغة الأردية) والهالشان (الحركة) بالسندية. كنا نوزع حوالي 7000 نسخة. لقد كانت تلك مرحلة رهيبة، اعتقل خلالها آلاف العمال السياسيين وعذبوا واتهموا بنشر الكراهية ضد الجيش الباكستاني.

  مثلت أمام لجنة عسكرية. لم تكن هناك أية فرصة لكسب القضية. كنت أعرف أنني سأدخل السجن حتما، لذا قررت أن أحول المحاكمة إلى محاكمة سياسية. ومن بين الذين تحدثوا دفاعا عني كانت هناك بينازير بوتو. قالت أنني لم أخرق الدستور، من خرق الدستور هو ضياء الحق. وقد شهد في المحكمة آخرون من بينهم والي خان، بينازير وغيرهما. قلت للمحكمة: « السند موجودة منذ أكثر من 6000 سنة، الإسلام منذ 1400 سنة وباكستان منذ 28 سنة فقط. لماذا أتهم بالخيانة؟» خطابي خلال المحاكمة وزع ولقي صدى كبيرا بين الجماهير في باكستان.

  النتيجة كانت كما هو متوقع. أرسل اثنان من أصدقائي إلى حيدر أباد وحكموا بعشرة سنوات سجنا. أنا أيضا تلقيت نفس الحكم. تعرضنا للتعذيب طبعا. تضمنت الأساليب المستعملة في مراكز الاستنطاق الحرمان من النوم، حيث كانوا يفرضون علينا البقاء مستيقظين طوال أيام. كنا نتعرض للضرب بشكل منتظم بواسطة السياط، خلف الركبتين عادة أو على الفخذ والردفين، كما استعملوا طريقة التعذيب الصينية بالماء. كان الضحية يربط فوق مقعد معلق فوقه كيس مملوء بالماء. ينزل الماء قطرة، قطرة ببطء فوق رأسه. يبدو الأمر هينا جدا. لكن صدقني، هذه الطريقة تسبب عذابا لا يمكن تخيله. يستمر الضرب بالسياط طيلة اليوم، وكل يوم.

  بعدها أرسلت لكي أعذب في معسكر للجيش وفي حصن لاهور، حيث كان يتم الاستنطاق من طرف وحدة المخابرات العسكرية. لكن قيل لهم أن التعذيب الجسدي ليس له أي تأثير على هذا الشخص. لذا لجئوا إلى التعذيب النفسي عوض ذلك. قضيت ثماني سنوات في السجن، سبعة سنوات منها قضيتها في السجن الانفرادي. لا يمكنك أن تتخيل ماذا يعنيه ذلك. أحيانا تتمنى أن يأتي الجلادون ويأخذوك بعيدا، فقط لكي ترى وجها بشريا. كان هذا في حصن لاهور، الذي صار الآن محجا سياحيا.

  بالرغم من كل ذلك، لم أحقد على الجنود، الذين هم أبناء الفلاحين والعمال. كنت أشبههم بالموز: لديهم بعض الصلابة من الخارج لكن ناعمين وطيبين من الداخل. لقد تآخيت معهم وطورت معهم علاقات جيدة. لقد مكنني هذا من التواصل مع الرفاق في الخارج. كان يقال أنه فقط المليونير بماله أو الشيوعي من يستطيعان القيام بذلك! 15 يوما بعد تمكني من نسج علاقة مع الجنود قال القائد « تخلصوا من هذا الرجل لأنه يؤثر على معنويات رجالي!»

  أتذكر في إحدى المرات، كنت أتحدث مع أحد الجنود فقال: « أنت تتحدث عن الاشتراكية، لكن كيف سينتهي كل هذا؟ هل يستحق الأمر كل هذه التضحيات؟ سألته هل سبق له أن سمع عن هير رانجها وسوهني مهيوال (روميو وجولييت). قال نعم. قلت له، حسنا لقد مات هؤلاء الشخصان من أجل بعضهما البعض لأنهما كانا يحبان بعضهما. إذا كان في مقدورهما أن يهبا حياتهما من أجل إنسان واحد، فإنني أهب حياتي من أجل ملايين البشر، من أجل جميع الرجال والنساء. لم أتعلم الاشتراكية من الكتب، بل من الحياة نفسها.»

  حملة أممية

  لقد دفعت حالتي إلى تنظيم حملة أممية كبيرة. كانت الحملة من تنظيم الحركة العمالية والأحزاب الشيوعية. كان ضياء يقوم بزيارات إلى بلدان أخرى، وأينما ذهب، كانت الأحزاب الشيوعية تنظم مظاهرات واحتجاجات. بدأ الضغط يتزايد ومن ثم صار النظام مجبرا على إطلاق سراحي قبل سنتين من المدة. يوم 10 دجنبر من سنة 1986، خرجت أخيرا من بوابة السجن بعد ثماني سنوات بفضل الضغط الأممي.

  بعد إطلاق سراحي ذهبت في جولة عبر باكستان. كانت هناك مظاهرات عارمة في لاهور والسند إضافة إلى مسيرات ترحيب. مع الأسف علي أن أقول أن الحزب الشيوعي لم يستطع تنظيم تلك الأنشطة. لقد ارتكب بعض الأخطاء العصبوية الكبيرة وكان عاجزا عن التواصل مع الجماهير.

  نتيجة لذلك صرت معروفا جدا في الهند أيضا. ذهبت في بعض الرحلات الدولية: ألمانيا، السويد، الدنمرك، المملكة المتحدة. في بريطانيا كلف الحزب الشيوعي رفيقين شابين بمرافقتي. قالا لي أن قادتهم يشبهون كتبا جافة، “بينما أنت لديك حياة داخلك”. في النهاية غادرت الحزب الشيوعي سنة 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. في الحقيقة لقد انهار قبل ذلك بكثير وتوقف عن أن يكون أداة صالحة للثورة الاشتراكية.

   كانت الضربة الأخيرة بالنسبة إلي هي انقلاب الجيش الروسي سنة 1991. لم يكن لقادة الحزب الشيوعي الباكستاني أي تفسير لهذه الأحداث. أحد قادة الحزب الشيوعي قدم تصوره الخاص للسبب وراء الانشقاق، لم يكن نفس موقف الحزب. عندها قدمت استقالتي. إن حزبا عاجزا حتى عن تقديم تفسير للأحداث لأعضائه هو حزب لا يستحق تسميته بالشيوعي.

  •   في ضوء الخبرة التي كسبتها، ما هو رأيك في دور الستالينية؟

  لم يسبب أي أحد دمارا للحركة الشيوعية والاشتراكية أكثر مما سببته الستالينية. حتى الإمبريالية لم تكن لتسبب ذلك. عندما ذهبت إلى روسيا سنة 1990، اطلعت على الأيام الأخيرة عندما تم إبعاد لينين خلال مرضه الأخير. لقد أبقاه البيروقراطيون بعيدا عن الحزب وعن بقية العالم. كانوا يقولون أنه جد مريض، لكنهم كانوا يقولون فيما بينهم أنه صار مزعجا لأنه بدأ يدخل في صراع مع ستالين والبيروقراطية.

  عندما قرأت أكثر اتضح لي أن لينين وتروتسكي كانا قريبين من بعضهما وأن لينين حاول في أواخر حياته طرد ستالين من الحزب. عند نقطة معينة، عندما احتجت كروبسكايا على تصرف ستالين، هددها بهذه الكلمات: “يمكنني دائما أن أجد أرملة أخرى للينين”. لقد كان هذا تهديدا مباشرا لها.

  لم يتمكن الحزب الشيوعي الباكستاني أبدا من بناء قاعدة جماهيرية. كان ذلك جزئيا بسبب التأكيد المبالغ فيه على العمل السري. لقد كانوا مدفونين عميقا تحت الأرض إلى درجة أن العمال لم يتمكنوا من رؤيتهم. أعتقد ربما أن الوحيدين الذين كانوا يعرفون أين يوجد مناضلو الحزب هم البوليس!

  •   ما هي النصيحة التي تود الآن تقديمها لعمال وشباب شبه الجزيرة الهندية؟

  لقد أعجبت كثيرا بمنظمة الكفاح. لقد بدأ الرفيق لال خان يوحد أعداد هائلة من الناس حول قضية الثورة الاشتراكية. لم يكن من الممكن أبدا كسب هذه الأعداد الكبيرة من طرف الحزب الشيوعي الستاليني. أسلوب لال خان أعجبني كثيرا جدا. تركت الحزب الشيوعي سنة 1991 وقررت قبل بضعة سنوات أن ألتحق بالتيار الماركسي الأممي ولال خان. وقد أقنعني هذا المؤتمر الرائع أنني اتخذت القرار الصحيح. للمرة الأولى منذ سنوات أشعر أنني شاب وبصحة جيدة ومليء بالتفاؤل.

  لقد كان لدى الحزب الشيوعي الباكستاني مناضلون جيدون جدا في القاعدة، لكنه لم يعمل أبدا على بناء حزب جماهيري. لقد كان أشبه بناد مغلق. لم يكن يمارس السرية اتجاه الحكومة وحدها، بل أيضا اتجاه الشعب. على النقيض من ذلك قادت منظمة الكفاح أكثر النضالات بين الجماهير روعة، ووحدت أعداد عظيمة من المناضلين. لقد صرت أكثر اقتناعا. لقد قررت أن ألتحق بها منذ 1992.

  نصيحتي إذن لجميع الشيوعيين في باكستان والهند والنيبال والبنغلادش، إلى الاتحاد معنا والالتحاق بمنظمة الكفاح والتيار الماركسي الأممي. ليس هناك من طريق آخر. أنا عضو في منظمة الكفاح والتيار الماركسي الأممي. أنا جد سعيد لأنه سنحت لي في مؤتمر الكفاح هذا أن ألتقي بالرفيق آلان وودز الذي سمعت عنه كثيرا جدا.

عن موقع: الدفاع عن الماركسية
الأربعاء: 04 أبريل 2007

عنوان النص بالإنجليزية :

Veteran Pakistan Communist speaks to Marxist.com – Jam Saqi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *