الوضع الدولي ومنظورات – 2007

ألقي هذا الخطاب خلال اجتماع لقيادة التيار الماركسي الأممي في برشلونة بتاريخ: 24 يوليوز 2007. الاضطرابات الأخيرة التي تعرفها أسواق المال العالمية تؤكد المنظورات المطروحة في هذا الخطاب.


 شرح لينين أن السياسة هي تكثيف للاقتصاد. ويجد الاضطراب العام الذي يعرفه النظام الرأسمالي تعبيرا عنه في أسواق المال العالمية. قلق المستثمرين يظهر في الأزمات الدورية لأسواق المال.

  لا يزال الاقتصاد الأمريكي هو المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي. لقد تمكن من التعافي بعد انفجار فقاعة الأسواق المالية سنة 2000. لكن الاقتصاديين صاروا يتحدثون اليوم عن نمو بطيء أو ركود. لقد تمكن الاقتصاد الأمريكي لحد الآن من تلافي الركود، لكن هناك تباطؤ في النمو. إذ لم ينمو سوى بـ 0,6% خلال الربع الأول.

  يوم 29 يونيو كتبت صحيفة الإيكونوميست: « هناك العديد من الإشارات التحذيرية. سوق العقار، الذي كان طيلة مدة طويلة ركيزة الازدهار الاقتصادي الأمريكي، صار ينهار الآن. العجز الذي يعرفه سوق الإقراض يتزايد بشكل يدعو إلى القلق أكثر من أي وقت مضى. معدل التضخم، الذي يستثني الغذاء والطاقة، ليس راكدا: صارت أسعار المواد الاستهلاكية أعلى بـ 2,2% خلال شهر ماي، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. إضافة إلى تباطؤ نمو الناتج الداخلي الخام، هذا المزيج يجعل المستهلكين قلقين.»

  يعتبر ارتفاع معدلات الفائدة من بين المسائل التي تقلق المستثمرين، وهو الارتفاع الذي يتزامن مع ذروة الازدهار. إلا أنه من المستحيل أن نكون دقيقين فيما يخص توقيت الدورة الاقتصادية. كل ما يمكننا قوله هو أن حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة مسألة حتمية. ليس الاقتصاد علما دقيقا، والنظام الرأسمالي نظام فوضوي، من المستحيل توقع سيرورته بشكل دقيق.

  هناك ارتباك أكبر بين صفوف الاقتصاديين البورجوازيين، الذين يعبرون عن وجهات نظر متناقضة بخصوص الأوضاع. فمرة يتحدثون عن الانكماش، ثم يحذرون من خطر التضخم. إن عودة التضخم صار مسألة واقعية بالنسبة لجميع البلدان الرئيسية. الشيء الذي يعتبر ظاهرة ملازمة للازدهار، إلى جانب ارتفاع كبير للأرباح والأجور أيضا. لكن خلال الدورة الاقتصادية الحالية يعتبر ارتفاع الأجور هو ما ينقص.

  ديون المستهلكين

  صحيح أنه لم يحدث خلال العشرين سنة الأخيرة أي ركود اقتصادي حاد، فلم يحدث الركود سوى مرتين وكان ضعيفا نسبيا. يشكل هذا جزءا من مشاكل البورجوازيين. إن خطأ الاقتصاديين البورجوازيين هو أنهم يستخلصون أن نفس الميول التي لوحظت في المرحلة الماضية ستستمر في المستقبل. إنهم لم يتعلموا الحقيقة الأساسية التالية: أن فيما يتعلق بالاقتصاد ليس الماضي دليلا على المستقبل. جميعهم تخدروا بشعور خاطئ بالاطمئنان. يعتقدون أن حدوث انهيار اقتصادي عالمي مسألة غير ممكنة. إن هذا الاعتقاد خاطئ كليا.

  لقد كان هناك استقرار نسبي للتضخم خلال الخمسة عشرة سنة الأخيرة. ويرجع هذا إلى تداخل عدة عوامل: في المرتبة الأولى نجد العولمة نفسها، التي تمارس ضغطا على الأجور والأسعار. نتيجة لذلك صار الرأسماليون والاقتصاديون في مأمن من التضخم. وقد سمحت البنوك المركزية للسياسة المالية بأن تصير جد مرنة، خالقة هكذا المشاكل للمستقبل على شكل فقاعة ديون. مستقبلا ستعود جميع الدجاجات إلى الخم لكي تضع بيضها. سوف نشهد أزمة فائض إنتاج عالمية، سيزيد من سوئها انكماش حاد للديون وانهيار أسعار العقارات والأسواق المالية.

  لقد شجع إنفاق المستهلك الأمريكي نمو الناتج الداخلي الخام، لكن هذا تم على حساب معدل ادخار شخصي سلبي، ونسبة متصاعدة للديون المنزلية وعجز هائل في الحساب الجاري. حتى مع تباطؤ أسواق العقارات لا يزال الأمريكيون ينفقون. الشيء الذي لا يمكن تحمله.

  إلا أنه خلال المرحلة الحالية يتصرف الرأسماليون واقتصاديوهم مثل مجموعة من السكارى أثناء حفلة ماجنة: إنهم يستمتعون إلى أقصى الحدود ويعتقدون بسبب حالة الثمالة التي يوجدون عليها أن الحفلة ستستمر إلى الأبد. مثل هؤلاء سيستفيقون حتما والصداع يشق رؤوسهم. قبل عشرة سنوات حذر آلان غرينسبان من “الإفراط الغير عقلاني” في أسواق البورصة، لكنه بعد ذلك شجعها، وأضاف لها شيئا من “الإفراط الغير عقلاني” الخاص به.

  لقد ألقت البورجوازية خلال المرحلة الأخيرة بالحذر عرض الحائط. لقد تصرفت بشكل لا مسئول من وجهة النظر الرأسمالية. لقد كان الجمهوريون فيما مضى حزب الميزانية المتوازنة والدولار القوي والمسئولية المالية الصلبة. وهو ما لم يعد يحدث اليوم. لقد حكم الجمهوريون من خلال ازدهار الاستهلاك ودولار منهار ومعدل عجز هائل. عندما وصل جورج بوش إلى السلطة كان إنفاق الحكومة يساوي 18,5% من الناتج الخام، لكنه صار سنة 2006 يساوي 20,3%.

  أغلب الزيادات كانت مبنية على معدلات إنفاق تقديرية، مع ارتفاع النفقات العسكرية بالثلث. ثم هناك المنح الضخمة المقدمة للمزارعين الأمريكيين ونفقات القطاع الصحي والضمان الاجتماعي. كل هذا يخلق عجزا بنيويا ويغرق الأجيال القادمة في الولايات المتحدة تحت ثقل ديون هائلة. كما أنه يلغم أسس الآليات التي استخدمتها البورجوازية في الماضي للتخلص من الركود.

  مكانة الولايات المتحدة في العالم

  لا تزال الولايات المتحدة أكبر قوة اقتصادية في العالم. ومن ثم فإن حدوث ركود اقتصادي فيها سيكون له تأثيرات عميقة في كل مكان. صحيح أن الولايات المتحدة فقدت بعض المواقع لصالح بلدان أخرى. لقد كانت أكبر دولة مصدرة في العالم، لكن تجاوزتها في البداية ألمانيا والآن تجاوزتها الصين، التي تجاوزت صادرات بضائعها صادرات الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من السنة الماضية.

  الدولار يفقد مكانته المسيطرة في التمويل العالمي. هناك الآن من أوراق الأورو في التداول أكثر مما هناك من الدولارات. وقد عوض الأورو في سوق السندات العالمي، مكانة الدولار كعملة رئيسية. وحسب Financial Times فقد خطفت أوروبا (ضمنها روسيا) الأضواء عن رسملة سوق وول ستريت.

  حسب مجلة Fortune لا تزال الشركات الأمريكية في مقدمة أكبر الشركات في العالم، حيث وضعت شركة إكسون موبيل في المرتبة الأولى سنة 2006. حققت شركة أرامكو، في الواقع، بالرغم من كونها غير مصنفة، أكبر الأرباح. تكاد شركة طويوطا أن تتجاوز شركة جنرال موتورز باعتبارها أكبر شركة سيارات في العالم. سنة 2006 تمكنت الصين للمرة الأولى أن تتجاوز الولايات المتحدة في صناعة السيارات. الشركة اليابانية طويوطا قريبة من إنتاج عدد سيارات أكبر مما تنتجه جنرال موتورز. والأهم هو أن الصين تحقق نموا أسرع بثلاثة مرات من الولايات المتحدة.

  هذه النسبة دفعت بالعديد من الملاحظين إلى توقع أن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة. يتوقع غولدمان ساشز أن الناتج الصيني (بمعدلات سوق الأسهم) سيتجاوز نظيره الأمريكي مع حلول سنة 2027. ويعتقد البعض أنه على أساس تعادل القوة الشرائية، سيحدث هذا في غضون أربعة سنوات فقط. إلا أن مثل هذه التوقعات تفتقر إلى الأساس العلمي. نفس الشيء قيل عن اليابان في السابق، لكن الاقتصاد الياباني انهار واحتاج إلى 20 سنة لكي يتعافى.

  قبل وقت طويل من أن تتمكن الصين من تجاوز الولايات المتحدة سيعرف اقتصادها أزمة كبيرة، مثلها مثل التي حدثت لليابان. لا يمكن للسوق المحلية الصينية أن تمتص الاستثمارات الهائلة في القطاع الصناعي (بالرغم من أن سوقها تتمدد بسرعة). تتجه الصين، خلال المرحلة المقبلة، نحو أزمة فائض إنتاج كلاسيكية، مما سيحضر الشروط لتطورات متفجرة في الصين.

  تعتبر الصين خلال المرحلة الحالية البلد الرئيسي الوحيد في العالم الذي يتطور فعلا. إلا أن هذا يقوي ساعد البروليتاريا الصينية الجبارة. إن حدوث ركود في الولايات المتحدة، بل وحتى تباطؤ طويل الأمد في النمو، سوف يؤدي إلى حدوث انهيار في الصين مما سيكون له آثار انعكاسات هائلة في آسيا وعلى الصعيد العالمي.

  هل يمكن لآسيا أن تنقذ العالم؟

  بعض الاقتصاديين البورجوازيين يمنون أنفسهم بأمل أن حدوث انتعاش للنمو الاقتصادي في أوروبا والصين واليابان سيحد من آثار الأزمة الأمريكية. لكن الصين تعتمد على السوق الأمريكية وباقي دول آسيا تعتمد على الصين. وهكذا فإنه في آخر المطاف كل العالم يعتمد على ازدهار الاستهلاك في الولايات المتحدة. لكن هذا لا يمكنه أن يستمر. يحاول الاقتصاديون الذين يواجههم احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي، أن يخلقوا نوعا من التفاؤل من خلال الادعاء بأن ركود الاقتصاد الأمريكي سيوازنه نمو الطلب في آسيا، التي حققت، حسب بعض التقديرات، أكثر من نصف النمو العالمي منذ 2001.

  لكن هذا الادعاء يتغاضى عن حقيقة أن النمو في آسيا قام أساسا على قاعدة التصدير إلى أمريكا، بينما تراجع الطلب الداخلي في المنطقة. تعاني آسيا من فائض للحساب الجاري يتجاوز 400 مليار، مما يبين أنها تساهم في العرض العالمي أكثر مما تساهم في الطلب. إذا ما انهار الطلب الأمريكي سيتباطأ نمو التصدير والإنتاج في آسيا بشكل حاد، وهذا بدوره سيؤثر بحدة على الصين.

  تشكل الصادرات 40% من الناتج الداخلي الصيني، بالرغم من أن نمو الناتج الصيني مؤخرا تأتى أساسا من الطلب الداخلي، الذي ارتفع بمعدل سنوي يساوي 9% خلال السنوات الأخيرة. الإنفاق الحقيقي للمستهلك في الصين ارتفع بمعدل سنوي يتجاوز 10% خلال العقد الأخير، مما يجعله الأسرع في العالم وأسرع كثيرا من نظيره في أمريكا (انظر الجزء الثاني).

  صحيح أن الاقتصاد الياباني يعرف انتعاشا. ينشر الصناعيون اليابانيون الآن تقارير عن عدم كفاية القدرة الإنتاجية للمرة الأولى منذ 1991 ويخططون للرفع من إنفاق الرساميل بـ 17% خلال هذه السنة وإلى حدود مارس. أمريكا لا تستقبل سوى 23% من صادرات اليابان، أقل من حوالي 40% من النسبة التي كانت تستقبلها أوائل الثمانينات، الشيء الذي يخفي التهديد الذي يواجه الاقتصاد الياباني من احتمال حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة. الشركات اليابانية (مثلها مثل نظيرتها الجنوب كورية والتايوانية) ترسل إلى الصين الكثير من الأجزاء من أجل تجميعها لكي يتم بعد ذلك تصديرها إلى أمريكا كمنتجات كاملة. فوق كل هذا إذا ما غرق الاقتصاد الأمريكي سيجر الدولار معه إلى القاع مما سيؤدي إلى الضغط أكثر فأكثر على المصدرين الأسيويين.

  إضافة إلى ذلك ترزح اليابان تحت وطأة دين عمومي ثقيل ومن ثم فإنها ليست في موقع يؤهلها “للخروج من أزمتها” عبر سياسة العجز المالي. تايوان، حيث الطلب الداخلي ضعيف، تعاني بدورها من عجز كبير في الميزانية.

  ومن ثم ليس هناك من أساس صلب للاعتقاد بأنه يمكن للاقتصادات الأسيوية أن “تنجو” من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي. بالرغم من أن صادرات الصين إلى أمريكا تناقصت من 34% من مجمل صادراتها سنة 1999، إلى 25% اليوم (وهو ما تعدله عملية إعادة التصدير التي تتم عبر هونغ كونغ)، فإنه لا يزال لانهيار حاد في الطلب في الولايات المتحدة آثار جدية على الصين..

  سيضر نمو أبطأ للاقتصاد الأمريكي بالصين والهند واليابان، لكنه سيضرب، بقوة أكبر، الاقتصادات الآسيوية الأصغر، من قبيل سنغافورة والتايوان وهونغ كونغ، الأكثر اعتمادا على الطلب الخارجي. إلا أن كل آسيا متداخلة فيما بينها وقد بين انهيار 1997 أنه بمجرد ما تبدأ الأزمة فإنها ستنتقل من بلد إلى الآخر.

  هيمنة السوق العالمية

  من الغباء التفكير في إمكانية تفكيك الاقتصاد العالمي إلى اقتصادات معزولة عن بعضها البعض، لكي لا يكون للركود في الولايات المتحدة تأثيرات هامة. الاقتصاديون البورجوازيون الذين يدافعون عن هذه الفكرة يناقضون كل ما سبق لهم أن كتبوه بالأمس بخصوص العولمة. في الواقع، الاقتصاد العالمي اليوم أكثر تداخلا مما كان عليه في أي وقت مضى. النظام الاقتصادي العالمي في الواقع جد هش. يمكن لسلسلة الإنتاج الرأسمالي أن تنقطع في أي من حلقاتها وأحد العوامل يؤثر حتما في جميع العوامل الأخرى. هذا هو السبب وراء العصبية الحالية التي تعرفها أسواق المال العالمية.

  يمكن للأزمة المقبلة أن تبدأ في الولايات المتحدة أو الصين. يمكن أن تفجرها أزمة في البورصة أو ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط بسبب الأحداث في الشرق الأوسط. وعندما يتم الوصول إلى النقطة الحاسمة ستنقلب كل السيرورة إلى عكسها. عند هذه النقطة ستنقلب جميع العوامل التي أدت إلى حدوث الازدهار إلى نقيضها. الدين الهائل الذي حقن في الاقتصاد الأمريكي من أجل إطالة مدة ازدهار الاستهلاك سيصير عائقا هائلا، وسيغرق الاقتصاد. وبمجرد ما سيبدأ التراجع لن يتوقف.

  قبل عشر سنوات، يوم الثاني من يوليوز 1997، عوم البنك المركزي التايلاندي العملة (baht) بعد عجزه عن حمايتها من الهجمات المضارباتية. هذه الحركة سببت انهيارا ماليا واقتصاديا سرعان ما امتد إلى اقتصادات أخرى في المنطقة، مما أدى إلى تقليص حاد في معدل نمو الناتج الداخلي وإفلاس الشركات وسبب حدوث تسريحات كثيفة. هذا أدى إلى الأزمة المالية الأسيوية سنة 1997 – 1998، التي أصابت لاحقا بلدانا من قبيل بولندا، تركيا، البرازيل والأرجنتين. إنهم يهنئون أنفسهم الآن على خروجهم من هذه الأزمة لكن من السهل أن تتكرر على صعيد أكبر.

  الفقاعة المضارباتية

  يحتوي كل ازدهار رأسمالي على عنصر مضارباتي، لكن خلال الازدهار الحالي عنصر المضاربة يتجاوز أي شيء سبقت رؤيته لحد الآن. ما يسمى بشركات الأسهم الخاصة متورطة في موجة مضاربات كبيرة للاستيلاء على الشركات، هذه المضاربات لا تتضمن أي نشاط إنتاجي بل تؤدي فقط إلى الإغلاقات والتسريحات وتدمير الصناعة من أجل الربح.

  المبالغ التي صرفت في ما يسمى بالبيع مقابل الدين هائلة. فمقابل مبلغ 32,6 مليار دولار نقدا وتحويل 15,9 مليار إلى ديون، وافقت شركة Bell Canada Enterprises (BCE)، مالكة أكبر شركة اتصالات في كندا، على أن يستولي عليها صندوق المعاشات أونتاريو (Ontario pension fund) واثنتان من شركات الأسهم الخاصة الأمريكية. إذا ما تمت هذه الصفقة فإنها لن تكون أكبر عملية استيلاء في تاريخ كندا فحسب بل أكبر عملية بيع مقابل الدين في العالم. وقد خطفت الأضواء عن أخبار إمكانية قيام شركة أسهم خاصة في بريطانيا ببيع مجموعة Virgin Media الخاصة، التي هي عبارة عن مجموعة قنوات تلفزية وانترنيت وهاتف، مقابل حوالي 11 مليار دولار فقط.

  لقد حقق المستثمرون الكثير من المال خلال سنة 2007. ارتفع مؤشر FTSE العالمي بـ 8,7% مقارنة بالستة أشهر الأولى من السنة. وقد حققت الأسواق الرائدة (أمريكا، بريطانيا، أوروبا واليابان) أرباحا تساوي ثلاثة بالمائة من هذه الأرقام. لكن المزاج اختلف حاليا. إذ يسود هناك قلق وتذبذب هائلين.

  والاتجاه الذي تأكد مؤخرا هو ضعف تمويل عمليات البيع. كانت اليابان واحدة من الأسواق الأكثر تضررا حيث هبط المؤشر بـ 12% خلال شهر يونيو وحده. المستثمرون قلقون من احتمال عمليات إقراض سيئة في قطاع الأبناك. لكن المسألة الأهم هي الاقتصاد الأمريكي.

  ضعف الاقتصاد الأمريكي

  لقد خلقت البورجوازية الأمريكية، في سياق سباقها المحموم من أجل الربح الفوري على حساب الاستقرار البعيد الأمد، أكبر موجة ازدهار مضارباتي في التاريخ. صحيح أن الاقتصاد الأمريكي عرف أسرع وثيرة نمو في العالم المتقدم. لكن هذا راجع فقط إلى بطأ النمو في أماكن أخرى، وخاصة في أوروبا واليابان. لقد تمكن الاقتصاد الأمريكي لحد الآن من تلافي الانكماش. لكنه يتباطئ. نما الاقتصاد بمعدل سنوي يساوي 0,6% خلال الربع الأول من 2007، أقل بالنصف مما كان متوقعا في البداية. أسعار العقارات لا تزال ترتفع، وإن بأبطأ معدل فصلي سجلته خلال عشر سنوات، حسب مكتب الإشراف الفدرالي على مشاريع الإسكان.

  قد تكون الولايات المتحدة فقدت مركزها القيادي في العديد من الحقول، لكنها لا تزال الأولى عالميا في حقل واحد: الديون. وصلت ديون المستهلكين والحكومة والشركات أرقاما قياسية بالنسبة للماضي القريب. يتحدى الاقتصاد الأمريكي في الواقع قوانين الجاذبية الاقتصادية. يعاني من العجز على العديد من المستويات. هناك ازدهار مضارباتي جديد في أسعار العقارات. هذا بدوره حافظ على ازدهار في طلب المستهلكين. لقد تمكن المستهلكون من الاستهلاك أكثر مما تسمح به مداخيلهم من خلال قيامهم بالاقتراض مقابل أرباح منازلهم. ليس لهذا الازدهار وبالرغم من كلمات جورج بوش المطمئنة أي أساس على الإطلاق. إنه مبني على دين وعجز هائلين. وهذا الدين، كما نعلم جميعا، يجب أن يرد.

  تمكن المستهلكون لحد الآن من تمويل نمط عيشهم بواسطة الاقتراض. وكما شرح ماركس يوسع الاقتراض السوق إلى أبعد من حدودها الطبيعية. لكنه يأتي بالخبز اليوم ويحمل الجوع غدا. في النهاية سيقود هذا بالضرورة إلى حدوث أزمة فائض إنتاج عالمية. معدلات الفائدة المرتفعة جعلت القروض أكثر كلفة. الضعف النسبي لادخار المستهلكين يجعل المستثمرين ينتقلون إلى منتوجات من قبيل المعادن التي كانت تعتبر “متجاوزة”.

  ساهم الازدهار الذي عرفه قطاع الإسكان خلال السنوات القليلة الماضية بشكل كبير في الاقتصاد، لكنه تباطأ الآن. لم يعد المستهلكون قادرين على استخدام أسهم منازلهم للاستمرار في الإنفاق وقد انتهت أرباح تطوير الملكية. تقدر الحكومة أن الركود الذي عرفه قطاع الإسكان قلص من الناتج الداخلي بحوالي 1% خلال الربع الأول من 2007.

  سيكون لتباطئ سوق الإسكان بالضرورة تأثير على جبل الديون والعقود المرتبطة بالدين التي أصدرت من أجل تمويل الازدهار. سيكون من الضروري عند نقطة محددة أن يتم الضغط على المضاربة الهائلة. تؤكد صحيفة The Economist (29 يونيو): « جانب المشكل الأكثر إثارة للمخاوف في قضية صندوقي تغطية الرهن العقاري اللذان تسيرهما شركة Bear Stearns، المعرضان كلاهما بقوة إلى انهيار قيمتيهما في السوق، ليس هو أن بنكا كبيرا يعيش وضعا خطرا، بل هو الإعلان عن قلة المعلومات التي كانت متوفرة عن المخاطر المحتملة. كانت الأسواق جد مستنفرة والآليات جد معقدة إلى درجة أنه لا أحد يبدو أنه يعرف ما الذي سيحدث عندما يبدأ كل شيء في التراخي»

  هذا الارتباك والقلق المتزايد للبورجوازية جد معبر. إنهم يغرقون في مياه مجهولة. عند نقطة معينة سيكون من الحتمي حدوث تباطؤ للاقتصاد، عندما ستنقلب جدليا جميع العناصر التي أدت إلى حدوث النمو إلى عكسها. خلال العشرين سنة الماضية لم تحدث سوى موجتا انكماش ضعيفتين نسبيا، لكن في الاقتصاد ليس الماضي دليلا على المستقبل. لقد طمأن الاقتصاديون البورجوازيون أنفسهم بشعور وهمي بالأمان بسبب ميلهم إلى إسقاط الاتجاهات التي حدثت في الماضي على الحاضر. من المحتمل أنه عندما سيحدث الانكماش الاقتصادي العالمي المقبل سيكون قويا.

  يشبه اقتصاد الولايات المتحدة ما يحدث لشخصيات أفلام الرسوم المتحركة التي تجري فتتجاوز قمة الجرف وتستمر في الجري إلى أن تكتشف فجأة أنه لا يوجد أي شيء تحت أقدامها، عندها تسقط. ما الذي يدعم الاقتصاد الأمريكي؟ تدخل مبالغ هائلة من الرساميل الأجنبية إلى الولايات المتحدة من أجل تمويل هذه الديون. لو كان لأي بلد آخر أرقام مثل هذه فسيتم إجباره من طرف صندوق النقد الدولي على القيام باقتطاعات عميقة وينتهج سياسة تقشف. لكنها ليست مجرد بلد، إنها الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تتحكم في صندوق النقد الدولي!

  هذا المال الأجنبي هو الشيء الوحيد الذي يدعم الاقتصاد الأمريكي. الدولار ينهار حاليا، ويواصل سقوطه. هذا في الواقع تخفيض للعملة، وهو إجراء حمائي يضر بالبلدان الأخرى (تجعل الواردات أكثر كلفة وصادرات الولايات المتحدة أرخص نسبيا). هذا سيكون له آثار سيئة على أوروبا وآسيا، التي ستتضرر صادراتها إلى الولايات المتحدة. لكن ذلك لن يحل مشاكل أمريكا. لكي يصير لذلك تأثير حقيقي من الضروري أن تسقط قيمة الدولار أكثر. إضافة إلى ذلك سينعكس تخفيض قيمة الدولار على شكل ارتفاع في الأسعار في الولايات المتحدة والمزيد من الارتفاع في معدلات الفائدة، مما يهدد إما بحدوث تباطئ اقتصادي أو بالركود.

  يمكن لتدفق المال إلى داخل الولايات المتحدة أن ينقلب إلى تدفق إلى خارجها بنفس السرعة، كما سبق لنا أن رأينا في حالة آسيا سنة 1997. جميع العوامل متوفرة لحدوث انكماش حاد، وسيزيد من تفاقمه التشوهات الهائلة التي تطبع النظام: الاقتراض المكثف، المديونية، الخ. هذه التشوهات ليست سبب الأزمة، بالطبع، سبب الأزمة هو نفس السبب الذي كان أيام ماركس، وقد سبق له أن شرح بوضوح كبير أن السبب في آخر المطاف وراء جميع الأزمات الحقيقية للرأسمالية هو فائض الإنتاج، كما سنشهد ذلك في الصين. لكن في سياق محاولتهم تلافي حدوث الركود عبر مد حدود السوق بشكل مصطنع عبر القروض، لا يعملون سوى على تأجيل حدوثه بجعلهم له أسوء عندما سيحدث بالضرورة.

  ازدهار على حساب العمال

  أحد مميزات الازدهار الحالي هو أن الأجور في جميع البلدان لم ترتفع إلا بنسبة ضئيلة. النسبة الموجهة للأجور من الدخل الوطني بلغت في كل مكان مستوى قياسيا في التدني، بينما النسبة الموجهة للأرباح بلغت مستوى قياسيا في الارتفاع. هذا شيء لطيف جدا بالنسبة للرأسماليين، لكنه ليس لطيفا بالنسبة للعمال! في كل مكان هناك تفاقم وتزايد للامساواة وتركز الرأسمال وصل مستويات غير مسبوقة. بالضرورة سيعاني الطلب من هذا السيناريو.

  بعض الرفاق يتحدثون كثيرا عن ميل معدل الربح إلى الانخفاض. لكن هذا ليس سوى ميل، وليس قانونا مطلقا مثل قانون الجاذبية. إنه لا ينطبق على جميع الظروف. في المجلد الثالث من الرأسمال شرح ماركس أنه توجد عوامل متعارضة يمكنها أن تلغي سقوط معدل الربح لفترة معينة. من بينها الإسهام المتزايد في التجارة العالمية. يجب علينا أن نأخذ هذا بعين الاعتبار.

  خلال المرحلة الأخيرة شهدنا امتدادا هائلا للسوق العالمية، وارتفاعا كبيرا للتقسيم العالمي للعمل. من المنطقي أنه إذا ما دخل مليارا شخص إلى الاقتصاد الرأسمالي العالمي، كما حدث خلال العقدين الأخيرين، سيكون لذلك تأثير. دخول الصين والهند وأوروبا الشرقية وروسيا إلى الاقتصاد الرأسمالي العالمي يعني أسواقا جديدة وحقول أرباح جديدة ومرتفعة للاستثمارات بالنسبة للرأسماليين. لقد مكنهم هذا بدون شك من نسمة أوكسجين أنعشتهم خلال المرحلة الأخيرة.

  لقد كان لها أيضا أعراض جانبية هامة وهي بزوغ قوة عمل جديدة كثيفة على قاعدة أجور متطرفة في تدنيها تمارس ضغطا على الأجور في كل مكان. هناك ضغط كبير من أجل الحفاظ على الأجور منخفضة بينما ترفع بلا كلل فائض القيمة المطلقة والنسبية، إطالة ساعات العمل والرفع من كثافة العمل. هذا يرفع من قسط الأرباح على حساب العمال. كان هناك ارتفاع هائل في الاستغلال في جميع البلدان، لكن هذا بدأ يصل اليوم إلى حدوده.

  الأثر الآخر كان هو تخفيض عام في أسعار البضائع: وهو أحد العناصر الأخرى الموازنة لميل معدلات الربح نحو الانخفاض التي أشار إليها ماركس. لهذا العامل أثر على الرفع من الأرباح لكنه يعمل إلى حد ما على خدمة العمال. فالعامل المتوسط يمكنه الآن أن يشتري منتجات التكنولوجية العالية التي لم يكن بإمكانهم في الماضي أن يحلموا بها: شاشات تلفاز كبيرة، أجهزة DVD، سيارات، هواتف نقالة، جميع هذه المنتجات انخفض سعرها وصار من الممكن الحصول عليها من طرف أغلبية الأشخاص (عبر الاستدانة غالبا). يساعد تخفيض الأسعار أيضا على الحفاظ على الأجور مجمدة، لكن لا يمكن لهذا أن يستمر إلى الأبد. إذ مع تقدم الدورة الاقتصادية يميل التضخم ومعدلات الفائدة إلى الارتفاع: الرهون، والإيجار، تسديد الفوائد، النفط، الضرائب الغير مباشرة، الخ. يخلق الاقتطاع من الأجور الشروط من أجل إعادة إحياء الصراع الاقتصادي.

  خلال المرحلة الأخيرة شهدنا موجات من الإضرابات والإضرابات العامة في فرنسا، إيطاليا، اليونان، بلجيكا، وكندا. خلال الأشهر القليلة الماضية كانت هناك إضرابات وإضرابات عامة في أيسلندا، البيرو، جنوب إفريقيا، نيجيريا، مصر وإسرائيل. وحتى في سويسرا يحضر العمال للقيام بنضالات خلال الخريف. يعتبر هذا استباقا للتطورات التي ستحدث مستقبلا في جميع البلدان الواحد منها بعد الآخر.

  هل كان لتلك العوامل أي تأثير؟ طبعا كان لها تأثير. لقد عملت على إطالة زمن النمو الاقتصادي وقللت من أثر موجات الركود خلال العشرين سنة الأخيرة الماضية. لكن هل حلت المشاكل الجوهرية للرأسمالية؟ الإجابة هي بالتأكيد لا. لقد شرح ماركس أن كل ما يمكن للرأسمالية أن تحققه عبر القروض والمساهمة في الأسواق العالمية، هو تأجيل الركود مقابل خلق الشروط لأزمات أكثر خطورة في المستقبل.

  البورجوازية تحضر الطريق لحدوث ركود هائل على الصعيد العالمي. لكن من المستحيل التوقع متى سيحدث. ما يمكننا قوله هو أن المضاربة الكثيفة التي حدثت في جميع البلدان ستضمن أنه عندما سيحدث الركود سيكون أمرا جديا. تعتبر فقاعة العقار الحالية أكبر فقاعة مضاربات في التاريخ، أكثر بكثير من تلك التي سبقت انهيار سنة 1929.

  جميع المؤشرات تدل على أن الحماس بخصوص الانجازات الأمريكية قد بدأ يفتر. تكلفة الحرب في العراق مدمرة. إنها تكلف حاليا على الأقل مليارا دولار (2b$) أسبوعيا. شعار الحكومة الأمريكية الحالية هو مقولة غورين: “المسدس قبل الزبدة”. الحل الوحيد سيكون هو الاقتطاعات والمزيد من الاقتطاعات. بما أنه لا يمكن المساس بالميزانية العسكرية، فإن هذه الاقتطاعات ستضرب أشياء من قبيل المعاشات والتغطية الصحية. الاستقبال الحماسي لفيلم مايكل مور الأخير يبين أن تلك الهجمات ستعرف مقاومة. لقد تحضر المسرح لحدوث مواجهة طبقية هائلة في الولايات المتحدة وفي جميع البلدان الأخرى.

  جميع العناصر تتراكم من أجل حدوث أزمات اجتماعية جدية في الولايات المتحدة. تغلي الجماهير بالغضب. نميل إلى الاستشهاد بالعديد من الأرقام لكن أحيانا يمكن للمرء أن يتعلم أكثر من مفارقة معبرة. كان لفيلم مايكل مور الأخير “Sicko” تأثير قوي داخل الولايات المتحدة. عندما عرض في قاعة سينمائية بتكساس تأثر الجمهور إلى درجة أنهم نظموا اجتماعا مرتجلا بعيد العرض، بمبادرة من رجل أمريكي من أصول أفريقية أكد على أنه: « يجب علينا أن نعمل شيئا ما بخصوص هذا الواقع».

  تتحضر الظروف لحدوث رد فعل عارم ضد كل هذا. ويمكن لبعض أكثر المناطق تخلفا أن تكون أول من يلتحق بالحركة الثورية. يخبرنا الإنجيل أن: « الأول سيصير الأخير والأخير سيصير الأول». لقد حدثت خلال المرحلة الأخيرة حركة للتصنيع بالولايات المتحدة من الشمال الشرقي إلى الجنوب والغرب: العديد من المناطق التي كانت متخلفة ورجعية صارت مصنعة ومنظمة نقابيا. يمكنها أن تصبح سريعا متجذرة لأنها ستضم شرائح حديثة ويافعة من الطبقة العاملة.

  الوضعية العالمية لا تقدم صورة ظريفة هادئة. بل على العكس من ذلك هناك وضع جد متفجر في كل مكان. إمكانيات عظيمة ستنفتح أمام التيار الماركسي على الصعيد العالمي. يمكننا أن نسير إلى الأمام بثقة تامة على أساس الأفكار التي قدمت الدليل المرة تلو الأخرى على أنها صحيحة. يجب علينا أن نتقدم إلى الأمام بحس من الاستنفار والثقة التامة في أفكار الماركسية وفي الطبقة العاملة وفي الأممية وفي أنفسنا.

ملاحظة استهلالية:

   أخذت الحرب الدموية في العراق منحى جديدا في الأسبوع الفارط بالهجوم الهمجي على أحد أصغر الأقليات العراقية، مما أدى إلى قتل 400 شخص على الأقل وجرح مئات آخرين في مناطق يسكنها أساسا أتباع للديانة اليزيدية في المنطقة الشمالية الغربية النائية لسنجار. شكلت تلك الأربعة انفجارات المتزامنة أكثر الهجمات الفردية التي عرفتها الحرب من حيث عدد القتلى.

   اليزيديون، الذين ينتمون في غالبيتهم إلى الأكراد، يمارسون ديانة ما قبل إسلامية. بسبب كونهم يقدسون ملاكا يعتبره أغلبية المسلمين مساويا للشيطان، يتم اتهامهم أحيانا بكونهم يعبدون الشيطان. عمل صدام حسين، كجزء من حملة التعريب السيئة الذكر، على اجتثاث اليزيديين من أرضهم الأصلية، وهجرهم إلى “بلدات” جديدة كانت أشبه في البداية بمعسكرات اعتقال. وقد تم استهداف أحد تلك البلدات خلال هذا الأسبوع من طرف الانتحاريين.

   جنون العصب الدينية والحرب الطائفية التي امتدت إلى كردستان، وهو ما كنت قد توقعته في خطاب ألقيته خلال اجتماع للتيار الماركسي الأممي في برشلونة، سيكون أسوء من أي مكان آخر. وكما سبق لي أن أشرت، انتقل المتمردون الذين طردتهم قوات عملية النهوض “surge” الأمريكية في وسط العراق إلى أماكن أخرى، إلى كردستان. لقد قتل انفجار حدث مؤخرا في الشمال 150 شخصا في إميرلي.

   لقد احتقنت التوترات العرقية أيضا بحلول الاستفتاء على إقليم كركوك المتنازع حوله والمناطق المجاورة. العرب السنة وآخرون قلقون من الاستفتاء الذي قد ينتهي بابتلاع المنطقة وإلحاقها بكردستان.

   يصارع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية استجابة منه للضغوط الأمريكية. لكن خلال الأربعة أشهر الماضية غادرتها ثلاثة كتل كبيرة: الشيعة الراديكاليون المرتبطون بمقتدى الصدر، لائحة رئيس الوزراء الشيعي السابق إياد علاوي اللائحة العراقية ذات الاتجاه العلماني والائتلاف السني الرئيسي جبهة التوافق العراقية. بعبارة أخرى: فشلت عملية surge والائتلاف يتهاوى أمام أعيننا.

الجزء الثاني

الشيء الأهم الذي علينا أن نلاحظه هو التداخل الكبير لكل شيء في هذا العالم. هذا هو ما يجعلنا نبدأ دائما بنقاش حول المنظورات العالمية. من المستحيل أن نفهم المنظورات الخاصة بالمكسيك أو إسبانيا أو البرازيل أو فنزويلا، الخ، دون فهم السياق الأعم.

   ليس الماركسيون اقتصاديين جبريين بل إنهم ماديون جدليون. الدورة الاقتصادية هامة، لكنها لا تجيب على كل مسألة الوعي الطبقي أو المنظورات الثورية. إنها مسألة سياسية أيضا. على سبيل المثال كان للاضطراب في الشرق الأوسط، غزو أفغانستان والعراق، أثر سياسي كبير في إيطاليا وإسبانيا. هناك في الولايات المتحدة أيضا أزمة سياسية جدية بخصوص العراق. في الطرف الآخر من العالم تعرضت باكستان (حيث لدينا فرع قوي) لزلزال قوي بسبب الأحداث في أفغانستان.

   لسنا مجتمعين هنا من أجل أهداف أكاديمية. هدفنا هو تحليل الأزمة العامة للرأسمالية من أجل التدخل. ولكي نتدخل نعمل على تجميع القوى، يجب علينا أن نبني تلك القوى. لقد كنا في الماضي شبه متفرجين تقريبا. خلال مرحلة أليندي بالتشيلي، على سبيل المثال، كان لدينا تحليل صحيح تماما لكننا

   كنا مجرد متابعين للأحداث ولم نكن نساهم فيها فعليا. اليوم في باكستان صرنا قوة. ولدينا في فنزويلا قوة متصاعدة تمكنت من بناء نقاط دعم قوية. في المكسيك لدينا مجموعة متقدمة تتدخل بشكل فعال جدا في الحركة الجماهيرية. إن هذا ينعكس على طبيعة كل نقاشاتنا.

   أفغانستان

   تتصرف الإمبريالية الأمريكية، ليس مثل ثور داخل متجر للخزف الصيني بل مثل فيل داخل متجر للخزف الصيني. أفغانستان تعيش فوضى عارمة ونتيجة لذلك تجد نفسها غارقة في أزمة عارمة، سبق لنا أن غطيناها في مقالات سابقة على صفحات موقعنا. جاءت أزمة المحامين، بعدها جاءت أزمة المسجد الأحمر، الخ. من الواضح أن مشرف معلق بخيط رفيع وهم يحضرون لرجوع بوتو إلى باكستان. تطورات مهمة على جدول أعمال التاريخ ورفاقنا يوجدون في موقع جيد للاستفادة من هذه التطورات.

   الحرب في أفغانستان تتفاقم والخسائر الغربية تتزايد. وقد فشلت مخططات الولايات المتحدة في الاعتماد على القوة الجوية في أفغانستان من أجل تلافي الخسائر في صفوفها. بدل ذلك سببت الانفجارات خسائر ثقيلة بين صفوف المدنيين، تقدر مجموعات المساعدة الأفغانية أن القوات الأجنبية والأفغانية قتلت 230 مدني خلال الستة أشهر الأولى من 2007، أكثر من خسائر السنة السابقة. منذ بداية 2006، من المعتقد أن حوالي 6000 شخص قتلوا، ربما 1,500 منهم مدنيون.

   أغلب هؤلاء قتلوا على يد قوات “عملية الحرية المستديمة” (OEF)، المنفصلة عن قيادة قوات الناتو، المعروفة باسم قوات إيساف. هذه هي الطبعة الأمريكية لفن كسب الأصدقاء والتأثير في الشعب.

   القوات البريطانية تقاتل على الأرض في إقليم هلمند، تتقدم عبر وادي سانغين على أمل إعادة فتح الطريق إلى كاجاكي دام، للتمكن من إعادة فتح شركة الكهرباء التابعة لها. لكنهم يتعرضون للكثير من الخسائر في حرب لا يمكنهم كسبها.

   تتلافى طالبان الدخول في معارك مباشرة وهم الآن يلجئون إلى المزيد من الهجمات الانتحارية والألغام في الطرقات. حرب العصابات هذه تكتيك جد فعال ويستعمل حتى في كابول. قتل انفجار انتحاري، حدث يوم 17 يونيو، 22 رجل شرطة بأكاديمية لتكوين رجال الشرطة و13 من المدنيين. كاد هجوم مشابه أن يقتل ديك تشيني.

   يقال أن القائد السابق لقوات إيساف، الجنرال البريطاني، دافيد ريتشارد، حذر زملائه في لندن هذا الشهر أن الناتو يقوم بـ “أفضل عمل سيء”، هناك نقص في القوات وعليه أن يعوض ذلك بنيران مدافع كثيفة. مما سيعني المزيد من الخسائر بين المدنيين.

   إلا أنه لا يمكنه الحصول على عدد أكبر من الجنود. هذا إذا لم تبدأ بعض قوات الحلفاء في الانسحاب. بعض البلدان من قبيل بريطانيا والدنمارك وبولندا بدأت ترفع من عدد قواتها. لكن الآخرين ليسو مستعدين لخسارة المزيد من الأرواح. الألمان موجودون لكن قواتهم ممركزة في الشمال (حيث لا توجد سوى مواجهات قليلة أو منعدمة) وهي ممنوعة من مغادرة ثكناتها خلال الليل. البعثة الأفغانية فاقدة للشعبية في ألمانيا، وقد أدت تقريبا إلى إسقاط الحكومة الإيطالية في فبراير. الهولنديون بدورهم متذبذبون جدا وسيقررون شهر غشت في ما إذا كانوا سيمدون عملياتهم إلى أوريزغان بعد 2008. وساركوزي قال أنه يريد أيضا مغادرة إيساف بالرغم من أن المسئولين يقولون أنه ليس هناك من إجراء مرتقب.

   طالبان على النقيض تمتلك أموال طائلة، والكثير من الأشخاص والأسلحة، يمولها تجار المخدرات الأفغانيين. اقتصاد الأفيون والتمرد يقويان بعضهما الآخر، المخدرات تمول طالبان بينما المواجهات تشجع زراعة المخدرات، خاصة في هلمند، التي تمكنت من تحطيم رقم قياسي جديد لتجارة المخدرات هذه السنة، حيث أنتج من الأفيون (ومن الهروين وغيرها من المخدرات الغير مشروعة) أكثر من كل أنحاء أفغانستان مجتمعة.

   تجارة المخدرات جد مربحة، تعود بربح يعادل حوالي 320 مليار سنويا. تجارة الأفيون تساوي حوالي 3.1 مليار (لا يكسب المزارعون سوى أقل من ربع هذا المبلغ)، ما يعادل حوالي ثلث إجمالي الاقتصاد الأفغاني. تجارة الأفيون الأفغانية تساوي حوالي 60 مليار بأسعار الشارع في البلدان المستهلكة، وهي خارج الرقابة. أنتجت أفغانستان السنة الماضية ما يعادل 6100 طن من الأفيون، حوالي 92% من الناتج العالمي. كانت طالبان تمارس على الأقل جزءا من الرقابة، لكنها لا تمارس الآن أية رقابة. هذه الأيام صار قادة طالبان هم أنفسهم تجار مخدرات.

   بعض أكبر بارونات المخدرات هم في نفس الآن أعضاء في الحكومات الوطنية والإقليمية بل حتى وجوه قريبة من حامد كارازاي. كتبت الايكونوميست (28، 6, 07): « كل السلسلة الحكومية التي من المفترض أن تفرض قوة القانون، بدءا من وزير الداخلية حتى الشرطي العادي، قد تحطمت. رجال الشرطة الذين يتلقون أجورا متدنية يتم ارشائهم لتسهيل التجارة. بعضهم يدفعون لرؤسائهم من أجل الحصول على مناصب “مربحة” من قبيل حراس الحدود.»

   العراق

   في العراق، بالرغم من حضور أكثر من 160000 جندي فإن الأمريكيين قد خسروا الحرب. لقد أنتج ذلك أزمة للنظام. الطبقة السائدة فقدت الثقة في بوش. مثل حالة نيكسون، كان من السهل إيصاله إلى السلطة لكن من الأصعب إخراجه منها. مجموعة دراسات العراق التي ترأسها جيمس بيكر، الذي يعتبر ممثلا موثوقا للطبقة السائدة، أعطت نصيحة جيدة للبرجوازية الأمريكية. قالت: « لقد خسرنا، فلنعمل على الانسحاب بأسرع ما يمكن، اعقدوا اتفاقا مع سوريا وإيران، فلنجعلهم يخرجوننا من المأزق.» عوض ذلك جورج بوش وجه عددا أكبر من الجنود وهدد إيران.

   شعاره هو: “دفعة وحيدة أخيرة وسنفوز”. هذا مثل ما كان عند الجنرالات في الحرب العالمية الأولى، الذين كانوا دائما يأمرون جنودهم بالهجوم مرة أخرى. الآن صارت عملية “Surge” أمرا واقعا. هناك 21000 جندي إضافي، مما يرفع عددهم في بغداد إلى 31,000 جندي وإلى 155,000 على الصعيد الوطني، الذي يعتبر أعلى مستوى منذ أواخر 2005. قال مسئولون أمريكيون كبار أن ثلث بغداد تعيش الآن مستوى من “الهدوء”، بينما لا يزال ثلثها، وخاصة تلك المناطق التي يخترقها الانقسام الطائفي، جد عنيف، بينما الوضع في الثلث الآخر متقلب.

   يتمنى الأمريكيون أن يعملوا بمجرد ما يتمكنون من تأمين بغداد، كما هو مفترض نظريا، على مد ما يسمى بالـ “الأحزمة” إلى خارج بغداد، وخاصة إلى البلدات ذات الأغلبية السنية في الجنوب: المحمودية، اللاطفية واليوسفية. لكن هذا لم يحل أي شيء. إذ بعد طردها خارج بغداد، عملت قوات المغاوير (guerillas) على الانتقال بكل بساطة إلى أماكن أخرى. يقدر أن حوالي 2,2 مليون عراقي، من ساكنة تصل إلى 27 مليون نسمة، قد غادروا الآن العراق، بينما تقدر الأمم المتحدة أن هناك 2 مليون شخص آخرين هاجروا داخليا.

   نظريا يضع الأمريكيون ثقتهم في قوات الشرطة والجيش العراقية لأخذ زمام الأمور في أقرب وقت ممكن. من بين 188,000 شرطي تدربوا على يد الأمريكيين، فقد منهم ليس أقل من 32,000، (قتل ما بين 8,000 و10,000، جرح عدد مشابه وفر أكثر من 5,000). قوات الجيش البالغ عددها 137,000 يقال عنها أنها أفضل وأقل طائفية، لكنها عاجزة عن التصدي للمتمردين.

   حكومة الوحدة الوطنية ليست كذلك سوى بالاسم فقط. إنها مجموعة من التيارات، كل واحد منها تصارع من أجل الحصول على جزء من الغنيمة. حتى الجنرال الأمريكي بيتروس حذر من أنه « يمكن للعمليات المضادة للتمرد أن تستمر تسعة أو عشرة سنوات ». هذا جنون مطبق. ليس لديهم هامش التسعة أو العشرة سنوات، فالرأي العام في الولايات المتحدة قد صار الآن في أغلبيته ضد الحرب. حتى الجمهوريون سئموا منها.

   أي شيء سيقوم به الأمريكيون الآن سيكون خاطئا. فإذا ما بقوا سيعني ذلك المزيد من الخسائر ولن يحل أي شيء. لكنهم إذا غادروا فسيكون الوضع أسوء. هناك حرب طائفية دموية في العراق. الحكومة والأمريكيون عاجزون عن حل المشكلة. الأمريكيون يطالبون بأن يقوم العراقيون ببناء حكومة وطنية ودولة وشرطة بقاعدة دعم واسعة، لكنهم لا يستطيعون فعل ذلك. الإمبريالية الأمريكية هي المسئولة عن هذا الكابوس. لقد أشعلوا لهيب المواجهة الطائفية عندما استندوا على قاعدة الأكراد والشيعة ضد صدام حسين، الذي كان يستند على قاعدة السنة. والآن صارت الأوضاع خارج السيطرة.

   اعترف الجنرال بيتريوس بشكل صريح أن عملية “surge” ستكون بدون جدوى إذا ما لم يتم استخدام المجال الحيوي الذي تحاول قواته خلقه من طرف الحكومة التي يقودها الشيعة من أجل احتضان فريق أوسع من السنة. خلال الأسبوع الماضي كان وزير الدفاع الأمريكي، روبرت غيتس، في بغداد، من أجل تقييم نتائج عملية “surge”. قال: « قواتنا تعطيهم [الحكومة العراقية] الوقت من أجل مواصلة سياسة التوافق» وأضاف: « بصراحة نحن محبطون من التطور المحقق لحد الآن». يعلم أسياد الجنرال بيتريوس في واشنطن أنه إذا لم يقم دميتهم المالكي بعمل أفضل فإن عملية “surge” الأمريكية محكومة بالفشل، بالرغم من الخسائر الأمريكية المرتفعة في الأرواح والتي لا تزال تتزايد.

   يخدع الأمريكيون أنفسهم بالقول بأنه لحد الآن لا تزال كردستان هادئة نسبيا. يقولون “الوضع جيد في الشمال”. لكن أسوء المذابح وأشكال العنف ستكون هي تلك التي سيعرفها الشمال. كردستان منطقة مختلطة عرقيا. لا يمكن حل المسألة القومية في ظل الرأسمالية، لا سواء في العراق ولا في أي مكان آخر. هناك الآن مواجهة بين السنة والشيعة والأكراد والتركمان وغيرهم من المجموعات العرقية الأخرى. وتركيا توجه الإنذارات للعراق. سوف لن تقبل أنقرة أبدا قيام كردستان مستقلة بالقرب من حدودها. حزب العمال الكردستاني عاد مرة أخرى إلى شن حرب العصابات داخل تركيا وتمركز في المنطقة الكردية من العراق. سوف يتحرك الجيش التركي من أجل سحقهم. وقد بدأ منذ الآن يكثف من تواجد قواته على الحدود، لا ينتظر سوى المبرر لكي يقوم بالاجتياح.

   لا يشن الإمبرياليون الحروب من أجل اللهو، بل من أجل النهب، من أجل الأسواق. لكنهم لا يحصلون على المال من احتلالهم للعراق، الحرب في العراق تكلفهم مبالغ هائلة، على الأقل ملياري دولار أسبوعيا وآلاف القتلى والجرحى. يمتلك العراق ثالث أكبر احتياطي من النفط، لكن ليس لذلك الآن سوى أهمية ضئيلة ما دام النفط الخام موجودا في أغلبيته تحت الأرض. البنية التحتية النفطية صارت في حالة يرثى لها، بعد 17 سنة من الحرب والحصار. والإنتاج لا يزال أقل بكثير من المستوى (الضعيف) الذي كان عليه ما قبل الحرب أي 2,5 مليون برميل يوميا.

   بالإضافة إلى ذلك، جاءت الحرب بنتائج غير متوقعة. فبعد تدميرهم للجيش العراقي، قضى الأمريكيون على القوة الوحيدة في المنطقة التي كان بإمكانها موازنة القوة الإيرانية، التي صارت قوة إقليمية. هناك أيضا إمكانية ثورية كبيرة في إيران. يمثل أحمدي نجاد دور المعادي للأمريكيين من أجل تحويل انتباه الجماهير الإيرانية. تتدخل إيران بكل تأكيد في العراق وميزان القوى في المنطقة تخلخل. المنطقة بكاملها تعيش الاضطرابات. الأسرة المالكة في السعودية معلقة بخيط رفيع، وتخشى السعودية وغيرها من دول الخليج من تصاعد قوة إيران والشيعة. نتيجة لذلك يعمل الأمريكيون على تقديم دعم سري لتشكيل جبهة معادية للنفوذ الشيعي في المنطقة.

   إسرائيل وفلسطين

   توجد قضية إسرائيل وفلسطين في مركز أزمة الشرق الأوسط. الأزمة في غزة عبارة عن حرب أهلية بين حماس ومنظمة التحرير بقيادة عباس. كان الانسحاب الإسرائيلي من غزة تكتيكا يستهدف تقوية السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية. ويمكننا أن نرى كلبية الإمبرياليين (ليس الأمريكيين وحدهم بل الأوروبيين أيضا) في قيامهم بإلغاء المساعدات عن حكومة حماس، التي هي، بالرغم من كل ما يمكن أن يقال، حكومة منتخبة ديمقراطيا.

   بمجرد ما اندلعت المواجهات بين عباس وحماس، عملوا على إعادة أموال المساعدات إلى البنك العالمي ودميتهم أبو مازن. إنهم يريدون استخدام أحد الأطراف من أجل شق صفوف الفلسطينيين وبالتالي ضمان استمرارية الهيمنة الإسرائيلية. إن اختيارهم لتوني بلير كمبعوث للشرق الأوسط هو في حد ذاته اعتراف بأنه ليس للأمريكيين أية مصلحة في وقف ذلك الصراع.

   ليس هناك من حل ممكن للقضية الفلسطينية على هذه الأسس. إن الحل الوحيد الممكن هو تقسيم إسرائيل على أساس طبقي: كسر قبضة الصهيونية الرجعية. لكن هذا يتطلب تبني موقف طبقي. من الصعب طرح هذا الموقف في ظل الأوضاع القائمة حاليا، إلا أن الأحداث ستمكننا من فرص للقيام بذلك عندما ستتحقق الجماهير من عقم الأساليب القديمة. في الوقت الحالي من الضروري أن نشرح بصبر أفكارنا للعناصر الأكثر طليعية. وفي المستقبل ستجد أفكارنا صدى جماهيريا.

   أمريكا اللاتينية

   تقف أمريكا اللاتينية في طليعة الثورة العالمية بمجملها. إنها الإجابة الحاسمة على جميع الإصلاحيين والمتخاذلين أمام الإمبريالية، الخ. لو أن هذه الأحداث وقعت في الماضي لكان المارينز قد تدخل منذ مدة طويلة. لكن هذا مستحيل اليوم، لا سواء من الناحية السياسية أو المادية. الأمريكيون غارقون في العراق. هذا لا يعني أنهم لن يقوموا بالهجوم، وهم يهاجمون فعلا، لكنهم عاجزون عن تنظيم غزو مباشر ومضطرون إلى اللجوء إلى أساليب غير مباشرة، كالضغط الدبلوماسي والاقتصادي والدسائس، خاصة في فنزويلا وداخل الحركة البوليفارية.

   يفهم الإمبرياليون ما نفهمه نحن: يفهمون أن هناك مسلسل ثوري في فنزويلا وأن الجماهير تتحرك من أجل تغيير المجتمع. في الأيام الخوالي كان جميع الاشتراكيين، من وجهة نظر واشنطن، “شيوعيون”، لكن في وقتنا الحالي تحتاج الولايات المتحدة إلى التفاهم مع الاشتراكيين “الطيبين” من أمثال لولا وكيرشنر من أجل عزل تشافيز. إنهم يحاولون احتواء موراليس أيضا. هذا هو معنى جولة بوش الأمريكية اللاتينية ومحاولة توقيع اتفاقيات تجارية ثنائية مع البرازيل وغيرها من البلدان في المنطقة.

   الثورات لا تحترم الحدود والغليان الثوري يمتد إلى بلدان من قبيل الإكوادور وبوليفيا، الخ. هذا هو ما يجعلهم يحاولون عزل فنزويلا. لا يمكن للإمبريالية الأمريكية أن تتعايش مع الثورة الفنزويلية. لكن وكما حدث مع كوبا يمكن للإمبريالية الأمريكية أن تدفع تشافيز إلى ما وراء حدود الرأسمالية. وإذا ما حدث هذا فإن انعكاساته ستمتد على القارة وخارجها.

   هذا ما يفسر الحملة الهستيرية التي اندلعت حول مسألة القناة التلفزية RCTV. يريد الإمبرياليون مواصلة الضغط على تشافيز من أجل وقف الثورة. وهم يعتمدون في ذلك على الجناح اليميني داخل قيادة الحركة البوليفارية والبيروقراطية المعادية للثورة. لكن العمال والفلاحين يمارسون الضغط هم أيضا من تحت. نتيجة هذا الصراع ستحدد، بشكل أو بآخر، مصير الثورة.

   يجب على الماركسيين أن يقفوا على أسس الثوابت، كما سبق لتيد غرانت أن قال، وليس على هذا المظهر العرضي أو ذاك. ليست هناك من خطاطة جاهزة تفسر كل شيء. يجب علينا أن ننطلق من العالم كما هو والصراع الطبقي والحركة العمالية كما هما في الواقع. نحن نعمل دائما على مقاربة الأمور بطريقة جدلية. نرى الأشياء كما هي في الواقع، كما كانت في السابق ونبذل كل ما في مستطاعنا لكي نرى كيف يمكنها أن تتطور. للصراع الطبقي وثيرة معينة. مراحل الركود في الصراع الطبقي مسائل حتمية. نحن لا يمكننا أن نكون تجريبيين. علاوة على ذلك لا تبقى الجماهير في حركة دائمة لما فيه مصلحتنا.

   هنالك العديد من أوجه التشابه بين الصراع الطبقي والحرب. فالحرب لا تتشكل من معارك متواصلة. أي جندي خبر الحرب يمكنه أن يخبركم أن حدوث المعارك خلال الحرب مسألة استثنائية وأنه بين المعركة والأخرى هناك فترات طويلة من التوقف. ويجب استغلال هذه الفترات من أجل تنظيف الأسلحة وحفر الخنادق وضم عناصر جديدة: باختصار علينا الاستعداد للمعركة المقبلة التي ستأتي بأسرع مما نتوقع. يجب علينا أن نفكر بطريقة الجنود المحنكين. يجب علينا أن نستغل فترات الهدنة التي يعرفها الصراع الطبقي من أجل بناء قوانا وتحسين منظمتنا.

   صحيح أن العمال ليسو مستعدين دائما للنضال. لكن دعونا نأخذ مثال بوليفيا، حيث شنت الطبقة العاملة إضرابين عامين وانتفاضتين وأسقطت حكومتين في غضون 18 شهرا. سأطرح سؤالا: ما الذي يمكن توقعه من الطبقة العاملة أكثر من هذا؟ إن الفشل في حسم السلطة لم يكن بسبب تدني وعي الجماهير (كما يدعي هاينز ديتريخت) بل بسبب غياب القيادة.

   يمكن للأوضاع أن تتغير في جميع البلدان بشكل سريع جدا. يجب علينا أن نكون مستعدين لكي لا تأخذنا الأحداث على حين غرة. يمكن لحدث عرضي أن يتسبب في اندلاع حركة يمكنها أن تفاجئنا. في ظل ظروف معينة يمكن للعناصر التي كانت الأكثر تخلفا في الماضي أن تصبح العناصر الأكثر كفاحية، كما يعلمنا ذلك الجدل والتاريخ. في روسيا سنة 1905، نظم العمال مسيرة سلمية نحو القيصر (ظل الله في الأرض)، من أجل مطالبته بالإصلاحات. وقد كان على رأس هذه المسيرة السلمية رجل دين، الأب غابون. كان الماركسيون يشكلون أقلية ضئيلة وكانوا معزولين كليا عن الطبقة العاملة. عند ذلك حدثت مذبحة 9 يناير فتغير وعي الجماهير جذريا في غضون 24 ساعة.

   ما هو الدرس الذي يمكننا استخلاصه من تجربة فنزويلا؟ كيف يمكن تفسير الصعود السريع الذي حققه تشافيز؟ لا يمكن تفسير ذلك بقوى سحرية. لقد كان السخط الجماهيري موجودا منذ البداية لكن لم تكن هناك أية وسيلة لكي يعبر بها عن نفسه. وبمجرد ما وجدت الجماهير وسيلة للتعبير عن نفسها، خرجت إلى الشوارع في حركة من غير الممكن وقفها، استمرت حوالي عشرة سنوات. من المثير حقا للدهشة كيف استمرت الحركة كل تلك المدة الطويلة. انتخابات دجنبر 2006 بينت أن 63% من الشعب الفنزويلي يدعمون تشافيز بعد تسعة سنوات على بدأ هذا المسلسل. يعبر هذا الواقع عن مستوى وعي ثوري عال جدا!

   لا يقاس الوعي الطبقي من خلال الإضرابات فقط. إذ عندما يجد العمال أنفسهم محجوزين على الصعيد الاقتصادي يبحثون عن مخرج على الصعيد السياسي والعكس صحيح، الخ. لكنهم لا يقومون بذلك إلا عبر منظماتهم الجماهيرية التقليدية، لأن الجماهير لا تفهم المجموعات الصغرى، حتى ولو كان لذا هذه الأخيرة أفكار صحيحة، وهو الشيء الذي لا تمتلكه العصب على كل حال.

   سنشهد خلال المرحلة المضطربة التي تنفتح أمامنا حدوث أزمات داخل جميع المنظمات الجماهيرية التقليدية خلال مرحلة معينة. انظروا إلى بريطانيا. لا يمكنكم أن تتخيلوا وجود قيادة أكثر تعفنا من قيادة حزب العمال. خلال العشرة سنوات الأخيرة انهمكت جميع العصب في تشكيل جميع أنواع الكتل الانتخابية والتحالفات من أجل الوقوف ضد حزب العمال، لكنهم لم يصلوا إلى أية نتيجة.

   تشكل المكسيك مثالا جيدا للطريقة التي تتحرك بها الجماهير. لقد قلنا عدة مرات أنه لا يوجد هناك أي بلد مستقر في كل القارة الأمريكية اللاتينية بدءا من أرض النار وصولا إلى ألاسكا. ولم يمر وقت طويل منذ أن كانت المكسيك تبدو بلدا مستقرا، لكن منظوراتنا تأكدت بشكل تام من خلال الأحداث التي عرفتها السنة الماضية. العصبويون لا يفهمون أي شيء. لقد اتهمونا بكوننا ندعم حزبا بورجوازيا. يمكن اعتبار حزب الثورة الديمقراطية حزبا بورجوازيا بالنظر إلى طبيعة قيادته والسياسة التي يتبناها. لكن الجماهير لا تفهم هذا، كما رأينا ذلك خلال السنة الماضية.

   لقد خرج الملايين إلى الشوارع من أجل الاحتجاج ضد تزوير الانتخابات ومن أجل دعم لوبيز أوبرادور. هل كان كل هؤلاء برجوازيون؟ لست أعتقد أن هناك كل هذا العدد من البرجوازيين في العالم. كلا! هؤلاء كانوا من أبناء الشعب العاديين: العمال والفلاحون. لقد ناضل رفاقنا جنبا إلى جنب مع الجماهير، مع قيامهم في نفس الوقت بشرح برنامجنا وسياساتنا وحاولوا قيادة الحركة إلى الأمام. ولقد كان ذلك هو الشيء الوحيد الصحيح الذي يجب فعله!

   لقد طرح ذلك مسألة أزمة القيادة. لقد كان لوبيز أوبرادور مثل ذلك الساحر المبتدئ، الذي عجز عن التحكم في القوى التي أثارها. يجب علينا أن نفهم كيف تتحرك الطبقة العاملة، إنها تتحرك من خلال منظماتها الجماهيرية التقليدية وليس عبر العصب الصغيرة. لكن الجماهير لا يمكنها أن تبقى دائما في الشوارع تبني المتاريس، كما يتوقع اليساريون المتطرفون. فإذا لم ترى الحركة حدوث أي تغيير تتوقف لفترة من الزمن. وهذا طبيعي.

   يبدو ظاهريا أن كالديرون قد انتصر، لكن المعركة لم تنتهي بعد. حكومة كالديرون ضعيفة ومفككة. إنها حكومة أزمة. الطبقة السائدة المكسيكية أضعف من أن تسحق الحركة الجماهيرية خلال هذه المرحلة، لكن الطبقة العاملة عاجزة عن إتمام المهمة بسبب أزمة القيادة. الشيء الذي يتسبب في حدوث مأزق. لكن هذا الاستقرار الهش لا يمكنه أن يستمر طويلا. لقد بدأت الثورة المكسيكية. يحاول كالديرون تقوية جهاز الدولة، باستعمال الحرب على المخدرات كمبرر لشن حملات القمع. يمكن للوبيز أوبرادور أن يفوز بالانتخابات المقبلة. والجماهير ستمر من مدرسة الإصلاحية وستتعلم من خلال تجربتها الخاصة. أثناء ذلك، يجب علينا، مثلنا مثل جميع الجنود الجيدين، أن نحضر قواتنا!

   لقد عرف المسلسل الثوري تمددا في كل مكان. لم يكن الحال كذلك في الماضي، عندما كانت الأوضاع الماقبل ثورية تنتهي بسرعة كبيرة إما إلى حدوث ثورة أو ثورة مضادة. نشهد الآن في فنزويلا نوعا من ثورة بطيئة التحرك. لقد استمرت حوالي 10 سنوات. لماذا؟ هناك ميزان قوى طبقي ملائم جدا. بإمكان الطبقة العاملة أن تحسم السلطة بطريقة سهلة نسبيا، لكنها مفتقدة للقيادة الثورية. تشافيز إنسان نزيه وشجاع لكنه ليس ماركسيا ومن ثم فإنه يميل إلى التذبذب. أما القادة الرسميين للحركة العمالية (قادة نقابة الاتحاد الوطني للعمال)، فإنهم لعبوا أكثر الأدوار سلبية وشؤما.

   كما هو الحال في المكسيك وغيرها من البلدان، ليست البرجوازية قوية بما فيه الكفاية لكي تسحق الحركة الثورية، لكن العمال تعرضوا للمنع من حسم السلطة من طرف قيادتهم. هذا ما يفسر الطبيعة الممتدة لهذا المسلسل. لكن سواء عاجلا أو آجلا سيكون من الضروري حسم هذا الوضع في هذا الاتجاه أو ذاك. يفهم الإمبرياليون ما نفهمه نحن. إنهم يعرفون أن علاقات القوى الغير مستقرة الحالية لا يمكنها أن تستمر إلى الأبد. وهم يستعدون.

   هناك حملة لتخريب الاقتصاد الفنزويلي. هناك النقص في المواد الرئيسية والتضخم وصل 19%. الجماهير موالية للثورة لكنها لن تقبل باستمرار هذا الوضع إلى الأبد. يجب حسم الوضع إن عاجلا أو آجلا. لقد قام تشافيز بالعديد من الخطوات الهامة إلى الأمام، لكنه لا يزال يتردد بخصوص المسائل الجوهرية كمسألة الجيش مثلا. والنتيجة لا تزال غير واضحة لحد الآن.

   لدينا جلسة خاصة حول فنزويلا، وهذا نقاش جد هام. يجب علينا أن نتبع الثورة بشكل ملموس خلال جميع مراحلها، يجب علينا أن نمتلك جميع الحقائق والأرقام، يجب علينا أن نشارك بنشاط في جميع النقاشات، وأن نلعب دورا قياديا في بناء الحزب الاشتراكي الجديد، (الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي). لكن يجب علينا أن نقوم بذلك كجناح ماركسي للحركة، يجب علينا أن ننظم تدخلنا باعتبارنا تيارا مستقلا بشكل واضح.

   لا يزال لدينا بعض الوقت للقيام بذلك، لكنه ليس وقتا لا منتهيا. علينا أن نبني قوانا الخاصة. لقد قام الرفاق في فنزويلا بإنجاز عمل رائع، لكننا لا نزال نتخلف عن الحركة. إن مفتاح الثورة هو بناء منظمة كوادر ثورية قوية في أسرع وقت ممكن.

آلان وودز
24 يوليوز 2007

عنوان النص بالإنجليزية:

The International Situation and Perspectives

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *