أصيبت أسواق الأسهم العالمية بالرعب، بعد انهيار سوق العقارات الأمريكية، وهي محقة في أن تصاب بالرعب. إذ بينما يتجه الاقتصاد الأمريكي نحو الكساد، سوف يجر ورائه باقي العالم. كل التوقعات تشير إلى أن أوروبا واليابان لن تحقق نموا أعلى من 1% خلال هذه السنة. الصين والهند سيعرف نموهما تباطؤا إلى حوالي نصف المعدل الحالي. وهذا يعني معدل بطالة أعلى وزيادات ضئيلة في الأجور، بالرغم من أن الأرباح التي تحققها القطط السمان لن تتراجع بشكل كبير.
هبطت أسواق الأسهم العالمية الآن بأكثر من 20% من مستواها الأعلى الذي بلغته خلال شهر نوفمبر الماضي. يطلق على هذا من الناحية التقنية اسم “السوق الهابطة”. عرفت أسواق الأسهم أسوء بداية سنة لها خلال الثلاثين سنة الماضية، بينما في حالة الولايات المتحدة وبريطانيا فقد كانت أسوء بداية على الإطلاق منذ أن بدأت تسجل الإحصاءات!
لماذا هذا الرعب؟ إلى حدود فترة أعياد الميلاد كانت أسواق الأسهم تبدو ساكنة عموما، ولم تسقط كثيرا. كان المستثمرون الرأسماليون في “حالة إنكار” كما يقول الأطباء النفسيون. كانوا يعرفون أنه توجد هناك مشكلة في أسواق الدين والائتمان، بسبب الانهيار الذي عرفه سوق العقارات الأمريكي والخسارة التي تكبدتها آنذاك كبريات المؤسسات البنكية وغيرها من المؤسسات المالية التي اشترت الكثير جدا من ما يسمى الرهونات. لكن مستثمري أسواق الأسهم اعتقدوا أن ذلك لن يؤثر على استثماراتهم لأنه لن يمس الاقتصاد “الحقيقي” المتطور المبني على إنتاج السلع وتقديم الخدمات.
بالطبع كانت هذه مجرد متمنيات. إذ بعد أعياد الميلاد، بدأت الأبناك الكبرى، الواحدة منها بعد الأخرى، تعلن تسجيل المزيد من الخسائر بسبب انهيار قيمة سندات دينهم المالية التي اشتروها على أساس توقعات بأن أسعار العقارات ستواصل الارتفاع. لحد اللحظة شطبت الأبناك والمؤسسات المالية على قيمة تساوي حوالي 120 مليار دولار. عليهم ربما أن يقبلوا بخسائر أكبر بأربع مرات من هذه، أو ما يعادل 1% من الناتج العالمي الخام.
عندها بدأت الدلائل حول حالة الاقتصاد الأمريكي تتغلغل إلى أذهان المستثمرين الرأسماليين. أرباح الشركات الكبرى انهارت بشكل هائل، ليس في القطاع المالي وحده (20% من السوق المالية الأمريكية)، بل أيضا في شركات أخرى من قبيل مايكروسوفت وشركات السيارات وغيرها من الشركات الهامة التي أساسها الخدمات. سقطت أرباح الشركات الأمريكية بحوالي 5% إلى 10% خلال الربع الأخير من سنة 2007. وستعرف وضعا أسوء خلال سنة 2008.
وأيضا يعرف الاقتصاد الأمريكي الآن تباطؤا ويتجه بشكل سريع نحو ما يسمى بالكساد الاقتصادي، حيث يتراجع حقا الإنتاج الوطني. قطاع العقارات يعرف سقوطا حرا، مع انهيار الأسعار بـ 5% إلى 10%، المبيعات تراجعت بـ 50% وارتفع التعويض على السندات في قطاع السندات الخطرة بـ20%. لكن الوضع لا يقتصر على هذا. كانت مبيعات عيد الميلاد بالنسبة لكبريات الأسواق الأمريكية مروعة، حيث لم تعرف أي نمو على الإطلاق خلال 2006. كما عرفت خدمات أخرى تراجعا في مبيعاتها.
أسواق الدين والائتمان (رهونات، بطاقات ائتمان، التمويل الذاتي) عرفت ارتفاعا كبيرا فيما يخص كلفة الاستدانة، بالرغم من بدء البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في مسلسل لتخفيض معدلات الفائدة، إضافة إلى أن بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي نظما عملية مشتركة لحقن 500 مليار دولار من القروض في النظام المالي العالمي. إلا أن ذلك لم ينفع في إعادة الحياة إلى سوق العقار أو في وقف الكساد. ومن ثم أصاب الرعب أسواق الأسهم.
وهي محقة في أن تصاب بالرعب. إذ بينما يتجه الاقتصاد الأمريكي نحو الكساد، سوف يجر ورائه باقي العالم. وقد بدأ سوق العقارات البريطاني يسير في نفس طريق نظيره الأمريكي. إذ هبطت أسعار المنازل للشهر الثالث على التوالي في بريطانيا وسوف تواصل الهبوط أكثر، بالرغم من أن بنك إنجلترا يخطط لتخفيض أسعار الفائدة. كان إنفاق المستهلك البريطاني ضعيفا خلال فترة أعياد الميلاد لأن أغلبية الأسر البريطانية غارقة أصلا في ديون باهظة إضافة إلى رهونات كبيرة وديون على بطاقات الائتمان.
يعرف القطاع الصناعي البريطاني الكساد لأن الجنيه الإسترليني قوي جدا، مما جعل أسعار الصادرات عالية جدا. حدث هذا لأن العجز التجاري البريطاني (بالرغم من كونه أعلى من العجز الأمريكي من حيث نسبته إلى الناتج الداخلي الخام)، تم تمويله عبر استقطاب “الأموال الهاربة” من روسيا والعرب وغيرهم من أثرياء البترول (الذين يقتنون البيوت وأندية كرة القدم والأسهم البريطانية). وهكذا ترنح الاقتصاد البريطاني، حيث يعيش على أساس الرفع من أسعار الملكية والاقتراض الخارجي. كل هذا سيصل إلى نهاية.
والآن لاحظت أسواق الأسهم أن أوروبا واليابان ستعرفان بدورهما تباطؤا. قبل ثلاثة أشهر فقط، قال أغلب الاقتصاديين الرأسماليين أن أوروبا واليابان ستحقق، سنة 2008، نموا بحوالي 2,5% إلى 3%، أما بريطانيا والولايات المتحدة فستحققان نموا أبطئ من ذلك شيئا ما. الصين والهند ستحققان قفزة بحوالي 10% سنويا. وقد عملوا الآن على تغيير لهجتهم. أغلبهم يتوقعون حدوث كساد في الولايات المتحدة نموا أبطأ في أوروبا واليابان. وهم لا يزالون يعلقون آمالهم على حدوث نمو جيد في الصين والهند.
لكن الأوضاع تسير لكي تصبح أسوء. إذ مع الكساد في بريطانيا والولايات المتحدة، من المتوقع أن تحقق أوروبا واليابان نموا لا يتجاوز 1% خلال هذه السنة. كما أن الصين والهند سيعرفان تباطؤا هما أيضا، إلى حوالي نصف معدل نموهما الحالي. هذه أخبار سيئة من جميع الجوانب.
إن هذا يعني معدل بطالة أعلى (من المحتمل أن يصل إلى ضعف المعدل الحالي في الولايات المتحدة وبريطانيا) وزيادات ضئيلة في الأجور (من المحتمل ألا تعرف أي ارتفاع على الإطلاق)، بالرغم من أن الأرباح التي تحققها القطط السمان في مدينة لندن ووول ستريت لن تتراجع بشكل كبير. سيكون الوضع سيئا بوجه خاص على الاقتصاديات التي تعتمد بشكل متزايد على الرأسمال المالي عوض القطاعات المنتجة من صناعات ونقل.
إن الاقتصاد البريطاني، كما سبق لنا أن بينا في العديد من المقالات السابقة، هو أكثر الاقتصاديات السبع الكبرى اعتمادا على القطاع المالي والملكية وما يسمى بالخدمات الاحترافية (القانون، التأمين، الاستشارات). لذا فإن هذا الكساد العالمي سوف يضربه بقوة أكبر من جميع الاقتصاديات الأخرى. فليرحمنا الله جميعا في ظل حزب العمال الجديد بزعامة غوردون براون وأليستير دارلينغ! سياستهم موجهة لإنقاذ مستثمري النورثن روك وليس لخدمة الشعب العامل.
مايكل روبرتس
الثلاثاء: 22 يناير 2008
عنوان النص بالإنجليزية: