إن إعلان أوباما أن الولايات المتحدة سوف تتجه لدعم المتمردين في سوريا يمثّل تحوّلا واضحاً في الوضع السوري. إن إعلان البيت الأبيض هذا يعبّر عن نية الولايات المتحدة تقديمها الدعم العسكري المباشر للمعارضة السورية للمرة الأولى. المتحدث باسم البيت الأبيض بان رودس لم يعطِ تفاصيل بشأن طبيعة المساعدة العسكرية ولكنه قال أن هذه المساعدة ستكون “مختلفة نوعيا وكميا عن المساعدة التي قدمناها سابقاً”.
ما هو الموقف الصحيح الذي على الماركسيين والحركة العمالية اتخاذه تجاه ذلك؟
يدّعي البيت الأبيض أن سبب هذا التحوّل هو استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية تجاه شعبه، وكانت الولايات المتحدة قد حذرت من أنَّ استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون تخطياً لكل “الخطوط الحمر”.
على كل مَن يعتقد أن ما يحرّك الامبريالية الأمريكية هو الدوافع الإنسانية فيما يخص الشعب السوري، أن يعيد التفكير ثانية. إن الإدعاء أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية يعيدنا في الذاكرة مباشرة لحجة الولايات المتحدة بشأن استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل، من أجل اجتياح العراق منذ عشر سنوات. لقد كذبت أميركا وقتها، والآن تكذب مجدداً.
هذا النفاق المزعوم يمكن مقاربته من طريقة طرحه. رودس، نائب مستشار الأمن القومي للسيد أوباما، صرّح أن جهاز الاستخبارات الأميركي يعتقد أن «نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية، ومن ضمنها غاز الأعصاب، السارين، في مجال محدود، بمواجهة المعارضة، عدة مرات خلال السنة الماضية». (التشديد من عندنا)
قال أيضاً، إن ضباط الاستخبارات “واثقين من ذلك”، وقد أحصوا وفاة بين 100 و150 شخصاً نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية، “ولكن إحصاء عدد المصابين غير مكتمل بعد”.
ويكمل رودس: «وقد قلنا مراراً أن استخدام الأسلحة الكيماوية ينتهك الأعراف الدولية ويتخطى الخطوط الحمر التي أرساها المجتمع الدولي منذ عقود.»
إن إعلان البيت الأبيض أتى في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة أن عدد الضحايا في الصراع في سوريا ارتفع إلى أكثر من 93 ألفا. الكل يعلم أن هذه الصورة تخفي حقيقة أفجع من ذلك أيضاً. فلا أحد يعلم بدقة عدد ضحايا حمام الدم الحاصل في سوريا، والصورة الحقيقية ربما تتجاوز المائة وخمسين ألف قتيل. التقرير وجد أن الوفيات كانت على اقل تقدير بمعدل 5000 شخص شهريا منذ تموز الماضي، وأن حوالي 30 ألفا قد قتلوا منذ تشرين الثاني حتى الآن. أكثر من 80% من الضحايا هم من الرجال، ولكن مكتب المفوض الأعلى لحقوق الإنسان قال أنه يوجد أكثر من 1700 ضحية من الأطفال الذين لم يتجاوزوا العاشرة.
كيف تم قتل هؤلاء؟ ليس بالأسلحة الكيماوية، بل بالرصاص، التفجيرات وحتى بالسكاكين. الآلاف تم ذبحهم، الكثير منهم قطعت حناجرهم. الأطفال تم قتلهم أمام أهلهم. وهذه الممارسات كلها لم تُعتَبَر “خطّاً أحمراً” لدى السيدات والسادات في واشنطن.
إن تغطية الإعلام الغربي للحرب السورية هي تغطية منافقة إلى أبعد مدى. هذا الإعلام يرى فقط الفظائع التي ترتكبها قوات النظام، ولا ترى كيف يجبر المتمردون طفلا على قطع رأس جندي سوري، ولا أبو سكار، آمر كتيبة عمر الفاروق، ينهش قلب أحد الجنود ويضعه في فمه وهو يصرخ «يا أبطال بابا عمر، اذبحوا العلويين وانهشوا قلوبهم وكلوها».
في 27 أيار، ارتكب المتمردون مجزرة بقرية الدوير وهي قرية مسيحية في نواحي حمص. وهذا كان فقط حلقة في مسلسل الإبادة الجماعية لهم: في الخالدية، تم سجن أعداد من العلويين والمسيحيين في مبنى ليتم تفجيره فيهم بالديناميت. المسيحيون يمثلون 10% من عدد السكان، والعلويون يمثلون 13%: المتمردون السنة يريدون القضاء على 23% من السكان السوريين. أكثر من 400 ألف مسيحي فرّوا من البلاد، حتى الآن. هل يرِد ذلك في هذا “الإعلام الحر”؟ هل يذكر هذه المعاناة؟
أحيانا يُجبَر هذا الإعلام على تغطيتها ولكن فقط من أجل أن يقلل من أهميتها، يقدم الأعذار لمرتكبيها، أو يبرؤهم منها. فقط في الأسبوع الأخير ألمح السناتور جون ماكين أن: «ممارسات مروعة يقوم بها الطرفان، ولكن قوات بشار تمارس الإجرام لترهيب الناس». إذاً ما هو الهدف من الفظائع التي يرتكبها الجهاديون؟ هل هي الروح الحماسية للشباب؟! عندما يقتل طفل أمام والديه لمجرد أنه تكلم عن الرسول، هل كان ذلك إظهاراً لغيرتهم الدينية؟ السناتور ماكين لا ينوّرنا بالإجابة على ذلك.
هؤلاء المنافقون المقرفون يجلسون بسعادة، يشوّهون الحقيقة، يفبركون هذه الفظائع عبر البروباغندا التابعة لهم لتوجيهها ضد النظام الذي لم تتوافق سياسته مع مصالحهم. هذا النظام الذي كانوا يأملون أن يسقط من دون المخاطرة بأرواح الجنود الأمريكيين في ذلك.
وبعد تفرّجهم بشكل لامبالٍ على ذبح أكثر من مئة ألف رجل وامرأة وطفل بالوسائل التقليدية، يحاولون الآن المجادلة بسخرية وقحة، أن مقتل مئة أو أكثر (وهم ليسوا أكيدين من العدد) بغاز السارين (الذي يعتقدون استخدامه) يعطيهم الضوء الأخضر للتدخل.
مع ملاحظة أنهم اعتبروا أن غاز السارين تم استخدامه (على “نطاق محدود”) “عدة مرات خلال السنة الماضية.” ولو كان ذلك صحيحا، لماذا لم يقرروا التدخل سابقا؟ لماذا انتظروا حتى الآن؟
نلاحظ أيضاً أن الإدعاء أن النظام استخدم غاز السارين لم يتم تأكيده عبر الأمم المتحدة، التي صرحت مراراً بأنها ليست متأكدة من الطرف الذي يستخدم هذا الغاز. فمن الممكن أيضاً أن تكون بعض المجموعات الجهادية استخدمت كميات صغيرة من السارين، قد تكون السعودية أو قطر زودتها به، من أجل فتح الباب لاستدعاء التدخل الأمريكي.
في الحقيقة، للمتمردين مصلحة كبيرة في تزويد الولايات المتحدة بتلك الحجج من أجل تبرير تدخلها، بينما ليس من مصلحة الأسد ذلك أبدا. وليس سراً أن المعارضة السورية كانت خلال الأشهر الأخيرة تدفع بهذا الاتجاه وتصلي من أجل حدوث ذلك. وهذا ما حصلت عليه الآن.
إن كذب الامبريالية فيما يخص الأسلحة الكيماوية ينكشف أيضاً في حقيقة أنها كانت داعمة للنظام العراقي في الماضي عندما استخدم تلك الأسلحة في مواجهة شعبه. والسبب واضح، أن صدام حسين كان آنذاك حليفهم المخلص.
توازن القوى
إن السبب الأساسي في هذا التغير في السياسة الأمريكية هو تغير ميزان القوى العسكري لمصلحة قوات نظام الأسد. والسبب الحاسم كان استرداد هذا النظام لمدينة القصير، ذات الأهمية الإستراتيجية، والمحاذية للحدود اللبنانية. وقد لجأ الإعلام الغربي إلى إحداث ضجة إعلامية هائلة حول وجود مقاتلين “غرباء” (وبشكل أساسي من حزب الله) في سوريا، ولكنه بقي صامتاً حيال وجود مرتزقة غرباء ومجموعات جهادية، مثل جبهة النصرة، التي تملك حوالي 10 آلاف مقاتل مدرّب بشكل قوي، والتي تشكل حليفا للقاعدة، وعن وجود أحرار الشام، ومجموعات جهادية أخرى يمولها حلفاء الولايات المتحدة، قطر والسعودية. ولم يذكر الإعلام الغربي أيضاً تدخل الديكتاتور التركي رجب طيب أردوغان، (من دولة عضو في الناتو).
صحيح أن نظام الأسد لجأ إلى موسكو وطهران من أجل نجدته. مقاتلو حزب الله شاركوا بالهجوم المضاد الذي شنته قوات النظام، وربما كان هذا سببا أيضا في قلب ميزان القوى لصالح النظام. والآن الغرب يحاول بشكل بائس أن يساعد المتمردين لاستعادة التوازن. لكن حتى لو نجحوا في هذا فسوف يستغرق ذلك أشهراً عديدة، ويسبب المزيد من إراقة الدماء والدمار. ويبقى ادعاء قادتنا “الديموقراطيين” أن ما يهتمون به هو ما يحصل من خسارة للأرواح في سوريا.
كانت نية المسؤولين في بريطانيا وفرنسا إقناع الرئيس بشار الأسد أنه لن يستطيع الوصول إلى حسم عسكري لصالحه، من أجل جره إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة. ولكن الآن، وبعد قلب ميزان القوى العسكري لمصلحة النظام، لم يعد الأسد متوجها لحوار أحد. فهو الآن يسعى لسحق المتمردين وليس لاقتسام السلطة معهم.
على مدى أشهر، بدا أن الحرب الأهلية في سوريا تراوح مكانها، حيث أنه لا المتمردون استطاعوا أن يسدّدوا ضربات قاضية للنظام، ولا النظام استطاع القضاء على المتمردين. ولأنه لم ترجح كفة أحد الطرفين في الفترة الماضية، استطاعت الإمبريالية المناورة مع روسيا من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي، ربما على أساس تشكيل حكومة ائتلافية تضم عناصر من النظام القديم مع السياسيين البرجوازيين – هم أدوات مباشرة للامبريالية- ومن إسلاميين “معتدلين”.
إن الفئة الحاكمة في سوريا كان لها موقف مخزٍ أيضاً تجاه سوريا. فرغم أن سوريا كانت حليفا أساسيا لروسيا في الشرق الأوسط (وبالتالي كان لها مصلحة في دعم النظام فيها)، ولكن أيضاً – كما الولايات المتحدة – ظنّت أن الأسد قد يسقط. لذلك لم تكن تراهن على بقائه، بل بدأت اتصالاتها مع المعارضة.
أشارت قناة BBC لما يلي: «ينطلق موقف بريطانيا وفرنسا من عدم السماح للنظام بقلب ميزان القوى لصالحه بشكل كبير، كما يحدث الآن». الكلمة المفتاح لفهم هذا الموقف هنا هو “بشكل كبير”. عدم الحسم العسكري لصالح أي من الطرفين كان وضعاً مناسبا للامبرياليين إلى حد كبير. فهم أرادوا إزالة نظام الأسد المعادي للغرب، ولكن أيضا هم يتخوفون من بروز الجهاديين والسلفيين الذين قد يحولون سوريا إلى أفغانستان جديدة.
من الواضح أن رجالات الكرملين كانوا مهيّئين لترتيب إزاحة الأسد والتعامل مع المعارضة والامبريالية من أجل حماية مصالحهم في سوريا. ولذلك كانوا يرتبون للمشاركة في المؤتمر الدولي في جنيف. ولكن الأمور تغيّرت، خصوصا بعد سقوط القصير، وهي المعركة التي قلبت موازين القوة وأعطت روحا جديدةً لحياة نظام الأسد.
إمكانية حصول تسوية عبر التفاوض؟
كالعادة، ما يسمى بالأمم المتحدة كانت عاجزة عن تقديم أي حل. بان كي مون كان يذرف الدموع من أجل السلام، بينما الصراع المسلح يستمر ويتأجج يوماً بعد يوم. وهو يدعو “القوى الخارجية” أن لا ترسل السلاح للمحاربين بينما تقرر المخابرات الأمريكية دعم المتمردين بالأسلحة وتدريبهم على استخدامها. يوجد بعض الكلام حول تأسيس مراكز لتدريب المقاتلين في الأردن، ولكن نشكّ كثيراً في إمكانية أن يؤدي ذلك إلى تغيير ميزان القوى الحربي.
يقال أنه حتى الآن كانت المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة لقوات المتمردين مقتصرة على تقديم الإعاشات والدعم المعدات الطبية والأدوية، ولكن بعض المصادر سرّبت أن المخابرات الأمريكية تدعم المتمردين بشكل فعّال، بمن فيهم المجموعات المرتبطة بالقاعدة.الرئيس الروسي بوتين أوضح مؤخراً كيف أن الولايات المتحدة، وبشكل متناقض، تسلّح المجموعات الإرهابية نفسها (في سوريا) التي تقاتلها في أفغانستان ومالي.
لا شك أن الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا سوف يلجؤون للأمم المتحدة في محاولة لإثبات أن سوريا “انتهكت القانون الدولي” حول استخدام الأسلحة الكيماوية. ولكن روسيا صرّحت أن هذه الادعاءات مفبركة ضد نظام الأسد، ومما لاشك فيه أن ما صرّحت به روسيا صحيح. وقد صرّح أكلسي بوشكوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي، على التويتر أن: «أوباما يسلك الطريق نفسه الذي سلكه قبله جورج بوش.» مقارناً طريقة تعامل الولايات المتحدة في مسألة سوريا مع طريقتها في العراق. لذلك يبدو أن احتمال أن يُمَرر هذا القرار عبر الأمم المتحدة معدوما.
الانتصارات العسكرية لجيش النظام السوري أحبطت أي محاولة لعقد “مؤتمر للسلام”، والذي كان أصلا احتمالاً بعيدا حتى قبل ذلك. في 12 أيار كتب تشارلز ليستر في الواشنطن بوست ما يلي:
«لو استمرت الأمور على حالها، النظام السوري سوف يكون الطرف الأقوى في أي محادثات» وأكمل، «لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه اليوم، من الواضح أن التمرد لن يشكل أي خطر وجودي على النظام».
هذه الحقيقة توضح تراجع المعارضة، حتى عن قدرتها على خوض المحادثات. وكانت ردة الفعل الغربية على تراجع قوة المعارضة عبر إرسال المزيد من الأسلحة للمتمردين. لذا مما لاشك فيه أن روسيا سترد على ذلك بدعم الأسد بالأسلحة المتطورة. إن مؤتمر جنيف، الذي لم يكن قيامه أصلا مضمونا، ولد ميتاً. الأمم المتحدة لا يعول عليها. الأحداث العسكرية همّشت الدبلوماسية. الحرب الآن هي التي ستحسم كل شيء.
ما يريده أوباما
القرار الأميركي يُعَدُّ تصعيداً كبيرا للحرب “بالإنابة” الحاصلة في سوريا. الأسباب التي دعت واشنطن إلى عدم اتخاذ خطوات جدية لتسليح المتمردين بشكل مبكر لا تخفى على أحد. فواشنطن تخاف من وقوع الأسلحة التي قد ترسلها إلى المعارضة السورية في أيدي القاعدة التي تقف خلف إرسال الجهاديين إلى سوريا. حتى الآن، هذا الأمر لا يزال مربكاً للولايات المتحدة في الشأن السوري.
كتبت صحيفة وول ستريت جورنال في 16 أبريل:
«إن مقاربة كبار مسؤولي إدارة أوباما للوضع السوري ترتكز على أنهم لا يريدون للمتمردين أن يحققوا انتصاراً عسكريا مباشراً، لأن هذا الانتصار، وبحسب ما قال ضابط كبير في الإدارة الأمريكية، لن يأتِ بـ “الأشخاص الجيدين” (أي أصدقاء الولايات المتحدة) إلى رأس الهرم».
«تخاف الإدارة الأمريكية من وصول الإسلاميين المرتبطين بالقاعدة، الذين باتوا يهيمنون أكثر فأكثر على المعارضة السورية، وأن أي انتصار حاسم للمتمردين سوف يقطع الأمل بالوصول إلى حل دبلوماسي».
يسعى أوباما لدعم العناصر “المعتدلة” في المعارضة، ممثلة بالمجلس العسكري الأعلى وائتلاف المعارضة السورية. من السهل قول ذلك، لكن من الصعب تطبيقه. الجميع يعلم أن أكثر العناصر فاعلية في القتال القائم، من جهة المتمردين، هي جبهة النصرة والمجموعات الجهادية الأخرى. وقد تم تهميش المجلس العسكري الأعلى كليا من قِبَل هذه المجموعات منذ أشهر.
يقول رودس: «يأمل البيت الأبيض أن زيادة الدعم هذه سوف تظهر قوة وشرعية المتمردين السوريين على المستويين السياسي والعسكري» ويضيف أن الولايات المتحدة كانت “مرتاحة” للتعامل مع رئيس المجلس العسكري الأعلى، العماد سليم إدريس.ويقول: «من المهم أن ندعمهم وأن نسعى لعزل العناصر المتطرفة من المعارضة، كجبهة النصرة».
تريد الولايات المتحدة دعم المجلس العسكري الأعلى، ولكن هذا لا يعني أنها سوف تنجح في ذلك. ولا تبدو الولايات المتحدة واثقة من قدرتها على ذلك. يبقى أن لائحة الأسلحة التي تنوي إرسالها للمعارضة السورية هي التي ستكشف ذلك.
لم يعطِ رودس تفاصيل حول الدعم المزمع إرساله للمتمردين، ولكن الإعلام الغربي نشر عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أنهم يتوجهون نحو إرسال أسلحة بسيطة وذخيرة. صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أن واشنطن ستزوّد المتمردين بالأسلحة المضادة للدروع، بينما يطالب المتمردون أيضاً بتزويدهم بأسلحة مضادة للطيران.
وأما حول الإجابة حول سؤال لماذا لا تريد الولايات المتحدة إرسال أسلحة مضادة للطيران للمتمردين، فمن الواضح أن الولايات المتحدة تخاف من احتمال أنه لو تغير تكتيكها وتوجهت نحو استخدام سلاح الجو في سوريا، فإنهم يخافون أن يُسقِطَ أصدقاءهم (السابقين) طائراتهم المقاتلة، بصواريخ مكتوب عليها “صنع في الولايات المتحدة”.
وفي إطار الإجابة حول السؤال عما إذا كان السيد أوباما سيدعم إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، قال رودس «هذا الأمر لن يحدث تغيرا كبيرا على الأرض، ولكن سيكون مكلفاً». إنه كلام شديد الحماقة. لو تم إلغاء سلاح الجو السوري من المعادلة، فإن ذلك سيحدث فارقاً حاسماً في ميزان القوى العسكري على الأرض.
السبب الحقيقي وراء عدم سعي واشنطن لإقامة حظر للطيران فوق سوريا في الحقيقة ليس أن ذلك لا يحدث فارقاً في ميزان القوى. بل السبب الحقيقي أن واشنطن لا تجرؤ على ذلك، لأن الجيش السوري والقوات الجوية مزودة بأسلحة متطورة من روسيا تستطيع أن تلحق خسائر كبيرة بهم.
إن هذه الخطوة الأخير تنطوي على خطر بالنسبة للولايات المتحدة، وتجربة فيتنام هي أكبر دليل حول استسهال الخوض في مغامرة خارجية قد تؤدي إلى الغرق في مستنقع خطير، خصوصا أنه لا يوجد أي ضمانة أن دعم المتمردين بمزيد من الأسلحة سوف يكون كافيا لانتصارهم. وكان رودس قد صرح مسبقاً أن واشنطن ستتخذ “إجراءات مناسبة في هذا الشأن وفق جدولها الزمني الخاص.”
هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة قد تفكر جديا في التدخل العسكري المباشر في سوريا؟ إن فريقاً من الإدارة الأميركية يفضل تصعيد التدخل في سوريا. السناتور الجمهوري جون ماكين وليندسي غراهام،الذين طالما دعوا لتصعيد الدعم العسكري للمتمردين، صرّحوا أن التطورات الأخيرة يجب أن تدعو الولايات المتحدة لتغيير سياستها تجاه الوضع في سوريا.
وقد صرّحا في بيان مشترك بما يلي: «إن قرار بتقديم الدعم الحاسم لقوات المعارضة في سوريا، تحديداً بالذخيرة والأسلحة الثقيلة، تأخر كثيراً، ونحن نأمل أن يتخذ الرئيس هذه الخطوة المطلوبة بشكل عاجل» ومع ذلك، يبدو هذا غير كاف لهما بل هو الخطوة الأولى لدعم المعارضة، كما يوضحان:
«تقديم السلاح وحده غير كافٍ. يجب على الرئيس أوباما أن يعمل على تشكيل تحالف دولي من أجد اتخاذ الخطوات العسكرية اللازمة لتدمير السلاح الجوي للنظام السوري، وتدمير الصواريخ البالستية التي بحوزته، وشل قدرة السلاح الجوي بشكل كامل».
ماكين وغيره كانوا يدفعون باتجاه تدخل عسكري أميركي منذ سنة على الأقل. ولكن من المعروف أن الجمهوريين، والذين يمثلون الجناح الأكثر رجعية وعدائية في الامبريالية الأمريكية، يمتلكون منطقاً غير راجح، بينما يمثل أوباما قطاعا أقل تطرفا في الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة. الجو العام في الكونغرس يتجه نحو التصلب أكثر، حيث الصقور الجمهوريون يقامرون بدم الناس، كالعادة. ولكن من جهة أخرى، وبعد عشر سنوات على اجتياح العراق، يعتبر الجو العام للمجتمع الأميركي معارضاً وبشدّة لأي مغامرة عسكرية خارجية.
ثورة أم ثورة مضادة؟
بدأ الحراك في سوريا كثورة شعبية تحظى بدعم جماهيري كبير. لو تم تسليح هذا الحراك ببرنامج ثوري صحيح، لكانت حازت أيضاً على تأييد مَن يدعم الأسد الآن خوفاً من البديل المطروح. وفي ظل غياب قيادة واضحة، تم خطف الحراك من قبل عناصر رجعية ودفعته باتجاه طائفي.
إن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، حصنَي الرجعية، قطر والسعودية، كانوا يرسلون الأموال، والأسلحة، والمرتزقة إلى سوريا، منذ اليوم الأول. ولم يكن هدفهم أبداً مساعدة المتمردين الذين كانوا يسعون للتغيير في سوريا، بل على العكس، كان هدفهم سحق العناصر الثورية فيها، وتحويل ما بدأ لانتفاضة شعبية إلى حرب أهلية بعناوين طائفية.
وبنفس الدرجة التي تم فيها تحويل الصراع إلى صراع مسلح، تم تفريغه من أي محتوى ثوري. أولئك الذين كانوا يرسلون الأموال والأسلحة كانوا قادرين على إملاء شروطهم. إن قوى الثورة المضادة، من السلفيين والجهاديين، مدعومة بأموال هائلة من الرياض والدوحة، باتت هي المسيطرة، وهذا أيضاً يحدد طبيعة ما يسمّى بالمعارضة.
ربما يجادل البعض أنه لا تزال توجد عناصر ثورية في صفوف المعارضة. قد يكون ذلك صحيحاً ولكن ليس لها قوة مؤثرة. وهذه العناصر تحاول مقاومة انجرار الوضع نحو الرجعية السلفية، ولكن لأن هذه الرجعية تتحكم بالمال والتسليح، فإن هذه الجهود تتلاشى مع تطور الوضع.
العنصر الآخر في المعارضة هو البرجوازية “المعتدلة” لائتلاف المعارضة السورية. ولكن هذا العنصر يخضع بشكل كامل الآن للامبريالية الأمريكية. إن إعلان أوباما الأخير يصب في اتجاه تكريس هذه التبعية أيضاً، وكما يقول المثل “الذي يدفع ثمن المزمار هو الذي يختار اللحن.”
من الضروري أن يناضل الشباب الثائر في سوريا من أجل الحفاظ على موقف طبقي مستقل وغير تابع للثورة المضادة المتمثلة بالجهاديين، والبرجوازية الرجعية المؤيدة للامبريالية الأمريكية. وهذه مهمة صعبة في الوضع الحالي، ولكن يجب العمل للتأسيس لوضع أفضل. السؤال الحقيقي الآن ليس مَن ينتصر، الأسد أم المتمردون، بل “ماذا يعني هذا الانتصار؟ “.
إن انتصار الجهاديين يمثل انتصار الرجعية في أسوأ صورها،وسوف يقضي على كل الانجازات التي تحققت خلال الخمسين سنة الماضية، لإغراق ما كان بلداً متحضراً، في مستنقع البربرية والهمجية. وسوف يعني ذلك، إغراق البلاد في حمام دم التطهير العرقي يقع ضحيته العلويين والمسيحيين والعلمانيين. إن شعار “العلويون إلى القبر، المسيحيون إلى بيروت! ” يعطينا فكرة عن نوايا أولئك الجهاديين حول تصعيد التطرف الطائفي والحرب السنية الشيعية.
من جهة أخرى، يوجد تقارير حول ارتكاب ميليشيات علوية لمجازر في قرى سنية،وهذا يدل على بدء سياسة التطهير الطائفي في المناطق المختلفة، وفي النهاية ذلك سيؤدي إلى تقسيم وتدمير سوريا. سيكون ذلك كابوساً رجعياً على كل المستويات. الفوضى العارمة الذي سيسببها ذلك لن تتوقف عند حدود سوريا. الجنون الطائفي،المدعوم الذي سيؤججه عملاء الرجعية المستندين إلى النظام المجرم في قطر والسعودية، كان قد بدأ بالانتشار في لبنان، الذي يقف على شفير هاوية حرب أهلية دامية. إن نيران الطائفية تتأجج في العراق وتهدد المنطقة كلها.
يجب أن ننظر أيضاً إلى ما هو أبعد من الحدود السورية. إن انتصار الرجعية الإسلامية في سوريا سوف يسدد ضربة قوية للثورة العربية في كل المنطقة، وسوف يدعم الفئات الرجعية في تونس ومصر ويضعف القوى الثورية. وقد يؤدي أيضاً إلى التأثير على الثورة التي بدأت تتطور في تركيا، وقد يدفع هذا الوضع بالعصبة الحاكمة في إسرائيل بشن هجوم على إيران. يجب منع هذا الانتصار بأي ثمن.
هل سيكون الوضع أفضل بالنسبة للشعب السوري، لو كان بلدهم تحت السيطرة الامبريالية؟ للإجابة على هذا السؤال، ليس علينا سوى النظر إلى ما آل إليه الوضع في العراق أو أفغانستان أو ليبيا. لن يسلّم الشعب السوري مصير بلدهم لـ”ديموقراطية” واشنطن ولندن وباريس التي تتحرك بدافع الجشع والمصالح المادية.
ما العمل؟
أول شيء أود قوله هو ما الذي لا ينبغي القيام به، ففي كل منعطف حاسم نسمع نفس الكلمات: “يجب علينا أن نقوم بشيء ما” وهذا يعني عادة التخلي عن كل المبادئ، واتخاذ ما يمكن تسميته المسار الأقل صعوبة، لكن دائما ما يكون هذا خاطئا، فما يبدو لوهلة أنه الخيار الأسهل ينقلب ليصبح الخيار الأصعب والأخطر.
لنتذكر ما حصل في ليبيا حيث فبركت الامبريالية عبر البروباغندا التابعة لها رأياً عالميا يتقبل التدخل لمواجهة القدافي بحجة خطر حدوث مجزرة في بنغازي. وكانت هذه هي الحجة لتبرير فرض منطقة حظر جوي، ولاستخدام طائرات الناتو من أجل ضرب الجيش الليبي وتسهيل انتصار قوات المتمردين على الأرض.
وبشكل مشابه لما يحدث في سوريا، كان الحراك الثوري في ليبيا يستلهم تجربة ثورتي تونس ومصر. ولكن عبر دعوة القيادات البرجوازية للتدخل الامبريالي في بنغازي، تم تحويل الحراك باتجاه آخر. تم حَرف الثورة، والنتائج كانت كارثية. نحن نطلب من الشعب السوري أن يتأمل في التجربة الليبية، ويقرر إذا كان هذا ما يريده.
الحقيقة هي أن الثورة السورية هُزِمَت. وهذه ليست المرة الأولى التي تُهزَم فيها ثورة، وتنتهي بانتصار الرجعية. قد منيت ثورة 1905 بهزيمة وتقدّم للرجعية والمجازر، ولكن لم تكن النهاية. فبعد 12 سنة من ذلك، اندلعت الثورة ثانية، وهذه المرة تحت قيادة الحزب البلشفي، فانتصرت.
نحن نتفهّم صعوبة أن يتقبّل الثائر السوري فكرة الهزيمة، ولكنها الحقيقة المرة. وإن البحث عن حل أو بديل عن ذلك عبر “التأقلم” مع الجهاديين أو الامبرياليين هو حقّا وصفة ستأتي بالكوارث. فقط العقول البائسة والساذجة هي التي تتخيل أن الحرب في سوريا هي بين الديموقراطية والديكتاتورية. في الحقيقة، إن انتصار أي من الطرفين لن تكون نتيجته لمصلحة الطبقة العاملة في سوريا.
في ظل هذه الظروف الشديدة الصعوبة، من الضروري إعادة ترتيب الوضع والتحضير لتغيير الوضع القائم. هذا التغيير قد يحصل بسرعة غير متوقعة، لكنه سوف يأتي من الخارج. فهناك ثورة قادمة في تركيا، وفي إيران بدأت الجماهير تتحرك بالرغم من كل الإجراءات القمعية التي يتخذها النظام. في مصر وتونس بدأ العمال والشباب الثائر يتحركون لمواجهة قوى الرجعية الإسلامية، الإخوان المسلمين والنهضة. الثورة العربية الرائعة بدأت، ولكن لم تنتهِ بعد. كل آمالنا مبنية على هذا المنظور، ونحن نضع ثقتنا الكاملة في ذلك.
الامبريالية الأمريكية تمثل أقوى ثورة مضادة على هذا الكوكب، ولا يمكن أن نأمل أي خير من تلاعبها في حياة الأمم الأخرى. بريطانيا وفرنسا هي قوى امبريالية أضعف من أميركا. الفئات الحاكمة في هذه الدول تسعى لتحويل أنظار الشعوب عن بؤس حياتهم وأزماتهم المعيشية عبر خلق المزاجات العدائية تجاه بعضهم. ولكن شعوب الولايات المتحدة وبريطانيا لا تريد الحرب وهم لن ينخدعوا مرة أخرى بكذب البروباغندا الامبريالية كما انخدعوا فيها عند اجتياح العراق.
يجب على الماركسيين في أوروبا والولايات المتحدة أن يؤدّوا واجبهم. يجب أن نعارض ونواجه بكل الوسائل أي تدخل امبريالي جديد في الشرق الأوسط. إن مهمتنا واضحة، وهي محاربة البرجوازية في بلادنا. ومهمتنا الآنيّة هي أن نرفض، ونفضح البروباغندا الامبريالية المنافقة التي تسعى لتهيئة الرأي العام من أجل تقبُّل شن حروبها.
- لا للتدخل الامبريالي في سوريا!
- تسقط الامبريالية!
- تحيا الثورة العربية!
آلان وودز
لندن، 14 حزيران/يونيو، 2013
ترجمه إلى العربية باسل عثمان
عنوان النص بالإنجليزية: