الرئيسية / دول العالم / أمريكا / فنزويلا / فنزويلا: انتخابات 06 دجنبر البرلمانية اصعب تحد للثورة البوليفارية

فنزويلا: انتخابات 06 دجنبر البرلمانية اصعب تحد للثورة البوليفارية

هذا المقال الذي كتبه المناضل والمنظر الماركسي، القيادي في التيار الماركسي الأممي، خورخي مارتن، قبيل الانتخابات الفنزويلية التي جرت يوم 06 دجنبر الماضي، ننشر هنا ترجمته العربية نظرا لأهميته لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هزيمة الحركة البوليفارية في الانتخابات الأخيرة، ثم سنعمل لاحقا على نشر المقال الذي كتبه الرفيق خورخي مارتن بُعيد إعلان نتائج الانتخابات الفنزويلية.


سيتوجه الفنزويليون إلى صناديق الاقتراع يوم 06 دجنبر لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية. هناك مجموعة من العوامل جعلت من هذا الحدث واحدا من أصعب التحديات التي واجهتها الثورة البوليفارية في السنوات الـ 17 الماضية، منذ انتخاب الرئيس تشافيز لأول مرة في عام 1998. وبصرف النظر عن المشاكل المعتادة بسبب معارضة غير ديمقراطية والاستفزازات الإمبريالية العدائية، علينا إضافة مجموعة من العوامل الاقتصادية الوطنية والدولية التي وضعت فنزويلا على الحبال، والتي تقودنا إلى استخلاص النتيجة التالية: إما إكمال الثورة، أو أنها سوف تهزم.

لقد وضع انهيار أسعار النفط وفشل محاولة لتنظيم السوق الرأسمالي والتخريب المفتوح من قبل الطبقة الرأسمالية، حدا لذلك الوقت الذي كانت فيه الحكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اجتماعية شاملة دون أن تمس من حيث الأساس بالملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج. وأولئك الذين هم على رأس الحركة البوليفارية ويرفضون التحرك في اتجاه إلغاء الرأسمالية، إنما يعدون لهزيمة الحركة.

لقد شهدت السنوات الثلاث الماضية تدهورا حادا في الوضع الاقتصادي في فنزويلا، حيث انهارت أسعار النفط الفنزويلي في السوق العالمية. كان سعر البرميل حوالي 100 دولار عام 2013، ثم انخفض إلى 88 دولار عام 2014، وبلغ متوسط سعره 47 دولارا طيلة عام 2015 حتى الآن. وفي الأسبوع الثاني من نوفمبر انخفض بأكثر من 37 دولارا للبرميل. وقد حد هذا بشدة من قدرة الحكومة على الاستثمار في البرامج الاجتماعية، بالإضافة إلى استيراد المواد الغذائية وغيرها من المنتجات في السوق العالمية.

نما الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا بـ 1.3٪، لكنه تراجع بعد ذلك بنسبة 4٪ عام 2014، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 7٪ إلى 10٪ هذا العام. ووصل معدل التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 68.5٪ في العام الماضي، عندما توقف البنك المركزي عن نشر الأرقام. وقال الرئيس مادورو إن التضخم هذا العام سيكون 85٪، لكن العديد من السلع عرفت معدلات تضخم سنوية بلغت أكثر من 100٪. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل التضخم 159٪ لبقية عام 2015.

تعود بعض من هذه المشاكل إلى القرارات التي اتخذت في 2002-2003، أثناء حملة الإغلاقات وتخريب الاقتصاد التي قام بها أرباب الأعمال. قررت حكومة هوغو تشافيز تطبيق مراقبة على أسعار السلع الأساسية من أجل حماية العمال والفقراء ضد الجريمة المنظمة والمضاربة والاحتكار من قبل حفنة من المجموعات الاحتكارية التي تتحكم في إنتاج وتوزيع المواد الغذائية في فنزويلا.

وفي الوقت نفسه تم تطبيق الرقابة على الصرف مع الخارج من أجل تجنب هروب رؤوس الأموال. لم يكن لهذه التدابير أن تعمل إلا لفترة قصيرة من الزمن موفرة للثورة مجالا للمناورة؛ لكن على المدى الطويل خلق هذا تشوهات كبيرة في الاقتصاد ظهرت حاليا على السطح. ومن الواضح بشكل متزايد أنه لا يمكن إدخال النظام على السوق الرأسمالية وأن أية محاولة للقيام بذلك تؤدي إلى التفكك والتخريب والتمرد من طرف المالكين الخواص لوسائل الإنتاج.

وقد ردت الحكومة على حملة تخريب الاقتصاد هذه (التي هي، إن أردنا أن نسميها باسمها الحقيقي، حرب استنزاف اقتصادية) بطريقة متقطعة. حيث فرضت، بين الحين والآخر، بعض الضوابط وقامت بمصادرة مخازن المنتجات المحتكرة واتخذت إجراءات رادعة ضد بعض الرأسماليين الأفراد. لكن ذلك أعقبه تقديم تنازلات لقطاعات مختلفة من المنتجين الرأسمالين وزيادة أسعار المنتجات، مع رفع الضوابط على الأخرى، الخ. وفي هذا الوقت تطالب جمعية أرباب الماشية، Fedenaga، برفع أسعار اللحوم بنسبة 330٪ والحليب ب 960٪!

أصبح الوضع غير محتمل حقا. تضطر الأسر العمالية إلى الوقوف في طوابير لساعات للحصول على كميات صغيرة من المنتجات بأسعار مخفضة في الأسواق وشركات التوزيع المملوكة للدولة، ثم دفع أسعار باهظة لتلبية بقية الاحتياجات الأساسية الأخرى.

والرقابة على الصرف، التي كان الهدف من ورائها مكافحة هروب رؤوس الأموال، شكلت أيضا مصدرا لتشويه ضخم للاقتصاد. فبدلا من استثمار أموالهم في الإنتاج، يجد الرأسماليون أنه أكثر ربحية لهم إستخدام الدولار الأمريكي في الصرف التفضيلي التي تقدمه الدولة من أجل استيراد المنتجات التي يبيعونها بعد ذلك في السوق المحلية بأسعار السوق السوداء.

بينما يقوم لصوص رأسماليون آخرون بالحصول على الدولار التفضيلي من قبل الدولة لاستيراد حاويات مليئة بالخردة (تحت غطاء استيراد قطع الغيار)، ومن تم يبيعون الدولار مباشرة في السوق السوداء. السعر التفضيلي للمستوردين هو ما بين 6 و 12 بوليفارات للدولار الواحد، بينما ارتفع سعر السوق السوداء من 187 بوليفارات للدولار في أوائل عام 2015، إلى أكثر من 890 بوليفارات في وقت كتابة هذه السطور. الصرف الحر الرسمي (Simadi) أقل قليلا من 200 بوليفارات للدولار الواحد.

لم يعلن عن الأرقام الكاملة، لكن في أحد المرات كشفت الحكومة عن أن 20 مليار دولار التي قدمت للمستوردين في القطاع الخاص قد استخدمت بشكل غير قانوني، في عام 2013 وحده، تحت نظام CADIVI القديم. ومع ذلك فإنها تعطي للرأسماليين عشرات مليارات الدولارات سنويا من خزينة الدولة، بأسعار تفضيلية.

وبدوره أدى تعطيل النشاط الاقتصادي العادي إلى انخفاض حاد في الاستثمار الخاص، بما أن الرأسماليين يفضلون استخدام الطرق المشروعة وغير المشروعة لاستغلال فارق سعر الصرف بدلا من الاستثمار في الإنتاج. لقد أصبحت الضوابط على سعر الصرف وسيلة يتم من خلالها تحويل عائدات البلاد من النفط مباشرة إلى جيوب الأوليغارشية الطفيلية. انهارت احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد من حوالي 30 مليار دولار عام 2012 إلى 20 مليار دولار في وقت سابق من هذا العام، و14 مليار و800 مليون دولار في أوائل نوفمبر من هذا العام. وعلى فنزويلا أن تدفع نحو 15 مليار دولار لإلغاء الديون الخارجية في عام 2015 و2016.

هذه الاختلالات الهائلة في الاقتصاد مسؤولة أيضا الى حد كبير على تغذية الفساد والسوق السوداء، الذين هما توأمان مترابطان مع بعضهما البعض.

لسنوات عديدة بعد هزيمة حملة التخريب التي نظمها أرباب العمل في 2002-2003، عندما استعادت الحكومة السيطرة على شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA)، كان بإمكان الثورة البوليفارية استثمار مبالغ كبيرة من المال في البرامج الاجتماعية دون المساس من حيث الجوهر بالملكية الرأسمالية.

كانت الإنجازات مثيرة للدهشة: التوسع الهائل في التعليم الجامعي المجاني (من 800.000 طالب إلى 2.6 مليون طالب) والرعاية الصحية والحد من الفقر (من 48٪ إلى 27٪)، والقضاء على الأمية وخفض مستويات سوء التغذية (من 21٪ إلى 5٪) والتوسع الهائل لمعاشات الشيخوخة (من 380.000 مستفيد إلى 2.1 مليون)، وتقديم أكثر من 800.000 شقة ومنزل، بنيت حديثا ومفروشة بالكامل، لذوي الحاجة، كل هذا على سبيل المثال فقط.

كل هذا تبث دعم الثورة البوليفارية، التي فازت بـ 18 من بين 19 انتخابا واستفتاء ديمقراطيا بين عامي 1998 و2003. هذه المكتسبات الاجتماعية رافقتها عملية ثورية حقيقية، موجة من النشاط والتنظيم بين جماهير العمال والفقراء واحتلال المصانع والرقابة العمالية وإنشاء المجالس البلدية والمشاركة النشيطة من جانب الجماهير في النشاط السياسي.

لكن الظروف التي جعلت كل ذلك ممكنا بدأت تصل بسرعة إلى نهايتها. فالوضع الاقتصادي لم يعد يسمح بالاستثمارات الاجتماعي الواسعة، نظرا لانخفاض عائدات النفط. ومحاولة الحكومة الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي وتوسيعه في ظل هذا الوضع ساهمت جزئيا في انفجار التضخم. ارتفع المعروض النقدي من 1.2 مليار بوليفار في يناير 2014 إلى 2 مليار في يناير 2015، ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 3.5 مايار الآن. وبطبيعة الحال إذا ما ارتفع المعروض من النقود دون الزيادة في كمية السلع المنتجة، فإن هذا سيؤدي إلى التضخم.

لقد أدى التخريب الاقتصادي الذي تقوم به الاحتكارات الخاصة إلى كسر نظام مراقبة الأسعار. لقد تأثر الحماس الثوري للجماهير بجميع هذه العوامل، وأيضا بنمو البيروقراطية والفساد.

ويجب أن نضيف لهذا الضغط المتواصل من طرف الإمبريالية الأمريكية، من خلال الصراع على الحدود مع كولومبيا، والآن مع غويانا التي توجه بشكل متواصل الاتهامات للمسؤولين الفنزويليين في وسائل الإعلام والتشهير والافتراءات. ولكي نذكر فقط أمثلة حديثة نشير إلى الاستفزاز الواضح من قبل الولايات المتحدة عندما انتهكت طائرة لحرس السواحل الأمريكي المجال الجوي الفنزويلي لأكثر من 35 دقيقة في منطقة لوس مونخيس (Los Monjes) يوم 06 نوفمبر الماضي. وتؤكد التسريبات التي أدلى بها المخبر الأميركي إدوارد سنودن أيضا أن عملية مخابراتية قامت بها وكالة الأمن القومي، من داخل السفارة الاميركية في كراكاس، بمراقبة الاتصالات الداخلية بطريقة غير مشروعة للمئات من المسؤولين في شركة النفط (PDVSA) التابعة للدولة. تخيلوا فقط ماذا كان سيحدث لو أن فنزويلا كانت هي التي فامت بذلك ضد الولايات المتحدة! وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن انتخاب اليميني ماكري رئيسا للأرجنتين أثار المزيد من نيران التحرش ضد فنزويلا عندما أعلن، في أول مؤتمر صحفي له بعد فوزه في الانتخابات، أنه ينبغي إلغاء عضوية فنزويلا في ميركوسور.

في هذا السياق هناك خطر جدي بأن تحصل المعارضة على نتيجة جيدة في الانتخابات البرلمانية، وتفوز بمعظم الاصوات وربما حتى بأغلبية المقاعد. سيكون ذلك كارثة، لأنها سوف تستخدم هذا الموقف لشن الهجوم ضد الرئيس مادورو والبدء في تفكيك العديد من المكاسب الاجتماعية للثورة. وإذا حدث ذلك، فإنه لن يكون خطأ الجماهير البوليفارية، وإنما خطأ قادتهم الإصلاحيين، الذي تجنبوا باستمرار طريق مصادرة ملكية الطبقة الرأسمالية، واختاروا بدلا من ذلك مناشد حسن نية الرأسماليين أو استخدام تدابير إدارية في محاولة لتنظيم السوق الرأسمالي.

هذا الاستنتاج ليس حتميا. فهناك أيضا احباط بين صفوف أنصار المعارضة بعد أن هزموا في محاولتهم للتمرد في عام 2014، و قادتهم منقسمين. ومع ذلك فقد كانت الهوامش التي فازت بها القوات البوليفارية بالانتخابات الرئاسية عام 2013 (0.4٪) وانتخاب الجمعية الوطنية في عام 2010 (0.9٪)، ضيقة بحيث أن كل ما كان يتطلبه الوضع هو أن يغير 200.000 شخص موقعهم أو يمتنعوا عن التصويت لإحداث تغيير جوهري.

النتيجة ما زالت لم تقرر بعد. وقد أظهرت الجماهير الثورية الفنزويلية في كل مرة امتلاك وعي طبقي عال جدا، وقررت مصير الثورة البوليفارية مرات عديدة. لم يختف هذا الشعور الثوري، لكن تراجع بالتأكيد بسبب الصعوبات الاقتصادية وعدم القدرة الواضحة للحكومة لحل هذه المشاكل بشكل حاسم. إنهم يدركون تماما أخطار انتصارا اليمين ويمكن أن يقوموا بردة فعل في اللحظة الأخيرة.

في أكتوبر الماضي، كشفت محادثة هاتفية مسربة بين مالك مجموعة Polar، لورينزو ميندوزا وبين ريكاردو هوسمان، العضو البارز في جامعة هارفارد، عن خططه في حالة وصول المعارضة إلى السلطة: طلب خطة إنقاذ بقيمة 40 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، والذي سيقدمها بالطبع مقابل شروط.

وحتى اذا نجحت الثورة البوليفارية في الفوز في انتخابات 06 دجنبر، (وهذا شيء سوف يناضل الماركسيون من أجله بكل ما يمتلكون من قوة)، فإن الصعوبات الاقتصادية لن تختف. هناك بالفعل أصوات ذات نفوذ داخل الحركة البوليفارية تطالب بتطبيق اجراءات صارمة وجذرية.

هناك طريقة واحدة فقط للتعامل مع المشاكل التي تواجه الثورة، وهذه الطريقة هي التي سبق لهوغو تشافيز أن أشار إليها قبل وفاته في خطابه الشهير المسمى “تغيير الاتجاه”، حين دعا إلى بناء اقتصاد اشتراكي واستبدال الدولة البرجوازية بواحدة مبنية على أساس المجالس الشعبية.

هناك شيء واحد واضح: لقد فشلت محاولة تنظيم الرأسمالية، وما لم يكن هناك إنعطاف حاسم نحو اليسار فإن الثورة البوليفارية ستنهزم.

خورخي مارتن
الجمعة: 04 دجنبر 2015

عنوان النص بالإسبانية:

Venezuela: Elecciones parlamentarias del 6 de diciembre, el reto más difícil de la revolución bolivariana

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *