الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / سوريا / سوريا: إلى أية مرحلة وصلت الحرب؟

سوريا: إلى أية مرحلة وصلت الحرب؟

لقد انهارت ما تسمى بمحادثات “السلام حول مستقبل سوريا” حتى قبل أن تبدأ. ودعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، إلى “وقفة” في المحادثات على أن تستأنف يوم 25 فبراير. وفي الوقت نفسه وجه الجيش العربي السوري وحلفائه ضربة ساحقة في شمال حلب للجهاديين المدعومين من الغرب. ومع تغير موازين القوى في الحرب، لم يعد لأي من الطرفين على الأرض أي سبب لاتخاذ خطوات جادة في المحادثات.

وفي حين ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الوصول إلى حل سريع للصراع الذي يتسبب في زعزعة استقرارهما معا، فإن الأطراف المتحاربة على الأرض ليست لها أية مصلحة في ترك ساحة المعركة كما هي. روسيا والأسد وحلفائهما يحرزون تقدما مطردا، بينما من يسمون بالمتمردين المعتدلين، المدعومين من تركيا والمملكة العربية السعودية، يفقدون المواقع.

يريد هذان “الحليفان” التقليديان للولايات المتحدة الآن منها التدخل وإنقاذ القوات التي يدعمونها، لكن هذين الحليفين بالنسبة للولايات المتحدة أصبحا أكثر خطورة من “العدو” المفترض. تعيش الإمبريالية الأمريكية أعمق أزمة شهدتها في تاريخها، وقد فقدت تماما السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط. وبعد أن أضاعت فرصة الإطاحة بالأسد فإن الأمل الوحيد لها لعدم التورط في مستنقع شبيه بالعراق أو أفغانستان، هو إنقاذ النظام في المدى المتوسط ومحاربة التيارات الرجعية التي كانت هي نفسها من أطلقت عنانها.

فجأة أصبح فلاديمير بوتين وآية الله خامنئي “طوق النجاة” في سوريا، وصار على الأميركيين الرقص على الموسيقى التي يعزفانها. وفي الوقت نفسه يتراكم الاستياء في المعسكر الأمريكي بينما يغرق أردوغان والملك سلمان أعمق فأعمق في صراعهما الوجودي.

تقدم النظام

دخول روسيا في الحرب غير تماما في ميزان القوى على الأرض. ونظام الأسد، الذي كان، قبل بضعة أشهر فقط، يبدو على وشك الانهيار، أعيد تعزيزه بفضل الدعم الروسي.

يوم أمس [الخميس 06 فبراير] تمكن الجيش، بدعم من الميليشيات التي تسيطر عليها إيران، من الوصول إلى الجيوب الشيعية في نبل والزهراء، اللتان كانتا معزولتين ومحاصرتين جزئيا لمدة ثلاث سنوات. حاول النظام تحقيق ذلك على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكن من دون أي نجاح. لكن الآن وبفضل الدعم الجوي الروسي تحقق ذلك في غضون يومين فقط.

كان هذا نصرا كبيرا ودفعة معنوية مهمة لأنصار النظام الذين كانوا محبطين بسبب عدم وجود دعم حكومي فعال للجيوب المحاصرة التي تسكنها تجمعات سكانية معادية للإسلاميين. وقد كان أكبر مكسب هو قطع ممر أعزاز، الذي كان أهم وآخر طريق لوجستي يربط بين الجهاديين وبين أسيادهم في تركيا.

واليوم واصلت القوات المتقدمة شمالا، جنبا إلى جنب مع القوى الديمقراطية السورية، التي يسيطر عليها الأكراد، والذين كانوا يتحركون شرقا من مقاطعة عفرين المجاورة. هناك تقارير تفيد بأن القوى الديمقراطية السورية قد وصلت بالفعل إلى مشارف أعزاز. ومع الهجوم المتزامن لقوات داعش من الشرق، يبدو أن خطوط دفاع المتمردين الإسلاميين في الممر قد تنهار.

في الجنوب يفتح انتصار يوم أمس كذلك إمكانية محاصرة وأخذ تلك الأجزاء من مدينة حلب التي سيطر المتمردون على مساحات واسعة منها لمدة ثلاث سنوات. ومن شأن هزيمة المتمردين هناك أن تكون حدثا كبيرا، إن لم نقل حاسما، بالنسبة لنتيجة الحرب.

ويأتي هذا الانتصار الكبير حلقة في سلسلة من تقدم القوات التابعة للنظام. وبالإضافة إلى شمال حلب تتقدم الجماعات الموالية للنظام ضد الإسلاميين على الجبهات في غرب ريف حلب، حيث تمكنت من قطع خطوط الإمداد الرئيسية للمدينة وكذلك في ريفها الجنوبي، حيث تمكنوا من تحقيق انتصارات تدريجية لمدة ثلاثة أشهر. وفي اللاذقية استطاع النظام، خلال الأسابيع القليلة الماضية، الاستيلاء على بلدتي ربيعة وبلدة سلمى ذاتي الأهمية الإستراتيجية، فيما بقيت كنسبا المدينة الرئيسية الوحيدة خارج سيطرته في المحافظة بأكملها. إذا سقطت كنسبا، سيتم فتح الطريق نحو المدينتين الرئيسيتين في محافظة إدلب جسر الشغور ومدينة إدلب نفسها. ومن خلال شن الهجمات على جبهات إدلب وحلب واللاذقية، ضاقت خطوط المتمردين اللوجستية والاتصالات إلى أقصى الحدود مما يجبرهم على نقل التعزيزات باستمرار.

وفي الوقت نفسه شهد المتمردون الجنوبيون، الذين يحظون بدعم المملكة العربية السعودية والأردن ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، سلسلة من الانتكاسات. بعد سلسلة من الهجمات التي عرفت دعاية كبيرة لكنها كانت فاشلة للغاية في العام الماضي، بدأوا يظهرون علامات كبيرة من الضعف في مواجهة قوات النظام التي تتقدم ببطء. وإضافة إلى الهزائم العديدة التي تعرضوا لها في مدينة درعا فقدوا مدينة الشيخ مسكين المهمة استراتيجيا قبل نحو أسبوع. سقوط مدينة الشيخ مسكين يحرر القوات لبدء الهجوم نحو بلدة نوى. وكان سقوط بلدة عتمان اليوم خطوة في هذا الاتجاه. من شأن الهزيمة في نوى قطع طرق اللوجستيك والاتصالات للمتمردين في جميع أنحاء المنطقة وتمهيد الطريق للاستيلاء على ما تبقى من مدينة درعا، وكذلك المعابر على الحدود مع الأردن.

كما أصبح من الواضح أن المتمردين الجنوبيين فقدوا دعم النظام الأردني. فبالإضافة إلى انعدام الثقة في كفاءة المتمردين، يعيش الأردن خطرا جديا من زعزعة استقراره تحت ثقل 600.000 لاجئ سوري. وقد يمكن لهذا أن يؤدي إلى اتفاق مع الأسد لإعادة بعض اللاجئين في مقابل إنهاء الدعم للجماعات المسلحة.

حقق النظام السوري أيضا بعض المكاسب أمام داعش، ولا سيما في ريف شرق حلب. على الرغم من أن مدينة دير الزور كانت إلى حد ما نقطة الضعف في الحرب ضد المنظمة خلال الشهر الماضي.

نجح التدخل الروسي بشكل عام في تغيير الوضع القائم. لقد عزز النظام طرق إمداده وعزز قبضته على المناطق الإستراتيجية. وقد سمح له هذا بدوره بتعزيز موقفه تدريجيا على مختلف الجبهات. وفي الوقت نفسه تم صد كل محاولات الهجمات المضادة من قبل الجماعات الإسلامية المدعومة من الغرب بسهولة نسبية.

قبل عام واحد فقط كان الوضع مختلفا تماما. بعد الانحطاط الطائفي للحركة الثورية الأولى، وقف الرأي العام السوري وراء نظام الأسد الذي اعتبره الكثير من السوريين خيارا أفضل من البديل الهمجي الذي يقدمه الإسلاميون. في انتخابات عام 2014 شهدنا ارتفاع نسبة المشاركة الجماهيرية، بغض النظر عن طبيعتها المزورة. وعلى الرغم من الدعم للحملة المناهضة للإسلاميين، فإن الجيش لم يحرز تقدما كبيرا.

تسارع الوضع منذ حوالي سنة عندما طرد الجيش من كامل محافظة إدلب، مخلفا وراءه كمية ضخمة من الأسلحة والمدفعية والعربات المدرعة. بعد ذلك بوقت قصير فقد بلدة تدمر الصغيرة أمام تقدم قوات داعش. سرّعت الهزائم المذلة، التي من الواضح أنها كانت نتيجة عدم كفاءة الضباط، في انهيار الروح المعنوية للجيش وأنصار النظام. على الرغم من سيطرة النظام الكاملة على الأجواء وامتلاكه لواحدة من أكبر أساطيل الدبابات في العالم وجيش أفضل بكثير من الناحية الفنية، فإنه لم يكن قادرا على دحر المسلحين الإسلاميين.

أدت سنوات من الفساد والمحسوبية وغطرسة الدكتاتورية إلى تآكل القوات المسلحة السورية، وخصوصا في صفوف القيادة. عدم كفاءة الضباط، الذين كان توظيفهم يعتمد على القرابة والعلاقات أكثر من الجدارة، يعني أن انتصارات سهلة ضاعت وتحولت التراجعات الأساسية إلى فوضى. وبسبب الأجور الهزيلة وسوء المعاملة من طرف القيادة، تسارعت الانشقاقات وعمليات الفرار. والمحاولات اليائسة التي بذلت لوقف الهاربين من خلال تعقبهم ومعاقبتهم زادت الوضع سوءا.

لم يساعد إشراك الضباط الإيرانيين وحزب الله في الجيش على تحسين الوضع، لأن تلك القوات هي جيوش دفاعية أساسا مع خبرة قتالية ضعيفة في مكان مثل سوريا. لكن التدخل الروسي، ووضع القادة الميدانيين الروس في المناصب القيادية الرئيسية غير من حالة الجيش. تم استبدال الهجمات مقطوعة الرأس مع مستويات عالية من الضحايا بالتقدم الصبور والذكي، وتم تعويض تفجير البراميل بلا هدف في الأحياء السكنية، بدعم وثيق على الأرض وتفجيرات الطرق والمحاور اللوجستية الرئيسية. وبالتأكيد ارتفعت الروح المعنوية بدورها نتيجة ذلك.

لقد بدأ النظام تدريجيا، وإن ربما بوتيرة أبطء بكثير مما كان الروس يتوقعون، في استعادة المواقع الإستراتيجية الأكثر أهمية وبدأ الآن في الضغط بشكل جدي على المتمردين.

وأخيرا منعت المعدات العسكرية الروسية ذات التقنية العالية أي قوة أخرى من التدخل على نطاق كبير دون إذن الروس. وعن طريق تحريك سلسلة من أنظمة التشويش والرادار الجديدة وكذلك أنظمة الدفاع الجوي (بما في ذلك مضادات s-400 التي هي الأكثر تقدما في العالم) فضلا عن عدد متزايد من طائرات سوخوي 35 (التي هي طائرات متعددة الأغراض لا مثيل لها) حقق الروس تفوقا جويا مضمونا في سوريا، وهو الوضع الذي لا يمكن حتى للجيش الأمريكي أن يغيره. وهكذا صار كل حديث عن تدخل أمريكي بري وإنشاء مناطق حظر جوي لغوا بدون معنى.

الجيش السوري ما يزال بالطبع هو نفس الجيش السوري القديم. ودون كمية كبيرة من الضربات الجوية ودعم الآلاف من رجال الميليشيات المدعومة من إيران لكان من الصعب للغاية تحقيق الانتصار ضد المتمردين. خلال هجوم أمس على شمال حلب كانت هناك 200 ضربة جوية لتأمين الهجوم في منطقة صغيرة جدا. ومع ذلك تمكنت روسيا من تغيير ميزان القوى بشكل جذري. من وجهة نظر روسيا والأسد والإيرانيين ليست هناك حاجة للتفاوض في هذه المرحلة لأنه ما يزال لديهم الكثير من القوة للضغط على المتمردين. إن أي وقف جدي لإطلاق النار في هذه المرحلة سيعطي المزيد من الفرص للمتمردين، ويمكنهم من تحصين مواقع دفاعية جديدة وإعداد هجوم مضاد.

“المعارضة المعتدلة” وأزمة الإمبريالية الأمريكية

وفي الوقت نفسه وجه التدخل الروسي ضربة قاسية للمتمردين “المعتدلين” ومسانديهم الرئيسيين في الغرب والسعودية وتركيا. إنهم الآن تحت الضغط في كل الجبهات ولم يعودوا قادرين على تحقيق أي انتصار منذ أكتوبر. وفي نفس الوقت أغرقتهم سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها قادتهم في حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي.

كما تسبب قطع ممر أعزاز أيضا في إغلاق طريق تجاري مهم أقامه المتمردون مع داعش، التي كانت توفر لهم الكثير من الوقود الرخيص الضروري لمولدات الكهرباء التي يعتمدون عليها بشكل كبير. وقد صارت أسعار المواد الغذائية والوقود الآن عرضة للارتفاع في جميع أنحاء إدلب وحلب، مما يجعل المتمردين في موقف عسير.

هناك ما يقرب من 1500 ميليشيا بين صفوف المعارضة غير داعش. ومع ذلك ففي السنتين الماضيتين تمكنت أكبر مجموعتين (مرتبطتين بالقاعدة)، وهما جبهة النصرة وأحرار الشام، من أن تجمعا هذه الجماعات، في سلسلة من عمليات التوحيد، بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات التركية والسعودية. وكان أنجح هذه المشاريع هو جيش الفتح في شمال غرب سوريا. شن هذا التنظيم، الذي شكلته المخابرات التركية بتمويل من السعودية، هجوما ناجحا بشكل كبير في إدلب في الربيع الماضي.

لكن هذا كشف عن الفشل الذريع للإستراتيجية الأمريكية في سوريا. فلا واحدة من الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة لديها أي مصلحة في القتال بجدية ضد داعش التي تمتلك تعاطفا من العديد من هذه الجماعات. إن الهدف الرئيسي للتيارات الإسلامية التي تزداد تطرفا هو إسقاط نظام الأسد. وقد بدأت الولايات المتحدة تعارض أكثر فأكثر هذا المنظور لأن إسقاط الأسد، الذي هو الشخص الرئيسي في جهاز الدولة، سيعني انهيار الدولة بأكملها واجتياح سوريا من قبل المتطرفين الإسلاميين.

كل محاولات الولايات المتحدة لإنشاء وكلائها الخاصين لمكافحة داعش تمت محاربتها من طرف الحلفاء “المعتدلين”، وكذلك من طرف تركيا والسعودية. ومع دخول روسيا إلى ميدان المعركة، تسارعت عملية تفكك القوى الامبريالية الواقفة وراء التمرد.

فمن جهة قضت روسيا بشكل فعال على أي احتمال لشن هجمات أمريكية مباشرة على الأسد، فضلا عن إمكانية إقامة منطقة حظر جوي لإعطاء المتمردين الإسلاميين ملاذا آمنا في شمال سوريا؛ ومن جهة أخرى، أجبرت الولايات المتحدة على تصعيد حملتها ضد داعش – وهي الحملة التي كانت تشنها بأقل ما يمكن من الحدة منذ انطلاقتها- من أجل تأمين أفضل موقف تفاوضي ممكن مع روسيا والأسد اللذين يتقدمان. في الواقع لقد قدمت روسيا للولايات المتحدة فرصة للخروج من سوريا – وإن بشروط روسية.

لكن كل هذا زاد فقط في تعميق أزمة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، كما أوضحنا سابقا، والتي هي في جوهرها نتيجة للأزمة العامة للرأسمالية الأمريكية. وبينما عليها الاعتراف بضعفها على الأرض والاعتماد على نحو متزايد على إيران لتحقيق الاستقرار في المنطقة، فإن حلفائها التقليديين: تركيا والسعودية وإسرائيل – والذين يواجهون جميعهم أزمات داخلية عميقة – صاروا على نحو متزايد مصادر لعدم الاستقرار.

في سوريا يظهر هذا بشكل أكثر وضوحا في إحجام الولايات المتحدة عن تقديم دعم جدي للمتمردين الإسلاميين الذين تخشى من أنها قد لا تستطيع السيطرة عليهم. وبدلا من ذلك تحاول جر دول الخليج وتركيا إلى شن الحرب ضد داعش، وهو الأمر الذي يرفضون القيام به لأنه لن يؤدي إلا إلى زيادة قوة إيران وأيضا دعم نظام الأسد. في الواقع بالكاد شاركت هذه الأنظمة، خلال الأشهر الستة الماضية، في حرب الائتلاف ضد داعش. بالنسبة لتركيا والسعودية، على وجه الخصوص، سوف يكون لنتيجة الحرب الأهلية السورية تأثير عميق على مستقبل أنظمتهما. فأردوغان، الذي يواجه الأزمة تلو الأخرى، راهن بشكل كبير على تعزيز الهيمنة التركية على سوريا. لكنه لا يواجه فقط تصاعد معارضة الرأي العام ضد هذه الحملة، بل أيضا قطاعات كبيرة من ضباط الجيش، الذين يشعرون بالإحباط بسبب تهوره، يعارضون طموحاته التوسعية. ويمكن لهزيمته في سوريا أن تسرع عملية تفكك نظامه.

في السعودية كذلك يعيش النظام أزمة عميقة. وإلى جانب ضغط صعود قوة إيران، يواجه النظام أيضا أزمة داخلية عميقة. أزمة الرأسمالية وتباطؤ الاقتصاد الصيني خفضا أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وهو ما يضع عبئا ثقيلا على النظام وشبكة الرعاية التي تساعد على تثبيته في مكانه. يؤدي هذا إلى اتساع الانقسامات، العميقة أصلا، داخل النخبة الحاكمة. وفي الوقت نفسه يجد النظام نفسه بين مطرقة المعارضة المتزايدة من طرف الشباب والفقراء والأقلية الشيعية المضطهدة من جهة، وبين سندان المتعصبين الوهابيين من جهة أخرى. الملك الجديد سلمان وابنه محمد بن سلمان – الذي يبدو أنه الحاكم الفعلي في هذه اللحظة – يشنان الحرب في سوريا واليمن من أجل محاولة وقف هذا التدهور. كان النظام يعتقد أنه يمكنه أن يورط روسيا، كما فعلوا مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، لكنه الآن هو الذي تورط، وبهامش ضئيل للمناورة. يمكن لأي قبول بالهزيمة، وهو ما يبدو أمرا لا مفر منه، أن يسرع من الأزمة، لكن الاستمرار في الحرب لن يؤدي إلا إلى جعل الأمور أكثر سوءا. يمكن للحرب في سوريا، كما هو الحال في اليمن، أن تكون بداية النهاية لمملكة آل سعود.

وهكذا ففي حين لا تستطيع الولايات المتحدة أن تدعم حلفائها في سوريا، فإنهم بدورهم لا يستطيعون التخلي عن الاستثمار في الجهاديين. كان إسقاط تركيا للطائرة الروسية محاولة يائسة من طرفها للي يد الولايات المتحدة وإجبارها على وقف مسلسل المصالحة مع روسيا وإيران. لكن النتيجة كانت فقط خروج الانقسامات إلى العلن وتسريع هذه العملية. وهكذا تم تقليص دعم الولايات المتحدة للمتمردين “المعتدلين”.

حقيقة أن المتمردين عطلوا المحادثات في الأمم المتحدة هو انعكاس لهذه الانقسامات العميقة. وبعد المشاكل التي يعيشونها داخليا وكذلك في ساحة المعركة، لم يعد لديهم سوى عدد قليل من أوراق المساومة. يمكن لهذا في مرحلة معينة أن يؤدي إلى تصعيد يائس للوضع.

القوى الديمقراطية السورية

وفي هذه الأثناء لم تتم حتى دعوة أقوى جيش في سوريا الى المحادثات. القوى الديمقراطية السورية، التي تضم ما يصل إلى 80.000 مقاتل، والذي أنشأته وحدات حماية الشعب، وهي ميليشيا يسارية كردية ومنظمة شقيقة لحزب العمال الكردستاني. من المفارقات التاريخية والأدلة على أزمة الإمبريالية الأمريكية أن يكون الحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة في المنطقة هم الميليشيا الكردية اليسارية، التي توجد شقيقتها على لائحة الإرهاب الأمريكية، إضافة إلى حزب الله ونظام الملالي الإيراني.

في الأيام الأولى للحركة الثورية اضطر النظام إلى الانسحاب من المناطق الكردية، مما ترك فراغا في السلطة ملأه حزب الاتحاد الديمقراطي – الجناح السياسي للحركة – ووحدات حماية الشعب التي كانت المنظمات التقليدية للأكراد في سوريا. ومنذ ذلك الحين نمت وحدات حماية الشعب لتصير واحدة من أقوى المنظمات في البلاد.

ويرجع ذلك أساسا إلى كونها ميليشيا شعبية تقوم على أساس برنامج ديمقراطي وغير طائفي. ومع عددها الذي يصل إلى 80.000 جندي لا يتفوق عليها عدديا سوى جيش الأسد الذي هو أقل منها في مجال التدريب والروح المعنوية والتحفيز. ومع عقد مؤتمر سوريا الديمقراطية أصبحت بحكم الواقع دويلة كردية.

إن حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب هو بدون شك أكثر حركة تقدمية في الشرق الأوسط في الوقت الراهن. لكن يتم استخدامه من قبل الولايات المتحدة لأهداف رجعية بالكامل. فبعد أن رأت الإمبريالية الأمريكية خياراتها تتقلص في سوريا، وجدت نموذجا مفيدا في حكومة “الحكم الذاتي” الكردية، مما يمكنها من تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة تديرها مختلف المليشيات وأمراء الحرب الذين يتصارعون ضد بعضهم البعض للحفاظ على السيطرة. وهذا من شأنه أن يكون وضعا مشابها لذلك الذي حدث في لبنان بعد الحرب الأهلية. إن شعار تقرير المصير للشعوب الصغيرة بالنسبة لإمبرياليين هو دائما خداع رجعي وفخ. والأمريكيون ملزمون، في الوقت الحاضر، باستخدام الأكراد للقتال نيابة عنهم. لكن في مرحلة معينة سيحاول الإمبرياليون حتما استخدام تكتيك فرق تسد ضد الأكراد أنفسهم. إلا أن الأكراد، في الوقت الحالي، هم القوة الوحيدة التي هي على استعداد للقتال ضد داعش ولذلك فإن الامبريالية تعتمد عليهم.

منذ الصيف كانت نتيجة هذا تحقيق مكاسب هائلة في محافظة الحسكة حيث طرد الأكراد داعش من جميع المدن الرئيسية وقطعوا خطوط الإمداد الرئيسية الخاصة بهم في شمال العراق حيث تقع مدينة الموصل. وعلاوة على ذلك انتقلوا إلى الجنوب من بلدة كوباني وسيطروا على سد تشرين، الواقع حوالي 30 ميلا من مدينة الرقة.

كانت هذه هي الخطوة الأولى في التحضير للسيطرة على المنطقة الواقعة بين نهر الفرات وبين كانتون عفرين الكردي في الغرب. واليوم هناك مؤتمر في عفرين استعدادا لوضع ما يشبه كانتونا جديدا في منطقة شبعا بين الفرات وعفرين. هذا يعني دويلة كردية تغطي الغالبية العظمى من الحدود التركية مع سوريا. قد يلائم هذا مصلحة الأسد وروسيا لأنه سيعطي لهم منطقة عازلة على الحدود مع تركيا، وبالتالي يعيقها عن التدخل في سوريا.

بالنسبة لتركيا يعتبر هذا تهديدا كبيرا، ولا سيما بسبب الأثر الذي يمكن أن يكون له على المناطق الكردية في تركيا نفسها. الصراع الطبقي هناك يحتد، في ارتباط وثيق بالحركة الكردية، والتي بدورها تقوت بشكل كبير بفضل تقدم الأكراد في سوريا. وهكذا فإن الأكراد يشكلون تهديدا كبيرا لحكومة أردوغان ذات النزوعات البونابارتية المتزايدة.

لقد عمق تحول سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد من الخلافات بين واشنطن وأنقرة. وأدى هذا إلى حالة غريبة من حرب محدودة بين قوات الدفاع الذاتي التي تدعمها الولايات المتحدة وبين التنظيمات الإسلامية التي تدعمها السعودية وتركيا.

ومع قطع ممر أعزاز، يبدو أن هذه التوترات سوف تتجه نحو حرب شاملة بين عملاء عضوي حلف شمال الأطلسي. وبالفعل هناك تقارير عن تحرك القوات الكردية غربا من عفرين في ظل الدعم الجوي الروسي، وربما استولوا على أعزاز بالفعل اليوم. سيؤدي هذا إلى حدوث انهيار كامل لقوات المتمردين الذين يتعرضون للضغط من ثلاث جهات. وهو ما سيشكل ضربة قوية للرئيس التركي أردوغان الذي يشهد انهيار كل مؤامراته في سوريا.

يمكن لهذا أن يدفع بتركيا والمملكة السعودية إلى تصعيد الوضع والتدخل في سوريا، وهي الخطوة التي ستؤدي، على الأرجح، إلى هزيمة أخرى واشتعال التوترات المكبوتة داخل هذين البلدين.

المرحلة النهائية

تتجه الحرب الأهلية السورية إلى مراحلها النهائية. المعسكرات المتعارضة تتقوى وترتفع إلى السطح التناقضات من كل جانب. لم يكن في استطاعة نظام الأسد أن يستمر في البقاء من دون دعم روسيا وإيران، لكن جبهتهم المشتركة الآن تتقدم بينما يتم عزل المتمردين على نحو متزايد. ليست مسألة ما إذا كان الأسد سوف يبقى في السلطة أم لا هي السؤال الرئيسي، وبوتين ليس متشبثا بشكل خاص بشخص الأسد. إنه يحتاج إليه في الوقت الراهن للحفاظ على تماسك جهاز الدولة السورية. بوتين مهتم أكثر بإعادة خلق مجال نفوذ لروسيا في سوريا وتعزيز موقعها على الصعيد الدولي. وهو يدرك أن التخلص من الأسد، في هذه المرحلة، من شأنه أن يؤدي إلى حدوث فوضى في سوريا. وهكذا، ومع عدم وجود بديل آخر، سيبقى الأسد في مكانه، في الوقت الحالي على الأقل.

وفي هذه الأثناء لا يمتلك من يسمون بـ “المعتدلين” أية أوراق للمساومة، وبالتالي ليست هناك حاجة لهم للمشاركة في أي محادثات إلى حين بلوغهم لوضع أفضل.

وأخيرا هناك الأكراد الذين لديهم ثاني أقوى قوة في الميدان، لكن لم يتم حتى توجيه الدعوة إليهم لحضور المحادثات. ومن دونهم لا يمكن أن تكون هناك أية مفاوضات سلام في هذه المرحلة. على عكس ما يبدو ظاهريا ليست الدبلوماسية البرجوازية، في آخر المطاف، سوى تعبير ملموس عن ميزان القوى الموجود في الميدان. وبينما يمكنها في بعض الأحيان أن تلعب دورا مستقلا، فإنها تقتصر دائما على الحدود التي يرسمها الوضع الاقتصادي والعسكري. إنها استمرار للحرب بوسائل أخرى. لكن وبما أن الحرب لم تحسم نهائيا حتى الآن فإنه لا يمكن أن تكون هناك أي محادثات ذات معنى. وهكذا فإن الحرب ستطول فترة من الوقت قبل الوصول إلى أي اتفاق سلام.

لكن هذا سوف يكون نوعا مختلفا تماما من التوازن عن ذلك الذي عرفته سوريا قبل الحرب. فالتمرد الجهادي، حتى ولو فقد كل مواقعه، سوف يستمر لسنوات إذ سوف تواصل القوى الإقليمية استخدامه للتدخل في سوريا. وسوف يلعب أمراء الحرب وزعماء القبائل، خاصة في شمال ووسط سوريا، دورا مماثلا، في حين أن نظام الأسد سيتفكك داخليا. سوف تطارد الشعب السوري سنوات من عدم الاستقرار، مثل تلك التي يعانيها لبنان.

لقد دفعت الحركة الجماهيرية بعيدا جدا إلى الوراء جراء هذه الأحداث. أصيب جيل بأكمله بصدمة شديدة وليس هناك منظور لانطلاق حركة جديدة على المدى القصير. إن الخلاص الوحيد لسوريا سيكون هو تطور موجة ثورية أخرى في جميع أنحاء المنطقة.

غياب الاستقرار

الحركة التي انطلقت في بدايتها كحركة ثورية ديمقراطية تعرضت للاختطاف من قبل القوى الامبريالية وأذنابها الإسلاميين. اعتقد الثوار السوريون أنه يمكنهم أن يكتفوا بتكرار التجارب المصرية والتونسية، بالخروج إلى الساحات وانتظار سقوط النظام. وعندما فشل ذلك نظروا إلى تجربة سقوط القدافي في ليبيا، ودعوا بالتالي للتدخل الإمبريالي للإطاحة بالأسد. لكن تحركهم في هذا الاتجاه لم يؤد سوى إلى قطع ارتباطهم بالطبقة العاملة في المدن. كانت ما تزال هناك لديها بعض المكاسب المتبقية من الماضي من حيث مستويات المعيشة. ومع ما كانت تشاهده في العراق وبقية المنطقة، لم تجذبها النداءات الغامضة بخصوص الديمقراطية والتدخل الأجنبي. لقد رأت أن القوة الوحيدة التي يمكنها أن تستفيد من سقوط الأسد، في ظل الظروف المعطاة، هي الجماعات الإسلامية الأصولية الأكثر وحشية. قد مثل بالنسبة لها البرنامج “الليبرالي” لما يسمى بالمجلس الوطني السوري وبقية المجموعات الأخرى – أي الخصخصة الواسعة النطاق وتدمير ما تبقى من المكاسب الاجتماعية – مجرد تسريع للاتجاه الرجعي لنظام الأسد.

وبعد أن تعثرت الحركة على الجبهة السياسية تحولت في اتجاه “الكفاح المسلح”، لكن في خضم الثورة إذا لم يرتبط هذا التكتيك بالطبقة العاملة المنظمة فإنه يمكن أن يتحول إلى خطر قاتل. خلال المواجهة العسكرية وحدها، دون دعم كامل من طرف الطبقة العاملة في المدن، تكون الثورة دائما هي الطرف الأضعف. وبعد أن ذهبت في هذا المسار، أصبحت الحركة ضعيفة ووقعت تحت سيطرة القوى الإمبريالية الأجنبية التي يمكنها أن تمول وتنظم التمرد. وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وحدها ضخت مليار دولار خلال سنة واحدة في الحرب، وتليها دول الخليج وتركيا الذين ضخوا أكثر من ذلك بكثير.

هذا الانحراف الرجعي عزز في المقابل موقف الأسد، حيث وقف الكثيرون وراءه لمكافحة داعش وجبهة النصرة وغيرها من المخلوقات الوحشية التي صنعتها الإمبريالية الغربية وحلفائها. بالنسبة لهم كان للتدخل غرض مزدوج: ضرب الثورة العربية في أضعف حلقاتها، والهيمنة على سوريا من أجل دحر تنامي النفوذ الإيراني.

بينما ظنت القوى الإقليمية المحلية أنه يمكنها الانتهاء من العمل بسرعة، أطلقت قوى لا يمكن السيطرة عليها مما أدى فقط إلى فضح نقاط ضعفها الداخلية. للحرب بالنسبة لتركيا والمملكة السعودية عواقب داخلية عميقة. والاتحاد الأوروبي، بزعامة فرنسا وبريطانيا، الذي كان يدافع عن المزيد من التدخل، اضطر إلى إغلاق فمه خوفا مع تصاعد أزمة اللاجئين الكارثية التي تهدد بتقويض أسس الاتحاد الأوروبي نفسه. صارت الدول الأوروبية، الواحدة تلو الأخرى، تتراجع الآن وتقبل ببقاء الأسد في السلطة.

كانت للحرب بالنسبة للإمبريالية الأمريكية عواقب وخيمة. لقد بقي لهذه القوة العظمى هامش صغير جدا للمناورة. الولايات المتحدة المتورطة بين نار أزمتها الخاصة وبين نار مصالح حلفائها انفضحت حدود قوتها علنا. وفي سوريا الأمريكيون مضطرون إلى قبول الوضع الراهن لأنهم لا يريدون خلق وضع مشابه لما يقع في العراق أو أفغانستان أو ليبيا. وبالتالي فإنهم مضطرون للتراجع. ومن أجل إنقاذ أنفسهم صار عليهم بشكل متزايد مواجهة حلفائهم لكبح جماحهم. لكن الدول ليس لها أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، لديها فقط مصالح دائمة، وجميع الدعوات التي توجه للولايات المتحدة من أجل التدخل لن تغير من حقيقة أساسية وهي أنه ليس في مصلحة الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة القيام بذلك.

تريد الولايات المتحدة وضع حد للكارثة السورية في أقرب وقت ممكن. لكن الروس ليسوا في عجلة من أمرهم لأنهم يتقدمون ببطء كل يوم. لقد هزمت الولايات المتحدة بشكل كامل من قبل الجيش الإيراني البدائي والمنهك بالعقوبات، ناهيك عن جيش روسيا الذي يطلقون عليه اسم “الدلو الصدئ”، والذي لم يأخذه الجنرالات الأمريكيون المتغطرسون بعين الاعتبار كقوة جدية. وبدلا من ذلك، اضطرت إلى الاعتماد على رحمة روسيا في سوريا، وبوتين سيستغل هذا الوضع للحصول على أقصى استفادة منه.

على الصعيد العالمي سيفتح التراجع الواضح للإمبريالية الأمريكية فترة من عدم الاستقرار، حيث ستحاول المزيد من الأنظمة، سواء من الحلفاء أم لا، لعب دور أكثر استقلالية. الغرب الذي تفاجأ بقوة النيران الروسية في سوريا يسعى جاهدا لتلافيها في أوروبا الشرقية وأماكن أخرى. والصين بدورها تقف على الهامش في انتظار الدخول عند مرحلة معينة. كل هذا سوف يؤدي بلا شك إلى المزيد من التوترات والصراعات بين الدول، لكنه سيؤدي أيضا إلى الثورات والثورات المضادة، مثلما كان تراجع الإمبريالية البريطانية قد أدى إلى تقوية الحركات الجماهيرية الثورية في جميع أنحاء العالم.

تؤكد أزمة الرأسمالية نفسها على جميع المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن أيضا على المستويات العسكرية والدبلوماسية، والتي بدورها تغذي مرة أخرى الوضع العام. والحرب الأهلية السورية تجسد هذه الأزمة على جميع المستويات. تتركز كل تناقضات الرأسمالية العالمية ضمن الحدود السورية. إن الوضع السوري يطرح بشكل حاد جدا مسألة الاختيار أمام الإنسانية: إما الاشتراكية أو الهمجية.

ومع ذلك وعلى الرغم من أن الردة الرجعية في أوجها في سوريا في هذه اللحظة، فإن التيارات الثورية بدورها تتصاعد في كل منطقة الشرق الأوسط وخارجها. إن الجواب على هذه الفوضى التي تسببت فيها التدخلات الإمبريالية يوجد في يد الطبقات العاملة في المنطقة، ولا سيما الطبقات العاملة القوية: المصرية والتركية والإيرانية. ومن شأن حركة قوية من قبل هؤلاء العمال أن تغير الوضع كله، ويمكننا أن نرى ما سوف يحدث من خلال النظر إلى ما حدث في عام 2011 في الحركة التي أطاحت بمبارك، وحركة 2009 في إيران والاحتجاجات الضخمة في تركيا ضد إزالة حديقة جيزي.

من الحتمي أن تتكرر مثل هذه الحركات في المستقبل. والمفتاح هو بناء القوى لقيادة هذه الحركات إلى نهايتها المنطقية: أي إسقاط هذا النظام الرأسمالي المريض وكل الهمجية التي يتضمنها.

عنوان النص بالإنجليزية:

Syria: at which stage is the war?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *