سنة 1929 أدت أزمة الرأسمالية إلى حدوث انهيار كبير في أسعار البن وركود اقتصادي عميق في السلفادور. نتيجة لذلك أصبحت الطبقة العاملة والفلاحون السلفادوريون جد راديكاليين وتم تأسيس الحزب الشيوعي السلفادوري، والذي جعل من فارابوندو مارتي أحد أهم قادته. فقط بعد سنتين من ذلك كان الحزب الشيوعي يقود انتفاضة ثورية، لكن غياب الخبرة لدى القيادة الشابة للحزب تسببت في هزيمة هذه المحاولة. ولقد انتقمت الطبقة السائدة من خلال قتل 30.000 عامل وفلاح، بمن فيهم فارابوندو مارتي، بعد ثلاثة أشهر من القمع. خلفت هذه الأحداث رعبا عميقا في تاريخ البلد.
لسوء الحظ، عندما تأسس الحزب الشيوعي السلفادوري كانت روسيا قد سقطت تحت قبضة ردة رجعية بيروقراطية عملت على تدمير الديمقراطية العمالية. انتهت البيروقراطية إلى اغتيال الحرس البلشفي القديم، مما رسم خطا من الدماء يفصل بين الستالينية والبلشفية. إن الستالينية هي النفي المطلق للماركسية. ولقد امتد تبقرط الدولة العمالية الروسية والحزب البلشفي إلى الأممية الثالثة، حيث فرض ستالين النظرية المنشفية القديمة القائلة بالثورة عبر مرحلتين، والتي تطرح استراتيجية التحالف مع ما يسمى بالبورجوازية التقدمية. لقد ناضل لينين دائما ضد مثل هذه الأفكار، مدافعا عن ضرورية استقلالية الطبقة العاملة عن الرأسماليين. وهكذا فإن النسخة التي وصلت إلى السلفادور عن الماركسية كانت نسخة مشوهة.
لقد أدى القمع الهمجي الذي مارسته مختلف الحكومات العسكرية إلى استخلاص فكرة أنه يجب إنجاز الثورة الاشتراكية بواسطة الكفاح المسلح وخاصة عبر حرب العصابات. لقد كانت هذه الأفكار تجد المدافعين عنها حتى بين صفوف أبرز القادة العماليين وبعض مجموعات التروتسكيين المزيفين، والذين بدل أن يعارضوا هذه الإستراتيجية انطلاقا من وجهة نظر ماركسية، عملوا على تأييد هذه الأساليب. لقد ساد في روسيا خلال بداية القرن العشرين نظام من أكثر الأنظمة قمعية، لكن الماركسيين نشئوا في الصراع ضد أساليب الشعبويين الروس، النارودنيك، الذين كانوا يتبنون أساليب جد مشابهة لأساليب حرب العصابات. لقد كان حجم الفلاحين في روسيا أكبر مما هو الحال في السلفادور، لكن هذا الواقع لم يمنع الطبقة العاملة، بقيادة صحيحة، من أن تتحول إلى طليعة الثورة.
بالرغم من القمع الشرس، نهضت الجماهير إلى الحركة مرة أخرى، من خلال الحركة الجبارة التي أطلقتها الطبقة العاملة التي نظمت إضرابات عامة متتالية خلال الثمانينات والمظاهرة الأكبر في تاريخ السلفادور التي نظمت يوم 22 يناير، بقيادة التنسيقية الثورية الجماهيرية (CRM). جاءت التنسيقية الثورية الجماهيرية نتيجة لتوحيد حركة العمال خلال مرحلة نهوض ثوري. دفعت الأحداث بالمنظمات الجماهيرية الرئيسية إلى الوحدة، بما في ذلك FAPU [جبهة العمل الشعبي الموحدة]، BPR [الكتلة الشعبية الثورية]، LP-28 [الرابطة الشعبية 28 فبراير]، MLN إضافة إلى الجبهة الانتخابية PCS (UDN) [الحزب الشيوعي السلفادوري – الاتحاد الديمقراطي الوطني]. وقد أجبر هذا المزاج منظمات حرب العصابات، التي كانت تقود هذه المنظمات، بدورها إلى الوحدة، فشكلت FMLN [جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني]، التي هي نتاج شرعي للنضال الثوري ولوحدة الحركة العمالية.
يمكننا أن نجد في كل واحدة من منظمات حرب العصابات هذه (ERP [جيش الشعب الثوري]، FPL [قوات التحرير الشعبية]، FARN [قوات المقاومة الوطنية المسلحة]، FAL [جيش التحرير] وPRTC [الحزب الثوري لعمال أمريكا الوسطى]) أمثلة عن البطولة. يمكن للمرء أن يجد بين صفوف أعضائها عددا لا يحصى من المناضلين الثوريين الذين وهبوا حياتهم من أجل النضال في سبيل الاشتراكية. يجب علينا أن نستفيد من إرث النضال والتضحيات هذا من أجل بناء منظمة ماركسية قوية عليها أن تتعلم من أخطاء الماضي وتتوجه بحزم نحو الطبقة العاملة، وليس نحو مجموعات المغاوير الفلاحية، طالما أن “تحرر العمال هو من صنع العمال أنفسهم” كما قال ماركس. ونضيف أن أية محاولة لاستبدال دور الطبقة العاملة سينتهي دائما بالسقوط في التبقرط، كما يمكن لنا أن نرى بوضوح في تاريخ السلفادور.
لم تكن الطبقة السائدة قادرة على هزم مجموعات المغاوير، لكن FMLN لم تتمكن من حسم السلطة. ومع انهيار الستالينية في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية وهزيمة الجبهة الساندينية في نيكاراغوا، انتهت المواجهة المسلحة في السلفادور، والتي استمرت أكثر من عقد من الزمن، بتوقيع اتفاق سلام سنة 1992 لم يحل أيا من المشاكل الرئيسية للجماهير. لقد شكل مجرد هدنة في الصراع بين الطبقات.
دخلت أجيال جديدة إلى النضال وفي بداية هذا العقد بدأ المد يسير في اتجاه ملائم لنا، مع اندلاع النضالات ضد خصخصة الطرق السيارة والمسيرات البيضاء ضد خصخصة الخدمات الصحية، والتي تعتبر ربما أهم حركة نضالية جماهيرية منذ توقيع اتفاقات السلام.
كان هذا هو الوقت الذي قامت فيه مجموعة من الشباب الذين كانوا أعضاء في FMLN بتنظيم كتلة شباب الشعب (BPJ). كان أول ظهور علني لهم خلال أحد تلك المسيرات البيضاء، عندما حمل سبعة من الشباب لافتة كتب فيها “الانتفاضة الآن!” لم يكن أي أحد آنذاك يعتقد في آفاق الكتلة، حتى أن بعض بيروقراطيي FMLN سخروا من صغر حجم الرواق. لكن كتلة شباب الشعب تطورت لتصبح أقوى منظمة للشباب في السلفادور والتي تمتلك روحا ثورية راسخة. وقد لعبت دورا حاسما في النضال ضد الخصخصة.
لقد شهد تاريخ كتلة شباب الشعب ارتكاب عدد من الأخطاء ، بما في ذلك بعض الأخطاء ذات الطبيعة اليسراوية المتطرفة. لكن هل كان الوضع ليكون غير ما كان عليه؟ هذا ميراث خلفته قيادة FMLN التي لم تعطي أبدا أية أهمية للتثقيف السياسي للجيل الجديد. وفي مسار نضالها من أجل خدمة قضية الثورة الاشتراكية في السلفادور، صارت الكتلة منظمة ماركسية حقيقية. وكجزء من هذا المسار فتحت كتلة شباب الشعب حوارا مع التيار الماركسي الأممي وهي الآن قريبة من الالتحاق بنا، لأننا واضحون بأن الثورة الاشتراكية في السلفادور يمكنها أن تكون ناجحة فقط باعتبارها جزءا من النضال من أجل الاشتراكية العالمية.
سيكون مؤتمر كتلة شباب الشعب الذي سينعقد يومي السابع والثامن من يونيو، خطوة هامة إلى الأمام في مسار التحاق كتلة شباب الشعب بالتيار الماركسي الأممي، وهو الحدث الذي يتابعه ماركسيو العالم بأسره. إن الأفكار الصحيحة تنتصر دوما، وستعبر الأفكار الماركسية الحقيقية فوق الأكاذيب والافتراءات التي تطلقها الطبقة السائدة والإصلاحيون والستالينيون والعصبويون. تعرض ليون تروتسكي لافتراءات بشعة، لكنه حافظ على الأفكار والمنهجية الماركسية الصحيحة وتقاليدها حية في ظل ظروف شديدة الصعوبة، باذلا حياته في سبيل هذا الهدف. وبعد مقتل ليون تروتسكي، واصل تيد غرانت، مؤسس التيار الماركسي الأممي، هذه المهمة.
هيمن الستالينيون على الأممية الشيوعية القوية وقادوا الدولة العمالية (المشوهة)، لكن اليوم انهار الاتحاد السوفييتي وهناك في أمريكا اللاتينية الآن موجة ثورية جديدة تطرح مسألة الاشتراكية. حتى بعض القادة، من قبيل هوغو تشافيز، ينصحون بقراءة تروتسكي، الذي بدأت أفكاره تجد صدى لها في كوبا أيضا.
نشأت كتلة شباب الشعب داخل صفوف FMLN بين شريحة من الشباب الذين التحقوا بالحزب بعد عقد اتفاقية السلام والذين يبحثون عن طريق للنضال من أجل الاشتراكية. لقد اختفت اليوم المنظمات الثورية القديمة التي أسست FMLN، لكن من الواجب على الجيل الجديد من الثوريين أن يتعلموا من نجاحات وأخطاء الماضي لكي يتمكنوا من إنجاز الثورة الاشتراكية في السلفادور. نحن لسنا أعداء للـ FMLN، إن أعضاء كتلة شباب الشعب في جميع اللجان المحلية ولجان الشباب وغيرها من الهياكل، هم أعضاء مستعدون للتضحية ومخلصون، إننا ندافع عن FMLN ضد هجمات الطبقة السائدة في نفس الوقت الذي نشرح فيه أفكارنا الماركسية. إننا نناضل من أجل FMLN ديمقراطية لا يتعرض داخلها أي رفيق لأية إجراءات بيروقراطية فقط لكونه يدافع عن وجهة نظر ثورية، إننا نطلب من القيادة أن تنهج سياسة ثورية وسوف نناضل من أجل إيصال FMLN إلى السلطة سنة 2009 ومن أجل أن تطبق برنامجا اشتراكيا.
نشهد اليوم انفجار الأزمة البنيوية للرأسمالية، الجماهير تعبت وعند FMLN فرصة تاريخية للوصول إلى السلطة للمرة الأولى. إننا مقتنعون أن مناضلي FMLN سيكونون في مقدمة نضال الطبقة العاملة خلال الأحداث الثورية العظيمة التي ستهزها من القمة إلى القاعدة، وكذلك سنكون نحن. سوف يكون للأفكار والمناهج الماركسية الحقة التي تبنتها كتلة شباب الشعب، من خلال التحاقها بالتيار الماركسي الأممي، تأثير عظيم على التاريخ الثوري للسلفادور.
كتلة شباب الشعب
الأربعاء: 04 يونيو 2008
عنوان النص بالإنجليزية: