الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / السودان / السودان: ماذا بعد المسيرة المليونية؟

السودان: ماذا بعد المسيرة المليونية؟

كلمة هيئة تحرير ماركسي

كتب هذا المقال قبل ستة أيام فقط… لكن تسارع الأحداث المميز لكل ثورة حقيقية جعل من بعض أخباره أحداثا متجاوزة. فالاتفاق الذي حذر منه كاتب المقال، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس الانتقالي العسكري، بكونه اتفاقا بين الثورة وبين الثورة المضادة، بين الشعب وبين قاتليه، قد تم توقيعه بالفعل في خيانة بشعة للثورة وتضحيات الشعب السوداني وكل الدماء التي أريقت. وعوض السياسة الثورية التي دعا إليها المقال والمتمثلة في ضرورة حسم السلطة من طرف مجالس العمال وعموم الفقراء والسير بالثورة حتى نهايتها المنطقية والتي هي القضاء الكامل على النظام الرأسمالي، ها نحن أمام اقتسام للسلطة بين شرذمة الثورة المضادة، المسؤولين عن قتل الثوار ونهب ثروات البلد، وبين شرذمة من الوصوليين الذين كل همهم الركوب على التضحيات الجسام لخدمة مصالحهم الأنانية الضيقة والمشاركة في اقتسام كعكة السلطة والثروة.

لكننا ننشره لأن كل الخلاصات النظرية الجوهرية للمقال تبقى ذات راهنية كبرى ليس فقط للطبقة العاملة والشباب الثوري في السودان، الذين سيكتشفون، عاجلا أو آجلا، الخيانة التي ارتكبت ضدهم وسيواصلون الطريق لاستكمال مهام الثورة، بل كذلك لكل الثوريين في المنطقة وخارجها. وأهم هذه الدروس هي أنه 1) لا يمكن التوفيق بين مصالح الثورة والثورة المضادة، و2) لا يمكن الثقة في القوى اللبرالية، و3) أن الخيانة صفة ملازمة للإصلاحية، يمينية كانت أو يسارية، ليس لأسباب أخلاقية بل لأنها تقدس النظام الرأسمالي القائم ولا تمتلك منظورا للقضاء عليه وبناء الاشتراكية مما يجعلها تتحول إلى كابح مطلق للحركة الثورية عندما تبدأ هذه الأخيرة في تهديد النظام القائم، و4) لا بديل عن بناء القيادة الماركسية الثورية التي تستحقها تضحيات العمال والفقراء.

إن كنتم تتفقون مع أفكارنا التحقوا بالتيار الماركسي الأممي لبناء تلك القيادة على الصعيد القطري والأممي، ولنحضر الشروط الضرورية لانتصار الثورة الاشتراكية في عصرنا.



السودان: ماذا بعد المسيرة المليونية

حميد علي زاده
01 يوليوز 2019

يوم أمس، 30 يونيو، شهدت جميع أنحاء السودان خروج مئات الآلاف من العمال والفلاحين والفقراء إلى الشوارع للاحتجاج على حكم طغمة المجلس العسكري الانتقالي.

لقد خرج السودانيون شبانا وشيبا إلى الشوارع في تحد شجاع لقوى الثورة المضادة. كانت هذه المسيرات، التي ردد فيها المتظاهرون شعارات مثل “الحرية” و”الحكم المدني”، بمثابة دليل على شجاعة الجماهير وبطولاتها الهائلة. أفادت التقارير مقتل ما لا يقل عن 07 أشخاص وإصابة المئات بسبب القمع الذي شنته القوات الموالية للمجلس العسكري الانتقالي، ومع ذلك فإن الحركة استمرت صامدة. وفي مدينة عطبرة، ذات التاريخ الثوري، هتف المتظاهرون: “الطلقة ما بتقتل. يقتل سكات الزول”، وغيرها من الشعارات.

ورغم أنه من المستحيل معرفة الأرقام الدقيقة لعدد المتظاهرين، فمن شبه المؤكد أن هذه الاحتجاجات كانت من أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد، وربما تجاوزت سقف المليون متظاهر الذي حدده تجمع المهنيين السودانيين. وقد أكدت التقارير خروج مظاهرات احتجاج جماهيرية في مدن رَبَكْ وحَلْفا وجبرة وأركويت وبلبل وعطبرة ونوري والشجرة والصحافة والإسكان والأبيض وكاودا وكسلا والروصيرص ودنقلا وودمدني وبري وكريمة وسوق العربي بالخرطوم وود نوباوي بأم درمان وبورتسودان.

الشيء الأكثر إثارة للإعجاب في هذا اليوم الاحتجاجي هو أنه جاء بعد مذبحة 03 يونيو، التي نفذتها قوات الدعم السريع المرتبطة بالمجلس العسكري، مما أسفر عن مقتل المئات وإصابة الكثيرين. وأعقب ذلك هجوم لقوى الثورة المضادة تمثل في أسابيع من العنف والاغتصاب والنهب على نطاق واسع. وخلال الفترة التي سبقت هذا الاحتجاج، لم يخف المجلس العسكري نيته في مواصلة القمع الدموي. قال مسؤول عسكري مجهول لموقع Middle East Eye إن «المجلس العسكري ليس لديه أي بديل سوى المضي قدماً في استخدام العنف ضد احتجاجات 30 يونيو وقد بدأ بالفعل في الاستعداد لذلك». لكنه أضاف أن المجلس العسكري ليس متأكدا من إمكانية الاعتماد على الشرطة لتنفيذ ذلك القمع. وهكذا فإن كلاب قوات الدعم السريع المسعورة هي القوة الرئيسية التي يمكن للمجلس العسكري الاعتماد عليها.

لكن عوض أن تؤدي عمليات القتل والاغتصاب والتهديد إلى إجبار الجماهير على الخضوع، فإنها أدت فقط إلى دفعهم إلى الأمام والمزيد من تعزيز تصميمهم. وعلى الرغم من التهديدات المستمرة والعنف اليومي من طرف المجلس العسكري فإن الثورة واصلت طيلة أسابيع التحضير لأحداث يوم أمس. تسبب حضر الإنترنت والإعلام الذي فرضه المجلس العسكري كذلك في عدم توصل معظم الناس بأي معلومات حول ما إذا كان الكثير من الناس سيخرجون أو ما إذا كان سيتم عزلهم بمفردهم في الشوارع، فيصيروا هدفا سهلا لقوى الثورة المضادة. وكان الكثير من الناس، الذين حاولوا الوصول إلى الخرطوم حيث ستنظم أكبر الاحتجاجات، قد سافروا طيلة أيام للوصول إلى هناك.

تقوية التنظيم

القمع والحصار الإعلامي خلال الفترة التي سبقت الاحتجاج، أجبر الحركة على تعزيز تنظيمها. قال القيادي في تجمع المهنيين السودانيين في تصريح لموقع Middle East Eye إنه «على الرغم من حضر [الجيش] للإنترنت والاعتقال المستمر للنشطاء وقادة الاحتجاجات في شوارع الخرطوم، فقد تمكنا من الوصول إلى الناس من خلال تنظيم اجتماعات في الأحياء».

ومع قطع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، نفذ تجمع المهنيين السودانيين التحريض من خلال لجان المقاومة في الأحياء والتي انتشرت الآن وتولت دور تنظيم الحركة في العديد من الأماكن. قام قادة تجمع المهنيين السودانيين بجولة في عدد من المدن والمناطق التي نُظمت فيها اجتماعات ومناقشات مع مئات الأشخاص لتدارس وضع الحركة والخطوات التي يجب القيام بها. بسبب منعها من الاحتجاج خلال النهار، نظمت تلك اللجان احتجاجات ليلية ولقاءات خلال الأسابيع التي سبقت يوم أمس.

لقد استعادت الحركة ثقتها في قواها بعد أن تمكنت تدريجيا من تجاوز صدمة 03 يونيو. وفي عرض رائع للحالة المزاجية النامية في البلاد، خرجت مسيرتان لطلاب المدارس الثانوية خلال الأسبوع الماضي، وعند التقائهما انضم المحتجون إلى بعضهم البعض وشرعوا في الاحتفال بفرح.

القيادة

تجمع المهنيين السودانيين هو القيادة الفعلية للثورة منذ بدايتها. وقد فاز بمكانته هذه بفضل دوره في الإضرابات الكفاحية للأطباء وغيرهم من المهنيين في عام 2018. وهذا ما وضعه في مقدمة المنظمات الأقوى عدديا منه مثل الحزب الشيوعي، الذي ظل خلال الفترة الماضية يلوك برنامجا هزيلا وإصلاحيا، بينما تدخل تجمع المهنيين السودانيين من جهته بشكل فوري عندما اندلعت الحركة الحالية في عطبرة في دجنبر 2018، وقدم لها دعمه الكامل، داعيا إلى إسقاط النظام واستبداله بحكومة مدنية. كان موقفه الجذري ودعوته إلى القطع التام مع النظام السابق، هو ما مكنه من الفوز بقيادة الحركة. وقد تم تدعيم هذا الموقع خلال كل مرحلة من مراحل تطور الحركة بفضل توجيهه لها وتنظيمها ودعوتها باستمرار إلى تصعيد النضال؛ من الاحتجاجات الكفاحية في الشوارع إلى الإضرابات العامة.

ومع ذلك فباستثناء أشكال الاحتجاج المختلفة، أظهر تجمع المهنيين السودانيين فهما قاصرا لما يجب القيام به من أجل المضي قدما. إذ أنه بعد إسقاط عمر البشير، من قبل المجلس العسكري في أبريل الماضي، اكتفى قادة تجمع المهنيين السودانيين بالدعوة إلى المفاوضات مع المجلس العسكري، الذي يتألف فقط من قادة عسكريين ينتمون إلى عهد البشير وأمراء الحرب الآخرين المرتبطين بالنظام القديم. ثم في نهاية ماي، دعا التجمع إلى إضراب عام لمدة يومين ضد حكم المجلس العسكري. كان ذلك أول إضراب عام سياسي منظم بشكل جيد تشهده السودان منذ سنوات، وكان من الواضح أنه طرح مسألة السلطة على جدول الأعمال. لقد كان من الواضح أن وضع ازدواجية السلطة قد تطور في جميع أنحاء البلاد، حيث تتنافس الدولة والتجمع على من يملك السيطرة. في الواقع كانت جميع الوزارات الرئيسية، خلال الإضراب، تتبع قرارات التجمع وكذلك العديد من القطاعات الأخرى مثل عمال الخطوط الجوية وعمال الموانئ وما إلى ذلك. لقد انتفضت الطبقة العاملة والفقراء. لكن وبعد يومين كانت فيهما السلطة أساسا في أيدي تجمع المهنيين السودانيين، قام قادة هذا الأخير بتعليق الحركة قائلين إنهم سيدعون إلى “عصيان مدني” جديد في وقت غير محدد في المستقبل.

إن المجلس العسكري، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف أيضا باسم حميدتي، وقوات الدعم السريع بقاعدتها القبلية الموالية له، رأوا في ذلك دليلا على الضعف، فأطلقوا ثورة مضادة وحشية. لقد قاموا بالهجوم في 03 يونيو فقتلوا المئات من الثوار وجرحوا الآلاف. أعقبت ذلك أسابيع من الرعب حيث قُتل مئات الأشخاص وتعرض الكثيرون للضرب والاغتصاب والمضايقة، وكان الثوار يطاردون في الشوارع من طرف قوات حميدتي.

ومرة أخرى تردد تجمع المهنيين السودانيين ولم يدع إلى الإضراب العام إلا في 09 يونيو، أي بعد أسبوع تقريبا! لكن هذا الإضراب العام، وعلى الرغم من نجاحه الباهر والتضحيات الجليلة التي قدمها أولئك الذين تحدوا كل الظروف لتحقيقه، تم تعليقه بشكل سريع. كان السبب هو أن التجمع أراد إظهار “نوايا حسنة” للمجلس العسكري والوسطاء الإثيوبيين الذين وصلوا إلى البلاد للتفاوض على اتفاق بشأن حكومة انتقالية بين التجمع والمجلس العسكري. كان السبب الحقيقي الذي دفع المجلس العسكري والإثيوبيين إلى المطالبة بإنهاء الإضراب العام هو أنه كان يمثل تهديدا مباشرا للنظام وكذلك للطبقات الحاكمة في جميع أنحاء إفريقيا، في حالة ما إذا انتشرت الفكرة بأنه من الممكن للعمال أن يسيروا المجتمع دون أرباب العمل والسياسيين البرجوازيين والرأسماليين المحليين والدوليين.

تراجع تجمع المهنيين السودانيين ودخل في مفاوضات مع المجلس العسكري الذي أثبت الآن بلا شك أنه مجرد شرذمة معادية للثورة. إن مصالح المجلس العسكري ومصالح الجماهير متناقضة بشكل تناحري، لكن تجمع المهنيين السودانيين ما زال حتى الآن يتفاوض على اتفاق لتقاسم السلطة مع ذلك المجلس.

كان في إمكان تجمع المهنيين خلال تلك الأيام النضالية الكبرى -مثل يوم أمس وخلال أيام الإضرابات العامة أو خلال الأيام الأخيرة لحكم البشير- أن يوجه نداء إلى الجنود العاديين لتنظيم صفوفهم والانضمام للحركة، وتشكيل لجان للجنود والعمال والتنسيق بينها على المستوى الوطني، والاستيلاء على القطاعات الاستراتيجية الرئيسية في البلاد. كانت تلك الخطوة ستكون سهلة نسبيا وكانت ستؤدي إلى انتقال سلمي نسبيا للسلطة. كان من الممكن بسهولة نزع سلاح الميليشيات الرجعية، مثل قوات الدعم السريع، على يد الجماهير المسلحة المدعومة من الجنود العاديين. ليس سرا أن الغالبية العظمى من الجنود متعاطفون مع الثورة وليس مع المجلس العسكري. لكن إذا لم تعمل قوى الثورة على دعوتهم بشكل منهجي وتنظيم حملة للوصول إليهم، سيبقون في الثكنات خوفا من التعرض للانتقام. وبحجة الحفاظ على سلمية الحركة لا يسمح تجمع المهنيين حتى بإنشاء ميليشيات الدفاع عن النفس من قبل العمال والفقراء. وبدلاً من تكثيف التدابير بشكل جذري وحازم، يتردد تجمع المهنيين بمجرد وصوله إلى النقطة الحرجة، إلى درجة التقدم “بطلب قانوني” للقوات المسلحة لضمان سلامة احتجاجات 30 يونيو.

لكن يجب أن يكون واضحًا للجميع أن القانون لا يعني شيئًا بالنسبة للمجلس العسكري (أو للثورة التي تنتهك القوانين الظالمة للطبقة الحاكمة وتدعو إلى سقوطها). إن الحيل القانونية ودعوات السلام لن تحل شيئًا. والنتيجة، كما نرى، لم تكن حقنا للدماء، بل حمام دم قامت به أقلية صغيرة من رجال الميليشيات الرجعية ضد ملايين العمال والفلاحين والفقراء الذين يناضلون من أجل الديمقراطية وحياة أفضل.

إن القوانين والنداءات الأخلاقية السطحية لا معنى لها في أي ثورة. الثورة صدام عنيف بين المصالح المتناقضة لطبقتين متناقضتين. وفي السودان لديك من جهة معسكر المجلس العسكري والنظام القديم والجزارون ومصاصو الدماء، ومن بينهم كبار الرأسماليين، عملاء القوى في العواصم الدولية، وزعماء القبائل وأمراء الحرب والإسلاميين. أي جميع القوى التي من أجل حماية مصالحها الضيقة على استعداد لدفع البلد بأسره إلى الخراب.

ومن ناحية أخرى لديك معسكر ملايين العمال والفلاحين والفقراء والشباب والنساء الذين يناضلون من أجل الديمقراطية والحياة الكريمة وإخراج الأمة من البربرية والتخلف والبؤس المعمم. لا يمكن التوفيق بين هذين المعسكرين. إن الثورة المضادة تدرك ذلك ومستعدة للقيام بكل شيء للبقاء في السلطة.

لقد أظهرت حركة يوم أمس بلا شك الشجاعة والقدرات الهائلة التي يمتلكها الشعب السوداني. لكنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة مشتركة تجمع الشعب مع قاتليه. خلال الأيام الأخيرة تم تقديم عرض وساطة مشترك بين الحكومة الإثيوبية والاتحاد الأفريقي. يتضمن العرض اقتراح تشكيل هيئة حاكمة جديدة تتألف من سبعة وزراء من المجلس العسكري وسبعة من تحالف الحرية والتغيير (وهي منظمة جامعة لعدة أحزاب بقيادة تجمع المهنيين) مع مرشح متوافق عليه على رأسها. لكن هذا لن يحل شيئا على الإطلاق. لقد رأينا بشكل قاطع أن المجلس العسكري غير مهتم بأي مشاركة في السلطة، وأي اتفاق معه لن يؤدي إلا إلى كبح الثورة واستنزافها، بينما تعمل الثورة المضادة على التحضير لهجمات جديدة.

إن المطلوب الآن هو ربط لجان المقاومة بالأحياء ولجان الإضراب، وغيرها من المنظمات الثورية، على الصعيدين المحلي والوطني بهدف الاستيلاء على السلطة. وفي الوقت نفسه يجب تنظيم حملة قوية بين صفوف القوات المسلحة لتشكيل لجان الجنود لربطها مع بقية الحركة الثورية. ينبغي للجان الجنود تلك، إلى جانب لجان الدفاع العمالية، أن تبدأ حملة لنزع سلاح قوات الدعم السريع وجميع القوى الأخرى المعادية للثورة، واعتقال جميع الأشخاص المسؤولين عن القتل وغيره من الجرائم ضد الشعب والتحضير لمحاكمتهم.

لقد تمكنت الثورة السودانية بالفعل من التحول إلى مصدر للإلهام الثوري للجماهير في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وخارجها. وفي غضون بضعة أشهر حققت الجماهير السودانية “التي اقتحمت السماء” بأيديها العارية وبتدخلها المباشر، أكثر مما حققته عقود من ملتمسات المنظمات غير الحكومية والليبرالية. إن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو السير في هذا الطريق الثوري إلى نهايته المنطقية من خلال التحضير للقضاء الكامل على النظام الرأسمالي الذي ظل يسحق الأمة بأكملها طيلة أجيال!

عنوان النص بالإنجليزية:

What next after Sudan’s Million Man March?