الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / سوريا / هجوم ترامب على سوريا: النفاق النتن

هجوم ترامب على سوريا: النفاق النتن

حميد علي زاده
الجمعة: 07 أبريل 2017

 يوم أمس [الخميس 06 ابريل] أطلقت البحرية الأمريكية سلسلة من الهجمات الصاروخية على قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص الوسطى في سوريا. قيل إن سبعة أشخاص لقوا مصرعهم كما تضررت العديد من الطائرات المقاتلة.

دون أن يقوم بأي تحقيق، ودون حتى أن يتكلف عناء البحث عن دعم أي مؤسسة دولية، وفي تناقض تام مع موقفه المعلن سابقا بعدم التدخل في سوريا، شن ترامب قصفا من جانب واحد ضد قوات الحكومة السورية.

كان المبرر المعلن لهذا الهجوم هو: استخدام نظام الأسد لأسلحة كيماوية في بلدة خان شيخون في شمال غرب سوريا، وهي بلدة كانت قد استهدفتها القوات الجوية السورية. بالطبع هناك القليل جدا من الأدلة حول ما حدث فعلا ومن قام بذلك. وكان غالبية “الخبراء” الذين استشهدت بهم وسائل الإعلام الغربية ممن ينتمون إلى منظمات الإغاثة، مثل “أطباء بلا حدود”، أو “الخوذ البيضاء” وهي منظمة فاقدة للمصداقية ولها علاقات بتنظيم القاعدة وعموم الحركات الإسلامية في سوريا. في الواقع إن خان شيخون، ومحافظة إدلب حيث تقع، توجدان تحت سيطرة الجناح السوري لتنظيم القاعدة، الذي يسمى هيئة تحرير الشام. ويسيطر الإسلاميون بإحكام على كل المعلومات التي تخرج من المنطقة ولا توجد أي وسيلة لتأكيد أي شيء.

بالطبع نظام الأسد قادر تماما على تنفيذ مثل هذا الهجوم، لكنه في هذه المرحلة ليس له أي مكسب من وراء استخدام الأسلحة الكيماوية. إنه الآن هو من لديه اليد العليا في الحرب الأهلية، بفضل الدعم الروسي. إنه يحقق التقدم في ساحة المعركة ولا يبعد سوى بضعة أيام عن “محادثات السلام” التي ستعزز موقفه. وقد أشار ممثلو إدارة ترامب مرارا إلى أنهم يرون في الأسد القوة الوحيدة القادرة على هزيمة الإسلاميين وتحقيق الاستقرار في سوريا. غير أن جناحا آخر داخل الطبقة الحاكمة الأمريكية قلق جدا من هذا الوضع الذي يشهد تقارب الولايات المتحدة مع الأسد والروس. وهذا الجناح، الذي تدعمه السعودية، يعتبر انتصار الأسد وروسيا وإيران تهديدا مباشرا لموقفه في المنطقة.

صارت قواتهم العميلة، هيئة تحرير الشام وحلفاؤها، في وضع ضعيف منذ استعادة حلب في دجنبر 2016. وقد ظهر ذلك بوضوح قبل بضعة أسابيع فقط، عندما اضطرت المجموعات المدعومة من طرف السعودية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إدلب إلى أن تتراجع بسرعة بعد هجوم واسع النطاق على مدينة حماة. ويعد هذا الهجوم أول انتهاك كبير لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد الذي اتفقت عليه الأطراف الرئيسية في الحرب خلال دجنبر الماضي. إن الانعطاف الحالي للأحداث يفيد الإسلاميين ومؤيديهم أكثر من أي طرف آخر في الحرب. ليس هناك دليل قاطع على أن نظام الأسد هو من نفذ هذا الهجوم الكيماوي، لكن ومرة أخرى لم يمنع عدم وجود دليل الإمبريالية الأمريكية أبدا عن قصف أي شيء.

الأسلحة الكيماوية من أكثر أسلحة الحرب قسوة، لكن أقل ما يمكن قوله عن استخدام الإمبرياليين الكلبين لذلك الهجوم الكيماوي، من أجل أسباب دعائية، هو أنه مثير للغثيان. كما لو أن البربرية والقتل والنهب للمنطقة بأسرها ليس بالأمر السيئ، إلى أن يستخدم أحد ما أسلحة كيماوية. وكما لو أن الحرب التي لا تتوقف أبدا، ومقتل مئات الآلاف من الأطفال وتدمير أسس الحياة المتحضرة أمور مقبولة نوعا ما من الناحية الأخلاقية، طالما أن هذا القتل لا يتم إلا بالسيوف والبنادق والقنابل والضربات الجوية والعقوبات.

قبل بضعة أسابيع فقط، توقفت عملية الموصل المدعومة من الغرب بعد مقتل أكثر من 200 مدني، كانوا مختبئين في قبو، أثناء غارة جوية أمريكية. ولم يكن السبب الحقيقي لإيقاف العمليات هو أن الناس كانوا يموتون، بل لأن شعب الموصل، الذي عاش تحت حكم داعش خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح معاديا بشكل متزايد للقوات العراقية وقوات التحالف. وبطبيعة الحال عندما كان الروس والسوريون يقصفون حلب لم تتوقف دموع التماسيح والإدانة، لكن لا أحد يتحدث عن الموصل اليوم.

واليمن مسألة أخرى يفضلون تجاهلها. في اليمن يتعرض13 مليون رجل وامرأة وطفل للموت جوعا بشكل مقصود على يد النظام الملكي السعودي الفاسد. وتقصف المدارس والمستشفيات يوميا بالقنابل العنقودية المحظورة والتي تباع للسعوديين من طرف الشركات البريطانية والأمريكية. ما هو دور الإمبريالية البريطانية والأمريكية هناك؟ إنه الدعم اللوجستي النشط والاستخبارات والبحرية والحصار.

  الإمبريالية الأمريكية هي القوة التي تسببت في مقتل أكبر عدد من الناس في الشرق الأوسط، أكثر من أي قوة أخرى. وقد استند احتلال العراق أيضا إلى ادعاءات “الخبراء” واتهامات باستخدام أسلحة كيماوية وأسلحة دمار شامل والتي ثبت لاحقا أنها ادعاءات كاذبة. وقد تسبب، وفقا لمنظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية الحائزة على نوبل، في مقتل مليون شخص. وقبل ذلك حددت الأمم المتحدة نفسها عدد القتلى من المدنيين العراقيين المتضررين من العقوبات الأمريكية المفروضة في 1,7 مليون شخص. وهذا ما يعني أن حوالي ثلاثة ملايين عراقي قتلتهم الولايات المتحدة منذ عام 1990.وماذا عن اليورانيوم المنضب الذي استخدم في كلا الحربين على العراق؟ أو قنابل الفسفور الأبيض التي أسقطت على الفلوجة من قبل القوات الأمريكية في عام 2004، والتي جعلت المدينة حتى اليوم تسجل أعلى معدلات العيوب الخلقية عند المواليد؟ في 1996 عندما سئلت مادلين أولبرايت عن موت حوالي نصف مليون شخص بسبب العقوبات الأميركية في العراق قالت: “نعتقد أن الثمن يستحق ذلك”.

من خلال شنها لحربها الوحشية على العراق، تسببت الامبريالية الأمريكية في زعزعة استقرار المنطقة بأسرها. في سوريا تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، تركيا والأردن والمملكة العربية السعودية، لإجهاض الحركة الثورية ودفعها في اتجاه صراع طائفي رجعي. وقد أدى الدعم المباشر وغير المباشر لتنظيم القاعدة وغيره من المنظمات الجهادية الرجعية إلى خلق وحش فرانكشتاين الذي سوف يخرب المنطقة بأكملها، وكذلك الغرب، مثل الطاعون لعقود عديدة قادمة.

من الواضح أنه بالنسبة لدونالد ترامب والطبقة الحاكمة الأمريكية، ليست مصائر السوريين أو أي شعب آخر ذات أهمية. كما أنهم لا يهتمون بمن قتل من، ولا بما إذا كانوا قد استخدموا أسلحة كيماوية أصلا. التحول المفاجئ في سياسة ترامب تجاه الأسد هو تحول بـ 180 درجة عن موقفه قبل بضعة أسابيع فقط عندما كان يدعي أن الطريق الوحيد للخروج من الفوضى في سوريا هو القيام بجهد مشترك مع روسيا والأسد. من الواضح أن ترامب يتعرض لضغوط من طرف قطاعات داخل الطبقة الحاكمة الأمريكية تريد وقف تقاربه مع بوتين، وليس لأن ترامب لديه أي دوافع أخلاقية للقيام بذلك. وفي هذا السياق جاء الهجوم الكيماوي ليمثل مبررا “ملائما” لتشكيل الرأي العام استعدادا للهجوم.

كانت هذه خطوة كلبية ومحسوبة بهدف وحيد هو الدفاع عن المصالح الضيقة للطبقة الحاكمة الأمريكية وحلفاءها، وإرسال إشارة، لاسيما إلى روسيا، بأن الإمبريالية الأمريكية ما تزال مشاركة “في اللعبة” في سوريا، ولشق التحالف بين روسيا وإيران والأسد والاستعداد للتفاوض حول مستقبل الأسد. أي أنها ليست سوى استمرار للحرب الأهلية الإمبريالية الرجعية التي لن يحصل الشعب السوري منها إلا على المزيد من البؤس.

لسوء الحظ قفز جزء كبير من اليسار في الغرب إلى عربة الإمبريالية ووسائل الإعلام الغربية وصاروا يرددون مواقفها. بالطبع ليس هناك من شيء تقدمي في نظام الأسد أو في ألعاب روسيا القذرة في سوريا. لكن وفي محاولة لمعارضة هذه القوى، وضع البعض أنفسهم في نفس معسكر القوة الأكثر رجعية على هذا الكوكب، أي الإمبريالية الأمريكية. وبمسارعتهم إلى دعم القصف الأمريكي، يبدو أنهم قد نسوا ما أدت إليه كل التدخلات الغربية، دون استثناء، في تاريخ الشرق الأوسط، أي المزيد من الاضطرابات والهمجية. ومع ذلك، فإن هؤلاء “اليساريين” لا ينتقدون الولايات المتحدة بسبب تدخلها، بل ينتقدونها بسبب عدم تدخلها بما فيه الكفاية!

والواقع هو أنه في ظل غياب حركة ثورية عمالية حقيقية، سوف تؤدي الإطاحة بنظام الأسد، بالقوة العسكرية المدعومة من الغرب، إلى اجتياح سوريا من قبل داعش والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة المدعومة من الغرب، والتي ليست لديها خلافات مبدئية كبيرة مع داعش. ينبغي أن تكون الفوضى الوحشية الناجمة عن التدخل الغربي في ليبيا درسا عن الطبيعة الرجعية لمثل هذه التدخلات. إن الشعب السوري يدرك جيدا هذا،وإذا ما أدى هذا الهجوم إلى أي شيء، فإنه سيؤدي إلى مساعدة الأسد على حشد الدعم الشعبي وراءه.

الحل الحقيقي الوحيد هو تبني موقف طبقي مستقل واضح. ويجب علينا أن نقول بوضوح للعمال والشباب في الغرب الذين يريدون حقا إنهاء البؤس والهمجية في الشرق الأوسط: إن العدو موجود عندنا في الداخل! إن نفس الناس الذين يهاجمون الطبقات العاملة في الغرب، والذين يفرضون سياسة التقشف والبطالة وتخفيض مستويات المعيشة في الداخل،هم نفسهم الذين يقتلون ويذبحون الجماهير العاملة في الشرق الأوسط منذ عقود، إن لم يكن أكثر.

إن أكثر القوى رجعية في الشرق الأوسط هي القوى الإمبريالية الغربية وحلفاؤها، الذين يريدون السيطرة على شعوب المنطقة وسجنها واستغلالها، والذين يستندون إلى أكثر المجموعات والفئات تخلفا ورجعية للقيام بذلك. بدون دعم الإمبريالية الغربية ستنهار كل الجماعات الجهادية وجميع الديكتاتوريات الرجعية في المنطقة تقريبا. إننا في نفس الوقت لا يمكننا أن نقدم أي دعم لخصوم حكامنا الإمبرياليين، أي بوتين أو الأسد أو الملالي في إيران، والذين هم أكثر استعدادا للتوصل إلى اتفاق معهم طالما سيخدم ذلك مصالحهم الضيقة.

إن الأزمة في الشرق الأوسط هي نتيجة مباشرة للإفلاس التام للرأسمالية العالمية، التي هي نظام فوضوي يعيش أزمة عميقة، والتي يغرق “محيطها” في الهمجية. والتدخل الأميركي في سوريا سيجعل الأمور أكثر سوءا. إن المطلوب ليس هو توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، بل إعادتها إلى الوطن في شكل صراع طبقي ضد الطبقات الحاكمة، التي هي طبقات لا تلعب أي دور في الإنتاج، بل فقط تنشر الرعب والدمار في كل مكان.

عنوان النص بالإنجليزية:

The stinking hypocrisy of Trump’s attack on Syria

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *