الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / فلسطين/إسرائيل / اليونيفيل تحت النار: إسرائيل في مواجهة الأمم المتحدة

اليونيفيل تحت النار: إسرائيل في مواجهة الأمم المتحدة

تصاعدت حرب الكلمات بين إسرائيل والأمم المتحدة إلى درجة وقوع هجمات متعمدة من جانب الجيش الإسرائيلي على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان. تكشف هذه الاستفزازات عن العجز المحرج للأمم المتحدة وشعور إسرائيل بالإفلات التام من العقاب في الوقت الذي تدفع فيه باتجاه حرب إقليمية جديدة.

منذ 07 أكتوبر 2023، تدهورت بشكل كبير العلاقة، الباردة أصلا، بين إسرائيل والأمم المتحدة، وذلك في أعقاب الانتقادات والأحكام القانونية ضد العديد من الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على غزة، بما في ذلك المذابح ضد المدنيين وقتل موظفي الأمم المتحدة. وبالطبع فقد حول الدعم “الصلب” الذي تقدمه الإمبريالية الأمريكية كل تلك الانتقادات والأحكام إلى حبر على ورق.

ومع ذلك، فقد ردت إسرائيل بدفع حماتها الإمبرياليين إلى خفض التمويل للأونروا (منظمة الإغاثة التي تديرها الأمم المتحدة والتي كانت تقدم في السابق إمدادات غذائية وطبية ضرورية للغاية لقطاع غزة).

لطالما أظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ازدرائه للأمم المتحدة، التي وصفها بأنها “مستنقع معاداة السامية” أثناء مخاطبته لاجتماع الجمعية العامة الأخير، في نفس اليوم الذي أعطى فيه الإذن باغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله. ومؤخرا، تم إعلان الأمين العام أنطونيو غوتيريش شخصا غير مرغوب فيه ومُنع من دخول إسرائيل، بسبب “سلوك معاد للسامية ومعاد لإسرائيل”.

والآن أدى غزو إسرائيل للبنان إلى مواجهات مع جنود الأمم المتحدة. حافظت قوات الأمم المتحدة على وجودها كقوات حفظ سلام منذ انسحاب إسرائيل من لبنان في نهاية حرب عام 1978. وفي أعقاب وقف إطلاق النار الأخير بعد حرب إسرائيل ولبنان عام 2006، نشرت بعثة اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) 10.000 جندي من الأمم المتحدة على الحدود على طول ما يسمى بالخط الأزرق.

إن هؤلاء “القبعات الزرق” محميون بموجب القانون الدولي. وقد صدرت لهم تعليمات بعدم إطلاق النار على القوات الإسرائيلية أو اللبنانية، مما يعني أن ملاذهم الوحيد هو وضع أنفسهم فعليا بين كحاجز بين الطرفين المتحاربين. لكن إسرائيل شرعت خلال الأسابيع الأخيرة في وضع ذلك التفويض “السلمي” تحت الضغط.

الهجمات وإطلاق النار المتعمد

قبل أسبوعين، دخلت القوات الإسرائيلية في مواجهة حادة مع القوات الأيرلندية المتمركزة في معسكر الأمم المتحدة 652 جنوب شرق مارون الراس، حيث حركت الدبابات بشكل يهدد موقع الأمم المتحدة. وفي 10 أكتوبر، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على موقع مراقبة إيطالي للأمم المتحدة في اللبونة، مما أدى إلى إتلاف المركبات والكاميرات، والتي زعم الجيش الإسرائيلي لاحقا أنها “تقدم المعلومات الاستخباراتية مباشرة لحزب الله” (!)

وفي اليوم نفسه أطلقت دبابة إسرائيلية النار على برج مراقبة تابع للأمم المتحدة في مقر اليونيفيل في الناقورة، مما أدى إلى سقوط جنديين إندونيسيين من قوات حفظ السلام ونقلهما إلى المستشفى. وتظهر الصور التي التقطت بعد الهجوم ثقبا في البرج. وفي اليوم التالي، هدمت جرافة تابعة للجيش الإسرائيلي حواجز في موقع الأمم المتحدة 1-31 في اللبونة، مما سمح للدبابات بدخوله؛ كما تعرض برج مراقبة آخر لإطلاق نار في الناقورة، مما أدى إلى إصابة جنديين سريلانكيين.

وفي الثالث عشر من أكتوبر، اقتحمت دبابات الجيش الإسرائيلي قاعدة للأمم المتحدة في رامية، وألقت قنابل غاز داخل المنشأة، مما أسفر عن إصابة خمسة عشر موظفا احتاجوا إلى علاج طبي بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي. وقد فسر الإسرائيليون كل تلك الانتهاكات الصارخة لسلطة الأمم المتحدة على أنها رد على مقاتلي حزب الله، أو نتيجة “التراجع تحت النيران”.

لا أحد يصدق هذه الأعذار، وخاصة قوات اليونيفيل التي اتهمت صراحة الجيش الإسرائيلي باستهداف جنودها بشكل متعمد. وقد ردد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، هذه الاتهامات، حيث قال إن إطلاق النار على قوات حفظ السلام “يشكل انتهاكا للقانون الدولي … [و] قد يشكل جريمة حرب”.

كما أثارت تلك الهجمات بعض التصريحات التي تقترب من الإدانة الفعلية لإسرائيل من قبل بعض القادة في أوروبا. فقد صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقائد الجيش الأيرلندي، ووزارة الدفاع الإيطالية، بأن تصرفات الجيش الإسرائيلي كانت متعمدة، وقامت السلطات الفرنسية والإيطالية باستدعاء سفيري إسرائيل، وطالبتهما بتقديم تفسير. هذا وكان ماكرون ورئيس الوزراء الإسباني قد اقترحا أن يقوم حلفاء إسرائيل بالتوقف عن تصدير الأسلحة إليها ردا على أفعالها.

أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا أدان فيه “جميع الهجمات ضد بعثات الأمم المتحدة”، لكنه امتنع عن اتهام إسرائيل، وأدان أيضا “استمرار حزب الله في إطلاق الصواريخ على إسرائيل”. وجاء في مذكرة غامضة مماثلة صدرت عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، أنه “من الضروري حماية قوات حفظ السلام والمدنيين”، وكرر دعوة لندن إلى “وقف فوري لإطلاق النار”.

نتنياهو يصف قوات حفظ السلام بـ “الدروع البشرية”

ردت إسرائيل على كل ذلك بالإنكار المعتاد والتعنت المتغطرس. قالت القوات الإسرائيلية إن تلك الحوادث ستخضع للتحقيق “على أعلى المستويات”، لكنها أشارت إلى أنها “طلبت” مرارا من قوات اليونيفيل الانسحاب خمسة كيلومترات إلى الوراء من الخط الأزرق، لإبقائها “بعيدا عن الأذى”. مع العلم أن إسرائيل ليست لديها أية سلطة على الإطلاق لإصدار أوامر لقوات الأمم المتحدة بمغادرة مواقعها. وفي وقت لاحق، أحضر الجيش الإسرائيلي صحفيين مختارين لتصوير نفق مزعوم لحزب الله بالقرب من موقع للأمم المتحدة، وذلك في خطوة دعائية مدروسة.

في 13 أكتوبر، ألقى نتنياهو خطابا، موجها مباشرة إلى غوتيريش، اتهم فيه اليونيفيل بالفشل في مهمتها لحفظ السلام بموجب التفويض 1701، الذي دعا إلى وقف إطلاق النار بعد انسحاب إسرائيل في عام 2006. وقال: “لقد حان الوقت لكي تسحبوا قوات اليونيفيل من معاقل حزب الله ومن مناطق القتال”. وأضاف: “لقد طلب جيش الدفاع الإسرائيلي هذا مرارا وقوبل بالرفض المتكرر، الأمر الذي أدى إلى توفير دروع بشرية لإرهابيي حزب الله”.

أي شخص على دراية بالتبريرات التي تقدمها إسرائيل لمهاجمة المدنيين في غزة سوف يفهم طبيعة هذه الأعذار. وأضاف نتنياهو باللغة الإنجليزية: “السيد الأمين العام، أبعد قوات اليونيفيل عن الأذى. يجب أن يتم ذلك الآن، على الفور”. وفي وقت لاحق قال على منصة X (تويتر): “ستبذل إسرائيل كل جهد ممكن لمنع وقوع إصابات بين قوات اليونيفيل وستفعل ما يلزم للفوز بالحرب” [خط التأكيد من عندنا].

في هذا السياق، الرسالة واضحة: “انسحبوا، أو قد يحدث لكم شيء سيء”.

ما تزال اليونيفيل حتى الآن ترفضت أن تتزحزح، حيث صرحت في 15 أكتوبر أنها “ستحتفظ بجميع مواقعها على الرغم من دعوات الجيش الإسرائيلي لها بإخلاء المواقع بالقرب من الخط الأزرق”. كل هذا يمهد الطريق لمزيد من المواجهات. لكن ومع عجز قوات اليونيفيل رسميا عن الرد بالقوة على النيران الإسرائيلية، فكم سيستغرق الأمر قبل مقتل أحد أفراد حفظ السلام؟

لن تكون تلك هي المرة الأولى. ففي الخامس والعشرين من يوليوز أثناء حرب عام 2006، قُتل أربعة من قوات حفظ السلام غير المسلحين جراء غارة جوية إسرائيلية على موقع مراقبة تابع للأمم المتحدة في جنوب لبنان. وكانت القوات الإسرائيلية قد ألقت باللوم في الضربة على “تحديد خاطئ” لموقع الأمم المتحدة باعتباره موقعا للعدو. وكان ذلك على الرغم من حقيقة أن الموقع كان موجودا منذ عام 1948، وكان يحمل بوضوح شعار الأمم المتحدة، واتصل موظفو الأمم المتحدة، بمن في ذلك نائب الأمين العام مارك مالوك براون، بقوات الدفاع الإسرائيلية 14 مرة على الأقل لإبلاغهم بإلغاء الهجوم. هذا ناهيك عن مقتل أكثر من 230 موظفا للأمم المتحدة (معظمهم من الأونروا) على يد إسرائيل منذ 07 أكتوبر 2023، وهي الفترة الأكثر دموية في تاريخ المنظمة.

من الواضح أن هدف إسرائيل في لبنان هو ترهيب الأمم المتحدة لحملها على ترك مواقعها، حتى تتمكن من مواصلة عمليتها الوحشية دون عوائق ودون مراقبة دولية. ومن الممكن أن تخطط إسرائيل للاستيلاء على معاقل الأمم المتحدة في حال تم إخلاؤها لاستخدامها كقواعد للقوات الإسرائيلية، مما سيعني فعليا اقتطاع مساحة من الأراضي اللبنانية لاستعمالها “منطقة عازلة” مستقبلية.

لقد أرسلت إسرائيل بالفعل 15 ألف جندي إلى لبنان كجزء مما وصفته، بتعبير ملطف، بأنه “عملية برية محدودة”. وقُتل أو جُرح 13 ألف شخص بالفعل على تلك الجبهة الجديدة، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 150 ألف قتيل وجريح في غزة. وفي نفس اليوم الذي أطلقت فيه الدبابات الإسرائيلية النار على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أدت غارتان جويتان إسرائيليتان في بيروت، جاءتا دون سابق إنذار، إلى مقتل 22 مدنيا وإصابة 117 آخرين. واليوم، أدت غارة جوية إسرائيلية على مبنى البلدية في النبطية في جنوب لبنان إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل، بمن فيهم رئيس البلدية.

هذا بينما تستمر الوحشية في غزة بلا هوادة. ففي الأيام الماضية، أدى هجوم إسرائيلي جديد على مستشفى الأقصى إلى انتشار صور مرعبة على وسائل التواصل الاجتماعي لأطفال ومرضى يحترقون حتى الموت على أسرتهم. وبينما نكتب هذه السطور، تبدأ إسرائيل حصارا جديدا لشمال غزة، حيث تقطعت السبل عن 400 ألف شخص، وقطعت كل المساعدات الغذائية والطبية. يبدو أن الأساليب المستخدمة تتوافق تماما مع الخطة العامة سيئة السمعة، والتي تتضمن التطهير الاثني الكامل لشمال القطاع.

إفلات إسرائيل من العقاب

كيف تتمكن إسرائيل باستمرار وبشكل صارخ من الإفلات من كل هذه الجرائم؟ الجواب بسيط: إسرائيل مدعومة إلى أقصى حد من طرف الولايات المتحدة، والإمبريالية الأمريكية هي البلد الأكثر قوة في السياسة العالمية.

وحتى عندما صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه سيطلب من إسرائيل “بشكل مطلق وإيجابي” التوقف عن إطلاق النار على موظفي الأمم المتحدة، فقد كانت الولايات المتحدة تنقل نظام الدفاع الصاروخي المتقدم THAAD إلى إسرائيل مع مجموعة من القوات. وقد وصلت مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

كل ذلك الهراء من جانب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا يعدو أن يكون كلاما فارغا طالما أن الولايات المتحدة مستعدة لتسليح وحماية حليفها الرئيسي في المنطقة. أما التهديدات من جانب قادة قوى الدرجة الثانية، مثل ماكرون وسانشيز، فهي بلا معنى. من الواضح أن نتنياهو يفهم هذا، وهذا ما يحدد سياساته.

كلاب أميركا في لندن تتبع أوامر أسيادها بإخلاص، مثلما يمكن أن نرى عندما نقارن بين رد فعل ستارمر الفاتر تجاه أعمال العدوان الوقحة التي قام بها الجيش الإسرائيلي، وبين حديثه الصارم ضد الهجوم الصاروخي “التصعيدي” الذي شنته إيران على إسرائيل (والذي لم يقتل أي إسرائيلي). وأعلن وزير الخارجية، ديفيد لامي، للتو عن سلسلة من العقوبات الجديدة ضد المسؤولين الإيرانيين والمؤسسات الإيرانية. بينما لم يتم فرض مثل هذه العقوبات على إسرائيل.

وعندما سُئلت إميلي ثورنبيري، من لجنة الشؤون الخارجية البريطانية، بشكل مباشر على قناة فور نيوز عما إذا كانت هناك، في ضوء الهجمات الإسرائيلية على قوات الأمم المتحدة، أي “خطوط حمراء” للدعم السياسي البريطاني لإسرائيل، قامت في جوابها المتردد، بإدانة جرائم الحرب “من جميع الجهات”… لكنها لم تذكر سوى حزب الله وإيران.

كل هذا يوضح بجلاء النقطة التي طرحناها مرارا على مدار السنوات العديدة الماضية، وهي أن تلك الأشياء اللطيفة مثل “القانون الدولي”، التي يتم الاستشهاد بها لإدانة أعداء “الديمقراطية الغربية”، سرعان ما يتم تجاهلها عندما تتعارض مع مصالح القوى الإمبريالية الرئيسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. بل إن الأمم المتحدة، التي يُفترض أنها أعلى هيئة في العلاقات العالمية، غير قادرة حتى على الدفاع عن موظفيها ضد سعار إسرائيل، طالما أن هذه الأخيرة تتمتع بحماية واشنطن.

إن تجاهل إسرائيل الوقح لما يسمى بالقانون الدولي يكشف أمام نظر الملايين مدى زيف ما يسمى بـ”النظام القائم على القواعد”. وبينما تستعد إسرائيل لإغراق الشرق الأوسط في صراع إقليمي مرعب -بدعم كامل من حلفائها الغربيين- والذي من شأنه أن يخلف دمارا في حياة ملايير البشر، فإن المؤسسات الإمبريالية المبجلة تتكشف باعتبارها مجرد مهزلة.

لا يمكننا أن نقول متى أو كيف سينتهي هذا الصراع الأخير، ولا إلى أي مدى يمكن أن تتصاعد الأمور. لكن ما يمكن قوله بثقة هو أنه لا الأمم المتحدة ولا الدعوات الموجهة إلى “تطبيق القانون الدولي”، يمكنهما كبح جماح المجرمين المتوحشين مثل نتنياهو.

إن الحل الوحيد لإنهاء هذا الجنون يأتي من انتفاض عمال العالم وإسقاطهم للطبقات السائدة المتسببة في إشعال الحروب، وعزل آلة الحرب الإسرائيلية. إن النضال الثوري الأممي ضد النظام الرأسمالي الإمبريالي هو وحده القادر، في نهاية المطاف، على إنهاء هذه الحرب، بل وجميع الحروب، بشكل نهائي وإلى الأبد.

جو أتارد

16 أكتوبر/تشرن الأول 2024

ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:

UNIFIL under fire: Israel vs. the United Nations