في يوم الاثنين، 23 شتنبر، الذي كان هو اليوم الأول من حملة القصف الإسرائيلية، ضربت الغارات الجوية أكثر من 1600 “هدف” داخل لبنان. قتل على إثر ذلك الهجوم نحو 500 شخص وأصيب أكثر من 1600 آخرين، بينما فر عشرات الآلاف من المناطق الجنوبية للبلد. لقد بدأت حرب إسرائيل غير المعلنة ضد حزب الله.
تجري الآن عمليات قصف مكثفة ومطولة لجنوب لبنان استعدادا لغزو بري لاحق. وردا على ذلك، أطلق حزب الله مئات الصواريخ، بعضها بعيد المدى، باتجاه حيفا والجليل وصفد وبحر الجليل ومرتفعات الجولان. وفي الوقت نفسه، يواصل الجيش الإسرائيلي تركيز قواته ومركباته المدرعة على الحدود مع لبنان.
هذه حرب عدوانية رجعية بالكامل تسخر من “القانون الدولي” و”حرمة الحدود الوطنية” و”السيادة الوطنية”. لكن وبما أن من تنفذها هي حليفة واشنطن الرئيسية في المنطقة، فإننا لا نسمع أي ضجيج أو صراخ حول تلك “المبادئ”، ولا نجد أي جوقة من الإدانة لإسرائيل، أو أي عقوبات، إلخ. بل على العكس من ذلك تماما، فقد أعادت الإمبريالية الأمريكية التأكيد على دعمها القوي لإسرائيل، حيث أكد بلينكن أن اسرائيل تعاني من “مشكلة مشروعة” في لبنان. هذه هي المعايير المزدوجة التي يتسم بها “النظام العالمي القائم على القواعد”.
أكد القادة الإسرائيليون أن التركيز في الوقت الحالي منصب على القصف الجوي، وأنه لا توجد خطط فورية لشن هجوم بري. وهناك انقسامات في القمة بشأن الخطوة الموالية، حيث يعتقد بعض قادة الجيش أن حملة قصف مكثفة يمكنها أن تجبر حزب الله على التراجع. وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض أعضاء حكومة نتنياهو أنه قبل توسيع الحرب إلى لبنان، ينبغي التوصل إلى نوع من الاتفاق مع حماس لإنهاء الحرب في غزة. لكن المكونات اليمينية المتطرفة في حكومته هددت بسحب دعمها إذا تم التوصل إلى مثل تلك الصفقة.
هذه اختلافات تكتيكية قد تحدد وتيرة الهجوم على لبنان، لكنها لا تحدد الاتجاه الذي يتخذه.
إن القصف الحالي يهدف إلى تدمير أكبر قدر ممكن من القوة النارية لحزب الله. كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، على مدى السنوات الماضية، تراقب بناء حزب الله لقواعده وترسانته، والآن يحاول الجيش الإسرائيلي تدمير أكبر قدر ممكن من تلك القوة. وهناك هدف آخر يتمثل في إجبار السكان المدنيين اللبنانيين على الفرار من المناطق الجنوبية، حيث قد يدخل الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق بهدف إقامة “منطقة عازلة” لإبعاد قوات حزب الله عن الحدود الإسرائيلية.
لكن تحقيق ذلك الهدف لن يكون مثل العملية الجراحية السريعة النظيفة التي يريد نتنياهو أن يسوقها لنا. فعلى الرغم من النكسات الأخيرة التي تعرض لها حزب الله، فإن القوات الإسرائيلية عندما ستدخل جنوب لبنان سوف تواجه قوة قتالية هائلة. من الممكن أن يتحول الأمر إلى صراع طويل الأمد، وهو ما يريده نتنياهو على وجه التحديد: إبقاء إسرائيل في حالة حرب، وخلق شعور بأن هناك تهديدا وجوديا يحيق باليهود الإسرائيليين، وبالتالي يتمكن من الحفاظ على حكومته في السلطة.
تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن هذا النهج ناجح حتى الآن، حيث تم تصعيد خطاب الحرب. فبعد مقتل الرهائن الستة في وقت سابق من هذا الشهر، تراجعت شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي إذ واجه احتجاجات جماهيرية في الشوارع حيث وصفه مئات الآلاف بأنه قاتل. بل إنه واجه إضرابا عاما قصير الأمد.
كان ذلك بسبب رفض نتنياهو سحب القوات الإسرائيلية من ممر فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر. وبرفضه الانسحاب، كان نتنياهو يهدف إلى جعل قبول حماس لوقف إطلاق النار مستحيلا في ظل مثل تلك الظروف، الشيء الذي اعتُبِر بدوره تعبيرا عن لامبالاة مطلقة بمصير الرهائن. ولو أجريت انتخابات في تلك اللحظة، لكان نتنياهو قد خسر أغلبيته الحكومية. إنه، من أجل ضمان بقائه السياسي، يحتاج إلى إبقاء البلاد في حالة حرب، وهذا ما يدفعه نحو غزو جنوب لبنان.
حزب الله عدو قوي
تعتبر القوات الإسرائيلية، من وجهة نظر أعداد الجنود والأسلحة، أقوى بكثير من وحدات حزب الله المقاتلة. إن الجيش الإسرائيلي هو واحد من أكثر الجيوش تجهيزا في العالم. فهو يضم 170 ألف جندي نشط (مع 400 ألف جندي احتياطي آخرين، تم استدعاء جزء كبير منهم)، و340 طائرة مقاتلة، بما في ذلك طائرات إف-35 التي قدمتها له الولايات المتحدة، و400 دبابة، وما يقرب من 800 مركبة مدرعة، وأكثر من 50 سفينة حربية بأبعاد مختلفة، فضلا عن خمس غواصات هجومية.
ويبدو تفوقها الجوي واضحا الآن فوق جنوب لبنان ومناطق أخرى من البلاد. إن إسرائيل لديها الأسلحة الكافية لتدمير لبنان بالكامل. لا شك في ذلك.
لكن حزب الله قد ازداد قوة منذ آخر مرة خاض فيها حربا مع إسرائيل، سنة 2006. تتفاوت التقديرات بخصوص قواته البشرية المقاتلة، لكن أغلبها تتفق على أن الرقم يبلغ نحو 45 ألف مقاتل، نصفهم في الخدمة الفعلية، والبقية من جنود الاحتياط. كما زاد حزب الله من قوته النارية بشكل هائل في السنوات الأخيرة. ولديه مجموعة متنوعة من الصواريخ والقذائف وقذائف الهاون، يبلغ مجموعها نحو 150 ألف صاروخ -وربما 200 ألف صاروخ وفقا لبعض المراقبين- يقدر مداها بما يتراوح بين 40 كيلومتر و700 كيلومتر. ولديه صواريخ دقيقة التوجيه، مثل صاروخ فاتح 110، الإيراني الصنع، الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر. طول إسرائيل يبلغ نحو 400 كيلومتر وعرضها نحو 100 كيلومتر. وعلى هذا فإن حزب الله قادر، من الناحية النظرية، على ضرب معظم مناطق إسرائيل وإحداث أضرار أكبر كثيرا مما في مقدور حماس إحداثه.
من بين نقاط الضعف المهمة عند حزب الله هي أن لديه عددا محدودا من الصواريخ المضادة للطائرات، وليست لديه طائرات مقاتلة. هذا يعني أن إسرائيل تتمتع بتفوق واضح في حملة القصف الحالية. لكن الأمور قد تتغير بسرعة كبيرة، إذا أصبح الصراع الحالي يدور على الأرض بين وحدات إسرائيلية وبين قوات حزب الله، في مواجهة مباشرة.
يمتلك حزب الله مخزونا كبيرا من الطائرات المسيرة وآلاف الصواريخ المضادة للدبابات، بما في ذلك أنظمة متطورة قادرة على اختراق دبابات الجيش الإسرائيلي. ويبدو أيضا أنه قد تكون لديه دبابات مخزنة في سوريا. كما أن لديه شبكة كبيرة من الأنفاق والمخابئ في جنوب لبنان.
أشار مقال نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في يناير، أن حزب الله قد بنى شبكة أنفاق واسعة أكثر تطورا من شبكة حماس، ويقال إن “نظام الأنفاق في جنوب لبنان يمتد مئات الكيلومترات حتى الحدود، بل وحتى داخل إسرائيل؛ يمكن للقاذفات إطلاق صواريخ موجهة بدقة من هناك، ثم تختفي…”
هذا يعني بالتأكيد أن هناك العديد من مواقع الإطلاق التي قد لا تكون الاستخبارات الإسرائيلية على علم بها، والتي سيكون من الصعب تدميرها من الجو.
كما أن مقاتلي حزب الله متمرسون في المعارك ولديهم خبرة طويلة في الحرب في سوريا، حيث يعملون مع القوات الروسية والإيرانية، مما زاد بشكل كبير من احترافيتهم العسكرية. إن حزب الله يتمتع بتدريب جيد وتنظيم جيد، ويتمتع أيضا بحافز كبير للدفاع عن أرضه التي يعرفها جيدا.
وكما نرى فإن كل وحدات الجيش الإسرائيلي سوف تواجه قوة هائلة، سوف تكون مختلفة تمام الاختلاف عما واجهته في غزة، حيث كانت أسلحة حماس أقل تطورا. ، قد يتمكن الجيش الإسرائيلي، على المدى البعيد، من تدمير الكثير من أسلحة حزب الله وقتل العديد من مقاتليه. لكن الجيش الإسرائيلي وإسرائيل سوف يدفعان ثمنا باهظا أيضا، حيث سيخسران العديد من الجنود ويتكبدان الكثير من الأضرار على الجبهة الداخلية. وقد تواجه المدن والقرى في إسرائيل خطر التعرض لصواريخ حزب الله.
نتنياهو يسعى إلى حرب إقليمية
لقد عمل نتنياهو وحكومته اليمينية بشكل منهجي على تصعيد الحرب في غزة لتتحول إلى حرب إقليمية، بهدف جر إيران إلى المواجهة. وهو يرى في ذلك وسيلة لإجبار الولايات المتحدة على المشاركة بشكل مباشر، وبالتالي تغيير ميزان القوى العسكري بشكل كبير.
الإدارة الأمريكية، وعلى الرغم من دعمها لإسرائيل، لا تريد المشاركة بشكل مباشر في الحرب. إنها تدرك أن التصعيد الأوسع نطاقا من شأنه أن يخلف تأثيرا مزعزعا للاستقرار في مختلف أنحاء المنطقة.
لكن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم إسرائيل. فهي حليفتها الرئيسية في المنطقة. وما حدث يوم الأربعاء في الأمم المتحدة يشير إلى هذا. فقد كانت الوفود الفرنسية والبريطانية تدفع في اتجاه وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، لكن الولايات المتحدة أحبطت ذلك، قائلة إن إسرائيل تعاني من مشكلة أمنية “مشروعة” وبالتالي فإن الأمر يتطلب اتفاقا دبلوماسيا “أكثر تعقيدا”.
وعلى طريقته المنافقة المعتادة، ألقى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، باللوم في الصراع على حزب الله لأنه يطلق الصواريخ على إسرائيل منذ بداية الحرب في غزة. ولا وجود لأي إشارة من قبل هؤلاء السادة إلى الحقوق المشروعة للفلسطينيين.
ثم كانت هناك محاولة منفصلة من جانب الولايات المتحدة وفرنسا لحمل نتنياهو على الموافقة على وقف إطلاق النار، على الجبهة اللبنانية، لمدة 21 يوما، للسماح بنوع من الحل الدبلوماسي للصراع في غزة. ويبدو أن نتنياهو قد شعر ببعض الضغوط من جانب الإمبريالية الأمريكية فوافق شفهيا على دراسة الصفقة، لكنه وبمجرد أن أثارت تلك الخطوة ضجة داخل إسرائيل، وخاصة بين زملائه من أقصى اليمين في الحكومة، تراجع على الفور وقال إنه لم يوافق قط على أي صفقة من هذا القبيل. إن همه الرئيسي هو الحفاظ على تماسك حكومته والبقاء في منصبه كرئيس للوزراء.
نتنياهو قادر على القيام بكل هذا لأنه يدرك تمام الإدراك حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن دعم إسرائيل، مهما كانت السياسة التي تتبعها. وهذا مؤشر على ضعف موقف الولايات المتحدة على الصعيد عالمي. فهي لم تعد السيد المطلق.
ولهذا السبب يتبع نتنياهو خطة عمل خاصة به تتمثل في استفزاز إيران وإجبارها على الدخول في المعركة. ففي إبريل، قصف السفارة الإيرانية في سوريا، مما أسفر عن مقتل سبعة مسؤولين إيرانيين من بينهم قائدان عسكريان من النخبة. رد النظام الإيراني في غضون أسبوعين، وإن كان بطريقة لا تلحق بإسرائيل أية أضرار كبيرة. الحقيقة هي أن إيران لا تريد تصعيدا قد يجر الولايات المتحدة إلى الصراع. والمشكلة التي يواجهها النظام الإيراني هي أن هذا هو بالضبط ما يريده نتنياهو.
لقد عملت إسرائيل على زيادة حدة التوترات من خلال تنفيذ سلسلة من الاستفزازات. وكان الهجوم باستخدام أجهزة الاتصال (Pagers) وأجهزة اللاسلكي، الذي من الواضح أنه قد تم التخطيط له قبل أشهر، أحد تلك الاستفزازات. لكننا شهدنا أيضا الغارات الجوية الأخيرة في سوريا والتي قُتل فيها 14 شخصا وجُرح 43، عندما تم قصف الطرق والمواقع العسكرية ومركز أبحاث في مصياف. كما شهدنا، في وقت سابق، قصف السفارة الإيرانية في سوريا في أبريل، وفي نهاية يوليوز تم قتل زعيم حماس، إسماعيل هنية، عندما كان ضيفا على الحكومة الإيرانية في طهران. والآن يستفز نتنياهو حزب الله علنا للرد بهجمات انتقامية على إسرائيل، ستستخدمها إسرائيل بدورها لتبرير القصف واسع النطاق لجنوب لبنان وأجزاء من بيروت.
ومن عجيب المفارقات أنه في الصراع بين إسرائيل وإيران، وحدها إيران التي يُطلب منها دائما “ضبط النفس”. لكن إيران هي، على وجه التحديد، التي تظهر قدرا كبيرا من ضبط النفس. وبحسب مقال نشرته بلومبرج مؤخرا، فإن الرئيس الإيراني، مسعود بيزشكيان، قال:
“نحن على استعداد لوضع كل أسلحتنا جانبا إذا كانت إسرائيل على استعداد للقيام بنفس الشيء”، وقال بيزشكيان للصحفيين: “نحن لا نسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة”…
وقال: “إذا اندلعت حرب في المنطقة، فلن يخدم ذلك مصلحة أحد. نحن لا نريد القتال. إسرائيل هي التي تريد جر الجميع إلى الحرب وزعزعة استقرار المنطقة”.
بيزشكيان، في الواقع، يرغب في تطبيع العلاقات مع الغرب -وحتى مع إسرائيل- كوسيلة لرفع العقوبات المفروضة على إيران. لكنه لا يستطيع الهروب من حقيقة أن نتنياهو وحكومته الصهيونية ينظرون إلى إيران باعتبارها تهديدا وجوديا. فإيران، بعد كل شيء، على وشك أن تصبح قوة نووية، في حين أنه وحتى الآن، كانت إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة.
يمتد نفوذ إيران عبر المنطقة من اليمن والعراق وسوريا إلى لبنان، حيث لديها وكيلها الأكثر قدرة في شخص حزب الله. ولهذا السبب فإن القضاء على التهديد الذي يشكله حزب الله يشكل، منذ بعض الوقت، أولوية أساسية للحكومة الإسرائيلية. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك الهدف هي شن حرب شاملة في جنوب لبنان.
تصعيد الصراع على الحدود الشمالية
ينبغي ألا يتفاجأ أي أحد باستعدادات إسرائيل الحالية للحرب على لبنان. فقد كان التهديد مستمرا منذ مدة من الوقت. وفي شهر يونيو، أعلن الجيش الإسرائيلي أن كبار الضباط وافقوا على “خطط عملياتية لشن هجوم في لبنان”. كما ظهرت بشكل منتظم تأكيدات أخرى عن وجود مثل تلك الخطط.
تتحدث الصحافة الغربية عن فكرة مفادها أنه قد يكون هناك المزيد من الساسة الصهاينة “المعتدلين” الذين يعارضون المزيد من التصعيد. لدينا بيني غانتس، الذي من المفترض أن يكون “الشخص العاقل في الغرفة”، أي الرجل الذي يمكن الاعتماد عليه في الاعتدال. غانتس يعارض حاليا حكومة نتنياهو. لكن موقفه ليس موقف إنهاء الحرب. بل على العكس من ذلك، إنه يرى أن إسرائيل كان ينبغي لها أن تحول تركيزها من غزة إلى لبنان وإيران في وقت سابق، وقال إن: “هذا الأمر تأخرنا في القيام به…”.
دعونا نتذكر أن غانتس، زعيم حزب الصمود الإسرائيلي، يؤيد تعزيز المستوطنات في الضفة الغربية. قد يختلف هؤلاء الأشخاص حول مسائل تكتيكية، وحول ما إذا كان ينبغي التفاوض على وقف إطلاق نار مؤقت في غزة أم لا، لكنهم جميعا صهاينة في الأساس، ويتفقون جميعا على المشروع الطويل الأمد المتمثل في بناء إسرائيل الكبرى على حساب الشعب الفلسطيني.
على مدار العام الماضي، لم تعلن إسرائيل وحزب الله في لبنان حالة الحرب بشكل رسمي. ومع ذلك، فإنه منذ هجوم حماس في العام الماضي وقبل القصف الجوي الهائل الحالي، قُتل بالفعل 433 مقاتلا من حزب الله في المناوشات، مع مقتل 78 مقاتلا آخرين من مجموعات أخرى، بالإضافة إلى حوالي 150 مدنيا.
أما على الجانب الإسرائيلي، فقد بلغ عدد القتلى 20 جنديا من الجيش الإسرائيلي و26 مدنيا. وهذا يجعل المجموع 700 قتيل قبل حتى أن تبدأ الحرب الشاملة. وعلينا الآن أن نضيف عدد القتلى (وفقا لأحدث الأرقام فإن عدد القتلى بلغ 37 قتيلا) والجرحى (أكثر من 3000) الذين سقطوا بسبب الهجمات بواسطة أجهزة الاتصال واللاسلكي التي استهدفت بشكل رئيسي مسؤولين وقادة من حزب الله، فضلا عن أكثر من 500 قتيل الذي قضوا يوم الاثنين. وبهذا يرتفع إجمالي عدد القتلى في الصراع مع حزب الله إلى أكثر من ألف قتيل على مدى العام الماضي.
من الواضح أن الهجوم الذي شنته إسرائيل بأجهزة الاتصال كان بمثابة تصعيد هائل للصراع المستعر، وكان جزءا من الاستعدادات لشن هجوم على الحدود اللبنانية.
في السابع عشر من شتنبر، والذي هو نفس اليوم الذي شهد الهجوم بأجهزة الاتصال، صوت مجلس الوزراء الإسرائيلي على توسيع أهداف الحرب الحالية لتأمين الحدود مع لبنان بهدف “إعادة سكان الشمال إلى ديارهم بأمان”، وأضاف مكتب نتنياهو أن “إسرائيل سوف تواصل العمل على تنفيذ هذا الهدف”. وكما استخدم نتنياهو الرهائن لتبرير التدمير الكامل لغزة، فإنه يستخدم الآن على نحو منافق النازحين الإسرائيليين من شمال إسرائيل لتبرير المزيد من المذابح في لبنان.
لقد جمعت القوات العسكرية الإسرائيلية وأجهزة المخابرات معلومات استخباراتية، وكان الخبراء العسكريون يقولون إنه يجري الإعداد لشن قصف جوي مفاجئ، سيكون الهدف منه القضاء على قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان. وسيتبع ذلك غزو بري لإبعاد قوات حزب الله عن الحدود. والآن أصبح تصعيد الحرب في لبنان واضحا للجميع. كما أن خطر إشراك إيران -إضافة إلى اليمن وسوريا والعراق- يتزايد أيضا.
الحرب على غزة فشلت في تحقيق أهدافها
كما رأينا، إن حربا شاملة بين الجيش الإسرائيلي وبين حزب الله سوف تندلع، مما سيؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا والدمار الهائل. وقد أعطانا عضو الكنيست عن حزب الليكود، نيسيم فاتوري، فكرة عما يخطط الجيش الإسرائيلي للقيام به عندما قال إنه بمجرد اندلاع الحرب، ستتحول ضاحية بيروت الجنوبية لـ”تبدو مثل غزة”. ماذا يعني “أن تبدو مثل غزة”؟ هذا يعني مقتل عشرات الآلاف من الناس وتدمير هائل للبنية التحتية الأساسية.
من الواضح أن الطبقة السائدة الإسرائيلية تسعى في غزة إلى تحقيق هدفها التاريخي المتمثل في إبعاد الفلسطينيين بالكامل عن المناطق التي تطالب بها إسرائيل لنفسها. والمشكلة هي أن مثل هذه الخطة لا يمكن تحقيقها بسهولة. فهناك شعب بأكمله يقاوم هذا الهدف، وهو على استعداد للقتال والموت من أجل التمسك بما تبقى من وطنه التاريخي. وهذا ما يفسر لماذا لم تحقق حرب نتنياهو على غزة الأهداف المعلنة لضمان الأمن لإسرائيل.
إن الجيش الإسرائيلي قادر على تدمير البنية التحتية في غزة، كما أنه قادر على قتل العديد من مقاتلي حماس، لكنه لا يعمل سوى على تهيئة الظروف لبروز جيل جديد للانضمام إلى القتال. إن إسرائيل بهجومها الوحشي على غزة، وتزايد توغلاتها في الضفة الغربية، ومع استمرار استعمارها للأراضي الفلسطينية، تعمل على دفع شرائح أوسع من الشباب الفلسطيني إلى التطوع للقتال. والواقع هو أن كل المؤشرات تشير إلى أنه بمجرد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلها في السابق في غزة، ستكون حماس هي التي ستسيطر على الأوضاع هناك.
وسوف ينطبق الشيء نفسه على لبنان. فبوسعهم أن يقصفوا، وأن يقتلوا، وأن يدمروا البنية التحتية. لكن كل ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة الاستياء في مختلف أنحاء لبنان. وسوف يصبح أولئك الذين يتعرضون للقصف في لبنان الآن مجندين محتملين جددا في القوات المقاتلة ضد إسرائيل في المستقبل.
في يونيو الماضي، صرح الأميرال، دانييل هاغاري، رئيس وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في مقابلة مع القناة 13 الإسرائيلية، بأن “عملية تدمير حماس، وجعل حماس تختفي، هي ببساطة ذر للرماد في عيون الجمهور. حماس فكرة، حماس حزب. إنها متجذرة في قلوب الناس، وكل من يعتقد أننا نستطيع القضاء على حماس هو مخطئ”. وأوضح أن هناك حاجة إلى إيجاد حل سياسي. إن هاغاري، بصفته شخصية عسكرية بارزة في إسرائيل، يعرف عما يتحدث هنا.
لكن المشكلة هي أن نتنياهو لا يفكر مثلما يفكر قادة الجيش، ولديه أسباب قوية خاصة به للدفع نحو تصعيد الحرب. وحوالي نهاية غشت، كان الجيش الإسرائيلي وحزب الله قد انخرطوا بالفعل في أعنف تبادل لإطلاق النار منذ أكتوبر من العام الماضي. كان ذلك، كما وصفته صحيفة واشنطن بوست، “تصعيدا دراماتيكيا ولكنه محصور، توقف قبيل اندلاع حرب شاملة”. لكن الوضع قد تفاقم منذ ذلك الحين.
عواقب التصعيد
إذا تحول الهجوم على لبنان إلى حرب طويلة الأمد، فستكون لذلك عواقب وخيمة سواء داخل إسرائيل أو في المنطقة ككل. إن المجتمع الإسرائيلي يعاني من ضغوط هائلة. وتكفي بعض الأرقام لتسليط الضوء على ذلك:
يشهد اقتصاد إسرائيل تباطؤا حادا. فبعد انكماش حاد بنسبة 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأسابيع التي أعقبت 7 أكتوبر، استمر في التراجع خلال الربعين الأولين من عام 2024، مع توقع نمو إجمالي للعام بنسبة 1.5% فقط. يتوقع بنك إسرائيل أن تصل التكلفة الإجمالية للحرب إلى 67 مليار دولار، بحلول عام 2025، مما قد يجبر الحكومة على خفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والتعليم والخدمات الأخرى، في حين يستمر عجز ميزانيتها الإجمالي في التصاعد.
إن قطاع البناء في أزمة بسبب نقص العمالة -غياب 140 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية. كما تضررت الزراعة أيضا بشكل كبير. وقد تضطر حوالي 60 ألف شركة إلى إغلاق أبوابها قبل نهاية العام بسبب استدعاء الكثير من قوتها العاملة إلى الجيش.
وهذا ما يفسر الضغوط الهائلة التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي ككل. حوالي نصف شركات التكنولوجيا في إسرائيل خفضت أعداد موظفيها بنسبة 5% إلى 10%. ولحق الضرر بنحو 22% من محاصيل الفاكهة والخضروات في إسرائيل. وأغلقت عشرات الآلاف من الشركات أبوابها. وانهارت السياحة بشكل كامل تقريبا. في حين يعيش السكان تحت تهديد تصعيد الحرب، الذي قد يؤدي إلى إصابة أحيائهم بالصواريخ. وكل هذا يفسر لماذا زاد استهلاك المخدرات المسببة للإدمان والحبوب المنومة بشكل كبير خلال العام الماضي. وأصبح عدد الأشخاص الذين يغادرون البلد أعلى بكثير من عدد القادمين إليها.
وهذا ما يفسر أيضا الانقسامات العميقة التي تسري داخل المجتمع الإسرائيلي. وقد ظهرت هذه الانقسامات بوضوح في الاحتجاجات الضخمة ضد نتنياهو بسبب الطريقة التي أدار بها المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن. حيث أصبح من الواضح للكثيرين أنه ليس لديه أي اهتمام حقيقي بإنقاذهم.
إن موقفه العنيد بشأن ممر فيلادلفيا يظهر أنه لا يهتم بهم. وقد كان ذلك جزء من استراتيجيته الشاملة لتجنب أي نوع من المفاوضات التي قد تؤدي إلى وقف إطلاق النار. إن نتنياهو، كما نرى، بعيد كل البعد عن السعي إلى التوصل إلى صفقة يمكنها أن تنهي الحرب، بل يدفع في اتجاه اندلاع حريق أوسع نطاقا. سوف يدفع ثمن هذا في وقت لاحق، لكن استراتيجيته في الوقت الحالي ناجحة.
التأثير المزعزع للاستقرار في المنطقة
نتنياهو لا يهتم لمصير الرهائن. وهذا واضح. كما أنه لا يهتم بالتأثير الهائل المزعزع للاستقرار الذي تخلفه حربه في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. لكن الملايين من الناس العاديين والعمال في مختلف أنحاء المنطقة يشاهدون المذابح في غزة، والهجمات على الضفة الغربية، ويرون الآن الحرب المتصاعدة في لبنان. كما أنهم شاهدوا إسرائيل وهي تنفذ هجماتها في كل من سوريا وإيران دون أي عقاب.
هذا يغذي شعورا بالغضب الشديد بين الجماهير العربية في مختلف أنحاء المنطقة. وهذا يقترن بالظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في بلدانهم.
إن النظامين الجارين في مصر والأردن -وكلاهما بلدان تربطهما بإسرائيل علاقات دبلوماسية واقتصادية راسخة منذ أمد بعيد- يواجهان ضغوطا متزايدة من أعماق المجتمع. والواقع أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية فيهما تتدهور يوما بعد يوم مع انزلاقهما إلى الهاوية بفعل أزمة الرأسمالية العالمية.
في شهر مارس الماضي منح صندوق النقد الدولي مصر حزمة قروض بقيمة ثمانية مليارات دولار، كانت، وفقا لتقرير صدر في وقت سابق من هذا العام، “تتمحور حول تحرير نظام الصرف الأجنبي في سياق نظام سعر مرن، وتشديد كبير لمزيج السياسات، وتقليص الاستثمار العام، وتكافؤ الفرص للسماح للقطاع الخاص بأن يصبح محركا للنمو”.
وهذا يعني عمليا تطبيق سياسة الخصخصة وخفض الدعم العام للسلع الأساسية، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الأسعار بالنسبة لغالبية السكان. التضخم يتجاوز 30%. كما ارتفعت أسعار الكهرباء، في غشت، بنسبة تصل إلى 50%، وذلك كجزء من اتفاق مع صندوق النقد الدولي. كما تم خفض الدعم على الوقود. وارتفعت فواتير الغاز والمياه، وتضاعف سعر الخبز أربع مرات في يونيو. يعتمد حوالي ثلثي السكان على الخبز المدعوم للبقاء على قيد الحياة. وما تزال المزيد من مثل هذه الهجمات قادمة، لأن الحكومة مجبرة على تطبيق سياسة تقشف قاسية، مما يعني أن حياة ملايين الأسر ستتحول إلى جحيم.
في الأردن، لدينا وضع مماثل، حيث قامت الحكومة على مدى العقد الماضي -ومرة أخرى تحت ضغط من صندوق النقد الدولي بعد تضخم الدين العام- بإلغاء دعم الوقود والخبز، وزيادة الضرائب، ورفع سعر الكهرباء. ونتيجة لذلك، ارتفعت مستويات الفقر من 15% إلى 24% بين عامي 2018 و2022. وصار معدل البطالة بين الشباب حوالي 22%.
أوضح صندوق النقد الدولي، في التقرير المذكور أعلاه، أن “البيئة الخارجية الصعبة، التي ولدتها حرب روسيا في أوكرانيا، قد تفاقمت لاحقا بسبب الصراع في غزة وإسرائيل، فضلا عن التوترات في البحر الأحمر”. لقد أثرت الحرب في أوكرانيا بشدة على إمدادات الحبوب، مما تسبب في نقص التزويد وارتفاع الأسعار. وهكذا نرى كيف تؤثر الحرب على مستويات معيشة ملايين العمال العاديين في العالم العربي.
إلا أن تأثير الحرب ليس اقتصاديا فحسب. بل لها آثار عميقة على الوعي. إن الجماهير ترى أن تلك الحكومات التي تفرض عليها التقشف، هي نفسها التي تدعم إسرائيل، بحكم الأمر الواقع، في حربها ضد الفلسطينيين الذين تعتبرهم الجماهير العربية إخوة وأخوات لها.
في أبريل الماضي، عندما ردت إيران على هجوم إسرائيلي، شارك جيش الأردن بنشاط في إسقاط وابل الصواريخ والطائرات المسيرة التي حلقت فوق مجاله الجوي. وفي الأشهر التي تلت السابع من أكتوبر، كانت هناك احتجاجات حاشدة في الأردن، قمعتها الحكومة بشدة. وقد أدت تلك الأحداث إلى فضح الملك الأردني باعتباره حليفا، بحكم الأمر الواقع، لإسرائيل والإمبريالية الأمريكية.
كل هذا خلق وضعا مضطربا للغاية في كل من الأردن ومصر. كلا النظامين يحدقان في الهاوية وقد يواجهان ثورة جماهيرية إذا ما تصاعدت الحرب أكثر. نشرت مجلة Foreign Affairs magazine ، في أبريل، مقالا بعنوان: “رد الفعل العربي القادم“، جاء فيه أنه: “في الوقت الذي تعاني جميع البلدان العربية تقريبا، باستثناء الخليج، من مشاكل اقتصادية شديدة، وبالتالي تمارس أقصى قدر من القمع، يتعين على الأنظمة أن تكون أكثر حذرا في طريقة تعاملها مع قضايا مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. ويعمل المقال على تذكير القراء بالربيع العربي في عام 2011 ويسلط الضوء على حقيقة مفادها أن ذلك قد يحدث مرة أخرى. وهي كلمات صحيحة للغاية.
زعزعة الاستقرار في الغرب
إلا أن تأثير الوضع في غزة، والآن في لبنان، يتجاوز إطار الشرق الأوسط. فقد شهدنا في مختلف أنحاء العالم الرأسمالي المتقدم، من الولايات المتحدة إلى أوروبا إلى أستراليا، والعديد من البلدان الأخرى، مسيرات احتجاجية حاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني.
في لندن، شهدنا مسيرات شارك فيها أكثر من مليون شخص. وشهدنا حركة الاعتصامات في العديد من الجامعات. ورأينا كيف أصبحت الحرب في غزة عنصرا رئيسيا في تحديد السياسة المحلية في العديد من البلدان. ففي بريطانيا، أثرت على الطريقة التي يصوت بها الناس، كما أنها تشكل عاملا مهما في الطريقة التي قد تتأرجح بها بعض الولايات خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
كل هذا يشغل عقول المحللين البرجوازيين الجادين، الذين يستمرون في التحذير من عواقب تصعيد الحرب في الشرق الأوسط. لكن نتنياهو لا يشعر بأي قلق إزاء كل هذا. فهو لا يفكر إلا في حديقته الخلفية الصغيرة، وفي مسيرته السياسية. إن أحد أهدافه، كما رأينا، هو إيجاد وسيلة لجر الولايات المتحدة. فإذا تصاعدت الحرب لتشمل إيران، سوف تكون الولايات المتحدة مضطرة إلى التدخل لدعم إسرائيل.
فإذا انخرطت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، سيكون من شأن ذلك أن ينتج تأثيرا شبيها بتأثير حرب فيتنام على جبهتها الداخلية. وسوف يؤدي إلى تجذر الشباب الأميركي أكثر كثيرا من أي شيء سبق لنا أن رأيناه حتى الآن. وسوف نشهد تأثيرا مماثلا لذلك في مختلف أنحاء أوروبا.
يأتي كل هذا في سياق الحرب الجارية في أوكرانيا. إن نفس الساسة الذين يدعمون إسرائيل، هم الذين يدفعون أيضا إلى تصعيد الحرب في أوكرانيا، ويدفعون إلى منح الجيش الأوكراني الحق في استخدام الأسلحة التي يوفرها الغرب لضرب عمق روسيا.
إن الملايين من الناس في مختلف أنحاء العالم يرون مشهد استعداد هؤلاء “القادة” المزعومين للمغامرة بمواجهة عسكرية كبرى بين بلدان حلف شمال الأطلسي وبين روسيا، وبالتالي تعريض حياة شعوبهم للخطر. إن أفرادا مثل نتنياهو وزيلينسكي مستعدون لدفع العالم كله نحو الخراب الشامل، ويخاطرون بحياة مئات الملايين من الناس، وكل ذلك من أجل مصالحهم الضيقة.
وبالتالي فإن الحرب في الشرق الأوسط ترتبط بحرب أوكرانيا. إنهما جبهتان منفصلتان، لكننا نجد في كل منهما نفس القوى الإمبريالية، الولايات المتحدة، إلى جانب حلفائها في حلف شمال الأطلسي. وعلى الجانب الآخر من الجبهة الأوكرانية لدينا روسيا. وروسيا هي أيضا في تحالف، بحكم الأمر الواقع، مع إيران، وإذا تصاعدت الأمور، فسيتعين على الصين دعم روسيا. فالصين تدرك تماما حقيقة أن الولايات المتحدة لديها استراتيجية للحد من وصول الصين إلى الأسواق العالمية.
وبالتالي فإن حرب إسرائيل لها عواقب عالمية. إن امتداد الحرب إلى لبنان، مع إمكانية جر بلدان أخرى إلى أتونها، سيكون له، في الأمد القريب، تأثير اقتصادي فوري. العديد من البلدان هي إما في حالة ركود، أو تتجه نحوه، أو هي قريبة جدا منه. وأي حرب أوسع نطاقا من شأنها أن تدفع الاقتصاد العالمي، المترنح أصلا، إلى حافة الهاوية وإلى انحدار خطير، مثلما حدث في عامي 1973 و1974.
قد يتصور كثيرون أن إسرائيل بعيدة عن ذلك، وأن الأحداث هناك لن تؤثر عليها. لكنها أقرب مما يتصورون وسوف يشعرون بآثارها قريبا. ولن تقتصر ردة الفعل القادمة على المنطقة العربية وحدها. إن عمال وشباب العالم يعانون من آثار التضخم، وانخفاض الأجور، ونقص الوظائف، وخفض الخدمات العامة، وهم يرون نفس الحكومات التي تفرض عليهم كل هذا، منخرطة في الوقت نفسه في إشعال الحروب وإرسال المليارات من الدولارات لأجل الحرب.
إن النضال من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني، والدفاع عن لبنان ضد الهجوم الإسرائيلي، والنضال من أجل منع انتشار الحروب في مختلف أنحاء العالم، يبدأ بالنضال في الداخل ضد حكوماتنا. فما دام هؤلاء الناس في السلطة، سوف يواصلون اللعب بحياة الملايين. ومهمتنا هي إسقاطهم من السلطة، ومعهم كل النظام الفاسد الذي يمثلونه. إذا كنتم تريدون السلام بين الأمم، عليكم الانخراط في الحرب بين الطبقات.
فريد ويستون
27 سبتمبر/أيلول 2024
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية: