ديجان كوكيك وحميد علي زاده
الأربعاء: 12 يوليوز 2017
طيلة الشهر الماضي، تعرضت دولة قطر للحصار من طرف جيرانها السعودية والامارات والبحرين ومصر، الذين عملوا على قطع كل علاقاتهم الدبلوماسية معها. وقد خلقت هذه الأحداث حالة أزمة في منطقة الخليج التي صارت تثير قلق القوى الكبرى على الساحة العالمية.
[ملاحظة: يبدو، وكما توقعنا، أنه يتم التحضير لصفقة مع قطر بتدخل أمريكي، لكن هذا لا يغير شيئا جوهريا في خلاصات هذا المقال، الذي كتب قبل أيام]
تستورد قطر أكثر من ثلث الإمدادات الغذائية والسلع الاستهلاكية من السعودية والإمارات. والأهم من ذلك هو أن معظم المشاريع الاستثمارية داخل قطر مرتبطة بمستثمرين من البلدين. ونتيجة لذلك فقد أدت العقوبات إلى حدوث أزمة اقتصادية داخل قطر، التي تراجعت مخزوناتها بنسبة 08٪ في بداية يونيو، وأحدث ثقبا أسودا في اقتصادها قدره 13 مليار دولار. أصيب السكان بالذعر وتهافتوا على شراء المواد الغذائية واللوازم المنزلية، مما سرع بنقص الاحتياطي على المدى الطويل إذا ما استمر الحصار. وتعرض مليونين من المواطنين الأجانب، الذين يشكلون غالبية السكان (كثير منهم يعملون فى ظروف شبه عبودية) للحصار وقد تقطعت بهم السبل داخل البلد دون مخرج واضح.
من المفترض أن الخلاف الدبلوماسي الذي أدى إلى الوضع الحالي قد اندلع عندما نشر موقع وكالة الأنباء القطرية على شبكة الإنترنت تقريرا، في شهر ماي، عن تصريح لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، قال فيه: “لا حكمة في إيلاء العداء لإيران”، وقد قامت قطر بعد ذلك بإغلاق الموقع، مدعية أن التقرير كان مزيفا وأن الموقع قد تعرض للقرصنة. وكان مسؤولون اميركيون قد ألقوا بثقلهم في الموضوع وأعادوا تكرار اسطوانتهم بأن “القراصنة الروس” تسببوا في ذلك. لكن القضية برمتها مشبوهة جدا عندما ينظر المرء إلى كيف قامت وسائل الإعلام السعودية بنشر عشرات المقالات والتقارير والمقالات الطويلة لمهاجمة قطر مباشرة تقريبا بعد تسريب الخبر، والذي نشر في منتصف الليل! قالوا إن آل ثاني قد أثبت ولاءه الغادر لإيران و”الإرهاب”، وأنه لابد من اتخاذ تدابير صارمة.
وفي 23 يونيو، أصدر السعوديون قائمة بالمطالب التي يتعين على قطر أن تستجيب لها، في غضون عشرة أيام، من أجل رفع الحصار. ومن بينها الابتعاد عن إيران وقطع كل العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله (وتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة) وإغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية وتسليم المعارضين السياسيين اللاجئين عندها من بقية دول الخليج. لقد قيل لقطر بعبارات لا لبس فيها إنه يجب عليها أن تخضع لمصالح جارها الأقوى. بيد أنه لم يتضح بعد ما الإجراءات التي سيتم اتخاذها في حالة عدم موافقتها على تلك المطالب.
القائمة الكاملة للمطالب:
-
خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق البعثات الدبلوماسية الإيرانية في قطر. وطرد عناصر الحرس الثوري الإيراني وقطع أي تعاون عسكري مشترك مع إيران. السماح فقط بالتبادل التجاري مع إيران الذي يمتثل للعقوبات الأمريكية والدولية.
-
قطع كل علاقاتها مع “المنظمات الإرهابية”، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش والقاعدة وحزب الله اللبناني. وأن تعلن رسميا تلك الكيانات مجموعات إرهابية.
-
إغلاق شبكة الجزيرة والمحطات المرتبطة بها.
-
إغلاق جميع المنصات الإخبارية التي تمولها، بشكل مباشر وغير مباشر، بما في ذلك “عربي 21″ و”رصد” و”العربي الجديد” و”Middle East Eye”.
-
أن تعمل فورا على إنهاء الوجود العسكري التركي على أراضيها ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل قطر.
-
وقف جميع وسائل تمويل الأفراد أو الجماعات أو المنظمات التي تم تصنيفها بأنها إرهابية من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين والولايات المتحدة وبلدان أخرى.
-
تسليم “الشخصيات الإرهابية” والأفراد المطلوبين من السعودية والإمارات ومصر والبحرين إلى بلدانهم الأصلية. وتجميد أصولهم وتقديم أي معلومات مطلوبة حول إقامتهم وتحركاتهم وأموالهم.
-
وقف التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان ذات السيادة. ووقف تجنيس المواطنين المطلوبين من السعودية والإمارات ومصر والبحرين. وسحب الجنسية القطرية من المواطنين الحاليين، الذين ينتهك حملهم للجنسية القطرية قوانين تلك البلدان.
-
وقف جميع الاتصالات مع المعارضة السياسية في السعودية والإمارات ومصر والبحرين. وتسليم جميع الملفات التي تفصل بيانات اتصالات قطر مع الجماعات المعارضة ودعمها لها في الماضي.
-
دفع تعويضات عن الخسائر في الأرواح والخسائر المالية الأخرى الناجمة عن سياسات قطر في السنوات الأخيرة. وسيتم تحديد المبلغ بالتنسيق مع قطر.
-
الموافقة على مراجعات شهرية خلال العام الأول بعد الموافقة على المطالب، ثم مرة واحدة كل ربع عام خلال السنة الثانية. وعلى مدى السنوات العشر التالية، ستتم مراقبة امتثال قطر سنوياً.
-
الاصطفاف مع بقية بلدان الخليج والبلدان العربية الأخرى عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بما يتماشى مع اتفاق تم التوصل إليه مع المملكة العربية السعودية في عام 2014.
-
الموافقة على جميع المطالب خلال 10 أيام من تقديمها إلى قطر، أو أن القائمة ستصير ملغية. (المرجع: The Guardian)
موقف قطر حتى الآن هو الرفض التام، وقد أعلن وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يوم السبت، أن قطر لا تخشى العمل العسكري من جانب الدول المحاصرة. ويدعي النظام القطري أن المطالب التي طرحت مصممة بحيث يكون من المستحيل الوفاء بها. وقد خرقت قطر مهلة العشرة أيام، التي أعطيت لها في البداية، ثم تم تمديدها إلى 48 ساعة، قبل أن يقوم السعوديون بالتخلي عنها كليا في النهاية.
وزير الخارجية الألماني، سيغموند غابرييل، الذي شارك في المحادثات مع الدول المعنية، في محاولة لنزع فتيل التوترات، عبر عن مخاوف الرأسماليين عندما قال: “هناك خطر أن يؤدي هذا النزاع إلى حرب”. هذا استنتاج مبالغ فيه إلى حد ما، إلا أن الولايات المتحدة، والقوى الإمبريالية الأخرى، تنظر إلى هذه الأحداث بقلق بالغ، لأسباب عديدة ليس أقلها أن قطر تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، قاعدة العديد الجوية.
وبالنظر إلى شدة هذه الأزمة، من المهم أن نفهم لماذا يحدث ذلك. ومن المهم أيضا التصدي للتضليل الذي تمارسه مختلف وسائل الإعلام البرجوازية، التي – جنبا إلى جنب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – تفسرها بالتزام السعودية المفاجئ بمكافحة الإرهاب.
السعودية و”مكافحة الإرهاب”
إن المملكة العربية السعودية هي المصدر الرئيسي للإرهاب في جميع أنحاء العالم. فمنذ تأسيسه عمل النظام السعودي بشكل مفضوح على تحريض ونشر الأصولية الوهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد اعتبرت الأسرة المالكة السعودية دائما أن التهديد الرئيسي لسلطتها داخل المملكة السعودية سيأتي من تيار الإسلام السني المتطرف، على الرغم من أنه يشكل الأساس الأيديولوجي لنظامها، إلا أنه يفضل الخلافة بدلا من النظام الملكي. ومن أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، تحالف النظام مع التيار الإسلامي السني الأكثر تطرفا لقمع الحركات الثورية والأقلية الشيعية في البلاد وغيرها من المجموعات التي يعتبرها كلا الطرفان عدوة له.
وهكذا ضخ السعوديون أكثر من 100 مليار دولار في خزائن رجال الدين الوهابيين ومنظمي الهجمات الإرهابية الجماعية من أوروبا الغربية إلى إندونيسيا. وكان زكريا موسوي، أحد منظمي هجمات 11 شتنبر، قد اعترف للسلطات الأمريكية بأن أفرادا من الأسرة المالكة السعودية كانوا يقدمون الأموال للقاعدة قبل الهجمات. وفي الآونة الأخيرة شكلت السعودية المصدر الرئيسي لتمويل جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، والذي قام بدوره بتوجيه الأسلحة والتمويل إلى الدولة الإسلامية.
من المضحك أن نسمع أن السعوديين يدعون الآن دولة أخرى إلى قطع كل العلاقات مع “المنظمات الإرهابية “. ودعم دونالد ترامب لهذه المزاعم هو فقط إدانة له بوصفه مؤيدا للنظام الأكثر وحشية على وجه الكوكب. هذا لا يعني أن النظام القطري لا يمول بدوره العديد من الجماعات الإرهابية مثله مثل المملكة العربية السعودية، وينبغي ألا ينجو بأفعاله. وبصرف النظر عن أنه نظام يفرض على الكثير من سكانه ظروفا لم تكن موجودة حتى في اليونان القديمة أو روما القديمة، فإن قطر أكثر من سعيدة لرعاية أي منظمة رجعية أو إرهابية تخدم مصالحها دوليا. لكن أن تساير الخط السعودي وتعتقد أن لهذه العقوبات الحالية المفروضة على قطر أية علاقة بـ “مكافحة الإرهاب” فذلك يعني العيش في عالم الخيال.
صحيح أن قطر أيدت رسميا العديد من المنظمات الرئيسية التي تعارضها دول الخليج الأخرى. وقد ركز العديد من المراقبين على علاقة الإخوان المسلمين، لأن مصر انضمت إلى العقوبات المفروضة على قطر. ولكن على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تاريخيا لا تثق في جماعة الإخوان المسلمين، ولا حماس ولا حزب الله، فإنها لا تشكل أي تهديد مباشر لمصالح المملكة العربية السعودية أو الإمارات أو البحرين أو أي من حلفائهما في المنطقة.
عندما كان الإخوان المسلمون يشكلون تهديدا، عندما كانوا في السلطة في مصر، كانت السعودية صامتة عن دعم قطر لهم. لكن عندما أطيح بالإخوان واستولى السيسي على السلطة، دعمته قطر فعلا، وأثبتت الفكرة القائلة بأنه لا يوجد في الشرق الأوسط، مثله مثل أي مكان آخر، حلفاء دائمين بل فقط مصالح دائمة. إن دور مصر في الأزمة الحالية هو في الواقع دور خادم للمملكة العربية السعودية، وهو الدور الذي يتزايد أكثر فأكثر، كلما صار النظام أكثر فأكثر اعتمادا على الدعم المالي الذي تقدمه دول الخليج.
الأسباب الحقيقية
لإيجاد الأسباب الحقيقية للأزمة القطرية الحالية، لا نحتاج إلا إلى النظر في المطلبين الأول والأخير (12) على القائمة السعودية. لقد بدأت قطر تتجاوز كثيرا الدور الذي تريده لها السعودية. إن قطر، مقارنة مع القوة المهيمنة في الخليج، دولة صغيرة مع القليل من التأثير السياسي وجيش صغير جدا. إلا أن امتلاكها لاحتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي قد أتاح لها تجميع محفظة استثمارية كبيرة في جميع أنحاء العالم لتنافس جيرانها الأكبر حجما.
كما أن قطر كانت تقليديا مركزا استراتيجيا للإمبريالية الغربية في الخليج. فمنذ العشرينيات من القرن العشرين، استخدمت بريطانيا في البداية، ثم أمريكا لاحقا، هذا البلد قاعدة لشن الحملات العسكرية. ومنذ عهد الإمبراطورية العثمانية في الواقع، استخدمت دعم قطر من قبل إحدى القوى الامبريالية لمواجهة وزن العشائر والإقطاعات الأخرى في شبه الجزيرة العربية.
أنفقت الحكومة القطرية مليار دولار لبناء قاعدة العديد بعد العمليات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة خلال حرب الخليج. عندما غزت الولايات المتحدة العراق، نقلت مقر عملياتها الجوية من السعودية إلى العديد، وظلت هناك خلال جميع مراحل التدخل الأمريكي في سوريا. وعلى الرغم من ارتباطها الوثيق بجيرانها، فإن أرباحها الهائلة من الغاز وأهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة مكنت قطر من امتلاك ثقلها السياسي الخاص بها والعمل بشكل مستقل عن السعوديين.
عندما كانت السعودية هي القوة السائدة بين الدول العربية وكان الاقتصاد العالمي آخذا في النمو، كان ذلك مقبولا لدى آل سعود. لكن بعد حرب العراق والثورات العربية عام 2011، تراجعت قوة السعودية سواء داخليا أو في المنطقة التي صار فيها نفوذ إيران يتوسع. فأصبح دور قطر المستقل في المنطقة تهديدا كبيرا للمصالح السعودية، مثلما كان الحال عندما دعمت قطر نظام مرسي في مصر بعد الثورة، بينما عارضته السعودية بشدة. ومع تفكك النظام السابق في الشرق الأوسط، أصبحت دولة قطر تشكل على نحو متزايد خطرا على نظام آل سعود الهش. فقد أصبحت شبكة “الجزيرة” الإخبارية والصحيفة الالكترونية ” Middle East Eye “(عين الشرق الأوسط )، على سبيل المثال، أسلحة دعائية رئيسية في جميع أنحاء المنطقة وتمثلان تهديدا مباشرا للطابع الشمولي للحكم السعودي.
والخلاف المحوري مع المصالح السعودية الذي أثار هذه الأزمة هو تحالف قطر المتزايد مع إيران. تشترك إيران وقطر في السيطرة على أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم: حقل غاز الشمال أو حقل فارس الجنوبي. وفي وقت سابق من هذا العام، قررت كل من إيران وقطر في وقت واحد تقريبا تطوير استخراجهما للجزء الخاص بهما من الحقل، وهي الخطوة التي تعتبر في حالة قطر الأولى منذ عام 2005.
وردا على سؤال حول ما اذا كان ذلك يتضمن التعاون بين البلدين، قال سعد الكعبي، الرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول: “ما نقوم به اليوم هو شيء جديد تماما، وسوف نقوم به في المستقبل بطبيعة الحال… تبادل المعلومات حول هذا الموضوع معهم [إيران]”. يأتي هذا بعد ثلاث سنوات من تقديم قطر لمساعدة علنية لإيران لتطوير استخراج الغاز الخاص بها، حيث قال أحد المسؤولين: “لدينا العديد من الدراسات عن الحقل، والتي أنا متأكد من أنها يمكن أن تفيد إيران”. وفي مقابل هذه الخدمات تتوقع قطر حصة أكبر بكثير من إيران في الحقل.
لكن في الوقت الذي أصبحت فيه المملكة العربية السعودية غير مستقرة بشكل خطير بسبب بروز إيران المتزايد كقوة في المنطقة، فإن قطر، التي تعمل بشكل وثيق مع هذه القوة المنافسة، قد خلقت التوترات بين دول الخليج.
ومن العوامل الأساسية للدينامية المتغيرة في المنطقة كلها التحول المفاجئ في قوة إيران. لقد استفادت البلاد من الحرب الأهلية الدموية في سوريا بتعزيز سلطتها العسكرية في المنطقة، وفتح فرص تجارية جديدة مع الغرب. لقد لعب الحرس الثوري الإيراني دورا حيويا في تحطيم جبهة النصرة والدولة الإسلامية في سوريا المدعومتان من طرف قطر والسعودية، فضلا عن دعم نظام بشار الأسد. إن انتصار إيران في سوريا زاد من تعزيز موقفها، ومن الواضح أن قطر تجري محادثات مع إيران وتركيا للحصول على صفقة في سوريا، وربما حتى المشاركة في الاستثمارات لإعادة بناء سوريا. ومن شأن هذه الصفقة أن تجعل السعوديين يتحملون أكبر الخسائر ماليا وسياسيا وجغرافيا استراتيجيا.
يمثل صعود إيران تهديدا وجوديا للمملكة العربية السعودية، ليس فقط لطموحاتها التوسعية في المنطقة، بل أيضا عسكريا وداخليا باعتبارها راع محتمل للحركة الشيعية الصاعدة في المناطق الشرقية الغنية بالنفط في المملكة. وقد رد السعوديون بشن حرب في اليمن أثبتت أنها حماقة وخطوة غير مسؤولة حتى بمقاييسهم الخاصة؛ والمطالبة بجزيرتين في البحر الأحمر من مصر مقابل حزمة إنقاذ صغيرة؛ وتوقيع صفقة أسلحة ذات أبعاد تاريخية مع الولايات المتحدة؛ والآن بمعاقبة جارتها الصغرى، وتهديدها بإنذار صارم.
والعلاقة القطرية الأخرى التي تهدد استقرار السعودية الآن هي تلك التي تقيمها مع تركيا. لقد تعززت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مؤخرا. في دجنبر 2015، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر، في أعقاب تدريبات مشتركة للجيشين التركي والقطري. وفي حين أن السعودية قوة متراجعة، فإن تركيا آخذة في الارتفاع لتصبح أقوى اقتصاد وجيش في الشرق الأوسط. داعمو أردوغان في الأناضول لديهم طموحات عثمانية جديدة، وشبه الجزيرة العربية، موطن مكة والمدينة، ليست جزءا صغيرا من هذه الخطة. إن أردوغان عازم على المدى الطويل على انتزاع مكانة المملكة العربية السعودية باعتبارها “قائد العالم الإسلامي”. وقد قدمت العلاقة مع قطر وبناء قاعدة عسكرية هناك لتركيا أول موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية.
اعترفت إدارة أوباما السابقة بضعف المملكة العربية السعودية، ولهذا السبب وقعت صفقة مع إيران. وكانت اتفاقية عام 2015 بشأن الطاقة النووية مع مجلس الأمن الدولي نتيجة تعكس الموقف الإيراني القوي الجديد وأنهت العقوبات التي أضعفت موقفها في المنطقة لعقود من الزمن، وهو ما أدى بدوره إلى تعزيز موقفها إزاء المملكة العربية السعودية.
لكن دونالد ترامب، الذي تدعمه فئات دينية معادية لإيران داخل بيروقراطية الدولة الأمريكية، مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس، تعهد بالتصدي للنفوذ الإيراني. وقد كان ذلك هو أساس زيارة ترامب للشرق الأوسط، في أبريل وماي، حيث وقع اتفاقا قيمته 350 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية، وأيد إنشاء “حلف ناتو عربي” يستهدف إيران أساسا. وبدعم كامل من الولايات المتحدة، قرر آل سعود العمل من أجل إعادة ميزان القوى السابق في المنطقة.
في البداية قام ابن الملك محمد بن سلمان، وفي خطوة غير مسبوقة، بتسوية الحسابات داخليا، وسحق الفصائل المعارضة داخل الأسرة الحاكمة الفاسدة، وفرض نفسه وليا للعهد. بعد أن تقلد منصب وزير للدفاع، منذ وصول والده إلى السلطة، كان بن سلمان القوة الدافعة وراء الحرب في اليمن، ولا شك في أنه ضالع في صفقة الأسلحة مع الولايات المتحدة. وفي مقابل بيع أسهم الشركات السعودية – بما في ذلك أرامكو، وهي شركة نفط مملوكة للدولة- خطط محمد بن سلمان إنشاء صندوق ثروة سيادي للسعودية بمبلغ تريليوني (02 تريليون) دولار ومن خلاله تصدير الرساميل السعودية. محمد بن سلمان الآن هو الحاكم الفعلي للمملكة وقد ركز كل السلطة في يديه، والاتجاه الذي تسير فيه البلد هو ذلك الذي يعكسه شخص هذا الأمير الشاب المتهور.
كيف ستنتهي الأزمة؟
بسبب شعوره بالراحة المزيفة بدعم إدارة ترامب له، يعتقد محمد بن سلمان أنه يمكنه أن يرسم خطا في الرمال “إما أن تكون معنا أو ضدنا!” وهكذا فإن وهم بناء الوحدة العربية السنية و”حلف الناتو العربي” انهار قبل ان يجف الحبر الذي كتب به.
وإدارة ترامب التي أرادت بغطرسة أن تصول وتجول في الشرق الأوسط، وتظهر لأوباما “كيف تنجز المهام”، قد صارت الآن تتحرك بشكل محموم لوقف الاشتباك بين هذين الحليفين الرئيسيين. وما فتئ وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يتفاوض ليلا ونهارا لإعادة التقارب بين الجانبين وتقليل الضرر. يشعر الأمريكيون بقلق بالغ إزاء الأزمة، إذ يرتبطون بمصالح مالية وعسكرية الكبيرة مع طرفي النزاع. وقد أدت كل تلك المناورة التي كانت تهدف إلى عزل إيران ودعم المملكة العربية السعودية إلى تعزيز علاقات هذه الدولة الرئيسية في مجلس التعاون الخليجي مع تركيا التي صارت تكتسب موطئ قدم عسكري هام في شبه الجزيرة العربية.
وقد اقترحت الإمارات العربية المتحدة أنه إذا ما لم تعمل قطر على تلبية المطالب المحددة، فإن الخطوة التالية ستكون استمرارا غير محدود للعقوبات الحالية. لكن قطر صمدت أمام الحصار لمدة شهر، ولم يكن له ذلك التأثير الذي أرادته المملكة العربية السعودية. ومع ذلك فإنه كلما بقيت المسألة معلقة، كلما تزايدت احتمالات التصعيد.
والسؤال المطروح هو كيف ستفرض المملكة العربية السعودية أيا من مطالبها. اقترحت المملكة في العديد من المناسبات احتمال القيام بغزو. لكن هذا مجرد حلم. والمشكلة الأولى هي قاعدة العديد الجوية، التي تضم كلا من القوات الجوية الأمريكية والقوات الجوية البريطانية. لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تغزو بلدا يضم قاعدة عسكرية أمريكية دون تعاون كامل من طرف الجيش الأمريكي، وهو الذي لم يعد يهتم بغزو بلد جديد في الشرق الأوسط في الوقت الحالي. وثانيا، ستواجه قوة تركية لن تقبل بالغزو السعودي وربما قوة إيرانية أيضا.
إذا كانت هذه الأزمة قد حققت شيئا فهو أنها دفعت قطر أكثر فأكثر إلى أحضان إيران، التي وقفت بقوة ضد الحصار، وقامت بتخفيف النقص في الغذاء عن طريق إرسال 1.100 طن من الفواكه والخضراوات وستة وستين طنا من لحم البقر إلى قطر يوميا. وعلاوة على ذلك، عارضت الحكومة التركية الحصار ونشرت فرقتين إضافيتين من جيشها في قطر منذ بدء الأزمة. ومن الجدير بالذكر أيضا أن الحرس الثوري الإيراني يعمل مع الجيش القطري منذ عام 2010، عندما أعلن ضابط من الحرس الثوري الإيراني أنه: “يمكن للحرس الثوري الإسلامي والبحرية القطرية أن يكونا على تعاون وثيق في مجالات الاستخبارات والأمن والتدريب”، وقال وزير الدفاع ان قطر مستعدة لاجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع ايران.
لن يكون للجيش السعودي أية فرصة أمام أي من هذه القوات. في الواقع لم يسبق للجيش السعودي أبدا أن انخرط في حرب حقيقية. وحتى في اليمن تعتمد السعودية على المرتزقة الإماراتيين والعشائر الرجعية المحلية بدلا من قواتها المسلحة. والسبب هو الضعف التاريخي للمملكة العربية السعودية كنظام. فالنظام السعودي لا يمتلك أية شرعية بين السكان الذين يتألفون من المتطرفين الوهابيين المناهضين للنظام الملكي والشيعة المضطهدين والشباب الديمقراطي والعمال المهاجرين شبه المستعبدين والعناصر القبلية، وجميعهم يعارضون النظام لأسبابهم الخاصة. هذا هو الضعف الأساسي للمملكة العربية السعودية والذي، في ظروف أزمة الرأسمالية، قد صار يتحول إلى تهديد وجودي لآل سعود. إن الحرب السعودية ضد قطر مستحيلة. وهذه القضية كلها لن تعمل سوى على تسليط الضوء على هذه الحقيقة وتزيد في تعميق الأزمة السعودية.
بالطبع لا يعني ذلك أن قطر لن تتزحزح على الإطلاق. يعتمد الاقتصاد القطري بأكمله بشكل أساسي على اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي، وخاصة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. والسيناريو الأكثر احتمالا هو التوصل إلى اتفاق، وتحقيق تطبيع تدريجي للعلاقات مع مرور الوقت. قد تقدم قطر بعض التنازلات البسيطة، لكن الخاسر الحقيقي سيكون هو المملكة العربية السعودية التي ستبين ضعفها. ومع ذلك، فإن الصفقة من شأنها فقط أن تؤخر اشتعال التوترات التي تتطور في المنطقة وصعودها إلى السطح – لا سيما فيما يتعلق بالعداء المتبادل بين المملكة العربية السعودية وإيران.
إن علاقات قطر مع إيران وتركيا تعكس فقط الوضع الحقيقي في المنطقة، حيث تتراجع قوة السعودية في الوقت الذي تتزايد فيه قوة إيران وتركيا لتصبحا القوتين الرئيسيتين في المنطقة. ويستند هذا التوازن الجديد للقوى إلى الحالة الاقتصادية والعسكرية الحقيقية في المنطقة. ففي حين أن إيران وتركيا (إضافة إلى مصر) هي الدول القومية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط، فإن المملكة العربية السعودية دولة مصطنعة لا يمكنها البقاء على قيد الحياة إلا بفعل موقعها الخاص، ولا سيما باعتبارها المصدر الرئيسي للنفط للإمبريالية الأمريكية. لكن النظام اليوم قد تعفن تماما من الداخل، كما يتضح من خلال قصر نظر ممثليه، في حين أن موقفه الدولي قد أضعف بسبب الاكتفاء الذاتي في النفط الذي بدأت تحققه الولايات المتحدة مؤخرا.
وفي الوقت الذي توسع فيه تركيا وإيران نفوذهما، ولا يوجد بالنسبة للقوى العالمية أي حل لوقف ذلك، فإن الفكرة التي يروج لها ترامب حول “التصدي” للنفوذ الإيراني، كما نرى هنا، لن تؤد إلا إلى تسريع السيرورة الجارية.
إن الأزمة الاقتصادية والثورات العربية وأزمة الإمبريالية الأمريكية، والتي نتجت جميعها عن أزمة الرأسمالية، قد ألقت بآل سعود في دوامة صراع عنيف من أجل الوجود. وهم مثلهم مثل حيوانات محاصرة ومجروحة يهاجمون من جميع الجوانب. ولم تعمل أزمة قطر إلا على تقريب هذا الصراع إلى قلب المملكة.
عنوان النص بالإنجليزية:
What is behind the Qatar crisis?