الرئيسية / دول العالم / أوروبا / إسبانيا / الهجوم الإرهابي في برشلونة: الإمبريالية تغذي التعصب الإسلامي – الاشتراكية أو البربرية!

الهجوم الإرهابي في برشلونة: الإمبريالية تغذي التعصب الإسلامي – الاشتراكية أو البربرية!

إن منظمة الصراع الطبقي، الفرع الإسباني للتيار الماركسي الأممي، تدين بشدة الهجوم الإرهابي الإجرامي الذي قام به أعضاء من داعش في برشلونة. وهو الهجوم الذي أسفر حتى الآن عن مقتل 13 شخصا وإصابة أكثر من مائة.

[نشر هذا البيان يوم 17 غشت 2017 باللغة الإسبانية في الصحيفة الماركسية: Lucha de Clases]


  داست شاحنة العشرات من المشاة العزل في منطقة لاس رامبلاس الشعبية وسط مدينة برشلونة والتي كانت تعج بالسائحين والسكان المحليين. إننا نعرب عن تضامننا مع الضحايا وأسرهم في هذه اللحظات من المعاناة والألم.

على الفور، وكما رأينا في مناسبات سابقة في مانشستر وبروكسل، كانت هناك موجة من التضامن التلقائي مع الضحايا والمتضررين من الهجوم. وقد فتح العديد من الناس منازلهم لإيواء السياح والمقيمين الذين لا يستطيعون الوصول إلى فنادقهم أو مساكنهم بسبب إيقاف شبكة النقل العام. وكانت سيارات الأجرة تنقل الناس إلى ديارهم مجانا. هذه هي الروح الحقيقية للإنسانية، وليس مشاعر الكراهية والحقد والانقسام التي طالما يعتز بها الجناح اليميني والرجعيون، للتفريق بين الناس على أساس دينهم أو لون بشرتهم أو أصولهم.

إنه هجوم رجعي بكل معاني الكلمة يتنافى مع مصالح الطبقة العاملة والعمال المهاجرين في إسبانيا، وضد مصالح اللاجئين الذين يهربون من حالة البربرية التي تخلقها الإمبريالية في الشرق الأوسط. وسوف يعزز الردة الرجعية على جميع المستويات، وسوف يُستخدم من قبل اليمين والإمبرياليين لنشر سم العنصرية وكراهية الأجانب وتقسيم الطبقة العاملة، وسوف يستخدم أيضا ذريعة لمهاجمة الحقوق الديمقراطية والحريات المدنية في إسبانيا وأمميا.

تحدثت أحدث التقارير قبل نشر هذا البيان عن إلقاء القبض على إرهابيين اثنين على صلة بالهجوم، على الرغم من أن أيا منهما لم يشارك فيه شخصيا. ولا يزال سائق الشاحنة ومساعده في حالة فرار على الرغم من حملة الاعتقالات التي تلت الهجوم. وذكرت الشرطة الكاتالونية أيضا أنها أطلقت النار على خمسة إرهابيين خلال الليل في هجوم مماثل في بلدة كامبريلس السياحية في مقاطعة تاراجونا. كما أن السلطات ربطت بين المجزرة التي وقعت في برشلونة وبين حادثة انفجار قنينات غاز يوم الأربعاء في شقة في ألكانار (في تاراجونا كذلك) حيث من المفترض أن يكون الإرهابيون يقومون بتصنيع أجهزة متفجرة.

نحن وإن كنا ندين هذا الهجوم الجبان والوحشي، فإننا لا ننسى ولو لثانية واحدة – مثلما تفعل جميع الحكومات والأحزاب البرجوازية ووسائل الإعلام – أن مجازر مثل تلك التي وقعت في برشلونة، بل ومجازر أكثر فتكا ووحشية، هي أحداث يومية في بلدان مثل سوريا والعراق ومصر وباكستان ونيجيريا أو السودان. وهي الهجمات التي تنفذها، في كثير من الحالات، جماعات يدعمها ويمولها بشكل منهجي نفس هؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح في حكومات أوروبا وأمريكا الشمالية وحلفائهم في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية. نحن لا ننسى ولو لثانية واحدة أن الشعب اليمني يتعرض للقصف العشوائي وحالة الحصار والمجاعة على يد التحالف الذي يقوده النظام الملكي السعودي، وهو صديق للأسرة المالكة الإسبانية والشركات الكبرى الإسبانية، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا.

وقد جاءت هذه المجزرة التي شهدتها برشلونة على شاكلة هجمات مماثلة وقعت في السنة ونصف الماضية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، باستخدام السيارات والشاحنات الصغيرة والشاحنات الكبيرة لدهس العزل وإلحاق أكبر ضرر ممكن. وكما هو الحال في بلدان أخرى، فإن مرتكبي الهجوم في برشلونة ليسوا لاجئين من الشرق الأوسط – مثلما تزعم وسائل الإعلام اليمينية الكلبية وجماعات كراهية الأجانب- بل من طرف مسلحين ولدوا وتلقوا تعليمهم في أوروبا، وتم تجنيدهم خلال السنوات الأخيرة في أرض خصبة من الفقر والبطالة والإقصاء في الأحياء المهمشة في ضواحي باريس أو لندن أو بروكسل أو في الثغرين الأسبانيين بشمال أفريقيا، سبتة ومليلية.

مزاعم حكومة حزب الشعب اليميني و”خبراء” مكافحة الإرهاب حول الحصانة النسبية لإسبانيا تجاه هذا النوع من الهجمات، بفعل الخبرة العملية التي امتلكتها في الصراع ضد إيتا وهجمات مدريد 2004، قد تعرضت الآن لضربة هائلة. فالدولة الإسبانية ليست محصنة، مثلها في ذلك مثل كل القوى الإمبريالية التي ساهمت في الخراب والدمار الذي لحق بالشرق الأوسط لخدمة سياسة النهب التي تقوم بها الشركات الكبرى والرغبة في السيطرة العسكرية والدبلوماسية على هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم.

تنتمي اسبانيا إلى ما يسمى بـ “التحالف الدولي” الذي ترأسه الولايات المتحدة ضد الإرهاب الإسلامي. والجيش الإسباني لديه 425 جنديا في العراق، معظمهم لتدريب القوات المسلحة والشرطة العراقيين. كما تشارك اسبانيا أيضا في العملية المشتركة مع فرنسا في الغابون والسنغال بطائرتي نقل وحوالي مائة جندي على الأرض. وفي مالي، تم نشر نحو 150 جندي اسباني للتعاون مع القوات المحلية. وفى تركيا، أقامت اسبانيا ثلاثين بطارية صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية بالقرب من الحدود السورية، بالإضافة إلى 150 جنديا. وقد أورد تنظيم داعش في بيانه أن عضوية إسبانيا في الائتلاف الدولي، على وجه التحديد، مبررا لهجومه في برشلونة.

إن استمرار هذه السياسات الإمبريالية، القائمة على الحرب الدائمة والتفجيرات والموت والدمار، قد شكلت البؤرة المثالية لنمو داعش والجماعات الإرهابية الإسلامية الأخرى في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فإن كل تلك الجماعات قد تم إنشاءها وتمويلها في البداية من قبل الإمبرياليين والمملكة العربية السعودية لزعزعة استقرار الحكومات المارقة وقلبها، في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، وما إلى ذلك. في الحقيقة لم تكن القاعدة، وفي وقت لاحق داعش، موجودة في العراق قبل الإطاحة بصدام حسين، أو في سوريا أو ليبيا قبل التدخلات الإمبريالية في أعقاب “الربيع العربي”. وقد سمحت الفوضى والدمار الناجم عن عملية غزو العراق، التي نظمها مجرمو الحرب مثل جورج دبليو بوش وبلير وأزنار، بانتشار الأصولية الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. وقد تفاقم ذلك بسبب قصف سوريا وليبيا بعد عام 2011، إلى جانب تدريب وتمويل الجماعات الإسلامية في تلك البلدان من قبل القوى الغربية. ومن الأحداث الفظيعة التي تشبهما حدث في برشلونة يوم أمس، أن مئات العائلات من الطبقة العاملة في مدريد – نصفهم من المهاجرين – دفعوا ثمنا فادحا لمشاركة اسبانيا في غزو العراق في عام 2003، بالهجوم الإرهابي الوحشي الذي وقع في 11 مارس 2004، حيث مات 200 شخص.

وإذا ما جاء رد الحكومة الأسبانية والحكومات الغربية على الهجوم الأخير في برشلونة، كما هو مرجح، من خلال زيادة التدخلات العسكرية والإمبريالية في الشرق الأوسط، فإنه ينبغي توقع المزيد من الهجمات المماثلة على الأراضي الأوروبية.

إن الإرهاب الإسلامي والإمبريالية هما، في آخر التحليل، أخوان توأم. إنهما يستمدان القوة من بعضهما البعض ويحتاجان بعضهما البعض. وسيؤدي هذا الهجوم إلى جولة أخرى من التفجيرات في الشرق الأوسط، والتي بدورها سوف تغذي الإرهاب الإسلامي وتضع مسرحا لهجمات جديدة.

سوف يؤدي هذا الهجوم إلى حملة جديدة من عمليات القصف في الشرق الأوسط، الشيء الذي سيؤدي بدوره إلى تحفيز الإرهاب الإسلامي ويعبد الطريق أمام هجمات جديدة.

وفي الوقت نفسه سوف تستفز البربرية التي نراها في الشرق الأوسط الشباب المسلمين المهمشين في ضواحي المدن الفقيرة في أوروبا، الذين تضرروا من الأزمة الرأسمالية، وسيسقطون ضحايا للديماغوجيين ورجال الدين الممولين من طرف السعودية وبقية الممالك الفاسدة الأخرى في الخليج الفارسي.

إن الصلة الوثيقة التي تطورت في العقود الأخيرة بين هذا الشكل الخاص من البربرية الذي هو الإرهاب الإسلامي وبين النظام الرأسمالي والإمبريالية، صلة واضحة وضوح الشمس.

على اليسار الإسباني بشكل عام، وأونيدوس بوديموس (UnidosPodemos) على وجه الخصوص، واجب رفع مستوى فهم الجماهير الشعبية والأسر العمالية بخصوص هذه الأحداث. يجب عيهم أن يوضحوا الصلة بين مصالح الشركات الإسبانية والغربية وحكوماتهم وبين الفوضى التي عصفت بالشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، وقبل كل شيء علاقتهم مع ظهور الإرهاب الإسلامي، وعليهم أن يكشفوا كيف أن هاتين الظاهرتين تعززان بعضهما البعض. وفي مواجهة الدعوات إلى “الوحدة الوطنية” و”الوحدة المؤسساتية” التي وجهها راخوي ورئيس منطقة كاتالونيا، كارلوس بوغديمونت، يجب على قادة أونيدوس بوديموس أن يرفضوا رفضا قاطعا كل المحاولات لجذبهم إلى جبهة موحدة مع حكومة الحزب الشعبي واليمين. يجب عليهم أن يطالبوا بالانسحاب الفوري للجيش الأسباني من الشرق الأوسط وأفريقيا، وأن يصروا على انتقاد ومعارضة التدخل العسكري والإمبريالي في تلك المناطق من العالم.

إن الرأسمالية لا تتوافق مع التشغيل الكامل، ولا يمكنها أن توفر الظروف المعيشية الكريمة والمتحضرة للجميع. وهذا الواقع أكثر وضوحا في الغيتوهات والأحياء الفقيرة في ضواحي المدن، حيث تجد داعش مجنديها الأوروبيين. يجب على أونيدوس بوديموس أن تطرح سياسات اشتراكية جريئة تقدم مخرجا من هذه الأزمة الرأسمالية الدائمة.

يجب على أونيدوس بوديموس أن يدعو الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني والنقابات العمالية إلى جبهة موحدة للدفاع عن هذه المواقف، والمطالبة بسحب القوات الإسبانية من الشرق الأوسط وأفريقيا، ويناضلوا ضد تجريم المهاجرين ذوي الخلفية الإسلامية وضد أي تعبير عن كراهية الأجانب والعنصرية من طرف اليمين والجماعات الفاشية والرجعية. وقبل كل شيء يجب عليهم أن يعبؤوا الجماهير في مواجهة أي محاولة من جانب الحزب الشعبي لضرب حقوقنا الديمقراطية أو تشديد القانون الجنائي بحجة “محاربة الإرهاب”، ويجب أن يطالبوا بحزم بإلغاء قانون الكمامة (leymordaza) القمعي وجميع الإجراءات الأخرى المماثلة التي تم إقرارها في السنوات الخمس الماضية.

سوف يحاول اليمين استخدام الإرهاب الإسلامي، كما فعل سابقا “عنف الشوارع” مع إيتا والحركة القومية الباسكية، لتجريم الحركات الاجتماعية وحقوقنا الديمقراطية. ومن ثم فإنهم سيلوحون بشبح الإرهاب الإسلامي ضد حق كاتالونيا الديمقراطي في تقرير المصير وضد استفتاء الاستقلال المزمع تنظيمه يوم فاتح أكتوبر، وضد الاحتجاجات ضد تجاوزات قطاع السياحة التي لا تحصى، أو ضد نضالات العمال ضد الاستغلال الرأسمالي، مثل الإضراب في مطار إيل برات في برشلونة، وهلم جرا.

في مواجهة محاولات الحكومة استغلال هجوم برشلونة لكسب القوة وإخفاء فضائح الفساد والحد من المد المتصاعد للنضالات العمالية، يجب على أونيدوس بوديموس حشد جميع القوى التقدمية في المجتمع الاسباني، يجب عليه أن يحرض ويشرح بصرامة، أكبر من أي وقت مضى، الحاجة إلى إسقاط حكومة الحزب الشعبي، ويبين أن سياستها الخارجية، التي تتعاون وتتفق مع السياسات الإمبريالية لأوروبا والولايات المتحدة، ستفسح المجال لمزيد من الهجمات الإرهابية، والمزيد من المعاناة والألم للطبقة العاملة في إسبانيا.

منظمة الصراع الطبقي (Lucha de Clases)
الفرع الإسباني للتيار الماركسي الأممي
الجمعة: 18 غشت 2017

عنوان النص بالإنجليزية:

The terroristattack in Barcelona: imperialism fuels Islamicfanaticism – socialism or barbarism!