الرئيسية / التيار الماركسي الأممي / بيانات ومنظورات / خطاب آلان وودز حول المنظورات العالمية: الأزمة والصراع الطبقي ومهام الشيوعيين

خطاب آلان وودز حول المنظورات العالمية: الأزمة والصراع الطبقي ومهام الشيوعيين

في نهاية شهر يناير، اجتمع حوالي 100 من مناضلي التيار الماركسي الأممي من جميع أنحاء العالم في اجتماع قيادي يمثل علامة فارقة في تاريخنا. ننشر أدناه النص الكامل للكلمة الافتتاحية التي ألقاها آلان وودز حول الوضع العالمي المضطرب، والمهام العاجلة التي يضعها هذا أمام الشيوعيين. وتجدون هنا تقريرا كاملا عن الاجتماع، والذي سيتضمن إعلانات مهمة تهم الشيوعيين الثوريين في كل مكان.


إن تحليل المنظورات العالمية سيكون أمرا بسيطا جدا لو كانت الظواهر الاقتصادية هي العوامل الوحيدة التي نحتاج إلى تحليلها. العوامل الاقتصادية، بطبيعة الحال، تحدد المسارات العامة، لا شك في ذلك. كما أنها تمثل العامل الحاسم في نهاية المطاف.

لكن، وكما هو الحال في المحيط، يمكن أن تكون هناك العديد من التيارات المتقاطعة في الوضع العالمي، والتي يمكن أن تمارس في أي لحظة تأثيرا قويا على الطريقة التي تتطور بها الأشياء، وعلى وتيرة التطور قبل كل شيء. في بعض الأحيان، قد تبدو الوتيرة بطيئة بشكل مؤلم. ولكن في أوقات أخرى يمكن أن تتسارع بشكل كبير. هذا هو الموقف الذي نواجهه في الوقت الحاضر، فقد تكثفت السيرورات وتسارعت بشكل كبير على جميع المستويات.

لن أتطرق هنا بالتفصيل إلى التحليل الاقتصادي، الذي قمنا به بدقة في مكان آخر. قد نكون، في بعض الأحيان، تبسيطيين بعض الشيء في إصدار تصريحات عامة قد تكون صحيحة بشكل عام. لكن ما هو صحيح بشكل عام قد لا يكون صحيحا في ظرف معين.

على سبيل المثال، من المستحيل أن تتمكن البرجوازية من تقديم إصلاحات: صحيح أم خطأ؟ هذا صحيح بشكل عام. البرجوازية ليست فقط عاجزة عن تقديم أي إصلاحات جديدة ذات معنى أو دائمة للطبقة العاملة؛ ليست فقط عاجزة عن تنفيذ إصلاحات قوية ومستدامة؛ بل ولا يمكنها حتى ضمان الحفاظ على جميع الإصلاحات التي اكتسبتها الطبقة العاملة بنضالات مريرة على مدار الخمسين عاما الماضية.

هذه حقيقة حاسمة. وهذا هو السبب الذي يجعل حتما من أزمة الرأسمالية أزمة للإصلاحية أيضا.

لكن هل صحيح، بالضرورة، أنه لا يمكن للبرجوازية، تحت أي ظرف من الظروف، إجراء إصلاحات؟ أوه، كلا يا أصدقائي، ليس الأمر كذلك على الإطلاق. فإذا واجهت الطبقة السائدة أزمة وجودية، تهدد بالإطاحة بنظامها برمته، وإذا واجهت خطر خسارة كل شيء، فسوف تقوم بتنفيذ الإصلاحات، من الأفضل أن نصدق ذلك. سوف يتخذون قرارات من “المستحيل” اتخاذها، وسينفقون أموالا لا يملكونها.

تلك ممارسة غير مسؤولة من وجهة نظر اقتصادية ومنطقية بحتة. لكن هذا هو على وجه التحديد ما فعلوه في أعقاب أزمة 2008-2009، عندما كان النظام مهددا بالسقوط.

ولذلك فقد فعلوا عكس كل ما كانوا قد قالوه خلال السنوات السابقة. لقد أنفقوا مبالغ هائلة لا تصدق من المال -أموال عمومية، وأموال غير موجودة- من أجل إنقاذ النظام. وقد نجحوا. أوه آجل، لقد نجحوا في توفير استقرار مؤقت للوضع، الذي كان خارج نطاق السيطرة. وقد فعلوا الشيء نفسه على نطاق أوسع خلال أزمة كوفيد-19. لقد أنفقوا مبالغ طائلة من المال، وهي أموال لم يكونوا يملكونها. هل نجحوا؟ أجل لقد نجحوا.

ومع ذلك، فإنهم من خلال قيامهم بذلك، كل ما نجحوا في تحقيقه هو خلق تناقضات أكبر، تناقضات ضخمة، تناقضات غير قابلة للحل. والآن، ها هي تلك التناقضات تشد بخناقهم.

إنهم غارقون في كميات هائلة لا يمكن تصورها من الديون: الديون الحكومية، وديون الشركات، والديون الخاصة، وديون المستهلكين. وشهدنا، بالطبع، قفزة هائلة في معدلات التضخم. ولذلك، فهم الآن مجبرون، مثلهم مثل شخص فقد السيطرة على سيارته، على الضغط على الفرامل. وهذا بالطبع يسبب تناقضات هائلة.

أتذكر بوضوح أننا توقعنا هذه الحقيقة بدقة في عام 2008. شرحنا في ذلك الوقت ما يلي: إن كل محاولة من جانب البرجوازية لاستعادة التوازن الاقتصادي، وهو ما كانوا يحاولون يائسين القيام به، ستؤدي إلى تدمير التوازن الاجتماعي والسياسي.

وهذا بالضبط ما نراه الآن. وبالمناسبة، فإن فترة معدلات التضخم المنخفضة تاريخيا، والتي وصفها كل الاقتصاديين الأغبياء بأنها دائمة ـولا أعرف لماذا ظنوا ذلك- وما يقابلها من انخفاض أسعار الفائدة، قد انتهت. ولا يمكن استعادتها، على الأقل في المستقبل المنظور، إن لم نقل مطلقا.

المرحلة الأكثر اضطرابا في التاريخ

هذا هو السياق الذي تطور فيه كل شيء آخر. إنها وصفة جاهزة لما قلناه بالضبط: المرحلة الأكثر عاصفية واضطرابا في التاريخ كله.

ترون هذا الاضطراب المزمن في كل مكان. فقط قوموا بتشغيل جهاز التلفزيون، واستمعوا إلى الأخبار، إذا كنتم تستطيعون تحمل ذلك. أنا شخصيا توقفت عن الاستماع إلى قناة BBC ، فهي مجرد أداة للدعاية الغبية.

ترون في كل مكان نفس الاضطرابات: اضطراب اقتصادي؛ اضطراب مالي؛ اضطراب اجتماعي؛ اضطراب سياسي؛ اضطراب دبلوماسي، وأجل اضطراب عسكري كذلك. إذا فهمتم ذلك فقد فهمتم طبيعة المرحلة التي نمر بها.

ولنكن واضحين بشأن أمر آخر: يمكن للسيرورات الاقتصادية، في أي لحظة من الزمن، أن تتأثر بشكل خطير بالمسائل السياسية، والمسائل العسكرية. ولا يوجد جدار صيني يفصل بينهما. إن الفكرة القائلة بإمكانية وجودها منفصلة فكرة غبية، مثلها مثل تصور أن تكون جميع السيرورات في العلم نقية كيميائيا. إنها ليست كذلك.

يمكن أن يكون للمسائل السياسية، في حالة معينة، تأثير جذري على الاقتصاد. وبطبيعة الحال، يؤثر الاقتصاد دائما بشكل جوهري على المسائل السياسية. هناك علاقة متبادلة، كما يمكننا أن نرى عندما نقرأ التحذير الذي أعرب عنه الاستراتيجيون الأكثر جدية للرأسمالية. على الرغم من أن معظمهم أغبياء تماما. لأنه وكما قال لينين: الشخص الذي يقف على حافة الهاوية لا يستطيع التفكير.

وأطلب من الرفاق أن يتذكروا هذا التصريح: لقد رأيت ذلك في مرات عديدة، عندما نرتكب أخطاء في المنظورات -وقد ارتكبنا أخطاء- يكون السبب في كثير من الأحيان هو التالي: أننا نفترض، مخطئين، أن البرجوازية تتصرف بطريقة منطقية.

لو كان ذلك صحيحا، لكان كل ما نحتاجه لتطوير المنظورات هو فقط أن نحدد ما يصب بشكل منطقي في مصلحة الإمبريالية الأمريكية، ونفترض بالتالي أنها سوف تتصرف وفقا لذلك.

أوه، كلا، كلا، كلا، كلا. لا يتصرف البرجوازي بالضرورة بطريقة منطقية، كما سوف نرى. كثيرا ما يحدث في التاريخ أن تنتج مشاكل خطيرة عن سوء تقدير من جانب الطبقة السائدة.

لقد ارتكب أدولف هتلر أكبر خطأ يمكن تصوره عندما هاجم الاتحاد السوفياتي في عام 1941. وبالمناسبة فقد ارتكب كل من ستالين وتشرشل وروزفلت أيضا أخطاء غبية مماثلة طوال فترة الحرب وبعدها.

أوكرانيا

ترون اليوم مقالات شديدة التشاؤم في الصحافة؛ لقد تحول ذلك التفاؤل السابق إلى تشاؤم قاتم، لأنه لا يوجد سوى عدد قليل جدا من الاستراتيجيين القادرين على التفكير. وكما قال تروتسكي عام 1938: إنهم ينزلقون نحو الكارثة وأعينهم مغلقة، وهم يرتكبون أخطاء جسيمة.

إنهم يواجهون عواصف عاتية. وكل العوامل -الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والدبلوماسية- تتجمع وتتكاثف لتنتج دوامة انحدارية كارثية، يبدو أنهم غير قادرين على إيقافها، ولا يمكنهم إيقافها.

نرى ذلك في الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا. ويجب أن يشغل هذان العنصران جزءا مهما جدا في هذه المناقشة.

فلنبدأ بأوكرانيا. عليكم، بادئ ذي بدء، أن تطرحوا السؤال التالي: ما هي الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا بالنسبة للإمبريالية الأمريكية؟ ولماذا هي مهمة لدرجة أنها أصبحت هاجسا لبايدن ووزرائه؟ دعونا نجب على هذا السؤال، ركزوا معي: أوكرانيا، من وجهة النظر العامة للمصالح العالمية للإمبريالية الأمريكية، ليست ذات أهمية على الإطلاق. على عكس الصين، وحتى تايوان.

صدقوا أو لا تصدقوا، عندما تم انتخاب بايدن، كان من المفترض أن يكون برنامج السلام جزءا من سياسته. فهو لم يكن يريد اشتراك الولايات المتحدة في أي مما يسمى بـ”الحروب الأبدية” في الشرق الأوسط.

صدقوا أو لا تصدقوا، لقد قال إنه سيعقد صفقة مع روسيا، وإنه سيقيم علاقة مستقرة مع روسيا من أجل التركيز على المشكلة المركزية، وهي الصين بالطبع، كما سنرى بعد قليل.

لقد حقق السيد جوزيف بايدن، في الفترة القصيرة التي قضاها في البيت الأبيض، عكس ما قال إنه سيفعله بالضبط.

لقد دفع الأمريكيون أوكرانيا بشكل متعمد إلى الدخول في صراع لا معنى له مع روسيا، وهو صراع كان من الممكن تجنبه بسهولة. وذلك ببساطة من خلال الدبلوماسية الأولية، مثل الاتفاق على عدم انضمام أوكرانيا مطلقا إلى حلف شمال الأطلسي. هذا سهل. وفي الواقع كان زيلينسكي مستعدا لمناقشة هذا الأمر مع الروس. لقد كان على استعداد للقيام بمعظم تلك الأمور في البداية، إلى أن لوى حلف شمال الأطلسي والأمريكيون ذراعه، وقالوا له: “لا تثق في بوتين! لا صفقات مع بوتين!” ومن الواضح الآن أن الأمريكيين قد تعمدوا إشعال تلك الحرب.

لقد وصفتها بأنها حرب غير ضرورية. أعلم يقينا أن بعض الرفاق يعتبرون هذا أمرا غريبا للغاية. ففي نهاية المطاف، إذا حدثت الحرب، فلا بد أنها حدثت بالضرورة. هذا صحيح. فعندما تصل إلى نقطة معينة يصبح أي شيء ضروريا.

ولكن هل يعني ذلك أنه لم يكن من الممكن تجنب الحرب؟ هذا افتراض خاطئ للغاية وأحمق للغاية. أؤكد لكم الآن -ولست الوحيد الذي يقول هذا، فكثير من الناس يقولون ذلك- أنه كان بإمكانهم، وكان عليهم، تجنب ذلك، من خلال تقديم بعض التنازلات: تنازلات ثانوية وغير مهمة.

لكن كلا، كلا، كلا: لقد اعتبروا مسألة توسيع حلف شمال الأطلسي مسألة مبدأ، ولا يمكنهم التخلي عنها. كان هذا افتراضا غبيا جدا في المقام الأول. لماذا من المفترض أن ذلك في غاية الأهمية؟ إنه في الواقع ليس مهما. لقد ظنوا خطأً. لقد أخطأوا في الحكم. لقد أساءوا تفسير الوضع برمته.

ظنوا ما يلي:

“هذه فرصة لحرب صغيرة لطيفة مع روسيا. لن نشارك فيها. لن نفقد أي جندي أمريكي. دع الأوكرانيين يقومون بكل القتال. وسنعطيهم الأسلحة والمال. الأسلحة الحديثة الرائعة. وسنمنحهم الفرصة للفوز”.

أسلحة حديثة رائعة مثل دبابة ليوبارد، ودبابة أبرامز، وتلك المقاتلات النفاثة الجديدة التي سيقدمونها لهم. وأنا أقول: وماذا بعد؟ دعوهم يسلموا تلك الأسلحة. لن تحدث  فرقا.

قالوا: “الروس ضعفاء. الجنرالات الروس عديمو الكفاءة. الروس لا يملكون أسلحة حديثة مثلنا”. في الواقع لقد صدقوا أوهامهم، وهذا جنون.

لكن هل يستطيع الأوكرانيون الفوز؟ لقد قلنا منذ البداية إنه ليست لأوكرانيا أية فرصة على الإطلاق للفوز في حرب مع روسيا. فكرة الفوز كانت وما تزال فكرة غبية.

وبالنظر إلى الأمر الآن، فقد بدأوا يفهمون. لقد استغرق الأمر منهم بعض الوقت. في البدء دفعوا زيلينسكي إلى هذا الصراع، وهو ما لم يكن يريده. لكنه الآن صار يريده لأن حياته المهنية تعتمد عليه.

لقد قاموا، في مناسبتين على الأقل، بتخريب الصفقة التي تم التوصل إليها. وإذا لم أكن مخطئا فقد كان آخرها في أبريل 2022.

تم التوقيع على الصفقة من قبل كل من روسيا وزيلينسكي، في إسطنبول على ما أعتقد، بوساطة الأتراك. وقد تم تخريبها عمدا من قبل ذلك المعتوه بوريس جونسون، الممثل النموذجي لطبقتنا السائدة البريطانية الذكية. “رئيس وزراء بريطانيا” لا يصلح حتى لإدارة سيرك! إنه بالكاد مناسب لدور المهرج. لكن جونسون لم يكن ليدلي بذلك التصريح أبدا، لولا أنه كان مدعوما من بايدن. أبدا. إن الإمبريالية البريطانية قوة ثانوية.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من أجل “الاستقلال”، أي استقلال في حين أنهم يلعقون باستمرار حذاء الإمبريالية الأمريكية؟ عماذا يتحدثون؟ عندما تقول لهم واشنطن اقفزوا، يقفزون، إنه أمر مذل.

كلا، لقد تعمدوا تخريب الاتفاق، ودفعوا الأوكرانيين إلى شن ذلك الهجوم في يونيو الماضي. لن أخوض في التفاصيل، لكن هذا ما فعلوه.

لدي سبب وجيه للاعتقاد، وأنا متأكد من ذلك، أن زالوجني لم يكن يريد ذلك الهجوم. القائد الأعلى لم يرغب في ذلك. لماذا؟ لأنه كان يعلم أنهم سيخسرون. كان يعلم أنه سوف يتم تحطيمهم.

كتبت مقالا عندما شن الهجوم، أوضحت فيه أنني لا أفهم لماذا يقول الأوكرانيون:

“أوه، انظروا، لقد حصل الروس على حقول ألغام. الروس لديهم حقول ألغام. منذ متى؟”.

ألم تكونوا تعلمون بشأن حقول الألغام تلك؟

“أوه، لديهم دفاعات قوية؛ لديهم خطوط دفاع قوية”.

ولم تكونوا تعلمون أن لديهم خطوط دفاع قوية؟

كان زالوجني يعرف ذلك، ولهذا لم يكن سعيدا. ومرة أخرى، فقد تم دفعه إليها من قبل الأمريكيين.

لقد صدقوا هراءهم بأن تلك “الأسلحة العجيبة” ستغير قواعد اللعبة وأن الهجوم سيكون مجرد لعب أطفال، وأنهم سوف يهزمون بسهولة هؤلاء الروس اليائسين. سوف تُهزم روسيا. وسوف يستعيدون شبه جزيرة القرم وجميع الأراضي الأخرى. سوف ينهار بوتين، وربما ينتحر أو شيء من هذا القبيل. وبعد ذلك سيعيشون جميعا في سعادة دائمة. حسنا، لم تسر الأمور على هذا النحو تماما، أليس كذلك؟

ومع ذلك فإن المرء يقرأ هذا الهراء. لا أعرف ما إذا كان بعض الرفاق قد تأثروا بذلك. إنها دعاية تقوم على تشويه سمعة الروس والإشادة بالقدرة العسكرية للأوكرانيين. هذا هراء، كلام فارغ: وقد كان دائما كلاما فارغا.

صحيح أن الروس قد ارتكبوا في بداية الحرب بعض الأخطاء الفادحة ودفعوا ثمنها. هذا صحيح. لقد ارتكبوا بعض الأخطاء. لقد قاموا ببعض الحسابات الخاطئة. لكن في الحرب تتعلم من أخطائك، وهم تعلموا من أخطائهم.

لقد أعادوا تنظيم كل شيء بشكل مختلف تماما، وهم الآن في وضع قوي للغاية. هذا هو بيت القصيد.

والآن بدأ الغرب يضع تقييمات قاتمة. وحتى تلك الجماجم الصماء في لندن وواشنطن بدأت تفهم أن ذلك الهجوم لم يسر كما كان مخططا له.

“أوه، انظروا، هناك حالة جمود. هناك حالة جمود”. أيها الرفاق: ليست هناك على الإطلاق أية حالة جمود في أوكرانيا. أبدا. الروس يتقدمون. هذه هزيمة.

لكن كلمة “الهزيمة” عالقة في حلوقهم. لا يمكنهم نطقها، لذلك يتحدثون عن “الجمود” بدلا من ذلك. تبدو عبارة أفضل، أليس كذلك؟ إلا أنها كذبة.

ولم تكن تلك مجرد هزيمة. لقد كانت هزيمة ساحقة تماما. لقد دمرت أي احتمال لمقاومة أوكرانيا للروس الآن. لم تعد لدى الأوكرانيين أية إمكانية.

لقد عانوا من أعداد هائلة في الوفيات، وفيات مرتفعة جدا، حتى أن الصحافة الغربية اضطرت إلى الاعتراف بأن معدلات الضحايا رهيبة، على الرغم من أنها لا تعطي الأرقام.

ويشمل هؤلاء جميع الجنود المدربين وذوي الخبرة والمتمرسين في القتال. كلهم إما قتلى أو جرحى لا يمكنهم القتال. ولا يمكن استبدالهم.

والآن تمتلأ الصحافة الأوكرانية بتقارير عن قيام الجيش والشرطة باعتقال الشباب وإخراجهم من النوادي الليلية وإرسالهم مباشرة إلى الجبهة. لم يعد الناس يريدون القتال بعد الآن. لم يعد الناس في أوكرانيا يصدقون أي شيء تقوله لهم الحكومة. إنهم يعرفون أنها مجموعة من الأكاذيب. وهم يرون التوابيت تعود، ويعرفون كل هذا.

الشباب لا يريدون الانضمام إلى الجيش. وأنا لست متفاجئا. تنضم إلى الجيش، فلا تحصل على أي تدريب، وإذا كنت محظوظا تحصل على بندقية، ثم يتم إرسالك مباشرة إلى الجبهة، حيث تكون لديك فرصة كبيرة جدا لأن تتعرض للقتل بسرعة كبيرة.

وبالمناسبة، أتذكر الدعاية التي كانت تنشر في الماضي. كان من المفترض أن تنفد الصواريخ لدى الروس. هل تتذكرون ذلك؟ “أوه، روسيا تنفد صواريخها. ليست لديهم صواريخ”.

وقد قال شخص غبي، أعتقد أنه من MI5 [جهاز المخابرات البريطاني] في لندن، قبل 12 شهرا إن الجنود الروس في باخموت كانوا يقاتلون بالمجارف. أكرر: المجارف!

ما هو الواقع؟ لم تنفد الصواريخ الروسية. إنهم يقصفون طوال الوقت. لديهم الكثير من الصواريخ، وصناعتهم تعمل بشكل جيد، وينتجون صواريخ وقذائف ودبابات وطائرات، والتي هي بالمناسبة، دبابات وطائرات جيدة جدا. إنها بنفس جودة دبابات وطائرات حلف شمال الأطلسي، إن لم تكن أفضل.

لكن ذخيرة الأوكرانيين تنفد. إنهم يفتقرون للقذائف. لقد وعدهم الاتحاد الأوروبي بمليون قذيفة، لكنهم لم يتلقوها قط. كان على الأمريكيين أن يقترضوا نصف مليون قذيفة ثم إرسالها إلى الأوكرانيين. لكن هذا بدون جدوى، بدون جدوى على الإطلاق. يطلق الأوكرانيون القذائف والصواريخ بدون حساب، ولا يستطيع الغرب تلبية احتياجاتهم.

أعتقد أن صحيفة نيويورك تايمز، أو صحيفة وول ستريت جورنال، هي التي نشرت تقريرا يفيد بأنه مقابل كل خمس أو ست قذائف يطلقها الروس على الخطوط الأوكرانية، لا يكاد الأوكرانيون يطلقون سوى واحدة أو اثنتين في المقابل. إن الروس يتقدمون ببطء لكن بثبات.

لقد أقاموا قوات ضخمة على الجبهة وفي بيلاروسيا. وهم مستعدون لهجوم عام، قد يأتي، وقد لا يأتي.

وإذا حدث ذلك في الأشهر القليلة المقبلة، وربما في الشهر المقبل أو نحو ذلك، فلن يتمكن الأوكرانيون من مقاومته: أبدا على الإطلاق. إذن ما هو موقف الأمريكيين؟ ما هو موقف الناتو؟ لو كانوا يتصرفون بشكل منطقي، لقالوا: “حسنا، أوكرانيا هُزمت. ليس هناك بديل. يجب أن نتفاوض مع الروس ونرى ما إذا كان بإمكاننا الحصول على شيء ما”.

هل هم يقولون ذلك؟ كلا ! ماذا يقولون؟ إنهم يقولون: “واصلوا. يجب أن ندعم أوكرانيا، ويجب أن نرسل المزيد من الأسلحة، ويجب أن نرسل المزيد إلى ذلك البلد الممزق الذي ينزف”.

هذه جريمة. إنها جريمة حرب: الاستمرار في هذه المذبحة الرهيبة، مع المجازفة بالإبادة الكاملة لأوكرانيا كبلد مستقل. لكنهم لا يهتمون.

فيما يتعلق بجو بايدن، يجب أن نفهم ما يلي: إنه بلا شك أكثر الرؤساء غباء وجهلا وحمقا عرفتهم أمريكا منذ مدة. كنت سأقول منذ مائة عام، ولكن بالطبع هناك جورج دبليو بوش… إلا أنه بعد بوش مباشرة يأتي بايدن في المركز الثاني.

وعندما سنأتي إلى الشرق الأوسط، سنرى أن الأمر هو نفسه بالضبط.

بايدن يشبه سيارة بدون تروس للرجوع للخلف: “إلى الأمام، إلى الأمام، الهجوم”.

إنه يذكرني بقبطان سفينة تايتانيك: “إلى الأمام بكل قوة”.

لكن هناك فرق بينه وبين قبطان سفينة تيتانيك. فذلك الشاب المسكين لم ير الجبل الجليدي إلا بعد فوات الأوان. لكنه كان بوسع جو بايدن ومستشاريه أن يروا الجبل الجليدي الضخم قادما نحوهم، ورغم ذلك استمروا يهتفون: “إلى الأمام بكل قوة!”.

ومن الأمثلة الممتازة على ذلك: ما فعله مع الحوثيين، وهو ما سنأتي إليه بعد قليل. سأل أحد الصحفيين بايدن: “هل الضربات في اليمن ناجحة؟” فرد عليه رئيس الولايات المتحدة (وهذا الاقتباس يجب أن يدخل سجلات التاريخ):

“حسنا، أنت تقول “ناجحة”. هل توقف الحوثيين؟ كلا. هل سوف تستمر؟ أجل”.

بحق السماء، هذا يتجاوز حدود الجنون. إذا كنت تقوم بشيء لا ينجح، فالخلاصة هي… أن تستمر في القيام به!

سمعت أن أوباما ذهب لزيارة بايدن، قبل بضعة أسابيع، وحاول إقناعه بتغيير سياسته. لكن الزيارة كانت مضيعة للوقت. فبايدن لا يستمع لأحد.

لكن لتلخيص مسألة أوكرانيا أقول: لقد تعرض حلف شمال الأطلسي لهزيمة مذلة هناك.

أما بخصوص ذلك الهراء اللعين حول “الأسلحة العجيبة”، مثل دبابة ليوبارد: ماذا حدث لدبابات ليوبارد التي لا تُقهر؟ يمكنكم رؤيتها على الإنترنت، إذا أردتم، محطمة، محترقة، معطلة، وسط حقول الألغام الروسية.

ذلك إذلال كامل للجيش الألماني، والآن أصبح لأوكرانيا تأثير كبير داخل ألمانيا. لا أعرف الكثير عن ذلك الحزب اليساري الجديد الناشئ هناك، لكن هناك شيء واحد واضح وهو أنه يعارض الحرب في أوكرانيا.

كان من المفترض أن يؤدي ما يحدث في أوكرانيا إلى إظهار ضعف روسيا. لكنه لم يظهر أي شيء من هذا القبيل. وكما توقعنا، فقد فشلت جميع العقوبات فشلا ذريعا. ما يزال الاقتصاد الروسي يتقدم.

لا أعرف إلى متى سيستمر ذلك، لكنه يمضي قدما. وقد اتضح أن كل تلك “الأسلحة العجيبة” مجرد خردة. إنه أمر محرج، لكنه يظهر ضعف الناتو.

ليس الروس هم من تنفذ عندهم الصواريخ وقذائف المدفعية. بل هم من يُضعف الأمريكيين، ويستنزفون مخزونهم.

والآن تخرج مقالات كل يوم، يشكو فيها الجنرالات الغربيون من الأوضاع المؤسفة التي تعيشها القوات المسلحة، في بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، على سبيل المثال. ويطالب الأميركيون وحلف شمال الأطلسي –وستكون هذه مسألة رئيسية يتعين علينا أن نناقشها- بإلزام كل تلك الحكومات بإنفاق المزيد من الأموال على الأسلحة لمواجهة التهديد الروسي، والذي هو تهديد غير موجود. لا يوجد تهديد روسي لأي بلد باستثناء أوكرانيا.

لقد هُزمت أوكرانيا الآن. هناك الآن مزاج من التشاؤم والانهزامية بين صفوف الشعب الأوكراني. الشعب [الأوكراني] غاضب من بوتين، بالطبع، بالتأكيد. لكنه الآن غاضب أيضا من زيلينسكي وزالوجني، اللذين هما بالمناسبة يتصارعان ضد بعضهما البعض.

إن المزاج السائد في أوكرانيا يحبل في واقع الأمر بإمكانات ثورية. إنها في جوهرها حرب بين الأغنياء والفقراء: فهؤلاء المساكين الذين تم ذبحهم على الجبهة هم شباب صغار ينحدرون من عائلات فقيرة. في حين يمكن للأغنياء شراء إعفائهم من الخدمة العسكرية أو الهروب إلى الخارج. وفي الوقت نفسه، فإن فساد الطغمة الحاكمة، بمن في ذلك زيلينسكي، صار معروفا للجميع.

ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون المزاج السائد في هذه الفترة هو الاكتئاب الشديد، والذي بالتأكيد لا يمكن مقارنته بما كان عليه الوضع في بداية الصراع. كان الأوكرانيون آنذاك مستعدين للقتال ومستعدين لتقديم التضحيات، لكن لم يعد الأمر كذلك الآن.

لا يمكن لبلد مثل هذا أن يقاوم الهجوم الروسي. قد لا يحدث الهجوم الروسي. لماذا سيحتاج الروس إليه؟ إنهم ليسوا في عجلة من أمرهم.

يمكنهم الانتظار بينما يقصفون أوكرانيا بالصواريخ. إلى متى؟ إلى أن يتحول الكم إلى كيف، مما يؤدي إلى الانهيار، وهو أمر ممكن تماما، وإلى الاستسلام، وهو أمر ممكن تماما أيضا.

وتنعكس هذه التناقضات الاجتماعية على شكل انقسام مفتوح في صفوف النظام.

لم يعد زيلينسكي وزالوجني يتحدثان مع بعضهما البعض. أعتقد أن زيلينسكي أرسل رسالة إلى زالوجني في دجنبر. ومن المفترض أن يكون زالوجني هو القائد الأعلى، لكن زيلينسكي فقد كل الثقة به وطالب باستقالته.

أرسل زالوجني رسالة إلى رئيسه، والتي يمكن ترجمتها تقريبا على النحو التالي: “اذهب إلى الجحيم!”.

وما قاله في الواقع هو: “انظر، أنا لن أستقيل، وإذا قمت بإقالتي، فيجب عليك تحمل العواقب”.

هذا أكثر من مجرد تمرد. هذا تهديد بالانقلاب. لقد وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من السوء. شعبية زيلينسكي تنهار والنسور تحلق حوله.

الحرب في الشرق الأوسط

وفجأة، وفي خضم هذه الفوضى، جاءت الأزمة في غزة. لقد تناولنا ذلك بالتفصيل في مقالاتنا، ولن أتطرق للتفاصيل المعروفة.

لكن مرة أخرى: ما هو موقف الولايات المتحدة؟ لقد لاحظت شيئا غريبا في الأخبار وهو أنهم يلقون اللوم على إيران. ويكررون: “إنها إيران، إنها إيران، إنها إيران”. وهذا ليس صدفة.

هناك اتفاق عام في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة: فكل من الجمهوريين والديمقراطيين ينظرون إلى إيران باعتبارها مشكلتهم الرئيسية في الشرق الأوسط، وهي المشكلة التي لا بد من التعامل معها.

ليس لدي أي شك على الإطلاق حول أين سيؤدي هذا. لماذا أرسل بايدن على الفور حاملتي طائرات إلى المنطقة؟ واحدة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط وواحدة إلى البحر الأحمر. إنني أعرف الذرائع: لوقف تصاعد الحرب؟ حسنا يا أصدقائي، إذا كانت هذه هي النية الحقيقية -وربما كانت كذلك- فإنهم قد حققوا العكس تماما.

لكن ليس لدي أي شك في أن جناحا، واحدا على الأقل، داخل الإدارة الأمريكية قد رأى في هذا الصراع في غزة ذريعة مثالية لمهاجمة إيران. أنا متأكد من هذا. ليس لدي أدنى شك في أن هذه كانت نيتهم دائما.

والسبب وراء عدم قيامهم بذلك بسرعة هو أن الآخرين كانوا يقولون: “انتظروا لحظة واحدة. سيكون لهذا عواقب”. بالتأكيد سيكون لذلك عواقب.

هل من المفاجئ أن تدعم الولايات المتحدة إسرائيل؟ لم يكن الأمر مفاجئا على الإطلاق، لقد كان أمرا حتميا بالتأكيد. لكن هل كان من المحتم أن يقفز جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة، على الفور، ودون أي تفكير، على متن طائرة، ويسافر إلى إسرائيل، ويعانق نتنياهو علنا، على شاشة التلفزيون، أمام العالم أجمع، ويعلن “نحن ندعم إسرائيل دون قيد أو شرط”، وبذلك يعطي لذلك الوحش نتنياهو شيكا على بياض ليفعل ما يريد؟

ما هي الضرورة التي فرضت عليه أن يفعل ذلك؟ تلك خطوة لم يسمع بها من قبل، ودون أية سابقة. وقد تسبب بفعله ذاك في تقييد أيدي السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كامل. لم يعد يمكنهم التراجع عن ذلك.

أدى ذلك على الفور إلى نفور أنظمة مثل المملكة العربية السعودية، الحليف الرئيسي للإمبريالية الأمريكية منذ عام 1945. وقد كان هذا التحالف هشا للغاية بالفعل حتى قبل 07 أكتوبر. كان السعوديون قد تحدوا الأميركيين بشأن أسعار النفط عندما أراد الأخيرون تجميدها أو تخفيضها. أجاب السعوديون باللغة العربية، قائلين عبارة أعتقد أنه يمكن ترجمتها مرة أخرى على النحو التالي: “اذهبوا إلى الجحيم”.

ورفضوا دعم الأمريكيين في أوكرانيا. لقد تقاربوا مع روسيا وحتى مع إيران، في الواقع، وابتعدوا عن إسرائيل. وهذا يعني أن كل تلك السياسة التي كان الأميركيون يحاولون وضعها في الشرق الأوسط قد تحطمت.

وسوف تترتب عن ذلك عواقب وخيمة. لا جدوى من مواصلة مناقشة المذبحة الرهيبة التي تقع في غزة. إنها وحشية. نتنياهو وحش. لكنه بالمناسبة يتبع أجندته الخاصة -أجندته الشخصية- والتي ليست بالضرورة تخدم مصالح الطبقة السائدة الإسرائيلية.

لديه هدفان: سحق حماس، والتشبث بالسلطة وإنقاذ نفسه من الذهاب إلى السجن. وهذان هدفان واضحان للغاية وسيواصل السعي لتحقيقهما. لكن وبعد أشهر من اندلاع ذلك الصراع الرهيب، لم يتمكنوا من هزيمة حماس. لن يهزموا حماس، على الأقل ليس بشكل كامل، بالطريقة التي وعد بها. هذا مستحيل.

إن ما حققوه هو نشر الاضطراب في المنطقة برمتها، حتى من دون الهجوم على إيران، والذي أعتقد أنه سيأتي في وقت ما.

وفي هذه الأثناء، ستستمر تلك المجزرة، وذلك الذبح المتعمد للمدنيين. هناك وصف واحد لما يحدث: إنها جريمة حرب. أنا عادة لا أستخدم مصطلح “الإبادة الجماعية”، لكن إذا لم تكن تلك إبادة جماعية، فهي شيء قريب جدا منها.

ونحن نرى نفاق الغرب يظهر مرة أخرى. بعد فترة وجيزة من بداية الحرب في أوكرانيا، توجهوا على الفور إلى محكمة العدل الدولية. وبالمناسبة، ليس هناك أي دليل على الإطلاق على تلك التأكيدات بأن الروس قد قتلوا المدنيين الأوكرانيين بشكل متعمد. هذا غير صحيح، ومع ذلك فقد اتهموا بوتين على الفور بارتكاب “جرائم حرب”؛ وأمروا على الفور بوقف إطلاق النار.

ماذا عن الجهة الأخرى، حين قدمت حكومة جنوب أفريقيا تقريرا مفصلا عن المذبحة التي تجري في فلسطين؟ ليست هناك أي دعوة لوقف إطلاق النار. وبدلا من ذلك، تقول محكمة العدل الدولية: “يمكنكم الاستمرار، لكن عليكم اتخاذ إجراءات لقتل عدد أقل من المدنيين”. يالها من مزحة. وليست هناك لحد الآن أية دعوة لوقف إطلاق النار.

لكن إذا كانت لديكم أي شكوك حول حجم تأثير الإمبريالية الأمريكية على تلك الهيئات، فهذا هو الدليل.

لذا فإن هذه المذبحة سوف تستمر. ومما زاد الطين بلة، هو أن المخابرات الاسرائيلية، الموساد، أصدرت في الأيام القليلة الماضية، ما يسمى بتقرير تتهم فيه نحو اثني عشر من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة بالتورط بشكل ما في أحداث 07 أكتوبر. من الواضح أنها تهم ملفقة. من الواضح أنها مناورة. وبناء على تلك التهم قامت الحكومات الغربية على الفور بقطع المساعدات عن أشخاص يتضورون جوعا حتى الموت. لقد قاموا بذلك على الفور، دون الحاجة لأي تحقيق. محاولة معرفة الحقائق؟ كلا، كلا، كلا.

وإذا كنتم تريدون دليلا على القسوة الشريرة والإجرامية للقوى الإمبريالية، أو ما يسمى بالديمقراطيات الغربية، فهذا هو الدليل. لكن كل هذا له عواقب.

العلاقات العالمية

لقد أدت الأحداث، وخاصة في أوكرانيا وغزة، إلى التعجيل بما يمكن أن نصفه بالتحول الزلزالي في الصفائح التكتونية للعلاقات العالمية.

استمرت تلك العلاقات جامدة لفترة طويلة. كان الاتحاد السوفياتي، طوال فترة وجوده، بمثابة ثقل موازن قوي ضد الإمبريالية الأمريكية. لكن انهيار الاتحاد السوفياتي كان بمثابة زلزال.

بعد ذلك بقيت روسيا، لبعض الوقت، عاجزة وضعيفة. وكانت الإمبريالية الأمريكية هي القوة العظمى الوحيدة في العالم. لكن مع القوة الهائلة تأتي الغطرسة الهائلة.

جو بايدن هو نتاج لتلك الفترة، وهو أيضا نتاج للحرب الباردة. إنه مهووس بالكره العميق لروسيا. ومهووس بفكرة الهيمنة الأمريكية. ولم يفهم أن تلك الهيمنة قد بدأت تتقلص في العالم.

وفيما يتعلق بأوكرانيا يستمرون في تكرار أن روسيا معزولة في العالم. هل هذا صحيح؟ هذا غير صحيح. روسيا معزولة فقط من قبل مجموعة صغيرة من القوى الإمبريالية في أوروبا، بالإضافة إلى اليابان وكندا.

وبالمناسبة يا لها من ضباع مثيرة للاشمئزاز تلك الطبقة السائدة الكندية. أليسوا أناسا منفرين؟ “ليبراليون”. أعتقد أنني أكره الليبراليين أكثر مما أكره المحافظين، على الرغم من أنهم الأمر نفسه على أي حال. والفرق الوحيد هو أن المحافظين عصابات رجعية بشكل علني، في حين أن الآخرين من الأوغاد المنافقين يخفون رجعيتهم خلف قناع زائف من الليبرالية.

لكن نادي الأغنياء الذي هو الناتو، ليس هو العالم. وروسيا ليست معزولة في بقية أنحاء العالم. أميركا هي التي أصبحت معزولة، وبشكل متزايد.

لقد ذكرت المملكة السعودية، لكن هناك بلدانا أخرى. تركيا على سبيل المثال. قولوا ما شئتم عن أردوغان، لكنه يفعل ما يريده. ولم يعد مهتما بما يقوله الأميركيون.

وبالعودة بإيجاز إلى الشرق الأوسط، فإن الاستنتاج الأكثر أهمية عن الوضع هو أن الشرق الأوسط كان دائما برميل بارود، وكان يتطلب فقط شرارة لكي ينفجر.

الأنظمة العربية ليست مستقرة. وقد كان الكثير منها قريبا جدا من الولايات المتحدة، وهذه هي نقطة ضعفهم.

إن المزاج السائد بين الجماهير في الشرق الأوسط الآن هو الغضب. الغضب الشديد. وهذا الغضب موجه ضد إسرائيل بالطبع، وحتما ضد أمريكا أيضا. لكن ذلك الغضب سيتجه على نحو متزايد ضد حكوماتهم، التي تلوثت وتسممت بسبب هذه العلاقة السامة. إنهم في ورطة عميقة. وهذا ما يفسر المحاولات اليائسة التي يقوم بها القطريون وغيرهم للتوصل إلى نوع من الصفقة لإرسال المساعدات إلى الفلسطينيين.

ذلك لا يحدث أي فرق بالطبع. فنتنياهو يواصل ما يقوم به. وهو لا يعير أي اهتمام لقرارات محكمة العدل الدولية. لعقود من الزمن، لم تعر إسرائيل أي اهتمام لأي شيء يصدر عن الأمم المتحدة. وتستخدم كل تلك القرارات الخاصة بحقوق الفلسطينيين لمسح مؤخرتها.

ستستمر الحرب، لكن مزاج الجماهير هذا يصل إلى أبعاد متفجرة، بسبب السياسة المجنونة التي ينتهجها الأمريكيون. هل يريد الأمريكيون هذا؟ كلا، إنهم لا يريدون ذلك. هل هو في مصلحتهم؟ كلا، ليس من مصلحتهم. لكنهم يدفعون في هذا الاتجاه طوال الوقت من خلال ممارساتهم، ومن خلال قصفهم الغبي للحوثيين.

وهم مرة أخرى قللوا من شأن الروس؛ وقللوا من شأن الإيرانيين؛ وقللوا من شأن الحوثيين أيضا. قولوا ما شئتم عن الحوثيين، لكنهم مجموعة صعبة المراس. إنهم قوة عسكرية منضبطة ومتمرسة في القتال.

نعم، إنهم مدعومون من إيران. هل لاحظتم في الأخبار؟ فكلما ذكروا تلك الجماعات يقولون: “حماس المدعومة من إيران”، و”الحوثيون المدعومون من إيران”، و”حزب الله المدعوم من إيران”. هل سبق لهم أن قالوا مرة: “إسرائيل المدعومة من أميركا”؟ هل سبق لكم أن سمعتم ذلك؟ لأنني بالتأكيد لم يسبق لي أن سمعته.

لكن بالمناسبة، هناك تشابه معين هنا. إسرائيل هي وكيلة الإمبريالية الأمريكية، أجل. وتلك الجماعات -الحوثيون وحزب الله- وكلاء لإيران. أجل إنهم يحصلون على المساعدة من إيران.

لكن هل يسيطر الأميركيون على إسرائيل؟ هل يسيطرون على نتنياهو؟ إنه وكيلهم، لكنهم لا يسيطرون عليه. لا يمكنهم السيطرة عليه، وهذه حقيقة. في الحقيقة إن الأميركيين الآن هم مثال للعجز.

لكن هنا نقطة مثيرة للاهتمام. إنهم يتحدثون طوال الوقت عن الهجوم على إيران. ولهذا السبب يكررون ذلك دائما في وسائل الإعلام: “إيران دعمت هذا”، و”إيران دعمت ذاك”، و”إيران فعلت كذا”. هذا هو التحضير.

سوف يستمرون في مهاجمة الحوثيين، لكنهم ارتكبوا خطأً فادحا. انظروا، لقد استمر الحوثيون يخوضون الحروب منذ عقود. إنهم منضبطون جيدا وأشداء. لقد قاوموا لمدة 10 سنوات القصف الأكثر وحشية من قبل سلاح الجو السعودي، المدعوم من بريطانيا وفرنسا وأمريكا. والآن دعوني أطرح عليكم سؤالا: هل تعتقدون، ولو للحظة واحدة، أن منظمة قادرة على القيام بذلك سوف تتأثر بقنبلتين ألقتهما طائرات بريطانية وأمريكية؟ طبعا هذا لا يثير إعجابهم. إنه مثل وخزة إبرة بالنسبة لهم. إنهم محصنون بشكل جيد بالأنفاق وما شابه.

في الواقع، إذا سأل أحدهم الحوثيين: “ما رأيكم في تلك القنابل؟”، فسيجيبون: “نحن سعداء للغاية، في الواقع. نحن سعداء، لأننا الآن أخيرا نقاتل العدو الحقيقي، وهو الولايات المتحدة”.

وبالتالي فإن القصف لن يكون له أي تأثير. وقد اعترف بايدن بأنه لا يوجد له أي تأثير. لذا، اسألوا أنفسكم: ما هي الخطوة المنطقية التالية؟ آه! لو كان جو بايدن عاقلا، لكانت الخطوة المنطقية التالية هي التفاوض مع أحد ما. المنطق يقول: تفاوض مع أحد ما، بحق السماء، لتخرجنا من هذه الفوضى. اضغط على نتنياهو لمنعه. لكنه لا يستطيع فعل ذلك.

أما الخطوة غير المنطقية التالية ـوالتي سوف يتخذونها على الأرجح في رأيي- فهي قصف إيران. لن تكون عملية برية: الغزو البري لليمن أو إيران ليس مطروحا. هذا غير ممكن، لا يمكنهم فعل ذلك.

لكنهم إذا قاموا بقصف إيران، فستكون لذلك عواقب وخيمة. إذا كان الحوثيون عدوا هائلا، فإن الإيرانيين أقوى منهم بألف مرة. ولديهم الوسائل التي ستجعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة للأمريكيين، في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

قبل شهر تقريبا، على ما أعتقد، ألقى نصر الله، زعيم حزب الله، خطابا علنيا حذر فيه الأمريكيين بعد أن اغتالوا أحد قادة حماس في بيروت.

أنا متأكد من أن نصر الله يحاول كبح جماح حزب الله، لكن حزب الله يريد القتال. نصر الله لا يريد حربا مع إسرائيل، لكنه حذر الأمريكيين قائلا:

“من الأفضل أن تكونوا حذرين فيما تفعلونه. إذا قمتم بخطوة خاطئة في اتجاهنا، فسوف نضربكم بشدة. ونحن نستطيع فعل ذلك”.

وقال لهم بوضوح: “أنتم تعرفون ما أعنيه”. لا أعرف ماذا كان يقصد، لكن الأمريكيين، الذين يمتلكون قواعد في كل الشرق الأوسط، يعرفون قصده بالتأكيد.

الشيء المثير للاهتمام هو أن الإيرانيين يدركون ما يحدث وقد اتخذوا إجراءاتهم الخاصة. لقد أطلقوا صواريخ بعيدة المدى على أهداف في سوريا والعراق وباكستان. ما المثير للاهتمام في ذلك؟ إن ما فعلوه ليس مثيرا للاهتمام مثل ذلك الذي لم يفعلوه. إذ لم تتعرض أي قاعدة أمريكية للهجوم. ولم يقتل أي جندي أمريكي.

لقد كان ذلك تحذيرا للأمريكيين: “هل ترون ما نحن قادرون على فعله؟ يمكننا إصابة أي هدف”.

لكن الآن لدينا ذلك الهجوم الآخر الذي أصاب قاعدة أمريكية صغيرة. لا أعرف من المسؤول. لم يكن الأمر يتعلق بالإيرانيين بشكل مباشر، بل كانت إحدى تلك المجموعات الموالية لإيران. هذا لعب بالنار. والأمريكيون يستعدون. ولا أعتقد أن هناك أي شك في ذلك.

إن الهجوم المباشر على إيران من شأنه أن يشعل المنطقة بأكملها. وبالمناسبة، فإنه على الرغم من حقيقة أن غالبية الشعب يكره الملالي، فعليكم ألا تخطئوا في التقدير، إذا تعرضت إيران لهجوم من قبل إسرائيل أو أمريكا، فإن الجماهير سوف تحتشد للدفاع عن البلد.

إن الاستنتاج الذي يجب أن نستخلصه هو: لا يوجد، في الوقت الحاضر، أي نظام مستقر في الشرق الأوسط بأكمله. ولا نظام واحد. ويمكن لمسار الأحداث أن يؤدي بسهولة إلى انفجارات ثورية في تلك البلدان الواحد منها تلو الآخر، وإسقاط الأنظمة العربية الفاسدة الواحد منها تلو الآخر. وبعبارة أخرى، من الممكن أن نشهد عودة لموجة الثورات العربية.

هذا ممكن. ويجب أن نكون مستعدين للأحداث الأكثر دراماتيكية. إن الوضع برمته يحبل بإمكانيات ثورية.

وبالعودة إلى العلاقات العالمية: فقد ابتعدت الهند، والمملكة السعودية، وأردوغان في تركيا، عن مجال النفوذ الأمريكي.

إن التأثير الأول الذي تخلفه السياسة الخارجية الأمريكية هو عكس ما تريده. وبدلا من أن يتمكنوا من فصل روسيا عن الصين، وهي فكرة ترامب، فقد نجحوا في توحيدهما الآن، بأواصر قوية.

ولهذا تأثيرات أخرى. لقد تحركت كوريا الشمالية في اتجاه روسيا. إنهم يتبادلون المواد والمعدات العسكرية والمعلومات، وهو ما يزعج موقف كوريا الجنوبية.

ومن المثير للسخرية أن الأمريكيين قد أخذوا للتو نصف مليون قذيفة من الكوريين الجنوبيين لإعطائها للأوكرانيين، وذلك في نفس الوقت بالضبط الذي أعلن فيه رجل الصواريخ الصغير، كيم جونغ أون، فجأة أنه يريد تغيير دستور كوريا الشمالية، لكي يتم اعتبار كوريا الجنوبية عدوا. قد تجدون ذلك مسليا، لكني لا أعتقد أنهم في كوريا الجنوبية يجدون الأمر مسليا.

ثم بالطبع هناك تلك المسألة الصغيرة المتعلقة بتايوان. وقد تسبب ذلك في مفاجأة أخرى مع الانتخابات الأخيرة، التي جرت قبل بضعة أسابيع فقط، حيث تم انتخاب تشكيلة مؤيدة للاستقلال.

يشكل هذا إشارة حمراء للصينيين، الذين يعتبرون تايوان مقاطعة متمردة منشقة عن الصين.

لا أعتقد في الواقع أن هناك خطر لحدوث غزو صيني أو حرب، لكنهم يستعدون بالتأكيد. من الأفضل لحكومة تايوان أن تكون حذرة للغاية فيما تفعله.

وفي ظل وضع مثير للقلق إلى هذا الحد -مع كون آسيا والمحيط الهادئ هي المسألة الرئيسية بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، والتي من المفترض أن تكون عنصرا مركزيا في السياسة الأمريكية- ومع كل هذه المشاكل التي تختمر في المحيط الهادئ، يجد الجيش الأمريكي نفسه مستنزفا إلى أقصى الحدود مع استنفاد المخزونات، وتورطه في صراعات لا يمكن الفوز بها في أوكرانيا والشرق الأوسط.

وبالمناسبة، إذا طرحتم السؤال: “هل ستكون أمريكا الآن في وضع يسمح لها بالدفاع بفعالية عن تايوان ضد الصينيين؟”، سأقول: “حسنا، أنا لست خبيرا عسكريا، لكن أعتقد أنهم سيجدون الأمر صعبا للغاية”.

ثم هناك الهند. كانت السيطرة على الهند وثرواتها هدفا مركزيا بالنسبة للسياسة الأمريكية. لكن الهند أصبحت الآن قوة اقتصادية صاعدة في العالم. لقد كانت دولة تابعة للاتحاد السوفياتي، في حين كانت باكستان متحالفة مع الصين.

وتدريجيا نجح الأمريكيون في جر الهند نحوهم. لكن ذلك انعكس الآن. لقد صارت الهند تتحرك أكثر فأكثر في اتجاه موسكو.

لقد رفضت الهند إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا بد أن الأمريكيين قد شعروا بالرعب من زيارة مودي لبوتين في موسكو مؤخرا. إنه مثال واضح، ويمكنني أن أعطي العديد من الأمثلة الأخرى، لكن ليس هناك وقت. وأود أن أقول إن التغيير الدراماتيكي الذي يجري الآن في العلاقات العالمية يشبه ذلك الذي حدث مع انهيار الاتحاد السوفياتي.

الصراع الطبقي على جدول الأعمال

والآن نأتي إلى النقطة المركزية في هذا النقاش، وهي الخلاصة. ماذا يمكننا استخلاصه من كل هذا؟ سيشهد هذا العام العديد من الانتخابات. وأتوقع منذ الآن أننا سنشهد تقلبات عنيفة في الرأي العام: من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين. هذا الوضع يحير بالطبع هؤلاء الأشخاص الذين ينتمون إلى ما يسمى بـ”اليسار”.

ففي الانتخابات الأمريكية، على سبيل المثال، حيث لا يمكنك أبدا التأكد من أي شيء فيما يتعلق بالانتخابات، يعتبر جو بايدن هو الرئيس الأقل شعبية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأمريكية. في الواقع، أعتقد أن الديمقراطيين يرغبون في التخلص منه، لكنهم لا يستطيعون ذلك.

ثم هناك السيد ترامب. تشعر الصحافة الليبرالية في الولايات المتحدة وعلى المستوى العالمي بالرعب منه. انظروا، إنه لأمر مدهش: لقد عاد ترامب مرة أخرى!

هناك فيلم رعب قديم، بالأبيض والأسود، من الخمسينيات، يسمى The Night of the Living Dead. يجب أن تشاهدوه: حيث الأشباح تخرج من القبور، والموتى الأحياء يتجولون في كل مكان. لا يمكن قتلهم بالرصاص. ويقف الجيش والشرطة عاجزين أمام تلك الوحوش التي نهضت من القبور. هذا هو دونالد ترامب.

لقد جربوا معه كل شيء. لقد حاولوا مهاجمته في الصحافة وتدميره واستعملوا ضده صديقاته السابقات.

لقد خاضوا 91 دعوى قضائية ضده. لهذا السبب أقول إنه زومبي: إنه ليس كائنا بشريا. أي رجل عادي كان سيتم تدميره بالكامل، لكن ليس دونالد ترامب، وذلك مهما حاولوا.

وفي كل مرة يعلنون عن قضية جديدة ضده، ترتفع شعبيته في استطلاعات الرأي. إنهم يجعلون الأمر سهلا بالنسبة له: كل ما يتعين على ترامب أن يفعله، رغم صعوبة الأمر بالنسبة له، هو أن يبقي فمه مغلقا، ويجلس وينتظر. هذا كل ما عليه فعله. وسيقوم جو بايدن بالباقي.

بعد ولايتي أيوا ونيوهامبشاير كل شيء يشير إلى أنه سيكون المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية. لا يمكنهم أن يضعوه في السجن. هذا هراء. لأنهم إذا وضعوه في السجن، فسوف يندلع ما يشبه الحرب الأهلية. من المؤكد أنهم سيواجهون مشكلة خطيرة، لذا فإن ذلك ليس جيدا، لا يمكنهم القيام بذلك. لذا، أعتقد أنه لا مفر من الوضع التالي: سيتعين على أمريكا أن تمر مرة أخرى بمدرسة دونالد ترامب.

رد فعل جميع العصب متوقع بطبيعة الحال. جميعهم سوف يدقون الطبول مرة أخرى. سوف يصرخون: “الفاشية، الفاشية”. بالطبع هذه ليست الفاشية على الإطلاق. لكنني سأقول هنا شيئا قد يكون مثيرا للجدل بعض الشيء:

إن كون ترامب رجعي أمر بديهي بطبيعة الحال. لكن الدعم الذي يحظى به ترامب في الولايات المتحدة يعتمد، بطريقة غريبة للغاية، على مدى مهارة هذا الملياردير الرجعي في خطابه، وفي ديماغوجيته، ومهاجمته للمؤسسة، والقطط السمان في واشنطن. وليس هناك شك في أنه ضرب على وتر حساس. لأنه توجد في الولايات المتحدة، ظاهرة عميقة، كما هو الحال في جميع البلدان بدون استثناء، هناك مزاج، لا يمكنكم الاستهانة به: مزاج الغضب الشديد، والسخط ضد الطبقة السائدة، وضد الأغنياء والأقوياء، وضد المؤسسة، وضد الإعلام الكاذب. إن الجماهير لا تصدق أي كلمة يقولها أي منهم.

وهذا يعني أنه الجماهير في بعض الأحيان تكون منفتحة على حجج الديماغوجيين إذا لم يكن هناك بديل. وقد كان ترامب ماهرا للغاية في طرح نفسه بديلا، وهو بالطبع، كما نفهم، ليس بديلا على الإطلاق.

ومن المرجح أن يصل إلى السلطة في الانتخابات المقبلة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم كل التناقضات في المجتمع الأمريكي من أعلى إلى أسفل. ومن المحتمل أيضا أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتم انتخابه فيها، ومن المحتمل بعدها أن يكون ميتا على أي حال.

وكما ترون، فإنه سيتعين على الجماهير أن تخوض هذه التجربة من أجل أن تفهم تلك الديماغوجية على حقيقتها، أي بكونها ديماغوجيا. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لتجذر جديد وإحياء للصراع الطبقي، الذي بدأ بالفعل في أمريكا. وهذا هو بيت القصيد.

خلال العامين الماضيين كانت هناك العديد من الإضرابات في أمريكا. صدر مؤخرا مقال في صحيفة فايننشال تايمز، على ما أعتقد، يشير إلى الانتعاش غير المتوقع للحركة العمالية الأمريكية. ربما يكون هذا غير متوقع بالنسبة لهم، لكنه ليس غير متوقع بالنسبة لنا.

وهنا لدينا نقطة مثيرة للاهتمام للغاية. فعندما سُئل الأمريكيون، في استطلاع للرأي، عن مدى إيجابية نظرتهم إلى مختلف المؤسسات، حصلت النقابات العمالية على تصنيف أكثر إيجابية من وكالة المخابرات المركزية، والمحكمة العليا، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وحكومة الولاية، ووسائل الإعلام. لا أعرف ما الذي بقي.

وكانت الشركات الكبرى هي الأسوء سمعة. وبالمناسبة، فإن نفس مقالة فايننشال تايمز تشير إلى أن عمال السيارات في الولايات المتحدة منخرطون في حرب طبقية. هذه صحيفة فايننشال تايمز. وينطبق انتعاش حركة الإضرابات على كندا أيضا. فهناك، كان عدد الإضرابات في العام الماضي هو الأعلى منذ 18 عاما.

في ألمانيا، شهدنا إضرابا مهما للغاية في قطاع السكك الحديدية، والذي أثار قلق قطاعات من الطبقة السائدة. وأرى أنه حتى المتاحف والأماكن الأخرى المشابهة قد تأثرت. وأقتبس هنا الكلمات المثيرة للاهتمام التي قالها كارستن نيكل، نائب مدير شركة تدعى تينيو: “في الحقيقة يبدو الأمر على نحو متزايد أشبه بإضراب عام”. يحدث هذا في ألمانيا.

وأضاف: “لم نشهد إضرابا عاما في ألمانيا منذ عام 1906″، كما أنه أشار، وأقتبس: “لقد نجا وزير الاقتصاد بأعجوبة مما يمكن أن نسميه اعتداء جسديا من طرف حشد غاضب من المتظاهرين في نهاية الأسبوع الماضي”. وأضاف: “كانت تلك مشاهد لم نرها في ألمانيا من قبل”.

إنها ظاهرة عامة. ففي بريطانيا، كانت هناك موجة من الإضرابات، وقد قدمنا ​​تفاصيلها في مكان آخر.

الممرضون، على سبيل المثال، ليس لديهم حتى نقابة مناسبة. هناك منظمة تسمى الكلية الملكية للممرضين، صدقوا أو لا تصدقوا. وقد دعت هذه المنظمة إلى الإضراب وذلك لأول مرة منذ أكثر من 100 عام. لكن الأمر لا يتعلق بإحصاء عدد الإضرابات.

هذه الأرقام لا تنقل في الواقع عمق السخط الموجود في المجتمع. كل ما ذكرته يعكس على الأقل بدايات تغير عميق في الوعي.

حتى بعض ممثلي الطبقة السائدة بدأوا يفهمون هذا. وعلى سبيل المثال، ففي صحيفة ديلي تلغراف، التي هي صحيفة شديدة الرجعية لحزب المحافظين في بريطانيا، كتب ديفيد فروست، وهو زعيم بارز في حزب المحافظين، مقالا مثيرا جدا للاهتمام. ما هو الاستنتاج الذي استخلصه؟ سأخبركم، إنه موجود في عنوان المقال، انتبهوا إلى هذا: “الشعب البريطاني يتوق إلى الثورة”. هذا ما يقوله هذا المحافظ.

وهو يشرح انهيار الثقة، وانعدام الاهتمام، وفيما يتعلق بالانتخابات التي ستُجرى قريبا والتي ستقضي على المحافظين، يقول محقا: “الحقيقة هي أن معظم الناخبين لا يعيرون أي اهتمام تقريبا للسياسة. باستثناء بضعة أيام قبيل موعد الانتخابات”، مضيفا: “أنا لا ألومهم”.

من العقلاني والمعقول تماما القيام بذلك. وقد توصل إلى استنتاج عميق للغاية: وهو أن ما يسمى باللامبالاة ليس لامبالاة على الإطلاق.

يحدث ذلك لأن الناس سئموا لعبة وستمنستر. وهذه هي الجملة النهائية، هذه هي النتيجة الحاسمة التي توصل إليها: هذه ليست لامبالاة، بل فقدانا كاملا للثقة في النظام.

تأتي هذه الشهادة من معسكر العدو. وفي الآونة الأخيرة، في دافوس بسويسرا، أرسلت مجموعة من أصحاب الملايير رسالة بعنوان “فخورون بالدفع”، قالوا فيها إنهم على استعداد لدفع المزيد من الضرائب.

وهذا لا يعكس أي سخاء من جانبهم، بل يعكس الخوف المتزايد من العواقب الاجتماعية والسياسية المترتبة على التفاوت الشديد في المجتمع.

في الولايات المتحدة، سُئل الناس في استطلاع للرأي: “كيف تقيم الطريقة التي تعمل بها الرأسمالية في الولايات المتحدة اليوم؟”. فقال 07% “ممتازة”؛ وقال 14% “جيدة جدا”، و29% قالوا “جيدة إلى حد ما”، لكن 10% قالوا “سيئة إلى حد ما”، و05% قالوا “سيئة جدا”، و10% قالوا “فظيعة”.

وهذا يعني أن 25% من المستجوبين يعتبرون أنها إما سيئة إلى حد ما، أو سيئة جدا، أو فظيعة. وهذا في حد ذاته يشير إلى بداية التغيير.

وفي بريطانيا الأمر أكثر وضوحا. سئل مستجوبون: “ما هي العبارات التي تصفون بها الرأسمالية؟” الكلمة التي سجلت أعلى معدل هي: “الجشع” بنسبة 73%؛ ثم “الضغط المستمر لتحقيق الإنجاز” بـ70%؛ و”الفساد” بـ69%. ووافق 42% من المشاركين على العبارة القائلة بأن الرأسمالية يسيطر عليها الأغنياء وأنهم هم من يحددون الأجندات السياسية. وهذا ليس سوى عدد قليل من استطلاعات الرأي المعزولة.

وهناك مؤشرات أخرى. ففي أمريكا، على سبيل المثال، يدعي الحزب الشيوعي الأمريكي أنه كسب إلى صفوفه 8000 شاب خلال العامين الماضيين. ما هو سبب ذلك؟ حسنا، فكما ترون، هناك الكثير من الناس الآن، وخاصة الشباب، الذين يشعرون بالنفور من المؤسسات السياسية الرسمية ويبحثون عن بديل، بديل ثوري.

وإذا نظرتم إلى الفترة الأخيرة، منذ أزمة 2008، فإن الأمور لم تكن ثابتة. فقد كان التعبير الأول عن التحول هو ذلك التأرجح في اتجاه ما يمكن أن نسميه “الإصلاحيين اليساريين”. لم يكونوا يساريين حقا، لكن دعونا نسميهم كذلك.

كان هناك حزب سيريزا في اليونان، وحزب بوديموس في إسبانيا، وبيرني ساندرز في الولايات المتحدة، وجيريمي كوربين في بريطانيا. لقد شرحنا عدة مرات حدود الإصلاحيين اليساريين. وفي كل مرة، أثاروا توقعات هائلة وآمالا هائلة، لكن فقط لكي يحطموها في كل مرة. لقد استسلم الإصلاحيون اليساريون دائما في لحظة الحقيقة.

لكن الآن هناك فراغ. اليسار القديم محبط تماما. 99% منهم مستنزفون بشكل كامل. ينبغي ألا نضيع الوقت مع هؤلاء الناس. لا تعلقوا أي آمال عليهم: إنهم يائسون، وليس لديهم أي أمل في أنفسهم.

لقد أجريت المقارنة التالية من قبل. تعلمون جميعا أنني لست إنجليزيا. أنا ويلزي وفخور بذلك. أنا ويلزي المولد، والمشاعر، وأممي بروليتاري بالاقتناع.

وقد ولدت على شواطئ المحيط الأطلسي، في بلدة تدعى سوانسي، والتي كانت مدينة جميلة في تلك الأيام. ومن نافذة غرفة نومي كنت أسمع أصوات الصفارات القادمة من السفن المطلة على خليج جميل. هناك العديد من الخلجان في تلك المنطقة، خلجان جميلة، بها كيلومترات من الرمال.

فإذا مشيت على طول تلك المساحات الشاسعة من الرمال، عندما ينحسر المد، سترى جميع أنواع الكائنات البحرية تجرفها الأمواج على الشاطئ.

سترى أسماكا ميتة ومحتضرة. أصداف فارغة، وقشريات. لكن البحر، بطبيعة الحال، يعود للمد مرة أخرى.

وعندما يرتفع المد مرة أخرى يغسل كل تلك الفضلات جانبا. ويتم جرف كل تلك القمامة. ويتنفس المحيط مرة أخرى بالأكسجين النقي، وبحياة جديدة.

أنا أصف الصراع الطبقي. حيث ترون كل تلك القمامة التي خلفتها ثورات الماضي المهزومة: إنهم لا يصلحون لشيء، أسماك ميتة وأخرى تحتضر. وكما تعلمون فإن السمكة تبدأ بالتعفن من رأسها إلى الأسفل.

لكن الصراع الطبقي لا تحدده الأسماك الميتة. ونحن الآن نشهد صعود المد، أيها الرفاق. هذا ما نشهده.

أنا أتحدث عن نفسي، وأتحدث عن روب [سويل] وعن غيره من الرفاق، عندما أقول: لقد مررنا بالكثير، الجيد والسيء.

ولفترة طويلة كانت هذه المنظمة تناضل ضد التيار. من الصعب جدا النضال ضد التيار. لكن الآن لقد تحول تيار التاريخ بالتأكيد لصالحنا. والآن، أخيرا، نحن نسبح في الاتجاه الصحيح مع المد، مع مد التاريخ. أما الأسماك الميتة فدعوها تغرق. وسوف تغرق.

سوف يغرقون جميعهم دون أن يتركوا أثرا. وذلك لأنهم يفتقرون إلى الأفكار والمنظورات والتكتيكات والإستراتيجية الضرورية التي نحن وحدنا من نمتلكها.

وبينما أقول هذا، فأنا لست أتباهى أو أتفاخر. كلا على الاطلاق. لا ينبغي للتباهي أن يكون له مكان في منظمتنا. نحن ما زلنا قوة صغيرة نسبيا. وعلى الرغم من أننا نتقدم بسرعة، فإنه يجب أن يكون لدينا إحساس بالنسبية. إن المهام التي تنتظرنا هائلة. لكن الأحداث تتحرك بسرعة. يجب عليكم أن تدركوا هذه الحقيقة. إني أنبهكم الآن: يمكن للظروف أن تتغير فجأة.

في كل البلدان يمكن أن تتغير الظروف فجأة، ويمكن أن يتغير الوعي خلال 24 ساعة.

يجب أن نكون مستعدين. كيف نستعد؟ حسنا، الأمر بسيط جدا. في الماضي، كان عليكم أن تكافحوا من أجل إقناع الناس بصحة الأفكار الشيوعية والأفكار الماركسية.

لم يعد الأمر كذلك بعد الآن. إنها حقيقة في جميع البلدان، حقيقة يمكن التأكد منها تجريبيا. أنا لم أخترع ذلك: هناك الآلاف، وعشرات الآلاف، ومئات الآلاف، وربما الملايين، من الشباب الذي يستخلصون بالفعل الاستنتاجات الصحيحة.

لقد صاروا يقبلون بالفعل فكرة الشيوعية. إنهم يريدون الشيوعية. بالنسبة لهؤلاء حتى “الاشتراكية” لم تعد تبدو صحيحة، بل صارت، بطريقة ما، تبدو ضعيفة. تبدو مرتبطة بالإصلاحية. ليست في المستوى المطلوب. ولا تجيب على ما يشعرون به في أعماقهم، في قلوبهم، في أرواحهم.

قد تقولون لي: “حسنا، هؤلاء الأطفال الصغار ثقافتهم ضعيفة. لم يدرسوا. ولا يعرفون. إنهم ليسوا ماركسيين مناسبين”. هذا غير صحيح. إنهم ماركسيون مناسبون جدا. إنهم شيوعيون حقيقيون. كما تعلمون، لقد كنت شيوعيا منذ أن كنت طفلا، وروب أيضا، نحن ننتمي إلى عائلات شيوعية من الطبقة العاملة.

لقد كنت شيوعيا قبل أن أقرأ أي كتاب. الكتب مهمة. إنها أساسية. وبدون هذه المعرفة نحن لا شيء، بدونها نكون مجرد عمال غير مهرة. وهذا ليس جيدا على الإطلاق.

ومع ذلك، فإن الشيوعية الحقيقية لا تأتي من الكتب. انها تأتي من الروح. إنها تأتي من غريزتك والرغبة في النضال لتغيير الأوضاع. هؤلاء الشباب الصغار، يسمون أنفسهم شيوعيين. ربما لم يسبق لهم أبدا أن قرأوا البيان الشيوعي. لكنهم شيوعيون. لا تحتاج إلى إقناع هؤلاء الشباب. إنهم يبحثون عنا. علينا أن نجدهم. علينا أن نقيم العلاقات معهم أينما كانوا.

أنا شخصيا منبهر -ليس من السهل دائما أن تبهر الناس- لكنني شخصيا منبهر بالتقارير الرائعة التي تصلني. ليس فقط من بريطانيا، والتي تقاريرها رائعة. لقد قام الرفاق في بريطانيا بتغيير اسم الصحيفة. صار اسمها “الشيوعي/ة” وقد نزلت إلى الشوارع يوم الخميس. كيف كانت الاستجابة؟ كانت رائعة، رائعة جدا. أود أن أقول إنه أمر لا يصدق، لكنني لا أجده لا يصدق. بل أجده قابلا للتصديق بشكل كامل.

الناس يأتون إلينا لأنهم يبحثون عنا. إنهم يبحثون عن راية الشيوعية. إنهم غير مهتمين بالآخرين. إن هذه المرحلة، أيها الرفاق، مُعَدَّة لنا. انها مُعَدَّة لهذه الأممية. انها مُعَدَّة لكم.

ليس هناك أي عذر الآن، لا عذر على الإطلاق، لا عذر على الإطلاق للفشل في البناء بشكل هائل. ولا أتحدث عن مجرد نمو هامشي -كلا، كلا، كلا، كلا- بل زيادة كبيرة. علينا مضاعفة عدد الأعضاء، إن الأمر ممكن بالتأكيد. لا تبدأوا بمحاولة تحديد الصعوبات. ليس الوضع صعبا. الصعوبات موجودة في أذهانكم وليست في الشرط الموضوعي. وما يجب علينا فعله هو الوصول إلى هذه الفئة الهائلة.

ماذا قال هيراقليطس؟ لقد قال: “على الذي يبحث عن الذهب أن ينقب الكثير من التراب ولا يجد سوى القليل”. لقد كان هذا هو الحال طيلة سنوات عديدة. أما اليوم، لتصحيح عبارة هيراقليطس أقول: ليس علينا أن نحفر الكثير من التراب. انسوا التراب. هناك طبقات غنية من الذهب تنتظر من يكتشفها، وعلينا أن نكتشفها. إنها موجودة هناك، ولن يستغرق الأمر منا الكثير.

كل ما عليكم فعله هو أن تقفوا على ناصية الشارع، وتعلنوا الشيوعية، وترفعوا الراية، وتأخذوا معكم صحيفة إن أمكن، وسوف يأتيكم الذهب. سوف يأتون إليكم.

المشاكل والمهام تبدأ هناك. لكنها مشاكل جديدة، ومهام جديدة، ومهام كبيرة: ذلك النوع من المهام التي يجب أن نرحب بها ونغتنمها بكلتا أيدينا.

إن اجتماع القيادة هذا، أيها الرفاق، يجب ألا يكون مثل أي اجتماع آخر عقدناه في تاريخنا. كلا، يجب أن نبني أنفسنا على هذا.

يجب ألا يكون هذا الاجتماع اجتماعا روتينيا عاديا، لأن المرحلة ليست مرحلة روتينية عادية. ما أطرحه أمامكم ليس محفوفا بصعوبات كبيرة، فلا شيء مما قلته يمكن أن يخيف أحدا.

لكن يجب علينا أن نغتنم الفرصة. إن هذه الحملة التي أطلقناها -حملة “هل أنت شيوعي/ة؟”- قد لاقت استجابة عظيمة. وجميع أعدائنا ومنافسينا يقفون وأفواههم مفتوحة. لا يمكنهم فهم ذلك.

تلك العصب، تلك العصب البائسة، لم تفهم قط أي شيء عن الشيوعية، أو ماركس، أو إنجلز، أو تروتسكي، أو أي شيء آخر. لا شيء. إنهم عديمو الفائدة. ولهذا السبب جميعهم غارقون في الأزمات والانشقاقات. ونتمنى لهم التوفيق في انشقاقاتهم، ونقول لهم: استمروا في ذلك!

نحن لسنا مهتمين بأي من ذلك. وبالمناسبة، سوف يبدأون قريبا ببعث الرسائل إلينا: “من فضلكم هل يمكن أن نشكل جبهة موحدة؟ هل ستنضمون إلى هذا؟ هل ستنضمون إلى ذاك؟” لا بد أنهم يعتقدون أننا عصبويون فظيعون. نحن بالنسبة لهم، عصبويون، وقد كنا دائما عصبويين، وسنظل دائما عصبويين.

في الستينيات، حتى في ذلك الحين كنا نتلقى رسائل منهم. كانوا يكتبون فيها: هل ستنضمون إلى هذا؟ هل ستنضم لذاك؟ وأتذكر دائما ما كان يقوله تيد [غرانت]: “لا تجب عليها. ضعها مباشرة في سلة المهملات”.

نحن لسنا مهتمين بأي شيء يفكر فيه أو يقوله أو يفعله هؤلاء السادة والسيدات. لقد انتهوا. بينما نحن، على العكس من ذلك، نحن المنظمة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية إعادة تأسيس الشيوعية. علينا أن نتجه نحو الحركات الشيوعية.

لقد بدأنا في القيام بذلك في البرازيل وبعض الأماكن الأخرى. هذه هي المساحة التي سنسعى الآن لشغلها.

إن المهام التي تنتظرنا ضخمة. إنها تطرح لنا تحديا. لكن، كما تعلمون، لقد قمنا للتو، روب وأنا، بتأليف كتاب عن لينين. أنا لا أطلب منكم أن تقرأوه. أنا أطلب منكم أن تدرسوه بالتفصيل. وسوف تجدون الدرس التالي في ذلك الكتاب: لم يكن لينين يتراجع مطلقا أمام أي مهمة مهما كانت كبيرة.

سوف نتعامل مع تلك المهام. سوف نقوم بحل المشاكل. وسوف نبني أممية شيوعية قوية، والتي ستكون قوة جدية، ليس فقط قادرة على مراقبة الأحداث والتعليق عليها، بل أيضا البدء في أن تصبح قوة حقيقية قادرة وراغبة في المشاركة في الصراع الطبقي المتصاعد في جميع البلدان.

آلان وودز

9 فبراير/شباط 2024

ترجم عن النص الإنجليزي:

Alan Woods on world perspectives: crisis, class struggle and the tasks of the communists