الرئيسية / قضايا نظرية / الأممية / الأممية: حزب عالمي للثورة

الأممية: حزب عالمي للثورة

جريدة الثورة
27 أكتوبر 2017

بعد 24 سنة من إعلان ميلاد الأممية الثورية الماركسية (1919)، أممية لينين وتروتسكي. قام ستالين في مايو 1943 بإغلاق الأممية الشيوعية الثالثة بعدما حول “مكاتبها” إلى مكاتب للاتصال والتطبيع مع الدول الإمبريالية وأوكارا لنشر الأكاذيب على المناضلين وتعقبهم والوشاية بهم وكذا للدعاية إلى قيم “السلام العالمي” مع الغرب الإمبريالي بعيدا عن منطق الصراع الطبقي.

من أجل “الاعتراف” بـ الإتحاد السوفييتي تمت صفقة الإغلاق هاته بقرار”فرد” هو ستالين بعيدا عن “الشكليات الديمقراطية” والتي كان معمولا بها في كل المقررات التي كانت تتخذ عندما كانت الأممية الثالثة بالفعل أممية ثورية بقيادة لينين وتروتسكي (من المؤتمر الأول 1919 إلى الثالث 1921).

لقد جاء قرار إغلاق الأممية الشيوعية بعد مسار قطعته الستالينية كرِدة عن كل ما هو ثوري في الماركسية، وبعدما أحكمت قبضتها على دولة “أكتوبر الاشتراكية” انتقلت البيروقراطية ومعبرها ستالين إلى مستوى ثاني من صراعها ضد أهم آلية تمتلكها الطبقة العاملة في صراعها ضد النظام الرأسمالي. وعبر مسار طويل من “التدجين” ومحاربة ما كانت الدعاية الستالينية تعتبره “تطرفا يسراويا”، أي فكرة استحالة إقامة “الاشتراكية في بلد واحد” كما كانت تؤكد المعارضة اليسارية، انتهت الستالينية إلى إقبار كل ذلك التراث النظري والعملي الذي تراكم بتضحيات جسيمة من أجل أن يكون للطبقة العاملة حزب عالمي يشكل أداة ثورية وحاسمة في نضالها ضد العمل المأجور والنظام الرأسمالي.

ستالين رفقة روزفلت وتشرشيل خلال مؤتمر طهران سنة 1943

يا عمال العالم اتحدوا

بهذا الشعار ختم الشابان الثوريان كارل ماركس (29 عام) وفريديريك إنجلز (27 عام) “البيان الشيوعي” وهو الوثيقة الأساسية والمرجعية الفكرية والسياسية التي تأسست عليها “الجمعية العالمية للعمال” أول أممية شيوعية عرفها التاريخ.

فكرة بناء أممية للطبقة العاملة عالميا تنظم من خلالها صفوفها وتوحد برامجها وتلتف حول التكتيكات والإستراتيجية الصحيحة وتستفيد من دروس نجاحها وإخفاقاتها، كان هذا هدف بناء هذا الشكل التنظيمي (الأممية). وكذلك توطيد التضامن الأممي مثلما حدث آنذاك مع الثورة البولونية سنة 1863 وتوحيد إيطاليا ودعم الشمال ضد الجنوب المالك للعبيد في الحرب الأهلية الأمريكية.

بعد الثورة الصناعية عرفت الرأسمالية قفزات جعلتها تنظر إلى ما وراء البحار، بحثا عن الأسواق الخارجية والمواد الأولية، الشيء الذي أدى بها إلى التدخل في بلدان ما قبل رأسمالية وتصدير نمط الإنتاج الرأسمالي إليها، «بدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة تنطلق البرجوازية إلى جميع أنحاء الكرة الأرضية. فينبغي لها ان تدخل وتتغلغل في كل مكان» (البيان الشيوعي) لم تحمل الرأسمالية لتلك البلدان غير تدمير كل الأنماط الإنتاجية السابقة والتي أضحت معيقا في سبيل تطورها، وما عجزت عنه الرأسمالية في عهد ثورتها الصناعية قامت به وهي في طورها الأعلى “الإمبريالي”. تمركز الرأس المال وتصديره بجانب الهيمنة المطلقة الاقتصادية والعسكرية للبرجوازية الغربية جعل من تعميم نمط الإنتاج الرأسمالي علامة مسجلة للإمبريالية.

لينين رفقة زينوفييف وبوخارين وآخرين خلال المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية

إن تعميم هذا النمط من الإنتاج على أرجاء المعمور بعدما حطمت الإمبريالية كل الأسس الاقتصادية للعلاقات الإنتاجية ما قبل الرأسمالية ولٌد وعمم من جهة أخرى “حفاري” قبرها. فعلى أنقاض المجتمع القديم يولد مجتمع جديد مختلف عنه كليا وتظهر طبقات جديدة وتختفي أخرى، لقد اختفت تقريبا كل الطبقات المسحوقة القديمة، وتناقص دورها وأهميتها في المجتمع، ونشأت من رحمها طبقة عاملة صاعدة.

تقوم الرأسمالية على فكرة “العمل المأجور” من أجل إنتاج “فائض القيمة” وهذا ما يولد الصراع، الصراع بين الرأسمالي المالك لوسائل الإنتاج والعامل “المالك” لقوة عمله. من هنا تنتج وحدتين نقيضتين لبعضهما البعض، وحدة الأسياد ووحدة العبيد وعلى فائض القيمة يدور الصراع الطبقي وتقام المتاريس.

بقدر ما وحدت الرأسمالية العالم في سوق واحدة، وحدت كذلك نقيضها “البروليتاريا”. وحدة العدو ووحدة الموقع في مسلسل الإنتاج الاجتماعي وبيع قوة العمل جعل من العمال طبقة مترابطة متراصة ومتماسكة في صراعها ضد طبقة أخرى هي البرجوازية.

تواجه البرجوازية العمال وتستغلهم وتصارعهم باعتبارها طبقة. وقد وعت البرجوازية منذ نشأتها ضرورة التنظيم، فللحفاظ على مصالحها وإضفاء طابع الديمومة على مشروعها المجتمعي احتاجت البرجوازية للدولة، هذا الشكل التنظيمي الذي مهمته تأبيد سيطرتها الطبقية على العمال وكل الكادحين.

إن الدولة هنا ليست إلا أداة إكراه وقمع تستعملها البرجوازية لتوحيد صفوفها ومنظوراتها من أجل مواجهة نقيضها الطبقي والتي تعمل جاهدة على تشتيته وعزله لإحكام السيطرة عليه.

كما احتاجت البرجوازية للدولة على المستوى القطري، احتاجت كذلك إلى “وكر اللصوص” على المستوى العالمي، من عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن. كان الهدف دائما هو “تدبير الاختلاف” بين الامبرياليات وإحكام السيطرة على الشعوب والتدخل العسكري ضد ما يسمى بـ “الدول المارقة” وتقسيم الأسواق على مراكز القوة وربط كل الأقطار بتقسيم دولي للعمل. الأمم المتحدة والبنك العالمي للتنمية وصندوق النقد الدولي وحلف الناتو إلخ، كلها مؤسسات إمبريالية عابرة للأقطار والقارات لتوحيد مخططات الرأس المال العالمي وتنظيم الهجوم والمواجهة من اجل الربح.

الرأسمالية نظام كوني استطاعت أن تعمم بأشكال مختلفة مشروعها المجتمعي على كل الأقطار. إن عملية هدم هذا المشروع الطبقي يستلزم مجهودا جبارا. وتوحيد القوى الثورية على المستوى القطري عملية مهمة في هذا المسار، لكنه لن يفي بالغرض وحده أمام امتدادات هذا المشروع الإمبريالي عالميا.. حزب ثوري أممي وحده الكفيل بذلك.

الثورة لا تعترف بالحدود، وكذلك الاشتراكية:

لقد لعبت الثورة الروسية سنة 1917 دور المحرض الثوري لشعوب أخرى من أجل النضال والثورة، لقد كانت الثورة الروسية شرارة الثورة في كل من فنلندا، وبولونيا، وألمانيا، والنمسا، وهنغاريا. وكذلك ثورة اسبانيا (36_39) في العلاقة مع فرنسا. والثورة الصينية في العلاقة مع كوريا والهند الصينية وإندونيسيا وماليزيا. ثورات أخرى كثيرة ألهمت شعوبا أخرى من أجل التحرر والانعتاق ولنا في دروس ثورة تونس خير دليل.

لا يمكن حصر الثورة في حدود كيفما كانت الحدود منيعة ومحصنة. فالثورة عندما تنطلق تمتد وتقفز على كل الحدود ومع احتضانها وامتدادها يمتد كذلك أعدائها. ثورة أكتوبر وحدت 30 دولة ضدها عسكريا، والثورة الصينية جعلت الإمبريالية تتوحد تحت راية الثورة المضادة، وكذلك الثورة الفيتنامية التي جعلت الإمبريالية الفرنسية تتدخل مباشرة وبعد هزيمتها فسحت المجال للأمريكان يقومون بذاك الدور المنحط. كوبا وبعد فشل التدخل العسكري “خليج الخنازير” سيفرض عليها حصار اقتصادي، تجربة “إليندي” في تشيلي تبين كيف دعمت الإمبريالية الأمريكية انقلابا فاشيا ضد رئيس منتخب ديمقراطيا لا لشيء سوى أنه اشتراكي…إلخ.

تروتسكي خلال اشغال المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية

وحتى لا يكون كلامنا في التاريخ فقط يمكن أن نسترشد بالثورة الفنزويلية الآن وكيف تقوم المخابرات الأمريكية بتمويل وتوجيه المعارضة من وكرها “الدبلوماسي” بكاراكاس، وكيف تسلح أمريكا “المعارضة” انطلاقا من الأراضي الكولومبية، “كلب أمريكا” في المنطقة، وتدفعهم للتدخل في فنزويلا وتعطي كذلك الضوء الأخضر لمجموعة من الضباط بتنظيم انقلابات. كان على الإيمان بالثورة الفنزويلية والانتصار لها ومن أجل الدفع بها إلى الأمام أن يكون نقطة ارتكاز وبداية لقوى ماركسية في مختلف البلدان من أجل بناء “أممية خامسة” وهو النداء الذي أطلقه “هوغو تشافيز” ولكن هذا النداء استقبل بطرق مختلفة، إن القادة الإصلاحيين والاشتراكيين الديمقراطيين لم يعجبهم إصرار تشافيز على القول بأنه يجب على الأممية الخامسة أن لا تكون مجرد أممية معادية للإمبريالية، بل يجب عليها أيضا أن تكون أممية اشتراكية معادية للرأسمالية. لقد أزعج هذا الكثير من الأشخاص. وقد عارض بعض الحاضرين في اجتماع أحزاب اليسار، الذي انعقد في كاراكاس، هذه الدعوة بحجة أنه لدينا “منتدى ساو باولو” وأنه ليس على هذه الأممية أن تكون معادية للرأسمالية بشكل صريح. ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن التيار الماركسي الأممي قد عبر منذ البداية على استعداده للانخراط في هذا المشروع ومساندته بشكل غير مشروط تشكيل منظمة أممية جماهيرية للطبقة العاملة.

بالنسبة للماركسيين قبل وبعد البلاشفة الأمر محسوم، الأممية ليست خيارا يناقش ويمكن أن يتم الاتفاق حوله كما يمكن ألا يتم ذلك الاتفاق. الأممية عند الماركسية مبدأ ثابت راهني لا يمكن التفاوض حوله أو الجدال فيه.

لم تطرح الأممية لـ “النقاش” إلا مع الردة الستالينية، هاته الردة التي سائلت الأممية وأقفلتها نهائيا. قبل إقفال الأممية وإغلاقها قام ستالين بفبركة “نظرية” جديدة، والتي هي إمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد، من أجل مواجهة المعارضة اليسارية الأممية المتماسكة نظريا. هاته “النظرية” كانت أول مسمار يطرق في نعش الأممية. وكان لها أيضا الدور الأول في تحويل الأممية ومكاتبها عالميا إلى أدوات في يد البيروقراطية في موسكو التي كانت تمتلك كل مفاتحها من أجل تلطيف الصراع الطبقي وبعث رسائل للعالم الرأسمالي بأن الإتحاد السوفييتي لا يريد ولن يقوم بتصدير الثورة الاشتراكية خارج حدوده لأنه ممكن إقامة “الاشتراكية في بلد واحد” كما كانت تقول “نظرية” أب الشعوب ستالين.

في سنة 1929 أدانت الأممية الشيوعية كل الذين لا يعترفون بصحة “نظرية الاشتراكية في بلد واحد” ووجهت لهم تهمة “معاداة البلشفية” [كذا] لقد كان المقصود بهاته التهمة تروتسكي ومعارضته. لقد كان هذا القرار الرسمي للأممية سنة 1929 يدين وبشدة موقف ستالين سنة 1924 قبل أن يبلور “نظريته” في صراعه مع المعارضة اليسارية، لقد كتب ستالين سنة 1924 في “مسائل اللينينية”:

«الإطاحة بسلطة البرجوازية وإقامة سلطة البروليتاريا في بلد واحد، هذا لا يعني بعد ضمان نصر كامل للاشتراكية. وتبقى المسألة الأساسية للاشتراكية – تنظيم الإنتاج الاشتراكي – قائمة بالنسبة لنا، فهل يمكن حل هذه المعضلة وهل يمكن التوصل إلى انتصار نهائي للاشتراكية في بلد واحد دون الجهود المتضافرة للبروليتاريا في عدة بلدان متقدمة؟ كلا إننا لا نستطيع ذلك، للإطاحة بالبرجوازية تكفي جهود بلد واحد – وتاريخ ثورتنا دليل على ذلك – أما انتصار الاشتراكية النهائي، وتنظيم الإنتاج الاشتراكي فلم يعد يكفيها حتى جهود البروليتاريا في عدة بلدان متقدمة».

هذا ما كان ستالين يعبر عنه ويصوغه من مواقف قبل أن يرتكز على معطيات عرفها الإتحاد السوفييتي. لقد أرهقت الحرب الأهلية عمال روسيا، ومن أجل الدفاع عن الوطن الاشتراكي قدمت الطبقة العاملة خيرة مناضليها في جبهات القتال والذين ثم تعويضهم بجيش من المنفعيين في كل مرة كان يفتح فيها ستالين أبواب الحزب على مصراعيها من أجل إغراق الحزب بهم وتعديل الكفة لصالحهم ضد من انخرط في أيام الاستعداد للثورة، عندما كانت العضوية والانتساب للحزب الشيوعي يؤديان للمقصلة أو الموت في سيبيريا.

كما أن انحسار الثورة الروسية وانعزالها في ظل تخلف مادي وثقافي مهول كان عاملا آخر تسبب في الانحطاط البيروقراطي للثورة الروسية. لقد تمكنت البيروقراطية التي بدء حجمها يتسع بزعامة ستالين بالاستناد على هاته المعطيات وأخرى وبدأت تأخذ زمام السلطة بعد وفاة لينين سنة 1924، و ابتداء من هاته السنة بدء شبح ستالين يخيم على مفاصل كل من الحزب/الدولة /الأممية ورويدا رويدا حول هاته الأجهزة إلى مؤسسات لا تأتمر إلا بأمره وأصبح النقاش والاختلاف والديمقراطية تهمة.

ما آل إليه وضع الأممية الشيوعية الثالثة في ظل قيادة ستالين يجد تفسيره هنا “الاشتراكية في بلد واحد”. فإن كان تحقيقها وضمان استمراريتها ممكنين داخل حدود الوطن القومي، في معزل عن الصراع الطبقي عالميا ونضال البروليتاريا الأممية، لا يبقى هناك معنى لجهاز أممي عمالي، بل كل ما تحتاجه الثورة الاشتراكية هو سفراء مخضرمين يجيدون ألاعيب الدبلوماسية وفن “الحوار” والكلام.

لقد كان لينين يعي تماما حدود الثورة الاشتراكية في روسيا وصعوبات الحفاظ على السلطة العمالية، وكان يعي أيضا الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه بروليتاريا روسيا من أجل الظفر بالسلطة على المستوى الأممي. إن انتصار البلاشفة كان انتصار للطبقة العاملة عالميا، لقد أدى سقوط القيصرية إلى إضعاف الإمبريالية بعدما فقدت أحد قلاعها. كما أن انتصار الثورة في روسيا جعل لبروليتاريا العالم قاعدة خلفية لهم وحليفا استراتيجيا وكذلك ملهما ومحرضا لهم للقيام بالثورة، كما كانت الطبقة العاملة الأممية حامية السلطة العمالية الفتية بروسيا من التدخل الأجنبي عبر النضال ضد برجوازيتها والعمل على انتزاع سلطتها.

يلخص لينين في السنة الخامسة من الثورة هذا الوضع قائلا:

«عندما افتتحنا الثورة العالمية آنذاك، فعلنا ذلك لا لأننا كنا نعتقد بقدرتنا على تحديد حركتنا مسبقًا، بل لأن ظروفًا عديدة كانت تدفعنا إلى ولوج هذه الثورة، وكنا نرى إما أن تأتي الثورة العالمية لنجدتنا وعندها نضمن انتصارنا بشكل كامل، أو ننفذ عملنا الثوري المتواضع مع فهمنا بأننا في حالة الفشل سنكون على كل حال خدمنا قضية الثورة، وبأن تجربتنا ستكون بشكل أكيد مفيدة للثورات الأخرى.

وكان واضحًا أمامنا بأن انتصار الثورة البروليتارية مستحيل دون دعم ثورة دولية عالمية.

وكنا نرى حتى قيام الثورة وبعدها أيضًا بأن الثورة ستنفجر في البلدان الأخرى أو على الأقل بعد فترة وجيزة، وخاصة في أكثر البلاد الرأسمالية تطوراً. وإلا، إذا جرت الأمور بشكل معاكس، فسيقضي علينا.

وبالرغم من تصونا للأمور بهذا الشكل، فقد عملنا كل ما بوسعنا لحماية النظام السوفيتي في جميع الظروف وبأي ثمن، نظرًا لعلمنا بأننا لا نعمل من أجل أنفسنا فحسب، وإنما من أجل الثورة العالمية»

لقد كان لينين واضحا. من أجل البناء الاشتراكي والحفاظ على سلطة العمال في روسيا كان يجب على الطبقة العاملة الأممية أن تتدخل في مسرح الأحداث. كان يجب عليها أن تقوم بثورتها وأن تناضل جنبا إلى جنب مع الإتحاد السوفييتي والقضاء على نظام البرجوازية.. لقد ربط لينين مرارا بين البناء الاشتراكي في روسيا وبين الثورة الألمانية المنقذة. هل كان لينين يتكلم آنذاك عن إمكانية “الاشتراكية في بلد واحد” وتحققها في معزل عن الثورة الألمانية، أكيد لا. لقد راهن لينين وتروتسكي أيضا على تطور الصراع الطبقي في ألمانيا وعلى إمكانية الثورة فيها، وهذا الرهان هو ما أدى بهم سنة 1919 إلى إنشاء الأممية الشيوعية الثالثة لأنهم ببساطة لم يكونوا يعتقدون بأن الثورة في روسيا يمكن أن تستمر في معزل عن مجريات الصراع الطبقي العالمي ونضال البروليتاريا المنظمة داخل حزب عالمي للثورة: الأممية.

خاتمة:

بعد أن أوضحنا الموقف الماركسي من الأممية وضرورتها وراهنيتها، نجد أنه من الضروري الإشارة كذلك إلى أن الأممية ليست تجميعا كميا لبرولتاريا مختلف البلدان. إنها راية الثورة البروليتاريا وطليعتها.. إنها أداة تنظيم وتوحيد وتوجيه لمختلف الأحزاب الثورية من أجل امتلاك السلطة السياسية والبدء في التحويل الاشتراكي. كما للحزب القطري فروع في هذه المدينة وتلك، كذلك للأممية فروع في هذا البلد وذاك، إنها تلعب دور القيادة التنفيذية والتوجيهية السياسية/الأيديولوجية على المستوى الأممي.

الأممية سلاح تنظيمي قوي وفعال تمتلكه الطبقة العاملة في نضالها ضد الرأسمالية/الإمبريالية، وقوة لا غنى عنها من أجل الإطاحة بسلطة الرأسمالية. تستطيع الطبقة العاملة في سياقات معينة أن تمتلك السلطة بثورتها وإسقاط نظام البرجوازية ولكنها لا تستطيع الحفاظ على تلك السلطة وتحويل المجتمع نحو الاشتراكية بدون أممية ثورية ونضال أممي.

إن كنت تعتقد أن بناء الحزب الثوري (القطري) والاستيلاء على السلطة السياسية لا يستقيم إلا ببناء أممية ماركسية التحق بنا في “التيار الماركسي الأممي” من أجل هذا العمل الذي نتوحد تحت رايته.